الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِى الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . [ت 223، جه 781، طس 4219، قَ 3/ 63]
(51) بَابُ مَا جَاءَ في الْهَدْيِ فِي الْمَشْىِ إِلَى الصَّلاةِ
560 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِىُّ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُمْ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، حَدَّثَنِى سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِى أَبُو ثُمَامَةَ الْحَنَّاطُ:
===
(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بشر المشائين) جمع المشاء، وهو كثير المشي (في الظلم) جمع ظلمة، فالمراد ظلمة الليل، وظلمة الغيم، وظلمة التكاثف (إلى المساجد) قيل: لو مشى في الظلام بضوء لدفع آفات الظلام فالجزاء بحاله (بالنور)(1) متعلق ببشر (التام يوم القيامة).
(51)
(بَابُ مَا جَاءَ في الهدْي)
أي: السكينة والوقار (في الْمَشْيِ إِلى الصَّلَاةِ)
560 -
(حدثنا محمد بن سليمان الأنباري، أن عبد الملك بن عمرو) القيسي، أبو عامر العقدي البصري، (حدثهم عن داود بن قيس) القرشي، أبو سليمان المدني، الدباغ، ثقة فاضل، مات في خلافة أبي جعفر، (ثني سعد بن إسحاق) بن كعب بن عجرة البلوي المدني، حليف الأنصار، ثقة، قال ابن عبد البر: ثقة، لا يختلف فيه.
(ثني أبو ثمامة) بالمثلثة (الحناط) بفتح الحاء المهملة وفي آخرها طاء مهملة، نسبة إلى بيع الحنطة، قال في "التقريب": حجازي مجهول الحال، وقال الشوكاني (2): وقد ذكره ابن حبان في "الثقات"، وأخرج له في "صحيحه" هذا
(1) على الصراط أو بمنابر من نور، لرواية الطبراني "ابن رسلان" وراجع:"العارضة"(2/ 22). (ش).
(2)
"نيل الأوطار"(2/ 387).
أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَدْرَكَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الْمَسْجِدَ، أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، قَالَ: فَوَجَدَنِى وَأَنَا مُشَبِّكٌ بِيَدَىَّ (1)، فَنَهَانِى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَلَا يُشَبِّكَنَّ يَدَيْهِ، فَإِنَّهُ فِى صَلَاةٍ» . [ت 386، حم 4/ 242، دي 1404، خزيمة 444، حب 2036]
===
الحديث، وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب": قال ابن حبان في "الثقات": كان حريف كعب بن عجرة، وقال الدارقطني: لا يعرف، يترك، وروى الترمذي حديثه إلَّا أنه لم يسمه فقال: عن رجل.
(أن كعب بن عجرة)(2) الأنصاري المدني، أبو محمد، صحابي مشهور (أدركه) أي أبا ثمامة (وهو) أبو ثمامة (يريد المسجد، أدرك أحدهما صاحبه، قال) أي أبو ثمامة: (فوجدني) أي كعب بن عجرة (وأنا مشبك بيد) جملة حالية، والتشبيك أن تدخل أصابع يدك في أصابع يدك الأخرى (فنهاني) أي كعب بن عجرة (عن ذلك) أي عن التشبيك.
(وقال) أي كعب بن عجرة: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه) أي أكمله بإتيان الفرائض والسنن والمندوبات (ثم خرج عامدًا) أي قاصدًا (إلى المسجد) أي للصلاة (فلا يشبكن يديه، فإنه في صلاة).
قال العيني (3): اختلف العلماء في تشبيك الأصابع في المسجد وفي الصلاة، وكره (4) إبراهيم ذلك في الصلاة، وهو قول مالك، ورخص ابن عمر
(1) وفي نسخة: "يدي".
(2)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(3/ 532) رقم (4472).
(3)
"عمدة القاري"(3/ 548).
(4)
وفي "المغني"(2/ 117): يكره التشبيك في الصلاة، وقال ابن رسلان: هذا على مراتب: الأول: في الصلاة وهوأشد كراهة؛ لأنه منافي الصلاة، وينشأ عن البطالة، والثاني: منتظر الصلاة، وهو أخف من الأول، لكنه يكره لحديث الباب. والثالث: في المسجد بعد الصلاة، وهو مباح لحديث ذي اليدين. والرابع: في غير المسجد، وهو =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وابنه سالم فكانا يشبكان بين أصابعهما في الصلاة، وكان الحسن البصري يشبك بين أصابعه في المسجد، وقال مالك: إنهم ينكرون تشبيك الأصابع في المسجد، وما به بأس، وإنما يكره في الصلاة.
وقد ورد النهي عن ذلك في أحاديث، منها ما أخرجه ابن حبان في "صحيحه"(1) بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يا كعب إذا توضأت فأحسنت الوضوء، ثم خرجت إلى المسجد، فلا تشبك بين أصابعك، فإنك في صلاة".
ومنها ما أخرجه الحاكم في "مستدركه"(2) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم في بيته، ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع، فلا يفعل هكذا، وشبك بين أصابعه"، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين.
ومنها ما رواه ابن أبي شيبة (3) بسنده عن مولى لأبي سعيد وهو مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فرأى رجلًا جالسًا وسط الناس، وقد شبك بين أصابعه يحدث بنفسه، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفطن له، فالتفت إلى أبي سعيد، فقال:"إذا صلَّى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه فإن التشبيك من الشيطان".
فإن قلت: هذه الأحاديث معارضة لأحاديث الباب، قلت: غير مقاومة لها في الصحة ولا مساوية، وقيل: ليس بين هذه الأحاديث معارضة، لأن النهي إنما
= أولى بالإِباحة، وما ورد من مطلق المنع عن التشبيك في المساجد محمول على قبل الصلاة جمعًا بين الروايات (ش).
(1)
"صحيح ابن حبان"(2036).
(2)
(1/ 206).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 523).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ورد عن فعل ذلك في الصلاة، أو في المضي إلى الصلاة، وفعله صلى الله عليه وسلم ليس في الصلاة، ولا في المضي إليها، فلا معارضة إذًا، وبقي كل حديث على حياله.
فإن قلت: في حديث أبي هريرة الذي في الباب وقع تشبيكه صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، قلت: إنما وقع بعد انقضاء الصلاة في ظنه فهو في حكم المنصرف عن الصلاة، والرواية التي فيها النهي عن ذلك ما دام في المسجد ضعيفة، لأن فيها ضعيفًا ومجهولًا، وقد رواها ابن أبي شيبة، ولفظه:"إذا صلَّى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه، فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى غير منه".
وقال ابن المنير: التحقيق أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض، إذ المنهي عنه فعله على وجه العبث، والذي في الحديث إنما هو لمقصود التمثيل وتصوير المعنى في النفس.
فإن قلت: ما حكمة النهي عن التشبيك؟ قلت: أجيب بأجوبة: الأول: لكونه من الشيطان، والثاني: أنه يجلب النوم وهو من مظان الحديث، الثالث: أن صورة التشبيك تشبه صورة الاختلاف، كما نبه عليه في حديث ابن عمر، فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة، حتى لا يقع في المنهي عنه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم للمصلين:"ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم"، انتهى ملخصًا.
قال القاري (1): يحتمل أن يكون النهي عن ذلك كالنهي عن كف الشعر والتثاؤب في الصلاة، وثبت في حديث ذي اليدين أنه عليه الصلاة والسلام شبك أصابعه في المسجد، وذلك يفيد عدم التحريم، ولا يمنع الكراهة أي لغيره لكون فعله نادرًا، أي لبيان الجواز، أو لمعنى كما في حديث الأخبار، ويمكن حمله إلى ما قبل النهي، فإن حديث ذي اليدين قبل نسخ الكلام مع أن تشبيكه عليه الصلاة والسلام إنما كان على ظن منه أنه فرغ من صلاته.
(1)"مرقاة المفاتيح"(3/ 12).
561 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ عَبَّادٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: حَضَرَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ الْمَوْتُ فَقَالَ: إِنِّى مُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا مَا أُحَدِّثُكُمُوهُ إلَّا احْتِسَابًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، لَمْ يَرْفَعْ قَدَمَهُ الْيُمْنَى إلَّا كَتَبَ اللَّهُ عز وجل لَهُ حَسَنَةً، وَلَمْ يَضَعْ قَدَمَهُ الْيُسْرَى إلَّا حَطَّ اللَّهُ عز وجل عَنْهُ سَيِّئَةً،
===
وقال الطحطاوي (1) على "مراقي الفلاح"(2): قوله: "وتشبيكها" ولو حال السعي إلى الصلاة لما روى أحمد وأبو داود وغيرهما مرفوعًا: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدًا إلى المسجد، فلا يشبك بين يديه، فإنه في صلاة"، وإذا كان منتظرًا لها بالأولى، والذي يظهر أنها أيضًا تحريمية، كما في "البحر"، وأما إذا انصرف (3) عن الصلاة فلا بأس به.
561 -
(حدثنا محمد بن معاذ بن عباد العنبري) وقد ينسب إلى جده، صدوق يَهِم، (نا أبو عوانة) وضاح بن عبد الله، (عن يعلي بن عطاء) العامري، ويقال: الليثي الطائفي، ثقة، (عن معبد بن هرمز) مدني، مجهول، قاله ابن القطان، وقال في "الخلاصة": حجازي، وثّقه ابن حبان، (عن سعيد بن المسيب قال: حضر رجلًا من الأنصار الموتُ) أي قرب حضور الموت (فقال) أي الرجل للحاضرين: (إني محدثكم حديثًا ما أحدثكموه إلَّا احتسابًا) أي طلبًا للثواب، فإن في نشر العلم أجرًا.
(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء) أي أكمله وأجمله (ثم خرج إلى الصلاة، لم يرفع قدمه اليمنى إلَّا كتب الله عز وجل له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلَّا حط الله عز وجل عنه سيئة)، وفيه إشارة إلى
(1)(ص 281).
(2)
والبسط في "الشامي"(2/ 493). (ش).
(3)
وبسط ابن رسلان أيضًا في هذا المحل فأرجع إليه. (ش).
فَلْيُقَرِّبْ أَحَدُكُمْ أَوْ لِيُبَعِّدْ، فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى فِى جَمَاعَةٍ، غُفِرَ لَهُ، فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا بَعْضًا وَبَقِىَ بَعْضٌ، صَلَّى مَا أَدْرَكَ وَأَتَمَّ مَا بَقِىَ، كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ، كَانَ كَذَلِكَ». [ق 3/ 69]
===
أن المصلي إذا أراد الخروج إلى الصلاة فينبغي له أن يبدأ برفع قدمه اليمنى، ثم وضع قدمه اليسرى.
(فليقرب أحدكم أو ليبعد) أي فليقرب أحدكم مكانه من المسجد، أو يقال: فليقرب أحدكم خطاه إلى المسجد أو ليبعد، ولفظة "أو" ههنا ليس للتخيير بل للإبهام، كما في قوله تعالى:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (1)، والحديث باعتبار الاحتمال الثاني أوفق بالباب، فإن تقريب الخطى يكون بالسكينة والوقار في المشي.
(فإن أتى المسجد فصلى) أي أدى الصلاة (في جماعة غفر له) أي جميع ذنوبه من الصغائر (فإن أتى المسجد وقد صلوا) أي الإِمام مع الجماعة (بعضًا) أي بعض الصلاة (وبقي بعض) أي بعض الصلاة، والجملة حالية (صلَّى) أي ذلك الرجل الجائي (ما أدرك) أي من صلاة الإِمام (وأتم ما بقى) أي ما فات منه من صلاة الإِمام، وهذه الجملة متفرعة على الجملة الحالية المتقدمة بتقدير العطف، وليست جزاء للشرط (كان كذلك) جزاء للشرط المتقدم، أي كان له مثل من صلَّى صلاته كاملة في جماعة من حصول المغفرة له.
(فإن أتى المسجد وقد صلَّوا) أي فرغوا من الصلاة، ولم يدرك هذا الرجل شيئًا من صلاة الإِمام (فأتم) أي فأدى ذلك الرجل تامًا (الصلاة) أي صلاته منفردًا (كان كذلك) أي غفر له، كما كان غفر له في الحالتين الأوليين.
(1) سورة سبأ: الآية 24.