المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(49) باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٣

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(2) كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌(1) أَوَّلُ كِتَابِ الصَّلَاةِ

- ‌(2) (بَابٌ: في الْمَوَاقِيتِ)

- ‌(3) بَابٌ: في وَقْتِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَيْفَ كَانَ يُصلِّيهَا

- ‌(4) (بَابٌ: في وَقْتِ صَلاةِ الظُّهْرِ)

- ‌(5) (بَابٌ: في وَقْتِ صَلاةِ الْعَصْرِ)

- ‌(6) بَابٌ: في وَقْتِ الْمَغْرِبِ

- ‌(7) بَابٌ: في وَقْتِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ

- ‌(8) (بَابٌ: في وَقْتِ الصُّبْحِ)

- ‌(9) بَابٌ: في الْمُحافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ

- ‌(10) بَابٌ: إِذَا أَخَّرَ الإِمَامُ الصَّلَاةَ عَنِ الْوَقْتِ

- ‌(13) بَابُ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ في الدُّورِ

- ‌(14) بَابٌ: في السُّرُجِ في الْمَسَاجِدِ

- ‌(15) بَابٌ: في حَصَى الْمَسْجِدِ

- ‌(16) بَابٌ: في كَنْسِ الْمَسْجِدِ

- ‌(17) (بَابٌ: في اعْتِزَالِ النِّسَاءِ في المَسَاجِدِ عَنِ الرِّجَالِ)

- ‌(19) بَابُ مَا جَاءَ في الصَّلَاةِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ

- ‌(20) بَابٌ: في فَضْلِ الْقُعُودِ في الْمَسْجِدِ

- ‌(21) بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ إِنْشَادِ الضَّالَّةِ في الْمَسْجِدِ

- ‌(22) بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ البُزَاقِ في الْمَسْجِدِ

- ‌(23) بَابُ مَا جَاءَ في الْمُشْرِكِ يدخلُ الْمَسْجِدَ

- ‌(24) بَابٌ: في الْمَواضِعِ الَّتي لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ

- ‌(25) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ في مَبَارِكِ الإِبْلِ

- ‌(26) بَابٌ: مَتَى يُؤْمَرُ الْغُلامُ بِالصَّلَاةِ

- ‌(27) (بَابُ بَدْءِ الأذَانِ)

- ‌(28) بَابٌ: كَيْفَ الأَذَانُ

- ‌(29) (بَابٌ: في الإقَامَةِ)

- ‌(30) بَابُ الرَّجُلِ يُؤَذِّنُ وُيُقِيمُ آخَرُ

- ‌(31) بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالأَذَانِ

- ‌(32) بَابُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤَذِّنِ منْ تَعَاهُدِ الْوَقْتِ

- ‌(33) بَابُ الأَذَانِ فَوْقَ الْمَنَارَةِ

- ‌(34) بَابٌ: في الْمُؤذِّنِ يَسْتَدِيرُ في أَذَانِهِ

- ‌(35) بَابُ مَا جَاءَ في الدُّعَاءِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ

- ‌(36) (بَابُ مَا يَقُولُ إِذا سَمِعَ المُؤَذِّنُ)

- ‌(37) بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الإِقَامَةَ

- ‌(38) بَابُ مَا جَاءَ في الدُّعَاءِ عِنْدَ الأَذَانِ

- ‌(39) بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ

- ‌(40) بَابُ أَخْذِ الأَجْرِ عَلَى التَّأْذِينِ

- ‌(41) بَابٌ: في الأَذَانِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ

- ‌(42) بَابُ الأَذَانِ لِلْأَعْمَى

- ‌(43) بَابُ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجدِ بَعْدَ الأَذَانِ

- ‌(44) بَابٌ: في الْمُؤَذِّنِ يَنْتَظِرُ الإِمَامَ

- ‌(45) بَابٌ: في التَّثويبِ

- ‌(46) بَابٌ: في الصَّلَاةِ تُقَامُ وَلَمْ يَأتِ الإِمَامُ، يَنْتَظِرُونَهَ قُعُودًا

- ‌(47) بَابٌ: في التَّشْدِيدِ في تَرْكِ الْجَمَاعَةِ

- ‌(48) (بَابٌ: في فَضْلِ صَلاةِ الجَمَاعَة)

- ‌(49) بَابُ مَا جَاءَ في فَضْلِ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ

- ‌(50) بَابُ مَا جَاءَ في الْمَشْيِ إِلَى الصَّلَاةِ في الظُّلَمِ

- ‌(51) بَابُ مَا جَاءَ في الْهَدْيِ فِي الْمَشْىِ إِلَى الصَّلاةِ

- ‌(52) بَابٌ: فِيمَنْ خَرَجَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَسُبِقَ بِهَا

- ‌(53) بَابُ مَا جَاءَ في خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسْجِدِ

- ‌(54) بَابُ التَّشْدِيدِ في ذَلِكَ

- ‌(55) بَابُ السَّعْيِ إِلَى الصَّلَاةِ

- ‌(58) بَابٌ: إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً، يُعِيدُ

- ‌(59) (بَابٌ: في جُمّاعِ الإمَامَةِ وَفَضْلِهَا)

- ‌(60) (بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ التَّدَافُعِ عَنِ الإمَامَةِ)

- ‌(61) بَابٌ: مَنْ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ

- ‌(62) بَابُ إِمَامَةِ النِّسَاءِ

- ‌(63) بَابُ الرَّجُلِ يَؤُمُّ الْقَوْمَ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ

- ‌(64) بَابُ إِمَامَةِ البَرّ وَالْفَاجِرِ

- ‌(65) باب إِمَامَةِ الأَعْمَى

- ‌(66) بابُ إِمَامَةِ الزَّائِرِ

- ‌(67) (بَابُ الإِمام يقُومُ مَكَانًا أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِ الْقَوْمِ)

- ‌(68) بَابُ إِمَامَةِ مَنْ صَلَّى بِقَوْمٍ وَقَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ

- ‌(69) بابُ الإِمَامِ يُصَلِّى مِنْ قُعُودٍ

- ‌(71) بَابٌ: إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً كَيْفَ يَقُومُون

- ‌(72) بَابُ الإِمَامِ يَنْحَرِفُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ

- ‌(73) بابُ الإِمَامِ يَتَطَوَّعُ فِى مَكَانِهِ

- ‌(74) بَابُ الإِمَامِ يُحْدِثُ بَعْدَمَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ

- ‌(75) (بابٌ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُها التَّسْلِيمُ)

- ‌(76) بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْمَأْمُومُ مِنَ اتِّبَاعِ الإِمَامِ

- ‌(77) بَابُ مَا جَاءَ في التَّشْدِيدِ فِيمَنْ يَرْفَعُ قَبْلَ الإِمَامِ أَوْ يَضَعُ قَبْلَهُ

- ‌(78) بَابٌ: فِيمَنْ يَنْصَرِفُ قَبْلَ الإِمَامِ

- ‌(81) باب الرَّجُلِ يُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ بَعْضُهُ عَلَى غَيْرِهِ

- ‌(82) بَابٌ: في الرَّجُلِ يُصَلِّي في قَمِيصٍ وَاحِدٍ

- ‌(83) بَابٌ: إِذَا كَانَ ثَوْبًا ضَيِّقًا

- ‌(84) بَابُ الإسْبَالِ في الصَّلَاةِ

- ‌(85) باب مَنْ قَالَ: يَتَّزِرُ بِهِ إِذَا كَانَ ضَيِّقًا

- ‌(86) بَابٌ: في كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ

- ‌(87) باب الْمَرْأَةِ تُصَلِّى بِغَيْرِ خِمَارٍ

- ‌(88) بَابُ مَا جَاءَ في السَّدْلِ في الصَّلَاةِ

- ‌(89) باب الصَّلَاةِ فِى شُعُرِ النِّسَاءِ

- ‌(90) باب الرَّجُلِ يُصَلِّى عَاقِصًا شَعْرَهُ

- ‌(91) بَابُ الصَّلَاةِ في النَّعْلِ

- ‌(92) باب الْمُصَلِّى إِذَا خَلَعَ نَعْلَيْهِ، أَيْنَ يَضَعُهُمَا

- ‌(93) بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ

- ‌(94) بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ

- ‌(95) بَابُ الرَّجُلِ يَسْجُدُ عَلَى ثَوْبِهِ

- ‌(96) بَابُ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ

- ‌(97) بَابُ الصُّفُوفِ بَيْنَ السَّوَارِي

- ‌(98) باب مَنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَلِىَ الإِمَامَ فِى الصَّفِّ وَكَرَاهِيَةِ التَّأَخُّرِ

- ‌(99) بَابُ مَقَامِ الصِّبْيَانِ مِنَ الصَّفِّ

- ‌(100) باب صَفِّ النِّسَاءِ وَكَرَاهِيَةِ التَّأَخُّرِ عَنِ الصَّفِّ الأَوَّلِ

- ‌(101) بَابُ مَقَامِ الإِمَامِ مِنَ الصَّفِّ

- ‌(102) بَابُ الرَّجُلِ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ

- ‌(103) باب الرَّجُلِ يَرْكَعُ دُونَ الصَّفِّ

- ‌(104) بَابُ مَا يَسْتُرُ الْمُصَلِّي

- ‌(105) بابُ الْخَطِّ إِذَا لَمْ يَجِدْ عَصًا

- ‌(106) بَابُ الصَّلَاةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ

- ‌(107) (بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى سَارِيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، ) (أَيْنَ يَجْعَلُها مِنْهُ

- ‌(109) باب الدُّنُوِّ مِنَ السُّتْرَةِ

- ‌(112) بَاب مَا يَقْطَعُ الصَّلَاة

- ‌(114) بَابُ مَنْ قَالَ: الْمَرْأَةُ لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ

- ‌(115) بَابُ مَنْ قَالَ: الْحِمَارُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ

- ‌(116) (بَابُ مَنْ قَالَ: الْكَلْبُ لَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ)

- ‌(117) (بَابُ مَنْ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَئ

الفصل: ‌(49) باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة

(49) بَابُ مَا جَاءَ في فَضْلِ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ

554 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ،

===

مسلم، ولكن سياقه يخالف سياق أبي داود، ولفظ مسلم:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلَّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلَّى الصبح في جماعة فكأنما صلَّى الليل كله".

فهذا السياق يدل على أن أداء صلاة الصبح في جماعة أفضل من أداء صلاة العشاء في جماعة، لأن صلاة العشاء يساوي نصف الليل، وصلاة الفجر يساوي الليل كله، فيجوز أن يحمل على ظاهره، ويمكن أن يوجه سياق مسلم بأن فيه تقديرًا، وتقديره: ومن صلَّى الصبح في جماعة وقد صلَّى العشاء قبل ذلك في جماعة، فحينئذ يكون معنى حديث مسلم وأبي داود متحدًا.

قال الطحطاوي على "مراقي الفلاح"(1): قوله: "من صلَّى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله"، يحتمل أنه بصلاة الصبح يحصل له ثواب النصف الآخر، فالليل كله حصل بمجموع الصلاتين، وهو الذي يشير إليه كلام ابن عباس، ويحتمل أنه أشار به إلى أن صلاة الصبح أفضل من صلاة العشاء، لأنه يكون بصلاتها كأنه قام نصف الليل، وبصلاته كانه قام الليل كله.

(49)

(بَابُ مَا جَاءَ في فَضْلِ المَشْيِ إلى الصَّلاةِ)

أي: في فضل المشي على الأقدام إلى الصلاة على الركوب، فثبت بهذا أن من كثر مشيه إلى الصلاة بزيادة المسافة فهو أفضل

554 -

(حدثنا مسدد، ثنا يحيى) القطان، (عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، (عن عبد الرحمن بن مهران)(2) المدني، مولى

(1)(ص 326).

(2)

بكسر الميم، "ابن رسلان". (ش).

ص: 394

عن عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَعْدٍ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الأَبْعَدُ فَالأَبْعَدُ مِنَ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ أَجْرًا". [جه 782، حم 2/ 351، ق 3/ 65، ك 1/ 208]

===

بني هاشم، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو الفتح الأزدي: فيه وفي شيخه عبد الرحمن بن سعد نظر، وفي "التقريب": مجهول.

(عن عبد الرحمن بن سعد)(1) المدني مولى الأسود بن سفيان، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وأما الأزدي فقال: فيه نظر.

(عن أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأبعد (2) فالأبعد من المسجد أعظم أجرًا) قال العيني (3): قال الكرماني: الفاء فيه للاستمرار، كما في قولهم: الأمثل فالأمثل، ثم قال بعد نقل قول الكرماني: قلت: لم يذكر أحد من النحاة أن الفاء تجيء لمعنى الاستمرار، ولكن يمكن أن يكون الفاء ههنا للترتيب مع تفاوت من بعض الوجوه.

وقال الزمخشري: للفاء مع الصفات ثلاثة أحوال.

أحدها: أن تدل على ترتيب معانيها في الوجود، كقوله: الصابح فالغانم فالآئب، أي الذي صبح فغنم فآب.

والثاني: تدل على ترتيبها في التفاوت من بعض الوجوه نحو قولك: خذ الأكمل فالأفضل، واعمل الأحسن فالأجمل.

والثالث: أن تدل على ترتيب موصوفاتها في ذلك نحو: رحم الله المحلقين فالمقصرين.

(1) قال ابن رسلان: أبو حميد المقعد الأعرج. (ش).

(2)

ولا يخالفه حديث "شؤم الدار بعدها عن المسجد"، إذ كل من الحديثين مقيد بقيد، فحديث الشؤم بفوت الصلاة، وحديث الباب بعدمه، والبسط في "الكوكب"(3/ 418). (ش).

(3)

"عمدة القاري"(4/ 237).

ص: 395

555 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، التَّيْمِىُّ أَنَّ أَبَا عُثْمَانَ حَدَّثَهُ، عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ يُصَلِّى الْقِبْلَةَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَبْعَدَ مَنْزِلاً مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ فِى الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ (1) فِى الرَّمْضَاءِ وَالظُّلْمَةِ،

===

وقيل: تجيء الفاء تارة بمعنى ثم، كما في قوله تعالى:{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} (2) فالفاءات فيها بمعنى ثم لتراخي معطوفاتها، فعلى هذا يجوز أن يكون الفاء هاهنا بمعنى ثم، يعني أبعدهم ثم أبعدهم أي أبعدهم مسافة من المسجد.

555 -

(حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، نا زهير) بن معاوية أبو خيثمة، (نا سليمان) بن طرخان (التيمي أن أبا عثمان) النهدي عبد الرحمن بن مَلٍّ (3) (حدثه عن أبي بن كعب قال: كان رجل) لم يعرف اسمه (لا أعلم أحدًا من الناس ممن يصلي القبلة) أي من المسلمين (من أهل المدينة أبعد منزلًا) مفعول ثان لأعلم (من المسجد من ذلك الرجل (4) ، وكان) أي ذلك الرجل (لا تخطئه (5)) أي لا تفوته (صلاة) أي من الصلوات الخمس (في المسجد) أي في جماعة المسجد.

(فقلت) أي قال أبي بن كعب: فقلت لذلك الرجل: (لو اشتريت حمارًا تركبه في الرمضاء)(6) أي شدة الحرارة (والظلمة) أي إذا أتيت المسجد

(1) وفي نسخة: "فتركبه".

(2)

سورة المؤمنون: الآية 14.

(3)

بلام ثقيلة والميم مثلثة.

(4)

الأنصاري، "ابن رسلان". (ش).

(5)

بضم أوله وكسر ثالثه، "ابن رسلان". (ش).

(6)

هي الحجارة الحامية، "ابن رسلان". (ش).

ص: 396

فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّ مَنْزِلِى إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ، فَنُمِىَ (1) الْحَدِيثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ عَنْ (2) ذَلِكَ، فَقَالَ: أَرَدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يُكْتَبَ لِى إِقْبَالِى إِلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِى إِلَى أَهْلِى إِذَا رَجَعْتُ، فَقَالَ: «أَعْطَاكَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ،

===

(فقال) أي ذلك الرجل: (ما أحب أن منزلي) أي بيتي (إلى جنب المسجد) وكلامه هذا لما كان يوهم أنه لا يحب قرب المسجد بل يكرهه، وكان هذا منافيًا لحال المؤمن، ولفظ مسلم في هذا المعنى أصرح:"قال: أَمَا والله ما أحب أن بيتي مُطَنَّبٌ ببيت محمد صلى الله عليه وسلم، قال: فحملت به حملًا"، الحديث.

(فنمي) أي أبلغ (الحديث) أي ذلك القصة وكلام الرجل، ورواية مسلم تدل على أن المخبر والمبلغ هو أبي بن كعب نفسه، فإن فيه:"فحملت به حملًا، حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته"، ويمكن الجمع بينهما بأن يقال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك القصة غير أبي بن كعب، ثم أخبره أبي بن كعب (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله) أي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل (عن) معنى قوله (ذلك) وماذا أراد به؟ .

(فقال) أي ذلك الرجل: أرت يا رسول الله أن يكتب لي إقبالي إلى المسجد ووجوعي إلى أهلي إذا رجعت) أي فأجاب بأني أردت أن عدم محبتي قرب المسجد لأني إذا كنت بعيدًا من المسجد فيكتب لي أجر خطاي في إقبالي إلى المسجد، وأجر خطاي في رجوعي إلى أهلي، ولا يحصل ذلك الأجر في القرب، فلذلك ما أحب قرب المسجد.

(فقال) رسول الله- صلى الله عليه وسلم: (أعطاك الله ذلك كله (3)) أي أجر إقبالك

(1) وفي نسخة: "فنمى الحديث".

(2)

زاد في نسخة: "قوله".

(3)

أكده به ليدل على أنه يعطى أجر الرجوع إلى أهله أيضًا، لكن لا يلزم منه أن يكون أجر الرجوع كأجر الإِقبال. (ش).

ص: 397

أَنْطَاكَ اللَّهُ مَا احْتَسَبْتَ كُلَّهُ أَجْمَعَ". [م 663، جه 783، دي 1284، حم 5/ 133، ق 10/ 77]

556 -

حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِى (1) عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ

===

ورجوعك (أنطاك الله) قال في "لسان العرب": الإنطاء لغة في الإعطاء، وقيل: الإنطاء الإعطاء بلغة أهل اليمن (ما احتسبت) أي ما طلبت الثواب والأجر كما في الحديث: "ألا تحتسبون آثاركم"، أي: ألا تعدون الأجر في خطاكم إلى المسجد، فإن لكل خطوة أجرًا (كله أجمع).

556 -

(حدثنا أبو توبة) ربيع بن نافع، (نا الهيثم بن حميد، عن يحيى بن الحارث) الذماري بكسر المعجمة وتخفيف الميم، أبو عمرو الشامي القارئ، ثقة، مات سنة 145 هـ، (عن القاسم) بن عبد الرحمن (أبي عبد الرحمن) الدمشقي، مولى آل أبي بن حرب، الأموي، صاحب أبي أمامة، عن ابن معين: ليس في الدنيا قاسم بن عبد الرحمن شامي غير هذا، قال البخاري: سمع عليًا وابن مسعود وأبا أمامة، وقيل: لم يسمع من أحد من الصحابة إلَّا من أبي أمامة، صدوق، يرسل كثيرًا.

(عن أبي أمامة) اسمه صدي بالتصغير ابن عجلان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من خرج من بيته متطهرًا) حال (إلى صلاة مكتوبة) أي إلى مسجد أو غيره لأداء صلاة مكتوبة (فأجره) أي ثوابه مضاعف (كأجر الحاج) أي مثل أجر الحاج.

قال زين العرب: أي كأصل أجره، وقيل: كأجره من حيث أنه يكتب له بكل خطوة أجر كالحاج، وإن تغاير الأجران قلة وكثرة، أو كمية وكيفية،

(1) وفي نسخة: "ابن".

ص: 398

الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى

===

أو من حيث أنه يستوفى أجر المصلين من وقت الخروج إلى أن يرجع وإن لم يصل، إلَّا في بعض تلك الأوقات، كالحاج فإنه يستوفي أجر الحاج إلى أن يرجع وإن لم يحج إلَّا في عرفة.

(المحرم)(1) شبه بالحاج المحرم لكون التطهر من الصلاة بمنزلة الإحرام من الحج لعدم جوازهما بدونهما، وأمثال هذه الأحاديث ليست للتسوية، كيف! وإلحاق الناقص بالكامل يقتضي فضل الثاني وجوبًا ليفيد المبالغة وإلَّا كان عبثًا، فشبه حال المصلي المقاصد إلى المكتوبة بحال الحاج المحرم في الفضل مبالغة وترغيبًا، لئلا يتقاعد عن الجماعات.

(ومن خرج إلى تسبيح الضحى) أي صلاة الضحى، وكل صلاة تطوع تسبيحة وسبحة، قال الطيبي (2): المكتوبة والنافلة وإن اتفقتا في أن كل واحد منهما يسبح فيها، إلَّا أن النافلة جاءت بهذا الاسم أخص من جهة أن التسبيحات في الفرائض والنوافل سنَّة، فكأنه قيل للنافلة تسبيحة على أنها شبيهة بالأذكار في كونها غير واجبة.

وقال ابن حجر: ومن هذا أخذ أئمتنا قولهم: السنَّة في الضحى فعلها في المسجد، ويكون من جملة المستثنيات من خبر:"أفضل صلاة الرجل في بيته إلَّا المكتوبة"، انتهى، وفيه أنه على فرض صحة حديث المتن يدل على جوازه لا على أفضليته، أو يحمل (3) على من لا يكون له مسكن، أو في مسكنه شاغل ونحوه على أنه ليس للمسجد ذكر في الحديث أصلًا،

(1) من دويرة أهله كما هو مقتضى التشبيه بمن تطهير في بيته، فيه تقديم الإِحرام على الميقات، وجوازه مجمع عند الأربع إلَّا أنه خلاف الأفضل عند المالكية والحنابلة، وعندنا والشافعية الأفضل التقديم، ولم يجوزه داود وغيره. (ش).

(2)

انظر: "مرقاة المفاتيح"(2/ 213).

(3)

وقال ابن رسلان: ويحتمل أن يراد به صلاة الضحى في يوم الجمعة دون غيره لأدلة وردت. (ش).

ص: 399

لَا يُنْصِبُهُ إلَّا إِيَّاهُ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِى عِلِّيِّينَ». [حم 5/ 263، ق 3/ 63]

===

فالمعنى: من خرج من بيته أو سوقه أو شغله متوجهًا إلى صلاة الضحى تاركًا أشغال الدنيا.

(لا ينصبه) بضم الياء من الإنصاب أي لا يتعبه، ويروى بفتح الياء من نصبه أي أقامه، قاله زين العرب، وقال التوربشتي: هو بضم الياء والفتح احتمال لغوي لا أحققه رواية (إلَّا إياه) أي إلَّا تسبيح الضحى، وحقه أن يقال: إلَّا هو، فاستعير الضمير المنصوب موضع المرفوع، وقيل: هذا من باب الميل إلى المعنى دون اللفظ، وهو باب جليل من علم العربية، وقال ابن الملك: وقع الضمير المنصوب موضع المرفوع لأنه استثناء مفرغ، يعني لا يتعبه إلَّا الخروج إلى تسبيح الضحى.

(فأجره كأجر المعتمر) فيه إشارة إلى أن العمرة سنَّة (1)(وصلاة على إثر صلاة) بكسر الهمزة ثم السكون أو بفتحتين، أي عقيبها (لا لغو بينهما) أي من قول أو فعل، قال في "القاموس": اللغو واللغى كالفتى: السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره، انتهى، فيشمل اللغو من الفعل كما ورد في الحديث:"من مس الحصى فقد لغى"(2).

(كتاب) أي عمل مكتوب (في عليين) هو علم لديوان الخير الذي دون فيه أعمال الأبرار، قال تعالى:{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ} (3)، سمي به لأنه مرفوع إلى السماء السابعة تكريمًا، ولأنه سبب الارتفاع إلى أعلى الدرجات.

(1) وهي مختلفة عند الأئمة أوجبها الشافعي وأحمد، وسَنّها مالك، وهو المشهور عند الحنفية، كما سيجئ. (ش).

(2)

أخرجه مسلم (857)، وأبو داود (1050).

(3)

سورة المطففين: الآية 18 - 20.

ص: 400

57 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِى جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِى بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِى سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً،

===

[قال المنذري: ] وفي سنده القاسم أبو عبد الرحمن، وفيه مقال.

قلت: قال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(1): قال إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين: القاسم ثقة، وقال العجلي: ثقة، يكتب حديثه، وليس بالقوي، وقال يعقوب بن سفيان والترمذي: ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، وقال البخاري: قال أبو مسهر: حدثنا صدقة بن خالد، ثنا عبد الرحمن بن يزيد، عن جابر قال: ما رأيت أحدًا أفضل من القاسم، وقال أبو إسحاق الحربي: كان من ثقات المسلمين، وقال الجوزجاني: كان خيارًا فاضلًا، مات سنة 112 هـ.

557 -

(حدثنا مسدد، نا أبو معاوية) محمد بن خازم، (عن الأعمش) سليمان بن مهران، (عن أبي صالح) ذكوان، (عن أبي هريرة قال) أبو هريرة:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل)(2) أي الصلاة المكتوبة (في جماعة تزيد)(3) أي تلك الصلاة باعتبار الأجر والثواب (على صلاته في بيته وصلاته في سوقه) إذا صلَّى منفردًا (4)(خمسًا وعشرين درجة).

(1)(8/ 323).

(2)

وهل يكون جماعة النساء في الفضل كجماعة الرجال؟ وجهان، بسطه ابن رسلان. (ش).

(3)

في رواية "الصحيحين": "تضعف". قال الرمادي: يحتمل أن تضعف الصلاة فتصير ثنتين، ثم تضعف الاثنتان فتصير أربعة، ثم الأربعة ثمانية، وهكذا إلى أن ينتهي إلى خمسة وعشرين ضعفًا، وذلك شيء كثير من فضله تعالى، وحمله على هذا أجود، قاله ابن رسلان. (ش).

(4)

هذا هو الصواب، قال النووي (3/ 166): وما سواه باطل، كما نقل عن ابن التين: أن من صلى في السوق جماعة كان كمن صلى منفردًا لأنه مأوى الشياطين "ابن رسلان". وفي تراويح "الكبيري"(ص 402): إن صلى المكتوبة في بيته بالجماعة يحصل له ثواب الجماعة لا المسجد، وبسطه. وفي "الدر المختار" (2/ 340): =

ص: 401

وَذَلِكَ بِأَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، وَأَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إلَّا الصَّلَاةَ، وَلَا يَنْهَزُهُ - يعني- إلَّا الصَّلَاةُ،

===

قال ابن الملك: المراد الكثيرة لا الحصر، وفي رواية ابن عمر الذي رواه البخاري:"صلاة الجماعة تفضل بصلاة الفرد بسبع وعشرين (1) درجة"، ووجه التوفيق بينهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أولًا بزيادة خمس وعشرين، ثم زاد الله تعالى بفضله ورحمته درجتين فأخبر بسبع وعشرين، ويمكن أنه يختلف باختلاف حال المصلي والصلاة، فلبعضهم خمس وعشرون، ولبعضهم سبع وعشرون بحسب كمال الصلاة والمحافظة على قيامها والخشوع فيها وشرف البقعة والإمام، قال ابن حجر: وقد صح حديث: "صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته وحده خمسًا وعشرين درجة (2)، فإذا صلاها بأرض فلاة فأتم وضوءها وركوعها وسجودها بلغت صلاته خمسين درجة".

(وذلك)(3) أي التضعيف (بأن أحدكم) أي بسبب أن أحدكم (إذا توضأ فأحسن الوضوء) بأن أتى بالفرائض والسنن (وأتى المسجد) أي من بيته (لا يريد إلَّا الصلاة ولا ينهزه) أي لا يخرجه من بيته إلى المسجد (يعني إلَّا الصلاة)

= الجماعة سنَّة مؤكدة، إلى أن قال: في مسجد أو غيره، وكذا في "الطحطاوي على المراقي"(ص 231)، وفي "الفتح" (2/ 135) في أقاويل الجمع بين خمس وعشرين وسبع: سادسها الفرق بإيقاعها في المسجد وغيره، ومال الحافظ إلى أن التضعيف المذكور مختص بالمسجد. (ش).

(1)

وفي "العارضة (2/ 16): قال أبو عيسى: انفرد ابن عمر بسبع، وعامة من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكر خمسًا، وبسط رواياته الزرقاني (1/ 164)، والعيني (3/ 545)، وجمع في حاشية البخاري بأن خمسًا لغير صلاة الفجر والعصر، وسبعًا لهما لشركة الملائكة، وجمع في "الأوجز" بأحد عشر وجهًا (3/ 9)(ش).

(2)

فتصير صلاته ستًا وعشرين درجة، لأن الزائد خمس وعشرون، كذا يظهر من كلام الباجي، "أوجز المسالك"(3/ 7)(ش).

(3)

يعني هذه الزيادة المذكورة بسبب كيت وكيت، كذا قال ابن رسلان تبعًا "للفتح"(2/ 135) ورده في "اللامع"(3/ 125)(ش).

ص: 402

لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَاّ رُفِعَ لَهُ (1) بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِى صَلَاةٍ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ هِىَ تَحْبِسُهُ، وَالْمَلَائِكَةُ (2) يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِى مَجْلِسِهِ الَّذِى صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ أَوْ يُحْدِثْ فِيهِ». [خ 647، م 649، ت 216، جه 786، ق 3/ 171]

===

أي قصد الصلاة بجماعة لا شغل آخر (لم يخط) بفتح أوله وضم الطاء (خطوة) بضم أوله (3)، ويجوز الفتح (إلَّا رفع له بها درجة (4)، وحط بها (5) عنه خطيئة) أي إذا كان عليه سيئات (حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاة) أي كأنه مشغول في صلاة وإن كان في انتظار الصلاة (ما كانت الصلاة هي) أي الصلاة (تحبسه) أي تمنعه من الخروج عن المسجد، و"ما" بمعنى مادام.

(والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلَّى فيه يقولون: اللَّهُم اغفر له، اللَّهُم ارحمه، اللَّهُم تب عليه)، والمعنى: لا تزال الملائكة داعين له ما دام في مصلاه أو منتظرًا للصلاة (ما لم يؤذ فيه) أي أحدًا من المسلمين بلسانه أو بيده (أو يحدث فيه) أي حدثًا حقيقيًا أي ما لم يبطل وضوءه.

قال ابن المهلب: معناه أن الحدث في المسجد خطيئة يحرم بها المحدث استغفار الملائكة ودعاءهم، وقيل: إخراج الريح من الدبر لا يحرم لكن أولى

(1) وفي نسخة: "رفع الله بها درجة".

(2)

وفي نسخة: "فالملائكة".

(3)

به ضبطه القرطبي، وضبطه ابن التين بالفتح، "ابن رسلان". (ش).

(4)

درجة حسية في الجنة أو معنوية. "ابن رسلان". (ش).

(5)

قيل: يحصل بكل خطوة شيئان، وقيل: الواو بمعنى أو. "ابن رسلان"(ش).

ص: 403

558 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن هِلَالِ بْنِ مَيْمُونٍ، عن عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ،

===

اجتنابه، لأن الملائكة تتأذى بما يتأذى منه بنو آدم، ويؤخذ منه أن الحدث الأصغر وإن منع دعاء الملائكة لا يمنع جواز الجلوس في المسجد، وادعى بعضهم فيه الإجماع، وفيه نظر، فقد نقل عن ابن المسيب والحسن، أنه كالجنب يمر فيه ولا يجلس، وقال ابن حجر: يجوز النوم فيه بلا كراهة عندنا، لأن أهل الصفة كانوا يديمون النوم في المسجد، وقيل: يكره للمقيم دون الغريب، وهو قريب من مذهب مالك وأحمد، وقال جمع من السلف بكراهته مطلقًا، والجمع ممكن بأن يقال: يكره لمن له مسكن دون غيره.

558 -

(حدثنا محمد بن عيسى، ثنا أبو معاوية، عن هلال بن ميمون) الجهني، (عن عطاء بن يزيد) الليثي، قلت: وقد أخرج الحاكم في "مستدركه"(1) هذا الحديث بسنده ولفظه: أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أنبأ إسماعيل بن قتيبة، ثنا يحيى بن يحيى، ثنا أبو معاوية، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد الخدري، الحديث، ثم قال بعد تخريجه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد اتفقا على الحجة بروايات هلال بن أبي هلال، ويقال: ابن أبي ميمونة، ويقال: ابن علي، ويقال: ابن أسامة، وكله واحد.

وقال الذهبي في "تلخيصه على المستدرك": وهلال هو ابن أبي هلال، ويقال: هو ابن أبي ميمونة، وهو ابن أسامة، وكلامهما صريح في أن المذكور في السند هو هلال بن أبي ميمونة.

والذي في جميع نسخ أبي داود هو هلال بن ميمون، ويؤيده ما ذكره الحافظ في ترجمة هلال بن ميمون الجهني، فقال (2): روى عن سعيد بن

(1)(1/ 208).

(2)

انظر: "تهذيب التهذيب"(11/ 84).

ص: 404

عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الصَّلَاةُ في جَمَاعَةٍ (1) تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً، فَإِذَا صَلَّاهَا في فَلَاةٍ

===

المسيب وعطاء بن يزيد الليثي، وعنه ثور بن يزيد وأبو معاوية الضرير وعبد الواحد بن زياد، فذكر في شيوخه عطاء بن يزيد الليثي، وفي تلامذته أبا معاوية الضرير، ولم يذكر في شيوخ هلال بن أبي ميمونة عطاء بن يزيد الليثي، ولا في تلامذته أبا معاوية وعبد الواحد بن زياد.

ويؤيد ما في أبي داود أيضًا أن ابن ماجه أخرج في "سننه"(2) هذا الحديث من طريق أبي كريب، ثنا أبو معاوية عن هلال بن ميمون عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري، الحديث.

فهذا الاختلاف وإن كان لا يضر بالحديث لأنهما ثقتان، ولكن لم يتعين لي أن الواقع في السند أيُّ الرجلين منهما، والله أعلم.

(عن أبي سعيد الخدري) اسمه سعد بن مالك بن سنان الأنصاري، له ولأبيه صحبة، استصغر بأحد، ثم شهد ما بعدها، مات بالمدينة بعد سنة ثلاث وستين (3).

(قال) أي أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة) المكتوبة (في (4) جماعة تعدل) أي تساوي (خمسًا، وعشرين صلاة) أي إذا صلاها منفردًا في بيته أو سوقه (فإذا صلاها) أي الصلاة المكتوبة (في فلاة)(5) قال في "لسان العرب": والفلاة: المفازة، والفلاة: القفر من الأرض، لأنها فُلِيَتْ من كل

(1) وفي نسخة: "الجماعة".

(2)

"سنن ابن ماجه"(788).

(3)

انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(4/ 467) رقم (5962).

(4)

استدل به على تساوي الأجر في الجماعات، سواء كثرت أو قلت، كما قال به بعض المالكية، وتقدم "ما كثر فهو أحب". "ابن رسلان". (ش).

(5)

أي مع الجماعة كما هو ظاهر السياق. "ابن رسلان". (ش).

ص: 405

فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً". [خ 646، ك 1/ 208]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيادٍ

===

خير، أي فُطِمَتْ وَعُزِلَتْ، وقيل: هي التي لا ماء فيها، وقيل: هي الصحراء الواسعة، والجمع فلًا وفَلَوَاتٌ وفُلِىٌّ وفِلىٌّ.

(فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة)، قال العيني (1): أي بلغت صلاته تلك خمسين صلاة، والمعنى: يحصل له أجر خمسين صلاة، وذلك يحصل له في الصلاة بالجماعة، لأن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة، فإذا صلاها منفردًا لا يحصل له هذا التضعيف، وإنما يحصل له إذا صلاها مع الجماعة خمسة وعشرين لأجل أنه صلاها مع الجماعة وخمسة وعشرون أخرى للتي هي ضعف تلك، لأجل أنه أتم ركوع صلاته وسجودها، وهو في السفر الذي هو مظنة التخفيف.

قال الشوكاني (2): قال ابن رسلان: لكن حمله على الجماعة أولى، وهو الذي يظهر من السياق، انتهى، والأولى حمله على الانفراد، والحكمة في الاختصاص صلاة الفلاة بهذا المزية أن المصلي فيها يكون في الغالب مسافرًا، والسفر مظنة المشقة، فإذا صلاها المسافر مع حصول المشقة تضاعفت إلى ذلك المقدار، وأيضاً الفلاة في الغالب من مواطن الخوف والفزع، فالإقبال مع ذلك على الصلاة أمر لا يناله إلَّا من بلغ في التقوى إلى حد يقصر عنه كثير من أهل الإقبال والقبول، وأيضًا في مثل هذا الموطن تنقطع الوساوس التي تقود إلى الرياء، فإيقاع الصلاة فيها شأن أهل الإخلاص.

(قال أبو داود: قال عبد الواحد بن زياد)، قال في "التقريب": عبد الواحد بن زياد العبدي مولاهم، البصري، ثقة، وفي حديثه عن الأعمش وحده

(1)"عمدة القاري"(4/ 232).

(2)

"نيل الأوطار"(3/ 155).

ص: 406