الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) بَابٌ: في وَقْتِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَيْفَ كَانَ يُصلِّيهَا
397 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو - وَهُوَ ابْنُ الْحَسَنِ -
===
(3)
(بَابٌ: في وَقْتِ صَلاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَيْفَ كَانَ يُصَلِّيهَا)
وحاصل الترجمة: أن أوقات الصلوات الخمس كانت ممتدة ظرفًا تفضل عن قدر الصلاة لا معيارًا، فالغرض من عقد هذا الباب أن يبين فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي جزء منها يختار لصلاته، وكيف يصليها في الأوقات المختلفة
397 -
(حدثنا مسلم بن إبراهيم، نا شعبة) بن الحجاج، (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو إسحاق، ويقال: أبو إبراهيم، أمه أم كلثوم بنت سعد، وكان قاضي المدينة والقاسم بن محمد حيٌّ، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال صالح بن أحمد عن أحمد: ثقة، وُلِّي قضاء المدينة، وقال الدوري وغير واحد عن ابن معين: ثقة، وكذا قال العجلي، وأبو حاتم والنسائي، وقال الساجي: ثقة، أجمع أهل العلم على صدقه والرواية عنه إلَّا مالك، ويقال: إن سعدًا وعظ مالكًا فوجد عليه فلم يرو عنه، كان أحمد بن حنبل يقول: سعد ثقة، فقيل له: إن مالكًا لا يحدث عنه، فقال: من يلتفت إلى هذا، سعد ثقة، قال الساجي: ومالك إنما ترك الرواية عنه، فأما أن يكون يتكلم فيه فلا أحفظه، وقال أحمد بن البرقي: سألت يحيى عن قول بعض الناس في سعد: إنه كان يرى القدر، وترك مالك الرواية عنه، فقال: لم يكن يرى القدر، وإنما ترك مالك الرواية عنه، لأنه تكلم في نسب مالك، فكان مالك لا يروي عنه، وهو ثبت لا شك فيه، مات سنة 125 هـ، وقيل بعدها.
(عن محمد بن عمرو، وهو) أي عمرو (بن الحسن) بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله المدني، أمه رملة بنت عقيل بن أبي طالب، قال أبو زرعة والنسائي وابن خراش: ثقة، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات".
قال: "سَأَلْنَا جَابِرًا عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّى الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ،
===
(قال: سألنا جابرًا) أي ابن عبد الله الأنصاري الصحابي (عن وقت علاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال) أي جابر: (كان يصلي الظهر بالهاجرة). قال في "القاموس": والهَجِيرُ والهَجِيْرَةُ والهَجْرُ والهاجِرَةُ: نصفُ النهار عند زوال الشمس مع الظُّهْرِ، أو من عند زوالها إلى العَصْر، لأن الناس يستكِنُّون في بيوتهم، كأنهم قد تهاجروا، وشدةُ الحر، انتهى، وهذا بظاهره يعارض ما أمر به من الإبراد.
والجواب عنه ما قاله الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1)، ما حاصله: ذهب قوم إلى استحباب تعجيل الظهر في الزمان كله في أول وقتها، واحتجوا بالأحاديث الدالة عليه، منها هذا الحديث، ومنها حديث خباب:"شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء بالهجير فما أشكانا"، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها:"ما رأيت أحدًا أشد تعجيلًا لصلاة الظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما استثنت أباها ولا عمر رضي الله عنهما"، وكذلك الأحاديث الآخر المروية في هذا الباب.
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: أما في أيام الشتاء فيعجل بها، وأما في أيام الصيف فيؤخر، واحتجوا في ذلك بالأحاديث الواردة في الإبراد المروية عن أبي ذر وأبي سعيد وأبي هريرة وأبي موسى.
وقال: قد روي أن تعجيل الظهر في الحر قد كان يفعل، ثم نسخ، دل عليه حديث المغيرة بن شعبة، قال:"صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر بالهجير، ثم قال: إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا بالصلاة"، فأخبر المغيرة في حديثه هذا أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإبراد بالظهر بعد أن كان يصليها في الحر، فثبت بذلك نسخ تعجيل الظهر في شدة الحر، ووجب استعمال الإبراد
(1)(1/ 186).
وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَالْعِشَاءَ إِذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ، وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ". [خ 560 ، م 646، ن 527]
===
في شدة الحر، وقد روي عن أنس بن مالك وأبي مسعود:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجلها في الشتاء، ويؤخرها في الصيف"، انتهى.
وقال الحافظ (1): وحديث مغيرة بن شعبة حديث رجاله ثقات، رواه أحمد وابن ماجه، وصححه ابن حبان، ونقل الخلال عن أحمد أنه قال: هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمع بعضهم بأن الإبراد رخصة، والتعجيل أفضل، وعكسه بعضهم فقال: الإبراد أفضل، وحديث خباب يدل على الجواز.
(والعصر) أي ويصلي العصر (والشمس) أي والحال أن الشمس (حية) أي باقية على ضوئها، قال الخطابي (2): يفسر على وجهين: أحدهما: أن حياتها شدة وهجها وبقاء حرِّها لم ينكسر منه شيء، والآخر: أن حياتها صفاء لونها لم يدخلها التغير.
(والمغرب) أي ويصلي المغرب (إذا غربت الشمس، والعشاء) أي ويصلي العشاء (إذا كثر الناس) أي اجتمع الناس في أول وقتها (عجل، وإذا قلوا) أي إذا كانوا (3) في أول الوقت قليلًا ولم يجتمع أكثرهم (أخر) منتظرًا بهم (والصبح بغلس)، والغلس بفتحتين: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.
(1)"فتح الباري"(2/ 17).
(2)
"معالم السنن"(1/ 176).
(3)
قال ابن دقيق العيد (1/ 135): هذا الحديث يشتمل شيئًا لم يتكلموا عليه، وهو أن صلاة الجماعة أفضل من الصلاة أول الوقت، فلو تعارضا لأحد فالأقرب عندي أن التأخير للجماعة أفضل، "ابن رسلان"، وكذا قال ابن العربي، ونقل فيه خلاف الشافعي. (ش). [انظر:"العارضة"(1/ 267)].
398 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِى بَرْزَةَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّى الْعَصْرَ وَإِنَّ أَحَدَنَا لَيَذْهَبُ (1) إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَيَرْجِعُ (2) وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ،
===
398 -
(حدثنا حفص بن عمر، نا شعبة) بن الحجاج، (عن أبي المنهال) البصري سيار بن سلامة الرياحي، قال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث، وقال العجلي: بصري ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: مات سنة 129 هـ.
(عن أبي برزة)(3) الأسلمي نضلة بنون مفتوحة وبمعجمة ساكنة، ابن عبيد، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، كان من ساكني المدينة ثم البصرة، وغزا خراسان، وشهد مع علي فقاتل الخوارج بالنهروان، قيل: مات بنيسابور، وقيل: بالبصرة، وقيل: بمفازة بين سجستان وهراة، وقيل: إنه بقي إلى ولاية عبد الملك، مات سنة 65 هـ على الصحيح.
(قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس) ومقتضى ذلك أنه كان يصلي الظهر في أول وقتها، ولا يخالف ذلك الأمر بالإبراد لاحتمال أن يكون ذلك في زمن البرد، أو قبل الأمر بالإبراد، أو عند فقد شروط الإبراد، لأنه يختص بشدة الحر، أو لبيان الجواز.
(ويصلي العصر وإن أحدنا ليذهب) أي بعد الفراغ من الصلاة (إلى أقصى المدينة) أي إلى رحله في منتهى بيوت المدينة (ويرجع) أي ويرجع من رحله في أقصى المدينة إلى المسجد (والشمس حية) أي لم يدخلها التغير، هذا الذي قلنا
(1) وفي نسخة: "لو ذهب يذهب".
(2)
وفي نسخة: "ورجع".
(3)
له في مسلم أربعة أحاديث، وفي البخاري حديثان، "ابن رسلان". (ش). [انظر ترجمته في:"أسد الغابة"(4/ 386) رقم (5727)].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
من أن ظاهره حصول الذهاب إلى أقصى المدينة والوجوع من ثم إلى المسجد، هو على ظاهر سياق لفظ أبي داود، وعلى سياق لفظ البخاري من طريق شعبة:"والعصر وأحدنا يذهب إلى أقصى المدينة ويرجع والشمس حية"، فقوله:"ويرجع" هكذا في رواية، وفي رواية أبي ذر والأصيلي:"رجع والشمس حية"، ويخالفه ما رواه البخاري من طريق عبد الله بن المبارك عن عوف ولفظه:"ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية"، فليس فيه إلَّا الذهاب فقط.
وطريق الجمع بين هذه الروايات أن يقال: يحتمل أن الواو في قوله: "وأحدنا" بمعنى ثم، والتقدير: ثم يذهب أحدنا أي ممن صلى معه، وأما قوله:"رجع" فيحتمل أن يكون بمعنى يرجع، ويكون بيانًا لقوله:"يذهب"، ويحتمل أن يكون "رجع" في موضع الحال، أي يذهب راجعًا، ويحتمل أن أداة الشرط سقطت إما لو أو إذا، والتقدير: ولو يذهب أحدنا
…
إلخ.
وجوز الكرماني أن يكون "رجع" خبرًا للمبتدأ الذي هو "أحدنا"، و"يذهب" جملة حالية، وهو وإن كان محتملًا من جهة اللفظ لكنه يغاير رواية عوف، وقد رواه أحمد عن حجاج بن محمد عن شعبة بلفظ:"والعصر يرجع الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية"، ولمسلم والنسائي من طريق خالد بن الحارث عن شعبة مثله، لكن بلفظ "يذهب" بدل يرجع.
وقال الكرماني أيضًا بعد أن حكى احتمالًا آخر وهو أي قوله: "رجع" عطف على "يذهب"، والوا ومقدرة، و"رجع" بمعنى يرجع، ويؤيد ذلك رواية أبي داود عن حفص بن عمر بلفظ:"وإن أحدنا ليذهب إلى أقصى المدينة ويرجع والشمس حية"، وقد قدمنا ما يرد عليها، وأن رواية عوف أوضحت أن المراد بالرجوع الذهاب إلى المنزل من المسجد، وإنما سمي رجوعًا، لأن ابتداء المجيء كان من المنزل إلى المسجد، فكان الذهاب منه إلى المنزل
وَنَسِيتُ الْمَغْرِبَ، وَكَانَ لَا يُبَالِى (1) تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ".
قَالَ: ثُمَّ قَالَ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ
===
رجوعًا، هذا (2) خلاصة ما قال الحافظ في "فتح الباري"(3).
قلت: رواية عوف في البخاري، وكذلك رواية أحمد عن حجاج بن محمد عن شعبة، وكذلك رواية مسلم والنسائي من طريق خالد بن الحارث عن شعبة مصرحة بأن المراد من الرجوع، الرجوع من المسجد إلى أقصى المدينة، فعلى هذا لا ينبغي أن يعتمد على ما في ظاهر سياق لفظ أبي داود من أن المراد من الرجوع، الرجوع من أقصى المدينة إلى المسجد، بل يجب أن يؤول في سياق أبي داود بأن قوله:"ويرجع" عطف تفسيري ليذهب، ويكون تقديره: وإن أحدنا ليذهب أي يرجع إلى أقصى المدينة والشمس حية، فعلى هذا تتوافق جميع الروايات في هذا المعنى، والله أعلم.
(ونسيت المغرب) قائل ذلك (4) هو أبو المنهال، أي نسيت ما قال أبو برزة في صلاة المغرب، (وكان) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يبالي تأخير العشاء إلى ثلث الليل)، ولفظ البخاري:"وكان يستحب أن يؤخر من العشاء"، قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على استحباب التأخير قليلًا، لأن التبعيض يدل عليه، وتعقب بأنه بعض مطلق لا دلالة فيه على قلة وكثرة، والتأخير إنما كان لانتظار من يجيء لشهود الجماعة، يدل عليه حديث جابر المتقدم.
(قال) أي أبو المنهال (5): (ثم قال) أي أبو برزة حمرة أخرى (إلي شطر الليل)
(1) وفي نسخة: "لا يبالي بعض".
(2)
وقريب منه ما قاله ابن رسلان، والحاصل أن الذهاب والرجوع كليهما ليس بمراد هاهنا. (ش).
(3)
(2/ 22).
(4)
قال ابن رسلان: قائله يسار كما بينه أحمد في روايته عن حجاج عن شعبة. (ش).
(5)
والأوجه عندي قال شعبة: ثم قال أبو المنهال، كما سيجيء من رواية البخاري، ويؤيده نسيانه في المغرب. (ش).
قَالَ: "وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا
===
معناه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبالي بتأخير العشاء في انتظار من يجيء لشهود الجماعة إلى شطره، وقال البخاري: وقال معاذ: قال شعبة: ثم لقيته مرة فقال: أو ثلث الليل، قال الحافظ في "شرحه" (1): وجزم حماد بن سلمة عن أبي المنهال عند مسلم بقوله: إلى ثلث الليل، وكذا لأحمد عن حجاج، عن شعبة.
(قال) أي أبو المنهال: (وكان) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يكره النوم قبلها) أي قبل العشاء (2)، قال الترمذي (3): قد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء، ورخص في ذلك بعضهم، وقال ابن المبارك: أكثر الأحاديث على الكراهة، ورخص بعضهم في النوم قبل صلاة العشاء في رمضان.
قال ابن سيد الناس في "شرح الترمذي": وقد كرهه جماعة وأغلظوا فيه، منهم ابن عمر وعمر وابن عباس، وإليه ذهب مالك، ورخص فيه بعضهم، منهم علي وأبو موسى، وهو مذهب الكوفيين، وشرط بعضهم أن يجعل معه من يوقظه لصلاتها، وروي عن ابن عمر مثله، وإليه ذهب الطحاوي.
والعلة في الكراهة قبلها لئلا يذهب النوم بصاحبه ويستغرقه، فتفوته أو يفوته فضل وقتها المستحب، أو يترخص في ذلك الناس فينام عن إقامة جماعتها.
احتج من قال بالجواز بما أخرجه البخاري وغيره من حديث عائشة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتم بالعشاء حتى ناداه عمر نام النساء والصبيان، ولم ينكر عليهم"، وبحديث ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا ثم خرج علينا
(1)"فتح الباري"(2/ 22).
(2)
خشية التمادي إلى وقت الكراهة أو خشية نسيانها، كذا قال ابن رسلان. (ش).
(3)
"سنن الترمذي"(1/ 314).
وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يُصَلّي الصُّبْحَ وَمَا يَعْرِفُ (1) أَحَدُنَا جَلِيسَهُ الَّذِي
===
رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث، ولم ينكر عليهم، قاله في "النيل"(2).
(والحديث بعدها)(3) قال النووي (4): واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها إلَّا ما كان في خير، قيل: وعلة الكراهة (5) ما يؤدي إليه السهر من مخافة غلبة النوم آخر الليل عن القيام لصلاة الصبح في جماعة، أو الإتيان بها في وقت الفضيلة والاختيار، أو القيام للورد من صلاة أو قراءة في حق من عادته ذلك، ولا أقل لمن أمن ذلك من الكسل بالنهار عما يجب من الحقوق فيه والطاعات.
وهذا الحديث يدل على كراهة السمر بعد العشاء، وحديث عمر قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في الأمر من أمر المسلمين"، وأيضًا حديث ابن عباس قال:"رقدت في بيت ميمونة ليلة"، وفيه قال:"فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد"، رواه مسلم، يدلان على جوازه، وطريقة الجمع بينهما بأن توجه أحاديث المنع إلى الكلام المباح الذي ليس فيه فائدة تعود على صاحبه، وأحاديث الجوإز إلى ما فيه فائدة تعود على المتكلم، قاله الشوكاني (6).
(وكان يصلي الصبح وما يعرف أحدنا جليسه الذي
(1) وفي نسخة: "تعرف".
(2)
"نيل الأوطار"(2/ 426).
(3)
وأورد المصنف آخر الحديث في كتاب الأدب، وترجم له "باب السمر بعد العشاء". (ش).
(4)
انظر: "شرح صحيح مسلم"(3/ 158).
(5)
أو خشية الوقوع في اللغط واللغو، وفيما لا ينبغي عليه ختم اليقظة، قاله ابن رسلان. قلت: ويؤيده استثناء المذاكرة والوعظ، وقيل: جعل تعالى شأنه الليل سكنًا فلا يخالفه، وقيل: كان من أفعال الجاهلية، "ابن رسلان". (ش).
(6)
"نيل الأطار"(2/ 426).
كَانَ يَعْرِفُهُ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِيهَا مِنَ السِّتّينَ (1) إِلَى الْمِئَةِ". [خ 771، م 647، ن 495، جه 674، حم 4/ 420]
===
كان يعرفه) أي الذي بجنبه، هكذا في النسخة الدهلوية، وفي المكتوبة القديمة، وكذا في الكانفورية بزيادة لفظ "ما" النافية، وأما النسخة المصرية (2) والنسخة التي اختارها صاحب "عون المعبود" فليس فيها زيادة لفظ "ما" النافية، والظاهر (3) أنها الصواب، لأنهما موافقتان لرواية البخاري، ولفظها من طريق شعبة:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح وأحدنا يعرف جليسه"، وفي رواية له من طريق عوف:"وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه"، وكذلك في رواية لمسلم ولفظه:"فينظر إلى وجه جليسه الذي يعرفه فيعرفه"، وله في أخرى:"وننصرف حين يعرف بعضنا وجه بعض"، ولو سلم صحة هذا اللفظ فيمكن أن يحمل عدم المعرفة قبل الشروع من الصلاة والمعرفة على ما بعد الفراغ منها.
(وكان) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقرأ فيها) أي في صلاة الصبح (من الستين إلى المئة) يعني من الآي، الظاهر أن هذا القدر من القراءة ما كانت في الركعتين، وقَدَّرها في رواية للطبراني بسورة "الحاقة" ونحوها، والاستدلال بهذا الحديث على التعجيل بصلاة الصبح ممنوع، لأن المسجد الشريف كان مسقفًا، فابتداء معرفة الإنسان وجه جليسه لا يكون في أواخر الغلس، بل يحصل إذا كان الإسفار جدًّا، وكذلك عدم المعرفة قبل الصلاة لا يقتضي التغليس، بل يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح في أواخر الغلس وأوائل الإسفار، وعدم المعرفة كانت لأجل كون المسجد مسقفًا، ولأن قراءة نحو سورة "الحاقة" ليست بطويلة حتى يستدل بها على التغليس، والله أعلم.
(1) وفي نسخة: "بالستين".
(2)
وليس أيضًا في نسخة ابن رسلان، وقال: هذا يخالف حديث عائشة: "ما يعرفن من الغلس" إلَّا أن يقال: هذا متعلق بمن تلَفَّفَ بالجلباب. (ش).
(3)
واختاره في "فيض الباري"(2/ 110). (ش).