المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(55) باب السعي إلى الصلاة - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٣

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(2) كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌(1) أَوَّلُ كِتَابِ الصَّلَاةِ

- ‌(2) (بَابٌ: في الْمَوَاقِيتِ)

- ‌(3) بَابٌ: في وَقْتِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَيْفَ كَانَ يُصلِّيهَا

- ‌(4) (بَابٌ: في وَقْتِ صَلاةِ الظُّهْرِ)

- ‌(5) (بَابٌ: في وَقْتِ صَلاةِ الْعَصْرِ)

- ‌(6) بَابٌ: في وَقْتِ الْمَغْرِبِ

- ‌(7) بَابٌ: في وَقْتِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ

- ‌(8) (بَابٌ: في وَقْتِ الصُّبْحِ)

- ‌(9) بَابٌ: في الْمُحافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ

- ‌(10) بَابٌ: إِذَا أَخَّرَ الإِمَامُ الصَّلَاةَ عَنِ الْوَقْتِ

- ‌(13) بَابُ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ في الدُّورِ

- ‌(14) بَابٌ: في السُّرُجِ في الْمَسَاجِدِ

- ‌(15) بَابٌ: في حَصَى الْمَسْجِدِ

- ‌(16) بَابٌ: في كَنْسِ الْمَسْجِدِ

- ‌(17) (بَابٌ: في اعْتِزَالِ النِّسَاءِ في المَسَاجِدِ عَنِ الرِّجَالِ)

- ‌(19) بَابُ مَا جَاءَ في الصَّلَاةِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ

- ‌(20) بَابٌ: في فَضْلِ الْقُعُودِ في الْمَسْجِدِ

- ‌(21) بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ إِنْشَادِ الضَّالَّةِ في الْمَسْجِدِ

- ‌(22) بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ البُزَاقِ في الْمَسْجِدِ

- ‌(23) بَابُ مَا جَاءَ في الْمُشْرِكِ يدخلُ الْمَسْجِدَ

- ‌(24) بَابٌ: في الْمَواضِعِ الَّتي لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ

- ‌(25) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ في مَبَارِكِ الإِبْلِ

- ‌(26) بَابٌ: مَتَى يُؤْمَرُ الْغُلامُ بِالصَّلَاةِ

- ‌(27) (بَابُ بَدْءِ الأذَانِ)

- ‌(28) بَابٌ: كَيْفَ الأَذَانُ

- ‌(29) (بَابٌ: في الإقَامَةِ)

- ‌(30) بَابُ الرَّجُلِ يُؤَذِّنُ وُيُقِيمُ آخَرُ

- ‌(31) بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالأَذَانِ

- ‌(32) بَابُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤَذِّنِ منْ تَعَاهُدِ الْوَقْتِ

- ‌(33) بَابُ الأَذَانِ فَوْقَ الْمَنَارَةِ

- ‌(34) بَابٌ: في الْمُؤذِّنِ يَسْتَدِيرُ في أَذَانِهِ

- ‌(35) بَابُ مَا جَاءَ في الدُّعَاءِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ

- ‌(36) (بَابُ مَا يَقُولُ إِذا سَمِعَ المُؤَذِّنُ)

- ‌(37) بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الإِقَامَةَ

- ‌(38) بَابُ مَا جَاءَ في الدُّعَاءِ عِنْدَ الأَذَانِ

- ‌(39) بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ

- ‌(40) بَابُ أَخْذِ الأَجْرِ عَلَى التَّأْذِينِ

- ‌(41) بَابٌ: في الأَذَانِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ

- ‌(42) بَابُ الأَذَانِ لِلْأَعْمَى

- ‌(43) بَابُ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجدِ بَعْدَ الأَذَانِ

- ‌(44) بَابٌ: في الْمُؤَذِّنِ يَنْتَظِرُ الإِمَامَ

- ‌(45) بَابٌ: في التَّثويبِ

- ‌(46) بَابٌ: في الصَّلَاةِ تُقَامُ وَلَمْ يَأتِ الإِمَامُ، يَنْتَظِرُونَهَ قُعُودًا

- ‌(47) بَابٌ: في التَّشْدِيدِ في تَرْكِ الْجَمَاعَةِ

- ‌(48) (بَابٌ: في فَضْلِ صَلاةِ الجَمَاعَة)

- ‌(49) بَابُ مَا جَاءَ في فَضْلِ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ

- ‌(50) بَابُ مَا جَاءَ في الْمَشْيِ إِلَى الصَّلَاةِ في الظُّلَمِ

- ‌(51) بَابُ مَا جَاءَ في الْهَدْيِ فِي الْمَشْىِ إِلَى الصَّلاةِ

- ‌(52) بَابٌ: فِيمَنْ خَرَجَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَسُبِقَ بِهَا

- ‌(53) بَابُ مَا جَاءَ في خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسْجِدِ

- ‌(54) بَابُ التَّشْدِيدِ في ذَلِكَ

- ‌(55) بَابُ السَّعْيِ إِلَى الصَّلَاةِ

- ‌(58) بَابٌ: إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً، يُعِيدُ

- ‌(59) (بَابٌ: في جُمّاعِ الإمَامَةِ وَفَضْلِهَا)

- ‌(60) (بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ التَّدَافُعِ عَنِ الإمَامَةِ)

- ‌(61) بَابٌ: مَنْ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ

- ‌(62) بَابُ إِمَامَةِ النِّسَاءِ

- ‌(63) بَابُ الرَّجُلِ يَؤُمُّ الْقَوْمَ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ

- ‌(64) بَابُ إِمَامَةِ البَرّ وَالْفَاجِرِ

- ‌(65) باب إِمَامَةِ الأَعْمَى

- ‌(66) بابُ إِمَامَةِ الزَّائِرِ

- ‌(67) (بَابُ الإِمام يقُومُ مَكَانًا أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِ الْقَوْمِ)

- ‌(68) بَابُ إِمَامَةِ مَنْ صَلَّى بِقَوْمٍ وَقَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ

- ‌(69) بابُ الإِمَامِ يُصَلِّى مِنْ قُعُودٍ

- ‌(71) بَابٌ: إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً كَيْفَ يَقُومُون

- ‌(72) بَابُ الإِمَامِ يَنْحَرِفُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ

- ‌(73) بابُ الإِمَامِ يَتَطَوَّعُ فِى مَكَانِهِ

- ‌(74) بَابُ الإِمَامِ يُحْدِثُ بَعْدَمَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ

- ‌(75) (بابٌ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُها التَّسْلِيمُ)

- ‌(76) بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْمَأْمُومُ مِنَ اتِّبَاعِ الإِمَامِ

- ‌(77) بَابُ مَا جَاءَ في التَّشْدِيدِ فِيمَنْ يَرْفَعُ قَبْلَ الإِمَامِ أَوْ يَضَعُ قَبْلَهُ

- ‌(78) بَابٌ: فِيمَنْ يَنْصَرِفُ قَبْلَ الإِمَامِ

- ‌(81) باب الرَّجُلِ يُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ بَعْضُهُ عَلَى غَيْرِهِ

- ‌(82) بَابٌ: في الرَّجُلِ يُصَلِّي في قَمِيصٍ وَاحِدٍ

- ‌(83) بَابٌ: إِذَا كَانَ ثَوْبًا ضَيِّقًا

- ‌(84) بَابُ الإسْبَالِ في الصَّلَاةِ

- ‌(85) باب مَنْ قَالَ: يَتَّزِرُ بِهِ إِذَا كَانَ ضَيِّقًا

- ‌(86) بَابٌ: في كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ

- ‌(87) باب الْمَرْأَةِ تُصَلِّى بِغَيْرِ خِمَارٍ

- ‌(88) بَابُ مَا جَاءَ في السَّدْلِ في الصَّلَاةِ

- ‌(89) باب الصَّلَاةِ فِى شُعُرِ النِّسَاءِ

- ‌(90) باب الرَّجُلِ يُصَلِّى عَاقِصًا شَعْرَهُ

- ‌(91) بَابُ الصَّلَاةِ في النَّعْلِ

- ‌(92) باب الْمُصَلِّى إِذَا خَلَعَ نَعْلَيْهِ، أَيْنَ يَضَعُهُمَا

- ‌(93) بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ

- ‌(94) بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ

- ‌(95) بَابُ الرَّجُلِ يَسْجُدُ عَلَى ثَوْبِهِ

- ‌(96) بَابُ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ

- ‌(97) بَابُ الصُّفُوفِ بَيْنَ السَّوَارِي

- ‌(98) باب مَنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَلِىَ الإِمَامَ فِى الصَّفِّ وَكَرَاهِيَةِ التَّأَخُّرِ

- ‌(99) بَابُ مَقَامِ الصِّبْيَانِ مِنَ الصَّفِّ

- ‌(100) باب صَفِّ النِّسَاءِ وَكَرَاهِيَةِ التَّأَخُّرِ عَنِ الصَّفِّ الأَوَّلِ

- ‌(101) بَابُ مَقَامِ الإِمَامِ مِنَ الصَّفِّ

- ‌(102) بَابُ الرَّجُلِ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ

- ‌(103) باب الرَّجُلِ يَرْكَعُ دُونَ الصَّفِّ

- ‌(104) بَابُ مَا يَسْتُرُ الْمُصَلِّي

- ‌(105) بابُ الْخَطِّ إِذَا لَمْ يَجِدْ عَصًا

- ‌(106) بَابُ الصَّلَاةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ

- ‌(107) (بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى سَارِيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، ) (أَيْنَ يَجْعَلُها مِنْهُ

- ‌(109) باب الدُّنُوِّ مِنَ السُّتْرَةِ

- ‌(112) بَاب مَا يَقْطَعُ الصَّلَاة

- ‌(114) بَابُ مَنْ قَالَ: الْمَرْأَةُ لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ

- ‌(115) بَابُ مَنْ قَالَ: الْحِمَارُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ

- ‌(116) (بَابُ مَنْ قَالَ: الْكَلْبُ لَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ)

- ‌(117) (بَابُ مَنْ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَئ

الفصل: ‌(55) باب السعي إلى الصلاة

وَهَذَا أَصَحُّ. [تقدم برقم 462]

(55) بَابُ السَّعْيِ إِلَى الصَّلَاةِ

570 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ،

===

هذا الحديث عن أيوب في أمرين: فرفعه عبد الوارث عن ابن عمر موصولًا ولم يرفعه إسماعيل، بل أوقفه على عمر - رضي الله تعالى عنه -، وجعله قول عمر، ولم يذكر ابن عمر، ورواية نافع عن عمر منقطع.

ثم يقول أبو داود: (وهذا أصح) أي رواية إسماعيل موقوفًا أصح من رواية عبد الوارث مرفوعًا، وفي بعض النسخ: قال أبو داود: وحديث ابن عمر وهم من عبد الوارث أي رفعه وهم منه، ولم أجد دليلًا على ما ادعاه المصنف من الوهم، فإن الراويين كليهما ثقتان، ثم هذا الحديث بسنده ومتنه مكرر، قد تقدم في "باب اعتزال النساء في المساجد عن الرجال".

(55)

(بَابُ السَّعْيِ إِلَى الصَّلَاةِ)

هل يجوز أو لا؟ والمراد بالسعي هاهنا الإسراع في المشي بحيث يتشتت به قلب المصلي وتزول طمأنينته

570 -

(حدثنا أحمد بن صالح، ثنا عنبسة) بن خالد، (أخبرني يونس) بن يزيد، (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري، (أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أقيمت (1) الصلاة فلا تأتوها) أي الصلاة (تسعون) حال، أي لا تأتوا إلى الصلاة

(1) قيد به لأنه الحامل على الإِسراع فغيره أولى، وقيل: التقييد بها، لأن المسرع إذًا يحفزه النفس بخلاف السابق على الإِقامة. "ابن رسلان"، وكذا في "الأوجز"(2/ 22). (ش).

ص: 422

وَأْتُوهَا تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ،

===

مسرعين في المشي وإن خفتم فوت الصلاة، كذا قال بعض علمائنا، والنهي إنما هو الإسراع المفضي إلى تشتت البال وعدم استقامة الحال.

(وأتوها تمشون) أي وأتوا للصلاة حال كونكم تمشون بالطمأنينة والسكون، إن قلت: قوله: "فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون" ما هذا إلَّا كما تقول: "لا تأكل لحم الفرس، ولكن كل لحم الحيوان"، وهو كلام ضعيف، قلت: لا نسلم ضعفه، لأن المراد لحم حيوان غيره، وإن سلم فالقيد موجود في الحديث وهو قوله:(وعليكم السكينة) مع أن السعي قد يكون مشياً، كقوله تعالى:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (1)، وقد يكون عدوًا، كقوله تعالى:{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} (2)، وقد يكون عملًا، كقوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (3).

ثم من خاف فوت التكبيرة الأولى، فقيل: إنه يسرع، فإن عمر - رضي الله تعالى عنه - سمع الإقامة بالبقيع فأسرع إلى المسجد، وقيل: إنه يهرول، ومنهم من اختار يمشي على وقار للحديث، لأن من قصد الصلاة فكأنه في الصلاة، والأظهر إسراع مع السكينة إحرازًا للفضيلتين، ولقوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (4)، وفي بعض الروايات جمع بين السكينة والوقار، فقيل: هما بمعنى، والحق أن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث ونحو ذلك، والوقار في الهيئة وغض البصر وخفض الصوت، والإقبال على طريقه من غير التفات ونحو ذلك، قاله الطيبي، والأظهر أن المراد بالسكينة سكون القلب وحضوره وخشوعه وخضوعه وأمثال ذلك، وبالوقار سكون القلب من الهيئات الغير المناسب للسالك.

(1) سورة الجمعة: الآية 9.

(2)

سورة يس: الآية 20.

(3)

سورة النجم: الآية 39.

(4)

سورة آل عمران: الآية 133.

ص: 423

فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". [خ 636، م 602، ت 327، ن 861، جه 775]

===

(فما أدركتم فصلوا) الفاء جزاء شرط محذوف، أي إذا بينت لكم ما هو أولى بكم، فما أدركتم فصلوا، أي ما أدركتم من ركعات الصلاة فصلوه، وبإطلاقه أخذ جماعة من العلماء أن الجماعة تدرك بأي جزء أدرك قبل سلام الإِمام، ويحصل للمأموم فضل الجماعة وهو سبع وعشرون درجة، لكن من أدركها من أولها تكون درجته أكمل.

(وما فاتكم فأتموا) فيه دليل على أن ما أدركه المرء من صلاة إمامه هو أول صلاته، لأن لفظ الإتمام يقع على باقي فعل تقدم أوله، وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد قاله ابن الملك، قال الطيبي: وهو مذهب علي وأبي الدرداء، قلت: وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلَّا في القراءة، قال ابن حجر: وهو مذهب جمع من الصحابة والتابعين، وقال آخرون: ما أدركه معه هو آخر صلاته لرواية: "ما فاتكم فاقضوا" ورد بأن حقيقة القضاء هنا غير متأتية، فتعين حملها على رواية الإتمام الصريحة، قاله القاري (1).

قلت: قد اختلف الأئمة فيمن أدرك الإِمام يوم الجمعة بعد الركوع مثلًا في التشهد أو في سجود السهو هل يبني عليه الجمعة أو الظهر؟ فقال محمد: يبني عليها الظهر، ويصلي أربعًا، قال العيني في "شرح الهداية": وبه قال الشافعي ومالك (2) وأحمد بناءً على ما أخرجه الدارقطني (3) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى، وما فاتته الركعتان فليصل أربعًا".

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يبني عليها الجمعة، ويصلي ركعتي الجمعة مستدلًا بهذا الحديث الصحيح الصويح الذي أخرجه البخاري ومسلم، فإنه يدل

(1)"مرقاة المفاتيح"(2/ 180).

(2)

وينوي الجمعة ابتداء عند الشافعي والظهر عند أحمد، كذا في "الأوجز"(2/ 412). (ش).

(3)

"سن الدارقطني"(2/ 11).

ص: 424

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَا قَالَ الزُّبَيْدِيُّ وابْنُ أَبي ذِئْبٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ

===

على أن من فاته شيء من صلاة الإِمام، وأدرك شيئًا منها أي جزء كان، فعليه أن يتمه ويقضيه، فإذا أدرك في الجمعة التشهد أو سجود السهو فبناء على هذا الحديث عليه أن يتم الجمعة ويقضيه.

وفي رواية أخرى للدارقطني: "من أدرك من الجمعة ركعة صلَّى إليها أخرى، فإن أدركهم جلوسًا صلَّى الظهر أربعًا" والحديث ضعيف، لأن في سنده ياسين بن معاذ الزيات، قال الدارقطني: قال الشيخ: ياسين ضعيف، وأيضًا في روايةٍ صالح بن أبي الأخضر وهو أيضًا ضعيف، ضعفه يحيى بن معين والنسائي والبخاري، وعن ابن معين: ليس بشيء، وقال الجوزجاني: اتهم في أحاديثه، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث، وقال الترمذي: يضعف في الحديث، ضعفه يحيى القطان وغيره، قاله الذهبي في "الميزان"(1)، وأيضًا وقع في رواية للدارقطني سليمان بن أبي داود الحراني، قال في "الميزان" (2): ضعفه أبو حاتم، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: لا يحتج به.

ومع هذا حديث الدارقطني هذا لا يقاوم حديث الصحيحين، ولو سلم فيمكن أن يوجه قوله:"فإن أدركهم جلوسًا" أي بعد الفراغ من الصلاة، وكذلك قوله:"من فاتته الركعتان" أي فوتهما بسلام الإِمام، فحينئذ لا يخالف حديث الصحيحين في المعنى.

(قال أبو داود: وكذا) أي مثل ما قال يونس عن ابن شهاب بلفظ: "وما فاتكم فأتموا"، (قال الزبيدي) هو محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي بالزاي والموحدة مصغرًا، أبو الهذيل الحمصي القاضي، ثقة ثبت، من كبار أصحاب الزهري، (وابن أبي ذئب) أخرج روايته البخاري (3)(ابرا هيم بن سعد) أخرج

(1)(2/ 288).

(2)

(2/ 206).

(3)

"صحيح البخاري"(636) وكذلك أخرجه الطحاوي (1/ 396)، والبيهقي (3/ 93)، وابن حبان (5/ 518) رقم (2146).

ص: 425

وَمَعْمَرٌ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عن الزُّهْرِيِّ:"وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عن الزُّهْرِيِّ وَحْدَهُ:"فَاقْضُوا". وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عن أَبِي سَلَمَةَ،

===

روايته مسلم (1)(ومعمر) أخرج روايته الترمذي (2)(وشعيب بن أبي حمزة) أخرج حديثه البخاري في الجمعة (3)(عن الزهري: وما فاتكم فأتموا) حاصله أن كلهم رووا عن الزهري بلفظ: فأتموا، وخالفهم ابن عيينة في هذا اللفظ (وقال ابن عيينة (4) عن الزهري وحده:"فاقضوا") أي لم يذكر ابن عيينة "فأتموا"، بل ذكر ابن عيينة وحده من بين أصحاب الزهري "فاقضوا"، قال الحافظ (5): رواه عنه ابن عيينة بلفظ: "فاقضوا"، وحكم مسلم في "التمييز" عليه بالوهم في هذه اللفظة مع أنه أخرج إسناده في "صحيحه" لكن لم يسبق لفظه.

قلت: ودعوى المصنف بأن ابن عيينة عن الزهري متفرد في لفظ "فاقضوا" غير صحيح، فإن الإِمام الطحاوي (6) أخرج بسنده عن الليث قال: ثني ابن الهاد، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، فذكر بإسناده مثله غير أنه قال:"فاقضوا"، فثبت بهذا أن ابن عيينة غير متفرد في رواية هذا اللفظ عن ابن شهاب.

(وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة) ذكره الطحاوي بسنده في "شرح

(1)"صحيح مسلم"(602) وكذلك أخرجه ابن ماجه (775) وأبو عوانة (2/ 82)، والبيهقي (2/ 297)، وابن عبد البر في "التمهيد"(20/ 299).

(2)

"سنن الترمذي"(328) وكذلك أخرجه عبد الرزاق (2/ 288) رقم (3404)، وأحمد (2/ 270).

(3)

"صحيح البخاري"(908).

(4)

أخرج روايته أحمد (2/ 238)، وابن أبي شيبة (2/ 358)، والحميدي (1/ 418) رقم (935)، ومسلم (602)، والترمذي (329)، والنسائي (2/ 114)، والطحاوي (1/ 396)، وابن حبان (5/ 517) رقم (2145)، والبيهقي (2/ 297).

(5)

"فتح الباري"(2/ 118).

(6)

"شرح معاني الآثار"(1/ 396).

ص: 426

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (1). وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ:«فَأَتِمُّوا» . وَابْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. وَأَبُو قَتَادَةَ وَأَنَسٌ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، كُلُّهُمْ (2): «فَأَتِمُّوا".

571 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِىُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«ائْتُوا الصَّلَاةَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَصَلُّوا مَا أَدْرَكْتُمْ وَاقْضُوا مَا سَبَقَكُمْ» . [حم 2/ 382، خزيمة 1505، وانظر تخريج الحديث السابق]

===

معاني الآثار" (3) (عن أبي هريرة، وجعفر بن ربيعة (4)، عن الأعرج، عن أبي هريرة: فأتموا) هذا تقوية وتأييد لما روى جمهور تلامذة الزهري عنه بقوله: فأتموا، ثم أيده برواية الصحابة غير أبي هريرة، فقال: (وابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو قتادة) أخرج روايته البخاري ومسلم (وأنس عن النبي، صلى الله عليه وسلم كلهم: فأتموا) أي كلهم قالوا بلفظة "فأتموا" (5).

571 -

(حدثنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ائتوا الصلاة) أي ائتوا المسجد للصلاة (وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم، واقضوا ما سبقكم،

(1) زاد في نسخة: "قال".

(2)

زاد في نسخة: "قالوا".

(3)

(1/ 396) وكذلك أخرجه البيهقي (2/ 297).

(4)

لم أقف على من أخرج روايته.

(5)

أما رواية ابن مسعود فأوردها ابن عبد البر في "التمهيد"(20/ 232) موقوفًا، وفيه انقطاع. ورواية أبي قتادة الأنصاري وصلها أحمد (5/ 306) والدارمي (1/ 201) رقم (1283) والبخاري (635) ومسلم (603) وابن خزيمة (1644) وابن حبان (2147) والبيهقي (2/ 298).

ص: 427

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ «وَلْيَقْضِ» (1) ، وَكَذَا أَبُو رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. وَأَبُو ذَرٍّ رُوِىَ عَنْهُ:«فَأَتِمُّوا وَاقْضُوا» وَاخْتُلِفَ فيهِ عَنْهُ.

===

قال أبو داود: وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة: وليقض) كما أخرجه مسلم في "صحيحه" ولفظه: واقض ما سبقك، (وكذا قال أبو رافع عن أبي هريرة) أي بلفظ القضاء، ولم أجد روايته فيما عندي من الكتب (وأبو ذر روي عنه) بلفظ (فأتموا) وبلفظ (واقضوا) روي عنه بكلا اللفظين (واختلف فيه) أي في هذا اللفظ (عنه) أي عن أبي ذر، ولم أجد روايته أيضًا (2)، وكذلك رواية ابن مسعود وأنس، وغرض المصنف من ذكر هذه الروايات ترجيح لفظ "فأتموا" على لفظ "فاقضوا".

قال العيني (3): وفي هذه اللفظة اختلاف، فعند أبي نعيم الأصبهاني:"وما فاتكم فاقضوا"، وكذا ذكر الإسماعيلي من حديث شيبان عن يحيى، وفي رواية لمسلم:"فاقض ما سبقك"، وفي رواية لأبي داود:"فاقضوا ما سبقكم"، وعند أحمد من حديث ابن عيينة عن الزهري:"وما فاتكم فاقضوا"، وفي "المحلى" من حديث ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة:"وما فاته فليقض"، وفي "مسند أبي قرة" عن ابن جريج عن الزهري بلفظ:"فاقضوا"، قال: وذكر سفيان عن سعد بن إبراهيم حدثني عمرو بن [أبي]، سلمة عن أبيه بلفظ:"وليقض ما سبقه".

اختلف العلماء في القضاء والإتمام المذكورين هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين؟ وترتب على ذلك خلاف فيما يدركه الداخل مع الإِمام هل هو أول صلاته أو آخرها؟ على أربعة أقوال:

(1) وفي نسخة: "يقضي".

(2)

أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(2/ 290) رقم (3412).

(3)

"عدة القاري"(4/ 210).

ص: 428

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أحدهما: أنه أْول صلاته وأنه يكون بانيًا عليه في الأفعال (1) والأقوال، وهو قول الشافعي وإسحاق والأوزاعي، وهو مروي عن علي وابن المسيب والحسن وعطاء ومكحول، ورواية عن مالك وأحمد، واستدلوا بقوله:"وما فاتكم فأتموا"، لأن لفظ الإتمام واقع على باقٍ من شيء قد تقدم سائره، وروى البيهقي عن الحارث عن علي رضي الله عنه:"ما أدركت فهو أول صلاتك"، وعن ابن عمر بسند جيد مثله.

الثاني: أنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال فيبني عليها، وآخرها بالنسبة إلى الأقوال قيقضِها، وهو قول مالك، قال ابن بطال عنه: ما أدرك فهو أول صلاته إلَّا أنه يقضي مثل الذي فاته من القراءة بأم القرآن وسورة، ودليله ما رواه البيهقي أن علي بن أبي طالب قال:"ما أدركت مع الإِمام فهو أول صلاتك، واقض ما سبقك به من القرآن".

الثالث: أن ما أدرك فهو أول صلاته إلَّا أنه يقرأ فيها بالحمد وسورة مع الإِمام، وإذا قام للقضاء قضى بالحمد وحدها ، لأنه آخر صلاته، وهو قول المزني وإسحاق، وأهل الظاهر.

الرابع: أنه آخر صلاته وأنه يكون قاضيًا في الأفعال والأقوال، وهو

(1) قلت: لكن يشكل عليه ما قال ابن رسلان: إن المسبوق بالركعتين ينبغي له أن يقرأ السورة في الأخريين لئلا تخلو صلاته عن ضم السورة، فتأمل. وحكى المذاهب الموفق ابن قدامة في "الشرح الكبير"(2/ 265) بخلاف هذا، فقال: اختلفت الرواية فيما يقضيه المسبوق فروي أنه أول صلاته، وما أدرك مع الإِمام آخرها، وهو ظاهر المذهب، وكذا قال مالك والثوري، وحكي عن الشافعي، وأبي حنيفة. وروي عن أحمد أن ما يقضيه آخر صلاته، وهو قول الشافعي، ورواية لمالك، ولا أعلم خلافًا بين الأئمة الأربعة في قراءة الفاتحة والسورة، قال ابن عبد البر: كل هؤلاء القائلين بالقولين جميعًا يقولون: يقضي ما فاته من الحمد والسورة على حسب ما قرأ إمامه، إلَّا إسحاق وداود والمزني، قالوا: يقرأ بالحمد وحدها (ش).

ص: 429

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قول أبي حنيفة وأحمد في رواية، وسفيان ومجاهد وابن سيرين، وقال ابن الجوزي: الأشبه بمذهبنا ومذهب أبي حنيفة أنه آخر صلاته، وقال ابن بطال: روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وإبراهيم النخعي والشعبي وأبي قلابة، ورواه ابن القاسم عن مالك وهو قول أشهب وابن الماجشون، واختاره ابن حبيب، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:"ما فاتكم فاقضوا"، ورواه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي ذر، وابن حزم بسند مثله عن أبي هريرة، والبيهقي بسند لا بأس به على رأي جماعة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.

والجواب عما استدل به الشافعي ومن تبعه وهو قوله: "فأتموا": أن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإِمام، فحمل قوله:"فأتموا" على أن من قضى ما فاته فقد أتم، لأن الصلاة تنقص بما فات، فقضاؤه إتمام لما نقص.

قلت (1): وههنا قول خامس (2) نسبه الحنفية إلى الإِمام محمد رحمه الله، وهو أن المسبوق يقضي أول صلاته في حق قراءة، وآخرها في حق تشهد، قال الشامي (3): وظاهر كلامهم اعتماد قول محمد.

وعندي الأوفق بلفظ الحديث قول من قال: إن ما أدرك من صلاة الإِمام فهو آخر صلاته، فإن لفظ الحديث:"ما فاتكم فأتموا"، تقديره: ما فات من صلاتكم عن صلاة إمامكم فاتموه أي ائتوه تامًا، والذي فات من الصلاة هو أول صلاته، فإنه لم يدركه مع الإِمام، فعليه بمقتضى الحديث أن يؤديه تامًا كاملًا، وما استدل على خلافه من أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل

(1) اختلفت أقوال الفقهاء في نقل قول الإِمام محمد، كما في "الشامي"(2/ 417) و"البدائع (1/ 565)، و"البحر" (2/ 174) بأشد البسط. (ش).

(2)

والفرق بين هذا القول والقول الثاني من الأقوال المذكورة يظهر من كلام صاحب "البدائع" وشيء من ذلك في "الأوجز"(2/ 23)(ش).

(3)

"رد المحتار"(2/ 418).

ص: 430

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

حال، فلو كان ما يدركه مع الإِمام آخرًا له لما احتاج إلى إعادة التشهد، أجاب عنه ابن بطال أنه ما تشهد إلَّا لأجل السلام، لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد، وأما استدلال ابن المنذر على ذلك بأنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلَّا في الركعة الأولى فغير مسلم في حق المسبوق، والله تعالى أعلم.

يقول العبد الحقير المعترف بالتقصير: إن هذا الحديث أورده المحدثون بألفاظ مختلفة بعضها محتملة للمعنيين، وبعضها محكمة في معنى واحد، فأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ولفظه:"فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"، وبهذا اللفظ أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، وكذلك أخرج مسلم من حديث أبي قتادة، وحكى أبو داود أن حديث ابن مسعود وأنس بهذا اللفظ يعني فأتموا، وروى سفيان بن عيينة من بين أصحاب الزهري في حديث أبي هريرة بلفظ:"فاقضوا" بدل "فأتموا".

واختلف أيضًا في حديث أبي قتادة، فرواية الجمهور "فأتموا"، ووقع لمعاوية بن هشام عن شيبان "فاقضوا"، وكذا روى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، فقال:"فاقضوا"، واختلف في حديث أبي ذر أيضًا، فروي عنه "فأتموا"، وروي عنه "واقضوا".

وهذان السياقان استدل بهما الفريقان، فالذين قالوا: إن المسبوق يدرك مع الإِمام أول صلاته، ثم إذا انفرد عن الإِمام يتم آخر صلاته، استدلوا بلفظ "فأتموا" فإن إتمام الشيء لا يتحقق إلَّا بعد ما تقدمه شيء، وأما لفظ "فاقضوا" ليس بمغاير للإتمام، فإن القضاء وإن كان يطلق على الفائت غالبًا، لكنه يطلق على الأداء أيضًا، ويرد بمعنى الفراغ، كقوله تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} (1) فيحمل قوله: "فاقضوا" ههنا على معنى الأداء والفراغ، فلا يغاير قوله:"فأتموا"، فلا حجة فيه لمن تمسك برواية "فاقضوا".

(1) سورة الجمعة: الآية 10.

ص: 431

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والذين قالوا: إن المسبوق المدرك صلاة الإِمام يؤدي مع الإِمام آخر صلاته، ثم إذا انفرد عن الإمام يقضي أول صلاته، احتجوا بلفظ "فاقضوا"، وقالوا: إن الأصل في القضاء هو الإتيان بالفائت، كما في قوله عليه السلام قال:"فأتموا بقية يومكم واقضوه، أخرجه أبو في داود في الصوم من حديث قتادة عن عبد الرحمن بن مسلمة، وأما لفظ "فأتموا" فيأتي بمعنى الإتيان تامًا، كما في قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1) فإذا احتمل كل واحد من اللفظين كل واحد من المعنيين، فلا يجوز الاستدلال بهما.

وأما ترجيح المحدثين لفظ "فأتموا" بأن هذا اللفظ ورد في أكثر الروايات، ولفظ "فاقضوا" في أقل منها، لو سلم فغير نافع، فحينئذ يجب المصير إلى دليل آخر ليس فيه احتمال مخالف ناشئ عن دليل.

فأقول (2): إن الإِمام مسلمًا أخرج في "صحيحه" حديث أبى هريرة من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صل ما أدركت واقض ما سبقك".

وكذلك أخرج أبو داود من طريق شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة ولفظه: "فصلوا ما أدركتم واقضوا ما سبقكم"، قال أبو داود: وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة، وكذا قال أبو رافع عن أبي هريرة.

فهذا سياق ثالث غير السياقين المتقدمين، وهذا السياق محكم ليس فيه احتمال، فإن قوله:"واقض ما سبقك" معناه أد ما فاتك سابقًا من الصلاة، فالمسبوق المدرك آخر صلاة الإِمام إما أن يصلي معه أول صلاته أو آخر

(1) سورة البقرة: الآية 196.

(2)

قلت: لكن ينافيه ما تقدم "وأتم ما بقي"، فإن لفظ "بقي" نص في الآخر. (ش).

ص: 432

(56)

بَابٌ (1): في الْجَمْعِ في الْمَسْجِدِ (2) مَرَّتَيْنِ

572 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا وُهَيْبٌ، عن سُلَيْمَانَ

===

صلاته، فإن صلَّى أول صلاته فلم يفت عنه في السابق شيء من الصلاة حتى يقال له: اقض الصلاة التي سبقتك، فإن آخر صلاته لم يفت سابقًا، وأما إذا صلَّى مع الإِمام آخر صلاته، فإنه يصدق عليه أنه فاتته سابقًا من صلاته فأمر بقضاء ما فات.

فإن قلت: لا نسلم أن لفظ السبق الذي ورد في هذا السياق محكم ليس فيه أحتمال مخالف، فإن السبق يطلق على الفوت المجرد عن معنى التقدم، كما في قوله تعالى:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا} (3)، وكذلك في قوله تعالى:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا} (4).

قلت: لا نسلم أْن هذا اللفظ في الآيتين عارٍ عن معنى التقدم، فإن دلالة لفظ السبق على الفوت باعتبار اللزوم، فإن السبق في بعض المواقع يستلزم الفوت، ودلالة الالتزام مستلزم للمطابقة، ولو سلم فإن معنى الفوت المجرد عن المتقدم يحتاج في دلالة اللفظ عليه على القرينة، ومعنى التقدم فيه غير محتاج إلى القرينة، وههنا الكلام خالٍ عن القرينة، فيحمل على معناه الوضعي وهو المتقدم، فلا احتمال فيه أصلًا.

(56)

(بابٌ: في الجمع) أي الصلاة بالجماعة (في المسجد)

أي: في مسجد واحد في وقت واحد (مرتين)

أي: ما حكمه هل يجوز ذلك أو لا؟

572 -

(حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب) بن خالد، (عن سليمان

(1) وفي نسخة: "باب ما جاء".

(2)

وفي نسخة: "في مسجد".

(3)

سورة الأنفال: الآية 59.

(4)

سورة العنكبوت: الآية 4.

ص: 433

الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، أَنَّ رَسُولَ (1) اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْصَرَ رَجُلاً يُصَلِّى وَحْدَهُ، فَقَالَ:«أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّىَ مَعَهُ» . [حم 3/ 5، ك 1/ 209، ق 3/ 69، حب 2399، ت 220، دي 1368، خزيمة 1632]

===

الأسود) الناجي بالنون والجيم، البصري أبو محمد، وثَّقه ابن معين، وذكره ابن حبان في "الثقات"، ونقل ابن خلفون توثيقه عن ابن المديني وغيره، (عن أبي المتوكل) علي بن داود، (عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلًا يصلي وحده) أي بعد ما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه كما يدل عليه رواية الترمذي ولفظه: "أن رجلًا دخل المسجد وقد صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي رواية لأحمد:"صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الظهر (2) فدخل رجل"، ولم يعرف اسم ذلك الرجل.

(فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا رجل يتصدق (3) على هذا) الهمزة فيه للاستفهام و"لا" بمعنى ليس، كقوله: ألا تنزل بنا فتصيب خيرًا، معناه أليس رجل ممن فرغوا من صلاتهم بالجماعة فيتصدق بثواب الجماعة على هذ الرجل الذي فاتته الصلاة مع الإِمام (فيصلي معه) مقتديًا به، فيحصل بذلك له أجر الجماعة، فإذا فعل ذلك فكأنه تصدق عليه، وزاد في رواية الترمذي:"فقام رجل وصلَّى معه"، وفي رواية أحمد:"فقام رجل من القوم فصلَّى معه".

قال الشوكاني (4): هو أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - كما بين ذلك ابن أبي شيبة، ثم قال: قال ابن الرفعة: وقد اتفق الكل على أن من رأى شخصًا يصلي منفردًا لم يلحق الجماعة، فيستحب له أن يصلي معه وإن كان قد صلَّى في جماعة.

(1) وفي نسخة: "النبي".

(2)

وفي "شرح المنهاج"(2/ 315): أن القصة وقعت لصلاة العصر، فتأمل. (ش).

(3)

وعند الترمذي: "أيكم يتجر على هذا"، والمعنى واحد. (ش).

(4)

"نيل الأوطار"(3/ 180).

ص: 434

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قلت: ودعوى الاتفاق فيمن قد صلَّى قبل ذلك في جماعة مسلمة، وأما في من لم يصل فدعوى الاتفاق ممنوعة، فإن الذين قالوا بكراهة تكرار الجماعة من الأئمة لا يجوِّزونه في محل يكره عندهم تكرار الجماعة.

قال الترمذي (1) بعد نقل هذا الحديث: وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين، قالوا: لا بأس بأن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صلي فيه، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال آخرون من أهل العلم: يصلون فرادى، وبه يقول سفيان وابن المبارك والشافعي يختارون الصلاة فرادى، انتهى (2).

قال الشوكاني: قال البيهقي: وقد حكى ابن المنذر كراهية ذلك عن سالم بن عبد الله وأبي قلابة وابن عون وأيوب والبتى وليث بن سعد والأوزاعي وأصحاب الرأي.

قلت: ومذهب الحنفية في ذلك ما في "الدر المختار" ولفظه: ويكره تكرار الجماعة بأذان وإقامة في مسجد محلة لا في مسجد طريق، أو مسجد لا إمام له ولا مؤذن، انتهى.

قال الشامي في "حاشيته"(3): ويكره، أي تحريمًا لقول "الكافي": لا يجوز، و"المجمع": لا يباح، و"شرح الجامع الصغير": إنه بدعة، قوله:"بأذان وإقامة"، عبارته في "الخزائن" أجمع مما هاهنا، ونَصُّها: يكره تكرار الجماعة في مسجد محلة بأذان وإقامة، إلَّا إذا صلَّى بهما فيه أولًا غيرُ أهله،

(1)"سنن الترمذي"(1/ 430).

(2)

قال الشعراني: ومنها قول أبي حنيفة ومالك والشافعي: إن من دخل المسجد فوجد إمامه قد فرغ كره له أن يستأنف جماعة أخرى، إلَّا أن يكون المسجد على ممر الناس مع قول أحمد: إنه لا يكره، وقريب منه في العيني. [انظر:"عمدة القاري"(4/ 231)]. (ش).

(3)

"رد المحتار"(2/ 342).

ص: 435

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أو أهله لكن بمخافتة الأذان، ولو كرر أهله بدونهما أو كان مسجد طريق جاز إجماعًا، كما في مسجد ليس له إمام ولا مؤذن، ويصلي الناس فيه فوجًا فوجًا، فإن الأفضل أن يصلي كل فريق بأذان وإقامة على حدة، انتهى.

والمراد بمسجد المحلة ما له إمام وجماعة معلومون كما في "الدر" وغيرها، قال في "المنبع": والتقييد بالمسجد المختص بالمحلة احتراز من الشارع، وبالأذان الثاني احتراز عما إذا صلَّى في مسجد المحلة جماعة بغير أذان حيث يباح إجماعًا.

ثم قال في الاستدلال على الإِمام الشافعي النافي للكراهة ما نصه: ولنا أنه عليه الصلاة والسلام كان خرج ليصلح بين قوم، فعاد إلى المسجد وقد صلَّى أهل المسجد، فرجع إلى منزله، فجمع أهله وصلَّى، ولو جاز ذلك لما اختار الصلاة في بيته على الجماعة في المسجد، ولأنّ في الإطلاق هكذا تقليل الجماعة معنى، فإنهم لا يجتمعون إذا علموا أنها لا تفوتهم.

وأما مسجد الشارع فالناس (1) فيه سواء لا اختصاص له بفريق دون فريق، انتهى، ومثله في "البدائع" وغيرها، ومقتضى هذا الاستدلال كراهة التكرار في مسجد المحلة ولو بدون أذان، ويؤيده ما في "الظهيرية": لو دخل جماعة المسجد بعد ما صلَّى فيه أهله يصلون وحدانًا، وهو ظاهر الرواية، انتهى.

وهذا مخالف لحكاية الإجماع المارة، وعن هذا ذكر العلامة الشيخ رحمة الله السندي تلميذ المحقق ابن الهمام في رسالته: أن ما يفعله أهل الحرمين من الصلاة بأئمة متعددة وجماعات مترتبة مكروه اتفاقًا.

ونقل عن بعض مشايخنا إنكاره صريحًا حين حضر الموسم بمكة سنة 551 هـ منهم الشريف الغزنوي، وذكر أنه أفتى بعض المالكية بعدم جواز ذلك

(1) كما في هامش "الكوكب"(1/ 242). (ش).

ص: 436

(57)

بَابٌ (1): فِيمَنْ صَلَّى في مَنْزِلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ، يُصَلِّي مَعَهُمْ

===

على مذهب العلماء الأربعة، ونقل إنكار ذلك أيضًا عن جماعة من الحنفية والشافعية والمالكية حضروا الموسم سنة 551 هـ، انتهى، وأقره الرملي في حاشية "البحر".

قلت: وأما استدلالهم على جواز ذلك (2) بهذا الحديث فممنوع، فإن هذا الحديث (3) يدل على تكرار الجماعة التي جماعة صورة، فإن الذي فرغ من صلاته إذا صلَّى مع من لم يصل صلاته يكون متنفلًا ولم يكرهه أحد من العلماء، وأما الجماعة حقيقة بأن الإِمام والمقتدي يجمعون وهم لم يصلوا قبل ذلك، فلا يدل هذا الحديث على جوازه، والله تعالى أعلم.

(57)

(بَابٌ فِيمَنْ صلَّى (4) في منزله ثم أدرك) (5) أي ثم حضر المسجد فأدرك (الجماعة، يصلي معهم) أي: ينبغي له أن يصلي معهم

(1) وفي نسخة: "باب فيمن صلَّى في منزله ثم أدرك جماعة يصلي معهم إذا كان في المسجد".

(2)

العجب من ابن رسلان لم يجب عن الحديث مع كونه خلاف مذهبه. (ش).

(3)

وهكذا أجاب عنه صاحب "البدائع"(1/ 379). (ش).

(4)

أي منفردًا كما تدل عليه الترجمة الآتية. (ش).

(5)

وذكر ابن العربي (2/ 20) اختلاف الأئمة على أربعة أقوال، وجمع ابن قتيبة في "التأويل" (ص 162) بينه وبين قوله عليه السلام:"لا تصلوا في يوم مرتين"، وقال ابن قدامة (2/ 519): من صلَّى فرضه ثم أدرك الجماعة وهو في المسجد يستحب له إعادتها مطلقًا، وبه قال الشافعي، وإن كان خارجِ المسجد لا يستحب الفجر والعصر، وقال مالك: إن صلَّى فرادى تعاد المغرب أيضًا وإلَّا فلا يعيد المغرب، وقال أبو حنيفة: تعاد الظهر والعشاء، قال ابن رسلان: قال ابن عبد البر: إنما يعيد الصلاة مع الجماعة من صلَّى منفردًا عند جمهور الفقهاء، وأما من صلَّى جماعة لا يعيد، بهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة، وذكر اختلاف أصحابهم في أي الصلاة تعاد، وتقدم شيء من =

ص: 437

573 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ (1) بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ، فَلَمَّا صَلَّى إِذَا رَجُلَانِ لَمْ يُصَلِّيَا فِى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ. فَدَعَا بِهِمَا، فَجِئَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا،

===

573 -

(حدثنا حفص بن عمر، ثنا شعبة، أخبرني يعلي بن عطاء، عن جابر بن يزيد بن الأسود) السوائي، ويقال: الخزاعي، صدوق، (عن أبيه) وهو يزيد بن الأسود (2)، أو ابن أبي الأسود الخزاعي، ويقال: العامري، صحابي، نزل الطائف، ووهم من ذكره في الكوفيين، (أنه) أي يزيد بن الأسود (صلَّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهي صلاة الفجر كما سيأتي (وهو غلام) قال في "المجمع" (3): الغلام يقال للصبي من حين الولادة إلى البلوغ، ويقال للرجل المستحكم القوة، والأنثى غلامة (شاب) وهو من بلغ إلى ثلاثين سنة.

(فلما صلَّى) أي فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا رجلان لم يصليا) أي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (في ناحية المسجد) أي جالسان في ناحية المسجد (فدعا) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بهما) أي برجلين جالسين في ناحية المسجد (فجيء بهما) أي بالرجلين (ترعد)(4) أي ترجف وتتحرك (فرائصهما) جمع فريصة، وهي أوداج العنق، واللحمة بين الجنب [والكتف] لا تزال ترعد، ووجه الرعدة ما أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم من العظمة

= المذاهب في "باب إذا أخر الإِمام الصلاة عن الوقت"، وفي "الشرح الكبير" للحنابلة (2/ 6): إن صلَّى ثم أقيمت الصلاة وهو في المسجد تستحب له الإِعادة، سواء صلَّى منفردًا أو جماعة، إلَّا المغرب ففيها روايتان: إحداهما: يستحب الإعادة كسائر الصلوات ويشفعها بالرابعة، والثانية: لا، وإن أقيمت وهو خارج المسجد لا يستحب له الدخول في أوقات النهي، ويستحب في غيرها، ولا تجب الإعادة رواية واحدة، وقال بعض أصحابنا: تجب مع إمام الحي، وإذا أعيدت فالفرض الأولى. (ش).

(1)

الحديث مختصر ذكره الشوكاني في "النيل"(3/ 112) مفصلًا. (ش).

(2)

انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(4/ 331) رقم (5526).

(3)

"مجمع بحار الأنوار"(4/ 60).

(4)

تُرْعَدُ: فعل ملازم للبناء لما لم يسلم فاعله.

ص: 438

فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ » قَالَا: قَدْ صَلَّيْنَا فِى رِحَالِنَا، قال: فَقَالَ: «لَا تَفْعَلُوا، إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِى رَحْلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الإِمَامَ وَلَمْ يُصَلِّ، فَلْيُصَلِّ مَعَهُ، فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ» . [ت 219، ن 858، حم 4/ 160، قط 1/ 413، حب 1564، ك 1/ 244]

574 -

حَدَّثَنَا ابْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:"صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِىِّ (1) صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ بِمِنًى" بِمَعْنَاهُ. [انظر سابقه]

===

والمهابة كما ورد في رواية الترمذي: "من رآه بداهة هابه".

(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما أي للرجلين: (ما منعكما أن تصليا) هذه الصلاة (معنا؟ قالا) أي الرجلان: (قد صلينا في رحالنا) أي في منازلنا (قال) أي يزيد: (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تفعلوا) أي ما فعلتم من ترك الصلاة مع الإِمام، بل (إذا صلَّى أحدكم في رحله) أي منزله (ثم أدرك الأمام) أي ثم حضر المسجد وأدرك الإِمام (ولم يصل) أي والحال أن الإِمام لم يصل (فليصل) أحدكم (معه) أي مع الإِمام (فإنها) أي الصلاة مع الإِمام (له) أي لأحدكم (نافلة).

574 -

(حدثنا ابن معاذ) عبيد الله، (ثنا أبي، ثنا شعبة، عن يعلي بن عطاء، عن جابر بن يزيد، عن أبيه قال: صليت (2) مع النبي -صلي الله عليه وسلم- الصبح (3) بمنى، بمعناه) أي حدثنا معاذ عن شعبة بمعنى ما حدث حفص بن عمر عن شعبة، وقد وقع في رواية أحمد والنسائي:"قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته، قال: فصليت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف"، وفي رواية لأحمد:"حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، قال: فصلَّى بنا صلاة الصبح أو الفجر".

(1) وفي نسخة: "رسول الله".

(2)

ولفظ ابن حبان (1564): "شهدت معه صلى الله عليه وسلم حجته فصليت معه الصبح، الحديث، "ابن رسلان"، وقد أخرج أحمد في "مسنده" (4/ 160). (ش).

(3)

وظاهر مسند "أبي حنيفة"(ص 82) و"كتاب الآثار" لمحمد (ص 19) أن الصلاة كانت الظهر، وكذا في "عقود الجواهر"(1/ 154)، وبه جزم في "البدائع"(1/ 642). (ش).

ص: 439

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال الشوكاني في "النيل"(1): اختلف في الصلاة التي تصلى مرتين هل الفريضة الأولى أوالثانية؟ فذهب الهادي والأوزاعي وبعض أصحاب الشافعي إلى أن الفريضة الثانية إن كانت في جماعة والأولى في غير جماعة، وذهب المؤيد بالله والإمام يحيى وأبو حنيفة وأصحابه (2) والشافعي إلى أن الفريضة الأولى، وعن بعض أصحاب الشافعي أن الفرض أكملهما، وعن بعض أصحاب الشافعي أيضًا أن الفرض أحدهما على الإبهام فيحتسب (3) الله بأيتهما شاء، وعن الشعبي وبعض أصحاب الشافعي أيضًا كلاهما فريضة.

احتج الأولون بحديث يزيد بن عامر عند أبي داود مرفوعًا وفيه: "فإذا جئت الصلاة فوجدت الناس يصلون، فصل معهم وإن كنت صليت، ولتكن لك نافلة وهذه مكتوبة"، ورواه الدارقطني بلفظ:"وليجعل التي صلَّى في بيته نافلة".

وأجيب بأنها رواية شاذة مخالفة لرواية الحفاظ والثقات كما قال البيهقي، وقد ضعفها النووي، وقال الدارقطني: هي رواية ضعيفة شاذة.

واستدل القائلون بأن الفريضة هي الأولى سواء كان جماعة أو فرادى بحديث يزيد بن الأسود عند أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي والدارقطني وإبن حبان والحاكم وصححه ابن السكن، قال الشافعي في القديم: إسناده مجهول، لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه، ولا لابنه جابر راو غير يعلى، قال الحافظ: يعلى من رجال مسلم، وجابر وثَّقه النسائي وغيره، وقال: وقد وجدنا لجابر راويًا غير يعلى أخرجه ابن منده في "معرفة الصحابة"، انتهى.

(1) انظر: "نيل الأوطار"(3/ 112 - 113).

(2)

وبه قال أحمد كما في "المغني"(2/ 522). (ش).

(3)

وبه جزم الدردير (1/ 321) وصرح بأنه لا يعاد المغرب. (ش).

ص: 440

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال في "الجوهر النقي"(1): وذكر ابن منده في "معرفة الصحابة" ثم قال: ورواه بقية، عن إبراهيم بن زيد بن ذي حماية، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه، فهذا راو آخر لجابر غير يعلى وهو ابن عمير، انتهى.

ومذهب الحنفية في ذلك أنه إذا صلَّى أحد صلاة، ثُمَّ أدرك جماعة يصليها، فقالوا: يدخل فيها إلَّا في الفجر والعصر والمغرب.

قال القاري (2): والجواب هو معارض بما تقدم من حديث النهي عن النفل بعد العصر والصبح، وهو مقدم لزيادة قوته، ولأن المانع مقدم، أو يحمل على ما قبل النهي في الأوقات المعلومة جمعًا بين الأدلة، وكيف! وفيه حديث صريح أخرجه الدارقطني (3) عن ابن عمر أن النبي -صلي الله عليه وسلم-:"إذا صليت في أهلك، ثم أدركت فصَلِّها إلَّا الفجر والمغرب"، قال عبد الحق: تفرد برفعه سهل بن صالح الأنطاكي وكان ثقة، وإذا كان كذلك فلا يضر وقف من وقفه، لأن زيادة الثقة مقبولة، فإذا ثبت هذا فلا يخفى وجه تعليل إخراجه الفجر مما يلحق به العصر، انتهى.

قلت: وأما من ادعى أن هذا الحديث ناسخ لحديث النهي عن الصلاة بعد العصر والصبح، لأن حديث يزيد بن جابر متأخر، لأنه وقع في حجة الوداع فقوله غير صحيح، لأنا لا نسلم تأخر حديث يزيد بن جابر، ولا دليل على ذلك، ووقوعه في حجة الوداع لا يستلزم التأخر، ومع هذا عمل بحديث النهي أصحابه من بعده، وقد ثبت عن عمر أنه كان يضرب في الصلاة بعد العصر حتى

(1) انظر: "السنن الكبرى مع الجوهر النقي"(2/ 302).

(2)

"مرقاة المفاتيح"(3/ 105).

(3)

ما أورد بعض أهل الحديث أن الحديث ليس في الدارقطني ليس بوجيه، فإن اختلاف النسخ في كتب الحديث معروف، والمثبت مقدم على النافي. (ش).

ص: 441

575 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ (1) ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ نُوحِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: جِئْتُ وَالنَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فِى الصَّلَاةِ، فَجَلَسْتُ وَلَمْ أَدْخُلْ مَعَهُمْ فِى الصَّلَاةِ، قَالَ: فَانْصَرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَأَى يَزِيدَ جَالِسًا فَقَالَ:«أَلَمْ تُسْلِمْ يَا يَزِيدُ؟ »

===

ينصرف من صلاته، قال ابن الهمام: وكان ضربه بمحضر من الصحابة من غير نكير، فكان إجماعًا، فكيف يصح دعوى النسخ؟ والله تعالى أعلم.

575 -

(حدثنا قتيبة، ثنا معن بن عيسى) بن يحيى الأشجعي مولاهم، أبو يحيى المدني القزاز، ثقة ثبت، قال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالك، (عن سعيد بن السائب، عن نوح بن صعصعة) قال في "الخلاصة": وثَّقه ابن حبان، وقال في "التقريب": نوح بن صعصعة المكي، مستور، (عن يزيد بن عامر (2)) بن الأسود العامري، أبو حاجز السوائي بضم المهملة، صحابي، يقال: إنه شهد حنينًا مع المشركين، ثم أسلم بعد ذلك.

(قال) أي يزيد: (جئت) النبي صلى الله عليه وسلم (والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة) أي والحال أن النبي-صلي الله عليه وسلم- في الصلاة مع الجماعة (فجلست) أي في ناحية المسجد على حدة من الصف (ولم أدخل معهم) أي مع المصلين (في الصلاة، قال: فانصرف)(3) أي عن الصلاة مقبلًا (علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يزيد جالسًا) أي على غير هيئة الصلاة، أو على حدة من الصف، وفي نسخة "المشكاة":"فرآني جالسًا".

(فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألم تسلم يا يزيد؟ ) الهمزة للاستفهام، أي أما

(1) زاد في نسخة: "بن سعيد".

(2)

انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(4/ 345) رقم (5577).

(3)

فيه أنه لا يكره هذا القول لقوله تعالى: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [التوبة: 127]، "ابن رسلان". (ش).

ص: 442

قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَسْلَمْتُ، قَالَ:«فَمَا (1) مَنَعَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَعَ النَّاسِ فِى صَلَاتِهِمْ؟ » قَالَ: إِنِّى كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِى مَنْزِلِى وَأَنَا أَحْسِبُ أَنْ قَدْ صَلَّيْتُمْ، فَقَالَ:«إِذَا جِئْتَ إِلَى الصَّلَاةِ (2) فَوَجَدْتَ النَّاسَ فَصَلِّ مَعَهُمْ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ تَكُنْ لَكَ نَافِلَةً، وَهَذِهِ مَكْتُوبَةً» . [ق 2/ 302، قط 1/ 276]

576 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ،

===

أسلمت يا يزيد؟ (قال) أي يزيد، وفي النسخة التي اختارها صاحب "مشكاة المصابيح" لفظ "قلت"، وقال القاري (3): وفي نسخة: "فقلت"(بلى يا رسول الله، قد أسلمت، قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ ) فإنه من علامة الإِسلام.

(قال) أي يزيد: "إني كنت قد صليت في منزلي) هذا اعتذار عن عدم الدخول في صلاة الجماعة، (وأنا أحسب أن قد صليتم) جملة حالية، أي والحال أني كنت أحسب أن فرغتم من الصلاة، وهذا اعتذار عن الصلاة في المنزل.

(فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جئت إلى الصلاة) أي إلى المسجد، (فوجدت الناس) أي يصلون (فصل معهم، وإن) وصلية (كنت قد صليت) أي في منزلك (تكن) أي هذه الصلاة التي صليت مع الناس (لك نافلة) أي زائدة في الثواب أو زائدة على الفرض (وهذه) أي التي صليت في منزلك (مكتوبة) ويحتمل العكس.

576 -

(حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على ابن وهب) عبد الله،

(1) وفي نسخة: "وما".

(2)

وفي نسخة: "المسجد".

(3)

"مرقاة المفاتيح"(3/ 107).

ص: 443

أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، عَنْ بُكَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَفِيفَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: حَدَّثَنِى رَجُلٌ مِنْ بَنِى أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِىَّ فَقَالَ (1): يُصَلِّى أَحَدُنَا فِى مَنْزِلِهِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَأْتِى الْمَسْجِدَ وَتُقَامُ الصَّلَاةُ، فَأُصَلِّى مَعَهُمْ، فَأَجِدُ فِى نَفْسِى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا! فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «فذَلِكَ لَهُ (2) سَهْمُ جَمْعٍ» . [ط 1/ 133/ 11، ق 2/ 300]

===

(أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب، (عن بكير) بن الأشج (أنه سمع (3) عفيف بن عمرو بن المسيب) السهمي، قال في "الخلاصة": وثقَه النسائي، وقال في "الميزان": لا يدرى من هو، قال في "التهذيب": قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(يقول) أي عفيف: (حدثني رجل من بني أسد بن خزيمة) وهذا الرجل مجهول (أنه) أي الرجل (سأل أبا أيوب الأنصاري فقال) الرجل: (يصلي أحدنا في منزله الصلاة) المكتوبة، (ثم يأتي المسجد وتقام الصلاة) أي هذه الصلاة التي صلاها في منزله (فأصلي معهم) تلك الصلاة، (فأجد في نفسي من ذلك) أي من تكرار الصلاة وإعادتها (شيئًا) أي من الشبهة أو الكراهة.

(فقال أبو أيوب: سألنا عن ذلك) أي عن مثل هذا السؤال (النبي صلى الله عليه وسلم فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم: (فذلك) أي الرجل الذي أعاد الصلاة في الجماعة (له) أي لذلك الرجل (سهم جمع) بالإضافة أي حظ جماعة ونصيب من أجرها وثوابها.

(1) وفي نسخة: "قال".

(2)

وفي نسخة: "لهم".

(3)

والحديث أخرجه عن عفيف مالك أيضًا. (ش).

ص: 444