المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) (باب: في وقت صلاة العصر) - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٣

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(2) كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌(1) أَوَّلُ كِتَابِ الصَّلَاةِ

- ‌(2) (بَابٌ: في الْمَوَاقِيتِ)

- ‌(3) بَابٌ: في وَقْتِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَيْفَ كَانَ يُصلِّيهَا

- ‌(4) (بَابٌ: في وَقْتِ صَلاةِ الظُّهْرِ)

- ‌(5) (بَابٌ: في وَقْتِ صَلاةِ الْعَصْرِ)

- ‌(6) بَابٌ: في وَقْتِ الْمَغْرِبِ

- ‌(7) بَابٌ: في وَقْتِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ

- ‌(8) (بَابٌ: في وَقْتِ الصُّبْحِ)

- ‌(9) بَابٌ: في الْمُحافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ

- ‌(10) بَابٌ: إِذَا أَخَّرَ الإِمَامُ الصَّلَاةَ عَنِ الْوَقْتِ

- ‌(13) بَابُ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ في الدُّورِ

- ‌(14) بَابٌ: في السُّرُجِ في الْمَسَاجِدِ

- ‌(15) بَابٌ: في حَصَى الْمَسْجِدِ

- ‌(16) بَابٌ: في كَنْسِ الْمَسْجِدِ

- ‌(17) (بَابٌ: في اعْتِزَالِ النِّسَاءِ في المَسَاجِدِ عَنِ الرِّجَالِ)

- ‌(19) بَابُ مَا جَاءَ في الصَّلَاةِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ

- ‌(20) بَابٌ: في فَضْلِ الْقُعُودِ في الْمَسْجِدِ

- ‌(21) بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ إِنْشَادِ الضَّالَّةِ في الْمَسْجِدِ

- ‌(22) بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ البُزَاقِ في الْمَسْجِدِ

- ‌(23) بَابُ مَا جَاءَ في الْمُشْرِكِ يدخلُ الْمَسْجِدَ

- ‌(24) بَابٌ: في الْمَواضِعِ الَّتي لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ

- ‌(25) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ في مَبَارِكِ الإِبْلِ

- ‌(26) بَابٌ: مَتَى يُؤْمَرُ الْغُلامُ بِالصَّلَاةِ

- ‌(27) (بَابُ بَدْءِ الأذَانِ)

- ‌(28) بَابٌ: كَيْفَ الأَذَانُ

- ‌(29) (بَابٌ: في الإقَامَةِ)

- ‌(30) بَابُ الرَّجُلِ يُؤَذِّنُ وُيُقِيمُ آخَرُ

- ‌(31) بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالأَذَانِ

- ‌(32) بَابُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤَذِّنِ منْ تَعَاهُدِ الْوَقْتِ

- ‌(33) بَابُ الأَذَانِ فَوْقَ الْمَنَارَةِ

- ‌(34) بَابٌ: في الْمُؤذِّنِ يَسْتَدِيرُ في أَذَانِهِ

- ‌(35) بَابُ مَا جَاءَ في الدُّعَاءِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ

- ‌(36) (بَابُ مَا يَقُولُ إِذا سَمِعَ المُؤَذِّنُ)

- ‌(37) بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الإِقَامَةَ

- ‌(38) بَابُ مَا جَاءَ في الدُّعَاءِ عِنْدَ الأَذَانِ

- ‌(39) بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ

- ‌(40) بَابُ أَخْذِ الأَجْرِ عَلَى التَّأْذِينِ

- ‌(41) بَابٌ: في الأَذَانِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ

- ‌(42) بَابُ الأَذَانِ لِلْأَعْمَى

- ‌(43) بَابُ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجدِ بَعْدَ الأَذَانِ

- ‌(44) بَابٌ: في الْمُؤَذِّنِ يَنْتَظِرُ الإِمَامَ

- ‌(45) بَابٌ: في التَّثويبِ

- ‌(46) بَابٌ: في الصَّلَاةِ تُقَامُ وَلَمْ يَأتِ الإِمَامُ، يَنْتَظِرُونَهَ قُعُودًا

- ‌(47) بَابٌ: في التَّشْدِيدِ في تَرْكِ الْجَمَاعَةِ

- ‌(48) (بَابٌ: في فَضْلِ صَلاةِ الجَمَاعَة)

- ‌(49) بَابُ مَا جَاءَ في فَضْلِ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ

- ‌(50) بَابُ مَا جَاءَ في الْمَشْيِ إِلَى الصَّلَاةِ في الظُّلَمِ

- ‌(51) بَابُ مَا جَاءَ في الْهَدْيِ فِي الْمَشْىِ إِلَى الصَّلاةِ

- ‌(52) بَابٌ: فِيمَنْ خَرَجَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَسُبِقَ بِهَا

- ‌(53) بَابُ مَا جَاءَ في خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسْجِدِ

- ‌(54) بَابُ التَّشْدِيدِ في ذَلِكَ

- ‌(55) بَابُ السَّعْيِ إِلَى الصَّلَاةِ

- ‌(58) بَابٌ: إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً، يُعِيدُ

- ‌(59) (بَابٌ: في جُمّاعِ الإمَامَةِ وَفَضْلِهَا)

- ‌(60) (بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ التَّدَافُعِ عَنِ الإمَامَةِ)

- ‌(61) بَابٌ: مَنْ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ

- ‌(62) بَابُ إِمَامَةِ النِّسَاءِ

- ‌(63) بَابُ الرَّجُلِ يَؤُمُّ الْقَوْمَ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ

- ‌(64) بَابُ إِمَامَةِ البَرّ وَالْفَاجِرِ

- ‌(65) باب إِمَامَةِ الأَعْمَى

- ‌(66) بابُ إِمَامَةِ الزَّائِرِ

- ‌(67) (بَابُ الإِمام يقُومُ مَكَانًا أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِ الْقَوْمِ)

- ‌(68) بَابُ إِمَامَةِ مَنْ صَلَّى بِقَوْمٍ وَقَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ

- ‌(69) بابُ الإِمَامِ يُصَلِّى مِنْ قُعُودٍ

- ‌(71) بَابٌ: إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً كَيْفَ يَقُومُون

- ‌(72) بَابُ الإِمَامِ يَنْحَرِفُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ

- ‌(73) بابُ الإِمَامِ يَتَطَوَّعُ فِى مَكَانِهِ

- ‌(74) بَابُ الإِمَامِ يُحْدِثُ بَعْدَمَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ

- ‌(75) (بابٌ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُها التَّسْلِيمُ)

- ‌(76) بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْمَأْمُومُ مِنَ اتِّبَاعِ الإِمَامِ

- ‌(77) بَابُ مَا جَاءَ في التَّشْدِيدِ فِيمَنْ يَرْفَعُ قَبْلَ الإِمَامِ أَوْ يَضَعُ قَبْلَهُ

- ‌(78) بَابٌ: فِيمَنْ يَنْصَرِفُ قَبْلَ الإِمَامِ

- ‌(81) باب الرَّجُلِ يُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ بَعْضُهُ عَلَى غَيْرِهِ

- ‌(82) بَابٌ: في الرَّجُلِ يُصَلِّي في قَمِيصٍ وَاحِدٍ

- ‌(83) بَابٌ: إِذَا كَانَ ثَوْبًا ضَيِّقًا

- ‌(84) بَابُ الإسْبَالِ في الصَّلَاةِ

- ‌(85) باب مَنْ قَالَ: يَتَّزِرُ بِهِ إِذَا كَانَ ضَيِّقًا

- ‌(86) بَابٌ: في كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ

- ‌(87) باب الْمَرْأَةِ تُصَلِّى بِغَيْرِ خِمَارٍ

- ‌(88) بَابُ مَا جَاءَ في السَّدْلِ في الصَّلَاةِ

- ‌(89) باب الصَّلَاةِ فِى شُعُرِ النِّسَاءِ

- ‌(90) باب الرَّجُلِ يُصَلِّى عَاقِصًا شَعْرَهُ

- ‌(91) بَابُ الصَّلَاةِ في النَّعْلِ

- ‌(92) باب الْمُصَلِّى إِذَا خَلَعَ نَعْلَيْهِ، أَيْنَ يَضَعُهُمَا

- ‌(93) بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ

- ‌(94) بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ

- ‌(95) بَابُ الرَّجُلِ يَسْجُدُ عَلَى ثَوْبِهِ

- ‌(96) بَابُ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ

- ‌(97) بَابُ الصُّفُوفِ بَيْنَ السَّوَارِي

- ‌(98) باب مَنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَلِىَ الإِمَامَ فِى الصَّفِّ وَكَرَاهِيَةِ التَّأَخُّرِ

- ‌(99) بَابُ مَقَامِ الصِّبْيَانِ مِنَ الصَّفِّ

- ‌(100) باب صَفِّ النِّسَاءِ وَكَرَاهِيَةِ التَّأَخُّرِ عَنِ الصَّفِّ الأَوَّلِ

- ‌(101) بَابُ مَقَامِ الإِمَامِ مِنَ الصَّفِّ

- ‌(102) بَابُ الرَّجُلِ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ

- ‌(103) باب الرَّجُلِ يَرْكَعُ دُونَ الصَّفِّ

- ‌(104) بَابُ مَا يَسْتُرُ الْمُصَلِّي

- ‌(105) بابُ الْخَطِّ إِذَا لَمْ يَجِدْ عَصًا

- ‌(106) بَابُ الصَّلَاةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ

- ‌(107) (بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى سَارِيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، ) (أَيْنَ يَجْعَلُها مِنْهُ

- ‌(109) باب الدُّنُوِّ مِنَ السُّتْرَةِ

- ‌(112) بَاب مَا يَقْطَعُ الصَّلَاة

- ‌(114) بَابُ مَنْ قَالَ: الْمَرْأَةُ لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ

- ‌(115) بَابُ مَنْ قَالَ: الْحِمَارُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ

- ‌(116) (بَابُ مَنْ قَالَ: الْكَلْبُ لَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ)

- ‌(117) (بَابُ مَنْ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَئ

الفصل: ‌(5) (باب: في وقت صلاة العصر)

(5)

بَابٌ (1): في وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ

404 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ:"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، وَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِى وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ". [خ 550، م 621، ن 506، جه 682، ق 1/ 440]

405 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ:"وَالْعَوَالِى عَلَى مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: أَوْ أَرْبَعَةٍ".

===

(5)(بَابٌ: في وَقْتِ صَلاةِ الْعَصْرِ)

404 -

(حدثنا قتيبة بن سعيد، نا الليث) بن سعد، (عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك) بن نضر (أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس بيضاء) أي لم يدخلها صفرة (مرتفعة حية) وحياتها بقاء حرها وضوئها، (ويذهب الذاهب) أي بعد الفراغ من صلاة العصر (إلى العوالي) وهي جمع عالية، وهي القرى التي حول المدينة من جهة نجد، وأما من جهة تهامة فيقال لها: السافلة، فيلحق العوالي (والشمس) أي والحال أن الشمس (مرتفعة) أي دون ذلك الارتفاع، وعلى هذا العامل في الحال فعله المقدر وهو يصلها أو يدخلها، ويحتمل أن يكون العامل فيها الفعل المذكور وهو قوله:"فيذهب الذاهب"، وحينئذ لا يقدر لها الفعل.

405 -

(حدثنا الحسن بن علي) بن محمد، (نا عبد الرزاق) بن همام، (أنا معمر) بن راشد، (عن الزهري قال) أي الزهري:(والعوالي على ميلين أو ثلاثة، قال) أي معمر: (وأحسبه) أي الزهري (قال: أو أربعة) والميل ثُلُثُ فرسخ، أربعة آلاف ذراع بذراع محمد بن فرج الشاشي، طولها أربعة وعشرون

(1) وفي نسخة: "باب ما جاء

إلخ".

ص: 59

406 -

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ:"حَيَاتُهَا أَنْ تَجِدَ حَرَّهَا".

===

إصبعًا بعدد حروف لا إله إلَّا الله محمد رسول الله، وعرض الإصبع ست حبات شعير ملصقة ظهرًا لبطن، وزنة الحبة من الشعير سبعون حبة خردل، وفسر أبو شجاع الميل بثلاثة آلاف ذراع وخمس مدّة ذراع إلى أربعة آلاف ذراع، وفي "الينابيع": الميل ثلث الفرسخ، أربعة آلاف خطوة، كل خطوة ذراع ونصف بذراع العامة، وهو أربعة وعشرون أصبعًا. "عيني"(1).

واختلفت الروايات في تقدير بُعد العوالي من المدينة من ميلين إلى ثمانية أميال، فأقرب العوالي من المدينة على مسافة ميلين، وأبعدها (2) على ثمانية أميال، فبهذا يحصل التوفيق بين الروايات.

406 -

(حدثنا يوسف بن موسى، نا جرير) بن عبد الحميد، (عن منصور) بن المعتمر، (عن خيثمة) بن عبد الرحمن بن أبي سبرة بفتح المهملتين بينهما موحدة ساكنة، واسمه يزيد بن مالك بن عبد الله بن ذؤيب الجعفي الكوفي، لأبيه ولجده صحبة، وقد جده أبو سبرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابناه سبرة وعزيز، قال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، لم ينجُ من فتنة ابن الأشعث إلَّا هو وإبراهيم النخعي، وقال مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف: ما رأيت بالكوفة أحدًا أعجب إليَّ منهما، مات بعد سنة 80 هـ.

(قال: حياتها أن تجد حرها)(3) فالحياة مستعارة عن صفاء لونها عن التغير والاصفرار وقوة ضوئها وشدة حرها، فإن كل شيء ضعفت قوته فكأنه قد مات وكأنه جعل المغيب موتها.

(1)"عمدة القاري"(4/ 52).

(2)

وفي "المدونة"(1/ 143): عن مالك: أبعد العوالي على ثلاثة أميال، قال ابن عبد البر: هذا باعتبار المعظم، وإلَّا فأبعدها ثمانية أميال، ابن رسلان، وسيأتي أنهم يصلون إلى بيوتهم بعد المغرب حتى ترى مواقع نبلهم. (ش).

(3)

قال ابن رسلان: وذلك يكون عند المثلين غالبًا، انتهى. (ش).

ص: 60

407 -

حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ (1) قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ عُرْوَةُ: وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِى عَائِشَةُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِى حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ". [خ 522، م 611، ت 159، ن 505، جه 683، ط 1/ 4/ 2، عب 2072، ش 1/ 326، حم 6/ 37، دي 189، خزيمة 332، حب 1521]

408 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ

===

407 -

(حدثنا القعنبي) عبد الله بن مسلمة (قال: قرأت على مالك بن أنس، عن ابن شهاب، قال عروة: ولقد حدثتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس) والمراد بالشمس ضوؤها (في حجرتها) أي باقية (قبل أن تظهر)(2) أي قبل أن تصعد وتخرج من الحجرة.

قال العيني (3): استدل به الشافعي ومن تبعه على تعجيل صلاة العصر في أول وقتها، وقال الطحاوي: لا دلالة فيه على التعجيل لاحتمال أن الحجرة (4) كانت قصيرة الجدار، فلم تكن الشمس تحتجب عنها إلَّا بقرب غروبها، فيدل على التأخير لا على التعجيل.

408 -

(حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري) ابن عبد الصمد، أبو عبد الله البصري، قال علي (5) بن الجنيد: كان ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"،

(1) وفي نسخة: "عبد الله بن مسلمة القعنبي".

(2)

ولفظ ابن رسلان: "قبل أن يظهر الفيء" قال: أي قبل أن ينبسط في حجرتها، قال ابن رسلان: ولفظ البخاري: "قبل أن تظهر"، أي ترتفع، فهذا الظهور غير ذاك الظهور، ولا اختلاف بينهما، لأن انبساط الفيء لا يكون إلَّا بعد خروج الشمس. (ش).

(3)

" عمدة القاري"(4/ 46).

(4)

وسيأتي بيان الحجرة على هامش "باب ما جاء في البناء" من كتاب الأدب. (ش).

(5)

هكذا في "التهذيب". (ش). [وفي "تهذيب الكمال" (6/ 401): عليّ بن الحسين الجنيد].

ص: 61

أَبِى الْوَزِيرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْيَمَامِىُّ، حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِىِّ بْنِ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِىِّ بْنِ شَيْبَانَ قَالَ: "قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَكَانَ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ

===

(نا إبراهيم بن أبي الوزير) هو إبراهيم بن عمر بن مطرف الهاشمي مولاهم، أبو عمرو، ويقال: أبو إسحاق المكي، نزيل البصرة، قال أبو حاتم والنسائي: لا بأس به، روى له البخاري مقرونًا، وقال أبو عيسى الترمذي: حدثنا محمد بن بشار، ثنا إبراهيم بن أبي الوزير ثقة، وقال الدارقطني: ثقة، ليس في حديثه ما يخالف الثقات.

(نا محمد بن يزيد اليماي) روى عن يزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان اليمامي، وعنه إبراهيم بن عمر بن أبي الوزير، قال في "الميزان": شيخ معاصر لوكيع لا يعرف، وقال في "الخلاصة": مجهول.

(حدثني يزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان) الحنفي اليمامي قال في "الميزان": لا يعرف، وقال في "الخلاصة": مجهول، وكذا في "التقريب"، (عن أبيه) عبد الرحمن بن علي بن شيبان الحنفي اليمامي، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال العجلي: تابعي ثقة.

(عن جده علي بن شيبان)(1) بن محرز بن عمرو الحنفي السحيمي اليمامي، أبو يحيى، كان أحد الوفد من بني حنيفة، وله أحاديث أخرجها البخاري في "الأدب المفرد" وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، روى عنه ابنه عبد الرحمن.

(قال) أي علي بن شيبان: (قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) أي من اليمامة وافدين عليه فبايعناه، (فكان يؤخر العصر)(2) أي يصلي العصر مؤخرة

(1) انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(3/ 282) رقم (3788).

(2)

في "العارضة"(1/ 284): اختلفوا في أن الأفضل في العصر التأخير، كما قال به الحنفية، أو التعجيل، كما قال به الثلاثة

إلخ. قلت: واستدل الحنفية على تأخير العصر بما في "الشرح الكبير"(1/ 383) من أمره صلى الله عليه وسلم بتأخيره، إلَّا أن الحديث ضعيف. (ش).

ص: 62

مَا دَامَتِ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً".

===

(مَا دَامَتِ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً) أي صافية اللون لم يدخلها تغير وصفرة.

قال العيني (1): قال القرطبي: خالف الناس كلهم أبا حنيفة فيما قاله حتى أصحابه، قلت: إذا كان استدلال (2) أبي حنيفة بالحديث فما يضر مخالفة الناس له، ويؤيد ما قال أبو حنيفة حديث علي بن شيبان هذا، وهذا يدل على أنه كان يصلي العصر عند صيرورة ظل كل شيء مثليه، وحديث جابر:"صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر حين صار ظل كل شيء مثليه قدر ما يسير الراكب إلى ذي الحليفة العنق"، رواه ابن أبي شيبة بسندٍ لا بأس به.

وقال في "الجوهر النقي"(3): أخرجه أبو داود وسكت عنه، قلت: ويؤيده ما ذكره البيهقي (4) من رواية عبد الواحد أو عبد الحميد بن نافع أو نفيع الكلابي عن عبد الله بن رافع بن خديج عن أبيه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرهم بتأيخر العصر"، وهو مختلف في اسمه واسم أبيه، واختلف عليه في اسم ابن رافع فقيل فيه: عبد الله، وقيل: عبد الرحمن، قال البخاري: لا يتابع عليه، وحكي عن الدارقطني أنه قال: الصحيح عن رافع ضد هذا.

وأجاب عنه في "الجوهر النقي"، قلت: ذكر ابن حبان في ثقات التابعين عبد الله بن رافع، وذكر في ثقات أتباع التابعين عبد الواحد ابن نافع.

وما أخرج الحاكم (5) بسنده - وقال: صحيح على شرط البخاري - عن العباس بن ذريح عن زياد بن عبد الله النخعي قال: كنا جلوسًا مع علي في

(1)"عمدة القاري"(4/ 47).

(2)

ولا يذهب عليك أن الأصل المرجح عندنا في كل شيء أن الأوفق بالقرآن أقدم من كل شيء، فقوله:{قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} يدل على اتصال الصلاتين بالطلوع والغروب، فإن بعد المثل لا يقال قبل الغروب كما لا يخفى. (ش).

(3)

(1/ 441).

(4)

"السنن الكبرى"(1/ 443).

(5)

"المستدرك"(1/ 192).

ص: 63

(1)

.

409 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِى زَائِدَةَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ،

===

المسجد الأعظم، والكوفة يومئذٍ أخصاص، فجاء المؤذن، فقال، الصلاة يا أمير المؤمنين للعصر، فقال: اجلس فجلس، ثم عاد، فقال ذلك له، فقال على: هذا الكلب يعلمنا بالسنَّة، فقام فصلى بنا العصر، ثم انصرفنا إلى المكان الذي كنا فيه، فجثونا للركب لنزول الشمس للمغيب نتراءاها، والعباس ثقة، وزياد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين.

وما أخرج الترمذي (2) بسنده عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد تعجيلًا للظهر منكم، وأنتم أشد تعجيلًا للعصر منه"، وسكت الترمذي عن الحديث، ورجاله على شرط الصحيح.

وما في "مصنف عبد الرزاق"(3) عن الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: "كان من كان قبلكم أشد تعجيلًا للظهر وأشد تأخيرًا للعصر منكم"، وعن الثوري عن الأعمش:"كان أصحاب ابن مسعود يعجلون الظهر ويؤخرون العصر"، وعن الثوري عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد:"أن ابن مسعود كان يؤخر العصر"، وعن معمر عن خالد الحذاء:"أن الحسن وابن سيرين وأبا قلابة كانوا يمسون بالعصر"، انتهى.

409 -

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وبزيد بن هارون، عن هشام بن حسان، عن محمد) بن سيرين ، (عن عبيدة) بفتح المهملة وكسر الموحدة، ابن عمرو، ويقال: ابن قيس بن عمرو السلماني،

(1) زاد في نسخة: "باب في الصلاة الوسطى".

(2)

"سنن الترمذي"(161).

(3)

(1/ 540).

ص: 64

عن عَليٍّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ:

===

قال في "الأنساب"(1): بفتح السين المهملة وسكون اللام وفي آخره النون، هذه النسبة إلى سلمان، حي من مراد، قاله محمد بن حبيب بإسكان اللام، وأصحاب الحديث يُحرِّكون اللام، والمشهور بهذه النسبة عبيدة السلماني، وهو من أصحاب علي وابن مسعود، أسلم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وسمع عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، نزل بالكوفة، وكان شريح إذا أشكل عليه الشيء قال: إن هاهنا رجلًا في باب سلمة فيه جرأة، فيرسله إلى عبيدة، وكان ابن سيرين من أروى الناس عنه، وكل شيء روى محمد بن سيرين عن عبيدة سوى رأيه فهو عن علي.

وقال في "تهذيب التهذيب"(2): قال العجلي: كوفي تابعي ثقة جاهلي، أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ولم يره، وقال ابن معين: ثقة، لا يسأل عن مثله، وقال عثمان الدارمي: علقمة وعبيدة ثقتان، وقال علي بن المديني وعمرو بن علي الفلاس: أصح الأسانيد محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي، مات سنة 72 هـ.

(عن علي) بن أبي طالب (رضي الله عنه، أن رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق) أي يوم غزوة الخندق وهي الأحزاب، كانت في ذي القعدة (4) سنة خمس من الهجرة.

(1)(3/ 44).

(2)

(7/ 84).

(3)

قال ابن العربي (1/ 291) في حديث فوت أربع صلوات: قد أخرجه الترمذي عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، فقال: هذا إسناد منقطع، والصواب ما سيأتي أنه عليه الصلاة والسلام شغل ذاك اليوم عن صلاة واحدة وهي العصر فقط، ثم قال مالك وأبو حنيفة وأحمد: إن الترتيب بين الفوائت واجب، وقال الشافعي: لا يجب، وبسط في الدلائل. (ش).

(4)

وفي ابن رسلان شوال. (ش).

ص: 65

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقصتها على ما في "المجمع"(1): أنه لما أجلي بنو النضير ساروا إلى خيبر، فخرج نفر من أشرافهم إلى مكة يستنفر قريشًا إلى حرب المسلمين، وقالوا: إنا سنكون معكم حتى نستأصلهم، ودعوا غطفان، فنشطت قريش للقتال، ونزلوا قريبًا من المدينة، فأشار سلمان إلى حفر الخندق، وكانوا (2) عشرة آلاف، وخرج صلى الله عليه وسلم لثامن ذي القعدة في ثلاثة آلاف فضربوا عسكرهم، وكان كعب بن أسد وادع النبي صلى الله عليه وسلم على قومه فنقض العهد بما أغراه حيي بن أخطب اليهودي، فاشتد الخوف من كل جانب، ونجم النفاق من المنافقين، ومرَّ على ذلك أربعة وعشرون يومًا، ولم يكن حرب إلَّا الرمي بالنبل، ورُمي سعد بن معاذ بالأكحل.

فلما اشتدَّ ذلك أتى نعيم بن مسعود فقال: يا رسول الله! إني أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت، قال: خَذِّلْ عنَّا إن استطعت، فإن الحرب خدعة، فأتى قريظة، فقال: يا بني قريظة إن قريشًا وغطفان بغير بلدكم، به نساؤهم وذرياتهم، فإن انهزموا رجعوا إليه وخلوا بينكم وبين الرجل لا طاقة لكم به، فلا تقاتلوا حتى تأخذوا رهنًا من أشراف قريش وغطفان يكونون بأيديكم ثقة لكم، ثم أتى نعيم قريشًا، فقال: يا معشر قريش إن اليهود ندموا على ما صنعوا وأرسلوا بالندامة إلى محمد، وبأنهم يأخذون من قريش وغطفان رجالًا من أشرافهم فيعطونهم إياه، ثم أتى غطفان، وقال لهم مثل ذلك، فاستوحش كل فريق عن صاحبه بسبب ذلك، وهبت ريح شديدة لا تترك قدرًا ولا نارًا، ففزعوا وفروا والحمد لله، وقتل من المسلمين ستة ومن المشركين ثلاثة، فانصرفوا إلى المدينة ووضعوا السلاح.

فنزل جبرئيل وأمر بالسير إلى بني قريظة، فسار صلى الله عليه وسلم إليهم، فحاصرهم

(1)"مجمع بحار الأنوار"(5/ 263).

(2)

أي الكفار، "ابن رسلان". (ش).

ص: 66

«حَبَسُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ (1) ، مَلأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا» (2). [خ 2931، م 627، ت 2984، ن 473، جه 684، دي 1232، ق 2/ 188، حم 592]

===

خمسًا وعشرين ليلة حتى جهدوا، فمنهم من آمن كثعلبة بن شعبة وأسيد بن شعبة وأسيد بن عبيد، ونزل الآخرون على حكم سعد بن معاذ، فحكم بقتل الرجال ونهب الأموال وسبي الذراري والنسوان، فحبسوا في دار، وخرج صلى الله عليه وسلم إلى السوق وخندق فيها، فيجاء بهم أرسالًا ويضرب أعناقهم، وهم ست مئة أو سبع مئة أو ثمان مئة أو تسع مئة، أقوال، وكان علي والزبير يضربان أعناقهم وهو صلى الله عليه وسلم جالس هناك، ثم قسم أموالهم، وبعث بعض سباياهم إلى نجد ليبتاع بهم خيلًا وسلاحًا، واصطفى من نسائهم ريحانة بنت عمر فكانت عنده حتى توفي.

(حبسونا) أي منعتنا الأحزاب (عن صلاة (3) الوسطى) هذا عند الكوفيين من إضافة الموصوف إلى الصفة، وأما البصريون فيقدرون لها موصوفًا أي صلاة الساعة الوسطى (صلاة العصر) بدل من صلاة الوسطى، ويحتمل الرفع بتقدير المبتدأ، أي وهي صلاة العصر، (ملأ الله بيوتهم) أي أحياء (وقبورهم) أي أمواتًا (نارًا).

قال العيني (4): وقد اختلفوا فيه، والجمهور على أنها صلاة العصر، وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة، وهو الصحيح من مذهب (5) أبي حنيفة وقول

(1) قال ابن العربي: هذا أصح من حديث الترمذي: "حبسونا عن أربع صلوات"، وفي هامش البخاري: منهم من قال: إن الأحزاب كانت أيامًا .. (ش).

(2)

قال القاري في شرح "الشمائل" في الفرق بينه وبين ما قال عليه الصلاة والسلام حين كسرت رباعيته: "اللَّهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون": إن الأول كان من حق الله تعالى، والثاني من حقه فعفا فيه

إلخ. (ش).

(3)

قال ابن العربي (1/ 295): يحتمل أن يكون بمعنى الفضلى من قولهم: وسط أي خيار، ويحتمل أن يراد الوسط وهو المساوي في البعد. (ش).

(4)

"عمدة القاري"(12/ 469).

(5)

قال في "الدر المختار"(5/ 361): وهي الوسطى على المذهب. (ش).

ص: 67

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أحمد، والذي صار إليه معظم الشافعية، وقال النووي: وهو قول أكثر علماء الصحابة، وقال الماوردي: هو قول جمهور التابعين، وقال ابن عبد البر: وهو قول أكثر أهل الأثر، وبه قال من المالكية ابن حبيب وابن العربي وابن عطية.

وقد جمع الحافظ الدمياطي في ذلك كتابًا سماه "كشف المغطى عن الصلاة الوسطى"، وذكر فيها تسعة عشر قولًا، الأول: أنها الصبح، والثاني: أنها الظهر، وبه قال أبو حنيفة في رواية، والثالث: أنها العصر، والرابع: أنها المغرب، لأنها لا تقصر في السفر، ولأن قبلها صلاتي السر، وبعدها صلاتي الجهر، والخامس: أنها جميع الصلوات، والسادس: أنها الجمعة، السابع: الظهر في الأيام والجمعة يوم الجمعة، الثامن: العشاء لأنها بين صلاتين لا تقصران، التاسع: الصبح والعشاء، العاشر: الصبح والعصر، الحادي عشر: صلاة الجماعة، الثاني عشر: الوتر، الثالث عشر: صلاة الخوف، الرابع عشر: صلاة عيد الأضحى، الخامس عشر: صلاة عيد الفطر، السادس عشر: صلاة الضحى، السابع عشر: واحدة من الخمس غير معينة، الثامن عشر: الصبح أو العصر على الترديد، التاسع عشر: التوقف، وزاد بعضهم العشرين وهي صلاة الليل، فإن قلت (1): لِمَ لم يصلوا صلاة الخوف؟ قلت: لأن هذا كان قبل نزول صلاة الخوف (2).

ومناسبة الحديث بالباب تؤخذ من قوله: "حبسونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر"، فإن الحبس يقتضي فوتها، والفوت لا يكون إلَّا بالتوقيت بأن يكون له وقت باعتبار الابتداء والانتهاء، والله تعالى أعلم.

(1)"عمدة القاري"(10/ 251).

(2)

فلا يجوز عند الجمهور تأخير الصلاة بعد نزول صلاة الخوف، وذهب مكحول والشاميون إلى جواز تأخير صلاة الخوف، "ابن رسلان". (ش).

ص: 68

410 -

حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِى يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ - رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ قَالَ:"أَمَرَتْنِى عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا، وَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الآيَةَ فَآذِنِّى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (1) ، فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا، فَأَمْلَتْ عَلَىَّ "{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ،

===

410 -

(حدثنا القعنبي) عبد الله بن مسلمة، (عن مالك) الإِمام، (عن زيد بن أسلم، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي يونس مولى عائشة) ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية، وذكره ابن حبان في "الثقات"، له في "صحيح مسلم" وفي "السنن" حديثان (2) عن عائشة، وروى له البخاري في "الأدب" آخر، وذكره مسلم في الطبقة الأولى من المدنيين، وقال في "التقريب": ثقة.

(أنه) أي أبا يونس (قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها) أي لعائشة (مصحفًا) أي قرآنًا (وقالت) أي عائشة لمولاها أبي يونس: (إذا بلغت) أي في الكتابة (هذه الآية فآذني) أي أعلمني ({حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ}) أي جميعها ({وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}) أي بخصوصها.

(فلما بلغتها) أي بلغت كتابتي إليها (آذنتها، فأملت) بتشديد اللام من الإملال، وبتخفيفها من الإملاء، وكلاهما بمعنى أي ألقت (عليَّ) لأكتب ({حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وصلاة (3) العصر) فزادت: وصلاة

(1) سورة البقرة: الآية 238.

(2)

كذا في "التهذيب". قلت: أحدهما هذا، والثاني يأتي في كتاب الصوم "باب من أصبح جنبًا في شهر رمضان". (ش).

(3)

بالواو في الروايات الكثيرة الشهيرة، واستدل بها على أن الوسطى غير العصر، لأن العطف يقتضي المغايرة، "ابن رسلان"، ورده في "الأوجز"(3/ 90)، وفيه أيضًا أن المشهور من الأقوال ثلاثة، العصر قول الجمهور والحنفية وأحمد، والظهر رواية لأبي حنيفة، والصبح مذهب مالك والشافعي. (ش).

ص: 69

{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} "، ثُمَّ قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم". [م 629، ن 472، ت 2982، ط 1/ 138/ 25، حم 6/ 73]

411 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ أَبِى حَكِيمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الزِّبْرِقَانَ

===

العصر ({وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، ثم قالت (1) عائشة: سمعتها) أي هذه الكلمة "وصلاة العصر"(من رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وظاهره أن الوسطى غير العصر، لأن العطف يقتضي المغايرة، ويمكن حمل العطف على التفسير ليتفق الحديثان، وهذه القراءة شاذة لا عبرة بها ، لأنها لم تثبت متواترة، ولعله صلى الله عليه وسلم قالها تفسيرًا، أو كانت فنسخت تلاوتها، والمناسبة بالباب باعتبار الأمر بالمحافظة عليها تستدعي كونها مؤقتة.

411 -

(حدثنا محمد بن المثنى، حدثني محمد بن جعفر) غندر، (نا شعبة) بن الحجاج، (حدثني عمرو بن أبي حكيم)(2) الواسطي أبو سعيد، ويقال: أبو سهل، ويعرف بابن الكردي، يقال: إنه مولى لآل الزبير، قال أبو داود والنسائي: ثقة، وقال ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو حاتم: صالح الحديث.

(قال: سمعت الزبرقان)(3) بن عمرو بن أمية الضمري بفتح المعجمة وسكون الميم، نسبة إلى بني ضمرة، ويقال: الزبرقان بن عبد الله بن أمية، قال النسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال يحيى بن سعيد: كان زبرقان ثقة، قال علي: فقلت له: أكان ثبتًا؟ قال: كان صاحب حديث، فقلت: إن سفيان لا يحدث عنه، قال: لم يره، وليس كل من يحدث عنه سفيان كان ثقة.

(1) ورواية "الموطأ": أن المصحف كان لحفصة، ونحوه أخرج ابن أبي داود في "كتاب المصاحف" من نحو عشرين طريقًا، "ابن رسلان". (ش).

(2)

بفتح الحاء. "ابن رسلان". (ش).

(3)

بكسر الزاء والراء."ابن رسلان". (ش).

ص: 70

يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّى صَلَاةً أَشَدَّ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا، فَنَزَلَتْ:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وَقَالَ: «إِنَّ قَبْلَهَا صَلَاتَيْنِ وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ» . [حم 5/ 183، ق 1/ 458]

===

(يحدث عن عروة بن الزبير، عن زيد بن ثابت)(1) بن الضحاك بن زيد بن لوذان الأنصاري النجاري، صحابي مشهور، كان يكتب الوحي، قال مسروق: كان من الراسخين في العلم، وقال الشعبي: غلب زيد الناس على اثنتين الفرائض والقرآن، وفضائله كثيرة، قيل: إن أول مشاهده يوم الخندق، توفي سنة 45 هـ أو بعدها.

(قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة) أي في شدة الحر عقب الزوال، (ولم يكن يصلي صلاة أشد) أي أشق وأصعب (على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها) ولذا شكوا حر الرمضاء، وكانوا يسجدون على ثيابهم فيها، (فنزلت:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} أي الفضلى، إذ الأوسط هو الأفضل، وواسطة العقد أشرف ما فيه.

(وقال) أي زيد بن ثابت (2)، وهو الصواب، وقيل: النبي - صلي الله عليه وسلم -، حكاه القاري عن السيد:(إن قبلها) أي الظهر (صلاتين) إحداهما نهارية والأخرى ليلية (وبعدها صلاتين) أي كذلك، أو هي واقعة وسط النهار.

والظاهر أن هذا اجتهاد من الصحابي نشأ من ظنه أن الآية نزلت في الظهر، فلا يعارض نصه عليه الصلاة والسلام:"أنها العصر"، ولا مناسبة لهذا الحديث بالباب، إلَّا أن يقال: لما ساق الروايات الدالة على أن المراد بالصلاة الوسطى العصر أتبعها بهذه التي تدل على أنها الظهر استطرادًا، أو يقال: إنه

(1) انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(2/ 235) رقم (1824).

(2)

والأوجه عندي أحد من الرواة، فإن المنقول عن زيد في وجهه أنه في وسط النهار، كما في "ابن رسلان"، إلَّا أن يقال: إنه تعدد منه الروايات في الوجوه. (ش).

ص: 71

412 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنِى ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ، وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْفَجْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ

===

ورد الأمر فيها بالمحافظة والمحافظة تقتضي كونها موقوتة، ثم أكثر النسخ خالية عن لفظ الباب ههنا، وكتب في حاشية النسخة الدهلوية ههنا:"باب من أدرك ركعة منها فقد أدركها".

412 -

(حدثنا الحسن بن الربيع) بن سليمان البجلي القسري، نسبة إلى قسر بفتح القاف وسكون المهملة، بطن من بجيلة، أبو علي الكوفي البوراني الحصار، ويقال: الخشاب، قال العجلي: كان يبيع البواري، كوفي ثقة، رجل صالح متعبد، وقال أبو حاتم: كان من أوثق أصحاب ابن إدريس، وقال ابن خراش: كوفي ثقة، كان يبيع القصب، وقال ابن شاهين في "الثقات": قال عثمان بن أبي شيبة: الحسن بن الربيع صدوق، وليس بحجة، وقال ابن حبان في "الثقات": هو الذي غمض ابن المبارك ودفنه، مات سنة 221 هـ.

(حدثني ابن المبارك) عبد الله، (عن معمر) بن راشد، (عن ابن طاوس) هو عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، أبو محمد الأبناوي بفتح الهمزة وسكون الموحدة، قال في "الأنساب": وكل من ولد باليمن من أولاد الفرس وليس بعربي يسمونهم الأبناء، ومنهم أبو عبد الرحمن طاوس بن كيسان الأبناوي، أمه من أبناء فارس، وأبوه من النمر بن قاسط، انتهى، قال أبو حاتم والنسائي: ثقة، وكذا قال الدارقطني في "الجرح والتعديل"، وقال العجلي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وكان من خيار عباد الله فضلًا ونسكًا ودينًا، وتكلَّم فيه بعض الرافضة، مات سنة 132 هـ.

(عن أبيه) طاوس بن كيسان، (عن ابن عباس) عبد الله، (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس

ص: 72

فَقَدْ أَدْرَكَ". [خ 579، م 607، ت 524، ن 514، جه 1122، ط 1/ 10/ 15، عب 2224، حم 2/ 241، دي 123، خزيمة 1595، حب 1483، ك 1/ 216، ق 1/ 379]

===

فقد أدرك (1)، ومن أدرك من الفجر ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك) (2).

ظاهر سياق هذا الحديث يقتضي أن من أدرك ركعة قبل غروب الشمس، ومن الفجر ركعة قبل طلوعها فقد أدركهما، فلا يجب عليه إتمامهما.

ويؤيده ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر". ولم يقل به أحد من أهل العلم، لأنه روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة.

وقد أخرج البخاري من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته".

وهذا يقتضي أن المدرك جزءًا من الصلاة لا يكون مدركًا لجميعها بحيث لا يكون إتمامها عليه واجبًا، فعلى هذا يجب أن يقدر معمولًا لقوله:"فقد أدرك"، أي من أدرك ركعة من الصلاة يعني في الوقت فقد أدرك الوقت، أو يقدر لفظ الوجوب، أي فقد أدرك وجوب الصلاة، فعلى هذا معنى الحديث: إذا أدرك قدر ركعة من الوقت لكونه صبيًا فبلغ، أو كان كافرًا فأسلم، أو كانت المرأة حائضًا فطهرت، فقد أدرك وجوب الصلاة، أو يحمل على ما إذا كان أدرك ركعة من الصلاة مع الإِمام فقد أدرك أي فضل الجماعة.

(1) قال ابن العربي (1/ 301): حاصل ما للعلماء فيه قولان: أحدهما قول أبي حنيفة: إنه لبيان الوقت فقط، والثاني ما للجمهور: إنه لبيان أوقات أهل الضرورة. (ش).

(2)

قلت: وفي الحواشي القديمة "للموطأ" وجّهه بتوجيهات. (ش).

ص: 73

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال العيني (1) ما ملخصه: إنهم اختلفوا في معنى الإدراك هل هو للحكم أو للفضل أو للوقت في أقل من ركعة؟ فذهب مالك وجمهور الأئمة، وهو أحد قولي الشافعي إلى أنه لا يدرك شيئًا من ذلك بأقل من ركعة، متمسكين بلفظ الركعة، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي في قول إلى أنه يكون مدركًا لحكم الصلاة.

فإن قلت: قيد في الحديث بركعة فينبغي أن لا يعتبر أقل منها؟ قلت: قيد الركعة فيه خرج مخرج الغالب، فإن غالب ما يمكن معرفة الإدراك به ركعة أو نحوها، حتى قال بعض الشافعية: إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر الركعة البعض من الصلاة، لأنه روي عنه:"من أدرك ركعة من العصر"، و"من أدرك ركعتين من العصر"، و"من أدرك سجدة من العصر"، فأشار إلى بعض الصلاة مرة بركعة، ومرة بركعتين، ومرة بسجدة، والتكبيرة في حكم الركعة لأنها بعض الصلاة، فمن أدركها فكأنه أدرك ركعة.

واستدل أبو حنيفة ومن تبعه بالحديث المذكور على أن آخر وقت العصر هو غروب الشمس، لأن من أدرك فيه ركعة أو ركعتين مدرك له، فإذا كان مدركًا يكون ذلك الوقت من وقت العصر، لأن معنى قوله:"فقد أدرك" أدرك وجوبها، حتى إذا أدرك الصبي أو أسلم الكافر أو أفاق المجنون أو طهرت الحائض قبل غروب الشمس تجب عليه صلاة العصر، ولو كان الوقت الذي أدركه جزءًا يسيرًا لا يسع فيه الأداء، وكذلك الحكم قبل طلوع الشمس. وقال زفر: لا يجب ما لم يجد وقتًا يسع الأداء فيه حقيقة، وعن الشافعي قولان فيما إذا أدرك دون ركعة كتكبيرة مثلًا: أحدهما: لا يلزمه، والآخر: يلزمه، وهو أصحهما.

وفي الحديث (2) دليل صريح على أن من صلَّى ركعة من العصر، ثم خرج الوقت قبل سلامه لا تبطل صلاته، بل يتمها، وهذا بالإجماع، وأما في الصبح

(1)"عمدة القاري"(4/ 69).

(2)

وراجع: "عمدة القاري"(4/ 69)، و"مشكل الآثار"(10/ 141). (ش).

ص: 74

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فكذلك عند الشافعي ومالك وأحمد، وعند أبي حنيفة: تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس فيها، وقالوا: الحديث حجة عليه.

قلت: من وقف على ما أسس عليه أبو حنيفة عرف أن الحديث ليس بحجة عليه، وعرف أن غير هذا الحديث من الأحاديث حجة عليهم، فنقول: إن الوقت (1) سبب للصلاة وظرف لها، ولكن لا يمكن أن يكون كل الوقت سببًا، لأنه يستلزم تأخير الأداء عن الوقت، فتعين أن يجعل بعض الوقت سببًا، وهو الجزء الأول لعدم المزاحم، فإذا لم يتصل به الأداء انتقلت السببية إلى ما بعده من الأجزاء، حتى تنتهي إلى آخر جزء من أجزاء الوقت، ثم هذا الجزء إن كان صحيحًا بحيث لم ينسب إلى الشيطان كما في الفجر وجب عليه كاملًا، فلا يؤدي إلَّا كاملًا، حتى لو طلع الشمس في خلال الصلاة فسدت، لأن ما وجب كاملًا لا يتأدى بالناقص، كالصوم المنذور المطلق وصوم القضاء لا يتأدى في أيام النحر والتشريق، وإن كان هذا الجزء ناقصًا كان منسوبًا إلى الشيطان كالعصر وقت الاحمرار وجب ناقصًا، لأن نقصان السبب مؤثر في نقصان المسبب، فيتأدى بصفة النقصان، لأنه أدى كما لزم، كما إذا نذر صوم النحر وأداه فيه، فإذا غربت الشمس في أثناء الصلاة لم تفسد العصر، لأن ما بعد الغروب كامل فيتأدى فيه، لأن ما وجب ناقصًا يتأدى كاملًا بالطريق الأولى.

فإن قلت: يلزم أن تفسد العصر إذا شرع فيه في الجزء الصحيح ومدها إلى أن غربت.

قلت: لما كان الوقت متسعًا جاز له شغل كل الوقت، فيعفى الفساد الذي

(1) والأوجه عندي في الجواب أن الحقيقة كان كذلك، يعني منع الصلاة في الوقتين لترجيح النهي، لكن الحنفية دأبهم ترجيح ما هو الأوفق بالقرآن وإن كان بظاهره يخالف الحديث، وقوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78]، يبيح الصلاة عند الغروب، فخصص من النهي، وبقي الفجر على حاله، فتأمل وتشكر. (ش).

ص: 75

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

يتصل به بالبناء، لأن الاحتراز عنه مع الإقبال على الصلاة متعذر، وأما الجواب عن الحديث المذكور فهو ما ذكره الإِمام الطحاوي، وهو: أنه يحتمل أن يكون معنى الإدراك في الصبيان الذين يدركون قبل طلوع الشمس، والحيَّض اللاتي يطهرن، والنصارى الذين يسلمون، فيكون هؤلاء الذين سميناهم ومن أشبههم مدركين لهذه الصلاة، فيجب عليهم قضاؤها، وإن كان الذي بقي عليهم من وقتها أقل من المقدار الذي يصلونها فيه.

فإن قلت: فما تقول فيما أخرجه البخاري وغيره من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث، وفيه:"إذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته"، فإنه صريح في ذكر البناء بعد طلوع الشمس.

قلت: قد تواترت الآثار بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس ما لم تتواتر بإباحة الصلاة عند ذلك، فدلى ذلك على أن ما كان فيه الإباحة كان منسوخًا بما كان فيه التواتر بالنهي.

فإن قلت: ما حقيقة النسخ في هذا والذي تذكره احتمال، وهل ثبت النسخ بالاحتمال؟ قلت: حقيقة النسخ ههنا أنه اجتمع في هذا الموضع محرم ومبيح، وقد عرف من القاعدة أن المحرم والمبيح إذا اجتمعا يكون العمل للمحرم، ويكون المبيح منسوخًا، وذلك لأن الناسخ هو المتأخر، ولا شك أن الحرمة متأخرة عن الإباحة، لأن الأصل في الأشياء الإباحة، والتحريم عارض، ولا يجوز العكس، لأنه يلزم النسخ مرتين.

فإن قلت: إنما ورد النهي عن التطوع خاصة دون الفرائض، قلت: دل حديث عمران بن حصين الذي أخرجه البخاري وغيره على أن الصلاة الفائتة قد دخلت في النهي، لأن فيه أنه صلى الله عليه وسلم أخَّر صلاة الصبح حين فأتت عنهم إلى أن ارتفعت الشمس، ولم يصلها قبل الارتفاع، فدل ذلك أن النهي عام يشمل الفرائض والنوافل، والتخصيص بالتطوع ترجيح بلا مرجح.

ص: 76

413 -

حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَامَ يُصَلِّى الْعَصْرَ،

===

وأما حكم هذه الصلاة فالصحيح أنها كلها أداء، وقال بعض الشافعية كلها قضاء، وقال بعضهم: تلك الركعة أداء وما بعدها قضاء، وتظهر فائدة الخلاف في مسافر نوى العصر وصلى ركعة في الوقت، فإن قلنا: الجميع أداء فله قصرها، وإن قلنا: كلها قضاء أو بعضها وجب إتمامها أربعًا، إن قلنا: إن فائتة السفر إذا قضاها في السفر يجب إتمامها، وهذا كله إذا أدرك ركعة في الوقت، فإن كان دون ركعة فقال الجمهور: كلها قضاء (1)، انتهى.

ومناسبة الحديث بترجمة الباب على ما في أكثر النسخ بأن الحديث يدل أن وقت العصر ينتهي إلى غروب الشمس.

413 -

(حدثنا القعنبي) عبد الله بن مسلمة، (عن مالك) بن أنس الإِمام، (عن العلاء بن عبد الرحمن أنه قال: دخلنا على أنس بن مالك) في داره بالبصرة، وداره بجنب المسجد كما في رواية مسلم (بعد الظهر) أي بعد الفراغ من صلاة الظهر، ولعل وجه تأخيره بأنه صلاها في الجماعة مع الإِمام، والأئمة إذ ذاك كانوا يؤخرونها، وهذا كان حين ولي عمر بن عبد العزيز المدينة نيابة لا في خلافته، لأن أنسًا رضي الله عنه توفي قبل خلافة عمر بن عبد العزيز بنحو تسع سنين، وإنما أخرها عمر بن عبد العزيز على عادة الأمراء قبله قبل أن تبلغه السنة في تقديمها، فلما بلغته صار إلى التقديم، ويحتمل أنه أخرها لشغل وعذر عرض له، قاله النووي (2).

(فقام) أي أنس بن مالك (يصلي العصر) وإنما لم ينتظر صلاة الإِمام، لأنه روى ابن مسعود عن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟ قلت: فما تأمرني إذا أدركني ذلك

(1) يشكل عليه ما في باب القضاء من "الشامي"(2/ 627) إذ قال: والأداء فعل الواجب في وقته، وبالتحريمة فقط بالوقت يكون أداء عندنا، وبركعة عند الشافعي. (ش).

(2)

"شرح صحيح مسلم"(3/ 134).

ص: 77

فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ذَكَرْنَا تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ أَوْ: ذَكَرَهَا، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّى إِذَا اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ، فَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَانٍ، أَوْ: عَلَى قَرْنَىِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا

===

يا رسول الله؟ قال: صل الصلاة لميقاتها، واجعل صلاتك معهم سبحة"، كما سيأتي عن قريب في "باب إذا أخر الإِمام الصلاة عن الوقت".

(فلما فرغ) أي أنس (من صلاته) أي العصر (ذكرنا تعجيل الصلاة) أي قلنا له: إنك تعجلت بالصلاة (أو) للشك من الراوي (ذكرها) أي ذكر أنس وجه تعجيل الصلاة، (فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تلك) أي صلاة العصر التي أخرت إلى الاصفرار (صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين) كررها تشديدًا وتغليظًا (يجلس) أي يستمر جالسًا (أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس) أي تغير لونها (فكانت بين قرني شيطان) أي دنت للغروب.

قال النووي (1): اختلفوا فيه فقيل: هو على حقيقته وظاهر لفظه، والمراد أنه يحاذيها بقرنيه عند غروبها، وكذا عند طلوعها، لأن الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له، ويخيل لنفسه ولأعوانه أنهم إنما يسجدون له، وقيل: هو على المجاز، والمراد بقرنيه: علوه وارتفاعه وسلطانه وتسلطه وغلبة أعوانه وسجود مطيعيه من الكفار للشمس، قال الخطابي (2): هو تمثيل ومعناه: أن تأخيرها بتزيين الشيطان ومدافعته لهم عن تعجيلها، كمدافعة ذوات القرون لما تدفعه، والصحيح الأول، انتهى.

(أو على قرني الشيطان) شك من الراوي (3)(قام) إلى الصلاة (فنقر أربعًا) والمراد بالنقر: سرعة الحركات، كنقر الطائر حين يلتقط الحب من الأرض، والنقر

(1)"شرح صحيح مسلم"(3/ 134).

(2)

انظر: "معالم السنن"(1/ 180).

(3)

في لفظ "بين" و"على"، وظاهر "الموطأ" أن الشك في التثنية والإفراد أيضًا. (ش).

ص: 78

لَا يَذْكُرُ الله عز وجل فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً". [م 622، ن 511، ت 160، عب 2080، حم 3/ 102، خزيمة 333، قط 1/ 254، ق 1/ 443]

(1).

414 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الَّذِى تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» . [خ 552، م 626، ن 478، ت 175، جه 685،

عب 2075، ش 1/ 342، حم 2/ 64، دي 1231، حب 1469، ق 1/ 444]

===

كناية عن السجود، وإطلاق الأربع مع أن السجود في العصر ثمانية باعتبار جعل السجدتين ركنًا واحدًا بإرادة الجنس، أو وروده في السفر، أو حين كان صلاة العصر ركعتين قبل الزيادة، أو لما كان لم يفصل بين السجدتين فكأنهما سجدة واحدة.

(لا يذكر الله عز وجل فيها) أي ذكرًا يعتد به لعدم اعتقاده أو لخلوه عن الإخلاص (إلَّا قليلًا) الظاهر أنه منفصل، أي لكنه في زمن قليل يذكر الله بلسانه فقط.

414 -

(حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك) بن أنس الإِمام، (عن نافع) مولى ابن عمر، (عن ابن عمر) عبد الله، (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (2): الذي تفوته) أي بغير اختياره (صلاة العصر)(3) أي عن آخر الوقت بغروب الشمس، وقيل: عن الوقت المختار باصفرار الشمس، وقيل: المراد فواتها في الجماعة (فكأنما وتر) على بناء المفعول أي سلب وأخذ (أهله وماله) بنصبهما ورفعهما، أي فكأنما فقدهما بالكلية أو نقصهما، قال في "القاموس": ووتره ماله: نقصه إياه.

(1) زاد في نسخة: "باب التشديد في الذي تفوته صلاة العصر".

(2)

قال ابن العربي (1/ 286): إسناد الحديث أصح من أن يتكلم عليه، ثم بسط معناها. (ش).

(3)

يختص بالعصر، وقيل: خرج مخرج الجواب ويعم الصلوات لرواية ابن عبد البر (14/ 118) بلفظ الصلاة، لكن فيه انقطاع، بسطه ابن رسلان. (ش).

ص: 79

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ (1) بْنُ عُمَرَ: «أُتِرَ» ، وَاخْتُلِفَ عَلَى أَيُّوبَ فِيهِ، وَقَالَ الزُّهْرِىُّ: عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«وُتِرَ» (2).

===

وقال الخطابي (3): قوله "وتر" أي نقص أو سلب، فيبقى وترًا فردًا بلا أهل ولا مال، يريد ليكن خطره (4) من فوتها كخطره من فوات أهله (5) وماله.

(قال أبو داود: وقال عبيد الله بن عمر) بن حفص، أي في روايته عن نافع عن ابن عمر:(أتر) بالهمزة المبدلة من الواو كما في وجوه، ووقتت، على خلاف ما رواه مالك عن نافع فإنه بالواو، ولكن أخرج الدارمي رواية عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر وفيه "وتر" بالواو على خلاف ما قاله المصنف.

(واختلف على أيوب فيه) أي في هذا اللفظ في الحديث، فقال بعض أصحابه: بالواو، وقال بعضهم: بالهمزة، ولكن لم نقف على رواية أيوب إلَّا ما حكاه في "الفتح"(6)، وقال: ويؤيد الذي قبله رواية أبي مسلم الكجي من طريق حماد بن سلمة عن أيوب، عن نافع، فذكر نحو هذا الحديث، وأيضًا لم نقف على اختلاف أصحاب أيوب فيما تتبعناه من الكتب.

(وقال الزهري: عن سالم، عن أبيه، عن النبي -صلي الله عليه وسلم - قال: وتر) أي بالواو، أخرج رواية الزهري عن سالم مسلم في "صحيحه"(7) وغيره.

(1) وفي نسخة: "عبد الله".

(2)

وفي نسخة: "أتر".

(3)

"معالم السنن"(1/ 180).

(4)

وفي "معالم السنن"(1/ 180)، فليكن حذره من فوتها كحذره من ذهاب أهله وماله.

(5)

روى ابن القيم في "كتاب الصلاة" له: أنه تشبيه وتمثيل لحبوط عمله بتركها، كأنه شبه اْعماله الصالحة بانتفاعه بها بمنزلة الأهل والمال، وجزم بأن من فاته العصر عمدًا حبطت أعماله الآخر، لحديث بريدة عند البخاري:"فقد حبط عمله". (ش).

(6)

"فتح الباري"(2/ 30).

(7)

"صحيح مسلم"(201/ 626).

ص: 80