الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(41) بَابٌ: في الأَذَانِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ
530 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَدَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ، الْمَعْنَى،
===
والقضاء وجميع الأعمال الدينية، فإن الخليفة يأخذ أجرته على هذا كله، وفي كل واحد منها يأخذ النائب أجرة كما يأخذ المستنيب، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة"، انتهى، فقاس المؤذن على العامل، وهو قياس في مصادمة النص، وفتيا ابن عمر التي مرت لم يخالفها أحد من الصحابة، كما صرح بذلك اليعمري.
وقد عقد ابن حبان ترجمة على الرخصة في ذلك، وأخرج عن أبي محذورة أنه قال:"فألقى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان فأذنت، ثم أعطاني حين قضيت التأذين صورة فيها شيء من فضة"، وأخرجه أيضًا النسائي.
قال اليعمري: ولا دليل فيه لوجهين: الأول: إن قصة أبي محذورة أول ما أسلم، لأنه أعطاه حين علَّمه الأذان وذلك قبل إسلام عثمان بن أبي العاص، فحديث عثمان متأخر، الثاني: إنها واقعة يتطرق إليها الاحتمال، وأقرب الاحتمالات فيها أن يكون من باب التأليف لحداثة عهده بالإِسلام كما أعطى حينئذ غيره من المؤلفة قلوبهم، ووقائع الأحوال إذا تطرق إليه الاحتمال سلبها الاستدلال لما يبقى فيها من الإجمال، انتهى.
واستدل المجوزون أيضًا بحديث الرقية بفاتحة الكتاب، ولا يقوم لهم به أيضًا حجة، فإنه يدل على جواز الأجرة على التطبب، ولم نخالف فيه، ولا يستدل به على جواز أخذ الأجرة على التعليم وهو ظاهر، والله أعلم.
(41)
(بابٌ: فِى الأَذَانِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ)
هل يجوز (1) ذلك أو لا يجوز؟
530 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب، المعنى) واحد،
(1) وأجمعوا على أنه لا يجوز قبل الوقت في غير الفجر، وقال الثلاثة وأبو يوسف بجوازه في الفجر، وبسط في وجوه الأذان قبل الفجر عندنا في "الأوجز"(2/ 71). (ش).
قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، "أَنَّ بِلَالاً أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَمَرَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِىَ: أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ. زاد موسي: أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ». [ت 203، ق 1/ 383، قط 1/ 244]
===
أي معنى حديث كل منهما متحد، (قالا: ثنا حماد) بن سلمة، (عن أيوب) السختياني، (عن نافع) مولى ابن عمر، (عن ابن عمر) عبد الله (أن بلالًا أذن قبل طلوع الفجر فأمره) أي بلالًا (النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع) أي إلى موضع أذانه (فينادي: ألا إن العبد) والمراد به نفس بلال (قد نام) أي غفل عن وقت الأذان، ويخالفه ما روي "أن بلالًا كان يؤذن بليل".
ووجه الجمع بينهما أن أذان بلال بليل كان في رمضان (1) ليرجع القائم وينتبه النائم، وأما في غير رمضان فلعله لا يؤذن بليل، فهذا الحديث محمول على غير رمضان.
وقال في "درجات مرقاة الصعود": وهذا في ما سبق في أول الهجرة، لأن الثابت عن بلال أنه كان بآخر وَقَّتَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤذن بليل، فيؤذن بعده ابن أم مكتوم مع الفجر.
(زاد موسى) بن إسماعيل: (فرجع) أي بلال إلى موضع أذانه (فنادى: ألا إن العبد نام)(2) وليس هذه الزيادة في حديث داود بن شبيب.
(1) وبه جزم ابن القطان، وادعى بعض الحنفية كما نقله عنه السروجي أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان، وإنما كانت تذكيرًا وتسحيرًا، وقال أيضًا: وأجاب أصحابنا بأن الحديث ليس بصحيح. "بن رسلان". (ش).
(2)
قال ابن رسلان: وأجاب أصحابنا بأنه يحتمل إرادة الإقامة، فإنه يسمى أذانًا، أو يكون في يوم كان لبلال أن يؤذن بعد الفجر، فإنه كان بالنوبة بينه وبين ابن أم مكتوم، قلت: وهذ الثاني يؤيدنا، وأما الوجه الأول فيرد عليه أنه كيف أقام قبل الفجر، إنما تكون الإقامة بعد خروج الإِمام. (ش).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ عن أيُّوبَ إلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ.
===
(قال أبو داود: وهذا الحديث لم يروه عن أيوب إلَّا حماد بن سلمة) أي تفرد حماد بن سلمة عن أيوب برفع هذا الحديث ولم يرو عنه غيره.
قلت: حاصله أنه اختلف في رفعه ووقفه، فرفعه حماد بن سلمة عن أيوب وتفرد به، ووقفه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر وغيره، فأشار أبو داود إلى أن حماد بن سلمة أخطأ في رفعه، قال الدارقطني: تابعه أي حماد بن سلمة سعيد بن زربي، وكان ضعيفًا عن أيوب.
وقال البيهقي: تفرد بوصله حماد بن سلمة عن أيوب، وروي أيضًا عن سعيد بن زربىِ عن أيوب إلَّا أن سعيداً ضعيف، وحديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أصح منها، ومعه رواية الزهري عن سالم عن أبيه، قال علي بن المديني: أخطأ حماد في هذا الحديث، والصحيح حديث عبيد الله يعني عن نافع، وحديث الزهري عن سالم، انتهى ملخصًا.
وقال الشوكاني (1): احتج المانعون من الأذان قبل دخول الوقت بحجج منها هذا الحديث، والجواب عنه بأنه لا حجة فيه، لأنه قد صرح بأنه موقوف عند أكابر الأئمة كأحمد والبخاري والذهلي وأبي داود وأبي حاتم والدارقطني والأثرم والترمذي، وجزموا بأن حمادًا أخطأ في رفعه، وأن الصواب وقفه.
وقال الترمذي: هذا حديث غير محفوظ، والصحيح ما روى عبيد الله بن عمر وغير واحد عن نافع عن ابن عمر، والزهري عن سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن بلالًا يؤذن بليل"(الحديث) قال أبو عيسى: ولو كان حديث حماد صحيحًا لم يكن لهذا الحديث معنى إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بلالًا يؤذن بليل"، فإنما أمرهم فيما يستقبل فقال:"إن بلالًا يؤذن بليل"، ولو أنه أمره بإعادة الأذان حين أذن قبل طلوع الفجر لم يقل:"إن بلالًا يؤذن بليل".
(1)"نيل الأوطار"(2/ 58).
531 -
حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِى رَوَّادٍ، أَخْبَرَنَا (1) نَافِعٌ، عَنْ مُؤَذِّنٍ لِعُمَرَ يُقَالُ لَهُ: مَسْرُوحٌ، أَذَّنَ
===
531 -
(حدثنا أيوب بن منصور) الكوفي، صدوق، يهم، من العاشرة (ثنا شعيب بن حرب) المدائني، أبو صالح البغدادي، نزيل مكة، قال الدوري عن ابن معين: ثقة مأمون، وكذا قال أبو حاتم، وقال النسائي: ثقة، وقال الدارقطني والحاكم: ثقة، وكذا قال ابن سعد والعجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال البخاري في "الضعفاء": شعيب بن حرب منكر الحديث مجهول، قال الحافظ: والظاهر أنه غير هذا، مات سنة 197 هـ.
(عن عبد العزيز بن أبي روّاد) بفتح الراء وتشديد الواو، واسمه ميمون المكي، مولى المهلب بن أبي صفرة، قال يحيى القطان: عبد العزيز ثقة في الحديث، ليس ينبغي أن يترك حديثه لرأي أخطأ فيه، وقال أحصد: كان رجلًا صالحًا وكان مرجئًا، وليس هو في التثبت مثل غيره، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، ثقة في الحديث، متعبد، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن عدي: وفي بعض أحاديثه ما لا يتابع عليه، وقال علي بن الجنيد: كان ضعيفًا، وأحاديثه منكرات، وقال الحاكم: ثقة عابد، وقال الساجي: صدوق يرى الإرجاء، وقال الدارقطني: هو متوسط في الحديث، وربما وهم في حديثه، وقال العجلي: ثقة، وقال الجوزجاني: كان غاليًا في الإرجاء، مات سنة 59 هـ.
(أنا نافع) مولى ابن عمر، (عن مؤذن لعمر يقال له: مسروح) ويقال له: مسعود، وهو مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذكره ابن حبان في "الثقات" فقال: مسروح بن سبرة النهشلي، وقال الذهبي في "الميزان": مسروح عن عمر فيه جهالة، روى عنه نافع مولى ابن عمر (أذن) أي مسروح
(1) وفي نسخة: "ثنا".
قَبْلَ الصُّبْحِ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ، فَذَكَرَ (1) نَحْوَهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدْ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ أَوْ غَيْرِهِ: أَنَّ مُؤَذِّنًا لِعُمَرَ يُقَالُ لَهُ: مَسْرُوحٌ (2).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِىُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ لِعُمَرَ مُؤَذِّنٌ يُقَالُ لَهُ مَسْعُودٌ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ (3) ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ ذَلِكَ. (4).
===
(قبل الصبح) أي قبل طلوعه، وجعل نفسه غائبًا (فأمره) أي مسروحًا (عمر)(5) رضي الله عنه (فذكر) أي أيوب بن منصور (نحوه) أي نحو ما رواه حماد بن سلمة.
(قال أبو داود: وقد رواه حماد بن زيد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع أو غيره: أن مؤذنًا لعمر يقال له: مسروح) وهذا تأييد للحديث المتقدم الذي رواه عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع.
(قال أبو داود: ورواه الدراوردي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان لعمر مؤذن يقال له: مسعود، وذكر) الدراوردي (نحوه) أي نحو ما ذكره حماد بن زيد، وهذا تأييد ثان للحديث المتقدم (وهذا) أي الذي (6) رواه عبد العزيز بن أبي رواد وحماد بن زيد والدراوردي (أصح من ذاك) الذي رواه حماد بن سلمة عن أيوب.
(1) وفي نسخة: "ذكر".
(2)
زاد في نسخة: "أو غيره".
(3)
زاد في نسخة: "قال أبو داود".
(4)
زاد في نسخة: "يعني حديث ابن عمر".
(5)
قال ابن رسلان: أجاب عنه أصحابنا بأنه عن نافع عن عمر مرسل وليس بحجة، قلت: ليس هو عن نافع عن عمر كما ترى. (ش).
(6)
وبسط الكلام عليه الحافظ في "الفتح"(2/ 103). (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قلت: وقد أخرج البيهقي في "سننه"(1) حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع من طريق أبي عمر الضرير وموسى بن إسماعيل وهدبة وطالوت، وقال البيهقي: هذا (2) حديث تفرد بوصله حماد بن سلمة عن أيوب، وروي أيضًا عن سعيد بن زربي عن أيوب إلَّا أن سعيدًا ضعيف.
ثم قال البيهقي: قال علي بن المديني: أخطأ حماد في هذا الحديث، والصحيح حديث عبيد الله يعني عن نافع، وحديث الزهري عن سالم، ثم ذكر بسنده عن محمد بن يحيى أنه قال: حديث حماد بن سلمة شاذ غير واقع على القلب، وهو خلاف ما رواه الناس عن ابن عمر.
ثم قال البيهقي: وروي عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع موصولًا، وهو ضعيف لا يصح، ثم أخرج الحديث بطوله، ثم قال: والصواب رواية شعيب بن حرب ذكرها مثل ما ذكرها أبو داود، ثم قال: وقد روي من أوجه أخر كلها ضعيفة، قد بينا ضعفها في "كتاب الخلاف"، وإنما يعرف مرسلًا من حديث حميد بن هلال وغيره، هذا خلاصة ما ذكره البيهقي.
وقال في "الجوهر النقي": قلت: من جملة وجوهه ما رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس: "أن بلالًا أذن قبل الفجر، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصعد فينادي أن العبد نام"(الحديث) رواه الدارقطني: والمرسل أصح، قلت: أبو يوسف قد وثَّقه البيهقي في "باب المستحاضة تغسل عنها أثر الدم"، ووثَّقه أيضًا ابن حبان، وقد زاد الرفع فوجب قبول زيادته، ثم حديث حماد بن سلمة الذي ذكره البيهقي آنفاً في هذا الباب شاهد لحديثه، ويشهد له أيضًا حديث عبد الكريم الجزري عن نافع عن ابن عمر عن حفصة بنت عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أذن المؤذن بالفجر قام، فصلَّى ركعتي الفجر، ثم خرج
(1)(1/ 383).
(2)
في الأصل: "هكذا حديث" وهو تحريف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
إلى المسجد فحرم الطعام، وكان لا يؤذن حتى يصبح"، أخرجه البيهقي (وقال: هو محمول إن صح على الأذان الثاني) وقال الأثرم: رواه الناس عن نافع فلم يذكروا فيه ما ذكره عبد الكريم.
قلت: هو ثقة ثبت، وكذا قال أحمد بن حنبل وابن معين وغيرهما، وأخرج له الشيخان وغيرهما ومن كان بهذه المثابة لا ينكر عليه إذا ذكر ما لم يذكره غيره، واشتغال البيهقي بتأويله يدل ظاهرًا على جودة سنده، وروى الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سكت المؤذن بالأول من صلاة الفجر قام وركع ركعتين خفيفتين"، قال الأثرم: ورواه الناس عن الزهري فلم يذكروا ما ذكره الأوزاعي، وأجيب عن ذلك بأن الأوزاعي من أئمة المسلمين، فلا يعلل ما ذكره بعدم ذكر غيره.
وقال ابن أبي شيبة في "المصنف"(1): ثنا جرير، عن منصور، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قالت:"ما كانوا يؤذنون حتى ينفجر الفجر"، وهذا سند صحيح.
وفي "التمهيد"(2): وروى زبيد الأيامي عن إبراهيم قال: كانوا إذا أذن المؤذن بليل أتوه فقالوا له: اتق الله وأعد أذانك، ثم لا تنافي بين هذه الأحاديث وبين ما روي أن بلالًا كان يؤذن بليل، قال ابن القطان: لأن ذلك كان في رمضان.
وقال الطحاوي (3): ويحتمل أن يكون بلالًا (4) كان يؤذن في وقت يرى أن الفجر قد طلع فيه، ولا يتحقق ذلك بضعف بصره، ثم ذكر أعني الطحاوي بسند
(1)(1/ 243).
(2)
(10/ 60).
(3)
"شرح معاني الآثار"(1/ 140).
(4)
وفي "شرح معاني الآثار": بلال. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
جيد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغرنكم أذان بلال فإن في بصره شيئًا"، انتهى.
واختلف العلماء في الأذان قبل الوقت (1) بعد اتفاقهم على أن الأذان قبل الوقت لما سوى صلاة الفجر لا يجوز، وأما لصلاة الفجر فجوزه بعض، قال في "البدائع" (2): وأما بيان وقت الأذان والإقامة فوقتهما ما هو وقت الصلوات المكتوبات، حتى لو أذن قبل دخول الوقت لا يجزئه، ويعيده إذا دخل الوقت في الصلوات كلها في قول أبي حنيفة (3) ومحمد.
وقد قال أبو يوسف أخيرًا: لا بأس بأن يؤذن للفجر في النصف الأخير من الليل، وهو قول الشافعي (4)، واحتجا بما روى سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه:"أن بلالًا كان يؤذن بليل"، وفي رواية قال:"لا يغرنكم أذان بلال عن السحور فإنه يؤذن بليل"، ولأن وقت الفجر مشتبه، وفي مراعاته بعض الحرج بخلاف سائر الصلوات.
ولأبي حنيفة ومحمد ما روى شداد مولى عياض بن عامر أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال لبلال: "لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا، ومَدَّ يديه عَرْضًا"(5)، ولأن الأذان شرع للإعلام بدخول الوقت، والإعلام بالدخول قبل الدخول كذب، وكذا هو من باب الخيانة في الأمانة، والمؤذن مؤتمن على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم،
(1) قال ابن قدامة (2/ 62): لا نعلم فيه خلافًا، وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن السنة في غير الفجر أن لا يؤذن إلَّا بعد دخول الوقت، وأما في الصبح فقال به الثلاثة، ورواية عن أحمد تختص برمضان، وقال بعضهم: لم يرد الاكتفاء به في حديث
…
إلخ. (ش).
(2)
(1/ 381).
(3)
وبه قال الثوري، "المغني"(2/ 63). (ش).
(4)
وأحمد ومالك والأوزاعي وإسحاق "المغني"(2/ 63). (ش).
(5)
أخرجه أبو داود (532).
532 -
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ،
===
ولهذا لم يجز في سائر الصلوات، ولأن الأذان قبل الفجر يؤدي إلى الضرر بالناس، لأن ذلك وقت نومهم خصوصًا في حق من تهجد في النصف الأول من الليل، فربما يلتبس الأمر عليهم، وذلك مكروه.
وبلال رضي الله عنه ما كان يؤذن بليل لصلاة الفجر بل لمعنى آخر لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يمنعنكم من السحور أذان بلال، فإنه يؤذن بليل ليوقظ نائمكم، ويرد قائمكم، ويتسحر صائمكم، فعليكم بأذان ابن أم مكتوم" أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1).
وقد كانت الصحابة رضي الله عنهم فرقتين: فرقة يتهجدون في النصف الأول من الليل، وفرقة في النصف الأخير، وكان الفاصل أذان بلال، والدليل على أن أذان بلال كان لهذه المعاني لا لصلاة الفجر: أن ابن أم مكتوم كان يعيده ثانيًا بعد طلوع الفجر، وما ذكر من المعنى غير سديد، لأن الفجر الصادق المستطير في الأفق مستبين لا اشتباه فيه، انتهى.
532 -
(حدثنا زهير بن حرب، ثنا وكيع) بن الجراح، (ثنا جعفر بن برقان) بضم الموحدة وسكون الراء، الكلابي مولاهم، أبو عبد الله الجزري الرقي، قدم الكوفة، قال أحمد: إذا حدث عن غير الزهري فلا بأس به، وقال: جعفر ثقة، ضابط لحديث ميمون وحديث يزيد بن الأصم، وهو في حديث الزهري يضطرب، وعن ابن معين: كان أميًا وهو ثقة، وقال في موضع آخر: ثقة، ويضعف في روايته عن الزهري، وقيل: إنه كان مجاب الدعوة، وهكذا قال ابن نمير، وقال يعقوب ابن سفيان: بلغني أنه كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب، وكان من الخيار، وقال النسائي مثل ما قال أحمد، وقال ابن خزيمة لما سئل عنه وعن أبي بكر الهذلي: لا يحتج بواحد منهما إذا انفرد، حكاه الحافظ، مات سنة 150 هـ.
(1) انظر: (1/ 139).
عن شَدَّادٍ مَوْلَى عِيَاضِ بْنِ عَامِرٍ، عن بِلَالٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ:"لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ الْفَجْرُ هَكَذَا"، وَمَدَّ يَدَيْهِ عَرْضًا. [ق 1/ 384]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: شَدَّادٌ لَمْ يُدْرِكْ بِلَالاً.
===
(عن شداد مولى عياض بن عامر) بن الأسلع العامري الجزري، روى عن بلال المؤذن ولم يدركه، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الذهبي (1) في "الميزان": لا يعرف.
(عن بلال) المؤذن (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له)(2) أي لبلال: (لا تؤذن) أي لصلاة الفجر (حتى يستبين لك الفجر هكذا، ومد يديه عرضًا) وهذا الحديث حجة لأبي حنيفة ومحمد على أبي يوسف والشافعي، وقد استدل الطحاوي (3) على ذلك بما روي عن ابن عمر، عن حفصة بنت عمر بسنده "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أذن المؤذن بالفجر قام فصلى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى المسجد وحرم الطعام، وكان لا يؤذن حتى يصبح".
فهذا ابن عمر يخبر عن حفصة أنهم كانوا لا يؤذنون للصلاة إلَّا بعد طلوع الفجر، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا بلالًا أن يرجع، فينادي:"ألا إن العبد قد نام"، يدل على أن عادتهم أنهم كانوا لا يعرفون أذانًا قبل الفجر، ولو كانوا يعرفون ذلك أذانًا لما احتاجوا إلى النداء.
(قال أبو داود: وشداد لم يدرك بلالًا)(4) فأشار المصنف إلى ضعف هذا الحديث بانقطاعه وإرساله، واختلف في رده وقبوله، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في قول: يقبل مطلقًا، قال في "النخبة": فذهب جمهور المحدثين إلى
(1) قلت: لكن سيأتي له رواية عن غير بلال في كلام ابن رسلان. (ش).
(2)
قال ابن رسلان: أجاب عنه أصحابنا بأن المراد منه الإِقامة. (ش).
(3)
"شرح معاني الَاثار"(1/ 140).
(4)
قال ابن رسلان: ولم يرو أبو داود عن شداد غير هذا الحديث، ورُوِيَ في غير أبي داود عن سالم بن وابصة بن معبد وأبيه وابصة وأبي هريرة. (ش).