المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(69) باب الإمام يصلى من قعود - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٣

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(2) كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌(1) أَوَّلُ كِتَابِ الصَّلَاةِ

- ‌(2) (بَابٌ: في الْمَوَاقِيتِ)

- ‌(3) بَابٌ: في وَقْتِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَيْفَ كَانَ يُصلِّيهَا

- ‌(4) (بَابٌ: في وَقْتِ صَلاةِ الظُّهْرِ)

- ‌(5) (بَابٌ: في وَقْتِ صَلاةِ الْعَصْرِ)

- ‌(6) بَابٌ: في وَقْتِ الْمَغْرِبِ

- ‌(7) بَابٌ: في وَقْتِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ

- ‌(8) (بَابٌ: في وَقْتِ الصُّبْحِ)

- ‌(9) بَابٌ: في الْمُحافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ

- ‌(10) بَابٌ: إِذَا أَخَّرَ الإِمَامُ الصَّلَاةَ عَنِ الْوَقْتِ

- ‌(13) بَابُ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ في الدُّورِ

- ‌(14) بَابٌ: في السُّرُجِ في الْمَسَاجِدِ

- ‌(15) بَابٌ: في حَصَى الْمَسْجِدِ

- ‌(16) بَابٌ: في كَنْسِ الْمَسْجِدِ

- ‌(17) (بَابٌ: في اعْتِزَالِ النِّسَاءِ في المَسَاجِدِ عَنِ الرِّجَالِ)

- ‌(19) بَابُ مَا جَاءَ في الصَّلَاةِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ

- ‌(20) بَابٌ: في فَضْلِ الْقُعُودِ في الْمَسْجِدِ

- ‌(21) بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ إِنْشَادِ الضَّالَّةِ في الْمَسْجِدِ

- ‌(22) بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ البُزَاقِ في الْمَسْجِدِ

- ‌(23) بَابُ مَا جَاءَ في الْمُشْرِكِ يدخلُ الْمَسْجِدَ

- ‌(24) بَابٌ: في الْمَواضِعِ الَّتي لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ

- ‌(25) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ في مَبَارِكِ الإِبْلِ

- ‌(26) بَابٌ: مَتَى يُؤْمَرُ الْغُلامُ بِالصَّلَاةِ

- ‌(27) (بَابُ بَدْءِ الأذَانِ)

- ‌(28) بَابٌ: كَيْفَ الأَذَانُ

- ‌(29) (بَابٌ: في الإقَامَةِ)

- ‌(30) بَابُ الرَّجُلِ يُؤَذِّنُ وُيُقِيمُ آخَرُ

- ‌(31) بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالأَذَانِ

- ‌(32) بَابُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤَذِّنِ منْ تَعَاهُدِ الْوَقْتِ

- ‌(33) بَابُ الأَذَانِ فَوْقَ الْمَنَارَةِ

- ‌(34) بَابٌ: في الْمُؤذِّنِ يَسْتَدِيرُ في أَذَانِهِ

- ‌(35) بَابُ مَا جَاءَ في الدُّعَاءِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ

- ‌(36) (بَابُ مَا يَقُولُ إِذا سَمِعَ المُؤَذِّنُ)

- ‌(37) بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الإِقَامَةَ

- ‌(38) بَابُ مَا جَاءَ في الدُّعَاءِ عِنْدَ الأَذَانِ

- ‌(39) بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ

- ‌(40) بَابُ أَخْذِ الأَجْرِ عَلَى التَّأْذِينِ

- ‌(41) بَابٌ: في الأَذَانِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ

- ‌(42) بَابُ الأَذَانِ لِلْأَعْمَى

- ‌(43) بَابُ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجدِ بَعْدَ الأَذَانِ

- ‌(44) بَابٌ: في الْمُؤَذِّنِ يَنْتَظِرُ الإِمَامَ

- ‌(45) بَابٌ: في التَّثويبِ

- ‌(46) بَابٌ: في الصَّلَاةِ تُقَامُ وَلَمْ يَأتِ الإِمَامُ، يَنْتَظِرُونَهَ قُعُودًا

- ‌(47) بَابٌ: في التَّشْدِيدِ في تَرْكِ الْجَمَاعَةِ

- ‌(48) (بَابٌ: في فَضْلِ صَلاةِ الجَمَاعَة)

- ‌(49) بَابُ مَا جَاءَ في فَضْلِ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ

- ‌(50) بَابُ مَا جَاءَ في الْمَشْيِ إِلَى الصَّلَاةِ في الظُّلَمِ

- ‌(51) بَابُ مَا جَاءَ في الْهَدْيِ فِي الْمَشْىِ إِلَى الصَّلاةِ

- ‌(52) بَابٌ: فِيمَنْ خَرَجَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَسُبِقَ بِهَا

- ‌(53) بَابُ مَا جَاءَ في خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسْجِدِ

- ‌(54) بَابُ التَّشْدِيدِ في ذَلِكَ

- ‌(55) بَابُ السَّعْيِ إِلَى الصَّلَاةِ

- ‌(58) بَابٌ: إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً، يُعِيدُ

- ‌(59) (بَابٌ: في جُمّاعِ الإمَامَةِ وَفَضْلِهَا)

- ‌(60) (بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ التَّدَافُعِ عَنِ الإمَامَةِ)

- ‌(61) بَابٌ: مَنْ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ

- ‌(62) بَابُ إِمَامَةِ النِّسَاءِ

- ‌(63) بَابُ الرَّجُلِ يَؤُمُّ الْقَوْمَ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ

- ‌(64) بَابُ إِمَامَةِ البَرّ وَالْفَاجِرِ

- ‌(65) باب إِمَامَةِ الأَعْمَى

- ‌(66) بابُ إِمَامَةِ الزَّائِرِ

- ‌(67) (بَابُ الإِمام يقُومُ مَكَانًا أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِ الْقَوْمِ)

- ‌(68) بَابُ إِمَامَةِ مَنْ صَلَّى بِقَوْمٍ وَقَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ

- ‌(69) بابُ الإِمَامِ يُصَلِّى مِنْ قُعُودٍ

- ‌(71) بَابٌ: إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً كَيْفَ يَقُومُون

- ‌(72) بَابُ الإِمَامِ يَنْحَرِفُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ

- ‌(73) بابُ الإِمَامِ يَتَطَوَّعُ فِى مَكَانِهِ

- ‌(74) بَابُ الإِمَامِ يُحْدِثُ بَعْدَمَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ

- ‌(75) (بابٌ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُها التَّسْلِيمُ)

- ‌(76) بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْمَأْمُومُ مِنَ اتِّبَاعِ الإِمَامِ

- ‌(77) بَابُ مَا جَاءَ في التَّشْدِيدِ فِيمَنْ يَرْفَعُ قَبْلَ الإِمَامِ أَوْ يَضَعُ قَبْلَهُ

- ‌(78) بَابٌ: فِيمَنْ يَنْصَرِفُ قَبْلَ الإِمَامِ

- ‌(81) باب الرَّجُلِ يُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ بَعْضُهُ عَلَى غَيْرِهِ

- ‌(82) بَابٌ: في الرَّجُلِ يُصَلِّي في قَمِيصٍ وَاحِدٍ

- ‌(83) بَابٌ: إِذَا كَانَ ثَوْبًا ضَيِّقًا

- ‌(84) بَابُ الإسْبَالِ في الصَّلَاةِ

- ‌(85) باب مَنْ قَالَ: يَتَّزِرُ بِهِ إِذَا كَانَ ضَيِّقًا

- ‌(86) بَابٌ: في كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ

- ‌(87) باب الْمَرْأَةِ تُصَلِّى بِغَيْرِ خِمَارٍ

- ‌(88) بَابُ مَا جَاءَ في السَّدْلِ في الصَّلَاةِ

- ‌(89) باب الصَّلَاةِ فِى شُعُرِ النِّسَاءِ

- ‌(90) باب الرَّجُلِ يُصَلِّى عَاقِصًا شَعْرَهُ

- ‌(91) بَابُ الصَّلَاةِ في النَّعْلِ

- ‌(92) باب الْمُصَلِّى إِذَا خَلَعَ نَعْلَيْهِ، أَيْنَ يَضَعُهُمَا

- ‌(93) بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ

- ‌(94) بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ

- ‌(95) بَابُ الرَّجُلِ يَسْجُدُ عَلَى ثَوْبِهِ

- ‌(96) بَابُ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ

- ‌(97) بَابُ الصُّفُوفِ بَيْنَ السَّوَارِي

- ‌(98) باب مَنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَلِىَ الإِمَامَ فِى الصَّفِّ وَكَرَاهِيَةِ التَّأَخُّرِ

- ‌(99) بَابُ مَقَامِ الصِّبْيَانِ مِنَ الصَّفِّ

- ‌(100) باب صَفِّ النِّسَاءِ وَكَرَاهِيَةِ التَّأَخُّرِ عَنِ الصَّفِّ الأَوَّلِ

- ‌(101) بَابُ مَقَامِ الإِمَامِ مِنَ الصَّفِّ

- ‌(102) بَابُ الرَّجُلِ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ

- ‌(103) باب الرَّجُلِ يَرْكَعُ دُونَ الصَّفِّ

- ‌(104) بَابُ مَا يَسْتُرُ الْمُصَلِّي

- ‌(105) بابُ الْخَطِّ إِذَا لَمْ يَجِدْ عَصًا

- ‌(106) بَابُ الصَّلَاةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ

- ‌(107) (بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى سَارِيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، ) (أَيْنَ يَجْعَلُها مِنْهُ

- ‌(109) باب الدُّنُوِّ مِنَ السُّتْرَةِ

- ‌(112) بَاب مَا يَقْطَعُ الصَّلَاة

- ‌(114) بَابُ مَنْ قَالَ: الْمَرْأَةُ لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ

- ‌(115) بَابُ مَنْ قَالَ: الْحِمَارُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ

- ‌(116) (بَابُ مَنْ قَالَ: الْكَلْبُ لَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ)

- ‌(117) (بَابُ مَنْ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَئ

الفصل: ‌(69) باب الإمام يصلى من قعود

(69) بابُ الإِمَامِ يُصَلِّى مِنْ قُعُودٍ

599 -

حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَصَلَّى صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ

===

عند الشافعي وطائفة في الأفعال الظاهرة، وإلَّا فيجوز أن يصلي الفرض خلف النفل وعكسه، والظهر خلف العصر وعكسه، وقال مالك وأبو حنيفة وآخرون: لا يجوز ذلك، وقالوا: معنى الحديث ليؤتم به في الأفعال والنيات، انتهى.

(69)

(بَابُ (1) الإمامِ يُصَلِّي مِنْ قعودٍ)

من بمعنى الباء أو زائدة، وفي نسخة مكتوبة على الحاشية:"باب إذا صلَّى الإِمام قاعدًا" وهو أوضح

599 -

(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسًا فصرع)(2) بصيغة المجهول أي سقط (عنه) أي عن الفرس، (فجحش) بضم الجيم وكسر حاء، أي انخدش، وجحش متعد (شقه) أي جنبه (الأيمن) أي تأثر تأثرًا منعه استطاعة القيام.

قال الحافظ (3): قال عياض: يحتمل أن يكون أصابه من السقطة رض في الأعضاء منعه من القيام، قلت: وليس كذلك، وإنما كان قدمه صلى الله عليه وسلم انفكت، وفي رواية يزيد عن حميد عن أنس:"جحش ساقه (4) أو كتفه"، وأفاد ابن حبان أن هذه القصة كانت في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة.

(فصلَّى صلاة من الصلوات) وفي رواية سفيان عن الزهري: "فحضرت

(1) هذا الباب يدل على كون الإِمام أبي داود حنبليًا، وله نظائر في أبواب كتابه. (ش).

(2)

بالمدينة كما سيأتي، وذكر في "الخميس"(1/ 502) سقوطه عليه الصلاة والسلام سنة 5 هـ. (ش).

(3)

"فتح الباري"(2/ 178).

(4)

قال ابن رسلان: ولا تنافي بينهما لاحتمال الأمرين. (ش).

ص: 498

وَهُوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا (1) وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:

===

الصلاة"، والمراد بها الفرض، لأنها التي عرف من عادتهم أنهم يجتمعون لها بخلاف النافلة، ومن قال: إنها كانت نفلًا، فغير معتد به، إلَّا أن في حديث أنس: "فصلَّى بنا يومئذ"، فكأنها نهارية الظهر أو العصر.

(وهو قاعد) لأنه لم يقدر (2) على القيام (فصلينا وراءه) أي خلفه (قعودًا) أي قاعدين، ظاهره يخالف حديث عائشة الذي عند البخاري ولفظه:"فصلَّى جالسًا وصلَّى وراءه قوم قيامًا، فأشار إليهم أن اجلسوا"، والجمع بينهما أن في رواية أنس هذه اختصارًا، وكأنه اقتصر على ما آل إليه الحال بعد أمره لهم بالجلوس.

وجمع القرطبي بين الحديثين باحتمال أن يكون بعضهم قعد من أول الحال وهو الذي حكاه أنس، وبعضهم قام حتى أشار إليهم بالجلوس، وهذا الذي حكته عائشة، وتعقب باستبعاد قعود بعضهم بغير إذنه صلى الله عليه وسلم بأنه يستلزم النسخ بالاجتهاد، لأن فرض القادر في الأصل القيام.

وجمع آخرون بينهما باحتمال تعدد الواقعة، وفيه بُعد، لأن حديث أنس إن كانت القصة فيه سابقة لزم منه ما ذكرنا من النسخ بالاجتهاد، وإن كانت متأخرة لم يحتج إلى إعادة قول:"إنما جعل الإِمام ليؤتم به" إلى آخره، لأنهم قد امتثلوا أمره السابق وصلوا قعودًا لكونه قاعدًا، قاله الحافظ في "الفتح"(3).

(فلما انصرف) أي من صلاته بالسلام (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1) وفي نسخة: "وصلينا".

(2)

وقد صلَّى رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم قاعدًا في ثلاثة مواضع: هذه، وفي وغزوة أحد، وفي مرض موته. قاله ابن رسلان، وبسطه في هامش "اللامع" أيضًا (3/ 219). (ش).

(3)

"فتح الباري"(2/ 180).

ص: 499

"إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ". [خ 378، م 411، ت 361، ن 832، جه 876، حم 3/ 110، دي 1296، ق 2/ 96]

===

(إنما جعل الإِمام ليؤتم به)(1) أي ليقتدى به، وظاهره شمول النهي عن مخالفة الإِمام في هيئة الصلاة من القيام والقعود، (فإذا صلَّى قائمًا فصلوا قيامًا)، إما مصدر أي ذوي قيام، أو جمع أي قائمين.

(وإذا ركع فاركعوا (2)، وإذا رفع) أي رأسه (فارفعوا، وإذا (3) قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلَّى) أي الإِمام (جالسًا، فصلوا جلوسًا) جمع جالس، وهو حال بمعنى جالسين (أجمعون).

قال الحافظ (4): استدل به على صحة إمامة الجالس، وادّعى بعضهم أن المراد بالأمر أن يقتدى به في جلوسه في التشهد وبين السجدتين، لأنه ذكر ذلك عقب ذكر الركوع والرفع منه والسجود، قال: فيحمل على أنه لما جلس للتشهد قاموا تعظيمًا له، فأمرهم للجلوس تواضعًا، وقد نبه على ذلك بقوله في حديث جابر:"إن كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود"[فلا تفعلوا].

(1) استدل به مالك والحنفية على أن اختلاف نية الإِمام والمأموم يفسد الصلاة، وعند الشافعية وهو أشهر روايتي أحمد: يصح، فيصح الظهر خلف من يصلي العصر، بسطه ابن رسلان. (ش).

(2)

استدل بالفاء على التعقيب، قيل: فاء جزاء لا يدل على التعقيب بل فاء العطف. "ابن رسلان". (ش).

(3)

به قال الثلاثة خلافًا للشافعي إذ قال: المقتدي يجمع بينهما، بسطه ابن رسلان. (ش).

(4)

"فتح الباري"(2/ 180).

ص: 500

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وتعقبه ابن دقيق العيد وغيره بالاستبعاد وبأن سياق طرق الحديث يأباه، وبأنه لو كان المراد الأمر بالجلوس في الركن لقال: وإذا جلس فاجلسوا ليناسب قوله: "وإذا سجد فاسجدوا"، فلما عدل عن ذلك إلى قوله:"وإذا صلَّى جالسًا" كان كقوله: وإذا صلَّى قائمًا، فالمراد بذلك جميع الصلاة، ويؤيد ذلك قول أنس:"فصلينا وراءه قعودًا".

ونقل في "مشكاة المصابيح": وقال الحميدي: قوله: "إذا صلَّى جالسًا" أي بعذر "فصلوا جلوسًا هو في مرضه القديم" حين آلى من نسائه، "ثم صلَّى بعد ذلك" أي ذلك المرض "النبي صلى الله عليه وسلم" أي قبل موته بيوم، "جالسًا والناس خلفه قيام"، قال الطيبي (1): عند أحمد وإسحاق أن الإِمام إذا صلَّى جالسًا أي بعذر وافقه المأموم، وعند مالك: لا يجوز أن يؤم الناس قاعداً، ودليل مالك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يؤم أحد بعدي جالسًا"، وهو مرسل ومحمول على التنزيه. "لم يأمرهم بالقعود، وإنما يؤخذ"، أي يعمل "بالآخر فالآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم".

وعندنا معشر الحنفية: يجوز اقتداء القائم الذي يركع ويسجد بالقاعد الذي يركع ويسجد استحسانًا، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف، والقياس أن لا يجوز وهو قول محمد، وعلى هذا الاختلاف اقتداء القائم المومئ بالقاعد المومئ.

وجه القياس ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يؤمن أحد بعدي جالسًا" أي لقائم، لإجماعنا على أن الجالس لو أم الجالس لجاز.

وجه الاستحسان ما روي أن آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد متوشحًا به قاعدًا وأصحابه خلفه قيام يقتدون به، فقد ثبت الجواز على وجه لا يتوهم ورود النسخ عليه.

(1)"مرقاة المفاتيح"(3/ 95).

ص: 501

600 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا بِالْمَدِينَةِ (1) ، فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْمِ نَخْلَةٍ، فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَأَتَيْنَاهُ نَعُودُهُ، فَوَجَدْنَاهُ فِى مَشْرَبَةٍ لِعَائِشَةَ يُسَبِّحُ جَالِسًا، قَالَ: فَقُمْنَا خَلْفَهُ، فَسَكَتَ عَنَّا،

===

600 -

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير ووكيع، عن الأعمش، عن أبي سفيان) هو طلحة بن نافع القرشي مولاهم، أبو سفيان الواسطي، ويقال: المكي الإسكاف، ذكره ابن حبان في "الثقات"، قال أحمد والنسائي وابن عدي: ليس به بأس، وقال ابن معين: لا شيء، وقال أبو خيثمة عن ابن عيينة: حديث أبي سفيان عن جابر إنما هي صحيفة، روى له البخاري مقرونًا بغيره، وقال أبو بكر البزار: هو في نفسه ثقة.

(عن جابر) أي ابن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه (قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا بالمدينة، فصرعه) أي أسقطه (على جذم نخلة) قال في "القاموس": الجِذم بالكسر: الأصل، ويفتح، جمعه أجذام وجُذوم، (فانفكت قدمه (2)) الفك نوع من الوهن والخلع، وانفك العظم: انتقل من مفصله، يقال: فككت الشيء: أبنت بعضه من بعض.

(فأتيناه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعوده)(3) قال في "القاموس": العود زيارة المريض كالعياد والعيادة، (فوجدناه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (في مشربة) بفتح الراء وضمها، وهي الغرفة والعلية يخزن فيه الطعام وغيره (لعائشة) رضي الله عنها (يسبح) أي يصلي السبحة (جالسًا، قال) جابر: (فقمنا خلفه، فسكت عنا) أي لم يمنعنا من القيام، وأجاز قيامنا خلفه.

(1) وفي نسخة: "في المدينة".

(2)

وتقدم الجمع بينه وبين رواية الساق. (ش).

(3)

فيه أن العيادة لا تختص بمرض، بل يعاد بالخدش والوجع أيضًا، بسطه ابن رسلان. (ش).

ص: 502

ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى نَعُودُهُ، فَصَلَّى الْمَكْتُوبَةَ جَالِسًا، فَقُمْنَا خَلْفَهُ، فَأَشَارَ إِلَيْنَا، فَقَعَدْنَا. قَالَ: فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: «إِذَا صَلَّى الإِمَامُ جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا، وَإِذَا صَلَّى الإِمَامُ قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَلَا تَفْعَلُوا كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ فَارِسَ بِعُظَمَائِهَا» . [حب 2112، حم 3/ 300، خزيمة 1615، جه 3485]

601 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، الْمَعْنَى، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ مُحَمَّدٍ،

===

(ثم أتيناه مرة أخرى (1) نعوده، فصلَّى المكتوبة جالسًا، فقمنا (2) خلفه) أي كما قمنا قبل (فأشار إلينا) أي بالقعود (فقعدنا، قال) أي جابر: (فلما قضى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصلاة قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلَّى الإمام جالسًا فصلوا جلوسًا) أي لا تخالفوه بأنكم تصلون قيامًا وهو جالس، (وإذا صلَّى الإمام قائمًا فصلوا قيامًا، ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها) فإنهم يقومون لعظمائها وهم جلوس.

601 -

(حدثنا سليمان بن حرب ومسلم بن إبراهيم المعنى) أي معناهما واحد وإن اختلفا في الألفاظ (عن وهيب) بن خالد بن عجلان، (عن مصعب بن محمد) بن عبد الرحمن بن شرحبيل العبدري المكي، وثَّقه ابن معين، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال البخاري: روى عنه ابن عيينة وقال: كان رجلًا صالحًا، وقال أبو حاتم: صالح يكتب حديثه ولا يحتج به.

(1) فيه تكرار العيادة، وقد ورد العيادة غبًا، ووجه بأن الغب لا ينافي التكرار، بسطه ابن رسلان. (ش).

(2)

وهل كانوا مفترضين؟ حديث الباب ساكت، فيحتمل أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي المكتوبة وهم كانوا متطوعين وقد صلوا في المسجد، وسيأتي مزيد بحث فيه بعد حديثين. (ش).

ص: 503

عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (1) صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» - قَالَ مُسْلِمٌ: «وَلَكَ الْحَمْدُ» - «وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ» . (2). [حم 2/ 340]

===

(عن أبي صالح) السمان، (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإِمام ليؤتم) أي ليقتدى (به، فإذا كبر فكبروا ، ولا تكبروا حتى يكبر) أي لا تسبقوه بالتكبير، (وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع) أي لا تسبقوه بالخرور في الركوع، (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهُم ربنا لك الحمد، قال مسلم) أي ابن إبراهيم أستاذ أبي داود:(ولك الحمد) بزيادة الواو، وهذه إشارة إلى الاختلاف الواقع بين أستاذيه سليمان بن حرب ومسلم بن إبراهيم، فإن سليمان بن حرب قال بدون الواو، (وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد) أي لا تسبقوه في السجود (وإذا صلَّى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلَّى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون).

قال الخطابي (3): ذكر أبو داود هذا الحديث من رواية أنس وجابر وأبي هريرة وعائشة، ولم يذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر ما صلاها بالناس وهو قاعد والناس خلفه قيام، وهذا آخر الأمرين من فعله، ومن عادة أبي داود في ما أنشأه من أبواب هذا الكتاب أنه يذكر الحديث في بابه، ويذكر الذي يعارضه في باب آخر على إثره، ولم أجده في شيء من النسخ، فلست أدري كيف أغفل

(1) وفي نسخة: "النبي".

(2)

وفي نسخة: "أجمعين".

(3)

"معالم السنن"(1/ 228).

ص: 504

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» . أَفْهَمَنِى بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ سُلَيْمَانَ.

602 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ الْمَصِّيصِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» بِهَذَا الْخَبَرِ زَادَ: «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» . [ن 922، جه 846، حم 2/ 420]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ: «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ، والْوَهَمُ عِنْدَنَا مِنْ أَبِى خَالِدٍ. (1).

===

بذكر هذه القصة، وهي من أمهات السنن؟ وإليه ذهب أكثر الفقهاء (2)، انتهى.

(قال أبو داود: اللهُمَّ ربنا لك الحمد) أي هذه الكلمة (أفهمني بعض أصحابنا عن سليمان) حاصل هذا الكلام أن أبا داود يقول: لما حدّث سليمان بن حرب بهذا الحديث لم أفهم هذا اللفظ منه فأفهمني بعض أصحابي الذين كانوا معي في سماع الحديث.

602 -

(حدثنا محمد بن آدم المصيصي، نَا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان بتحتانية، الأزدي الكوفي الجعفري، نزل فيهم، (عن ابن عجلان) محمد، (عن زيد بن أسلم) العدوي، (عن أبي صالح) السمان، (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم:(إنما جعل الإمام ليؤتم) أي ليقتدى (به بهذا الخبر) أي المتقدم متعلق بلفظ حدثنا (زاد) أي أبو خالد: (وإذا قرأ فأنصتوا، قال أبو داود: هذه الزيادة: وإذا قرأ فأنصتوا ليست بمحفوظة، والوهم عندنا من أبي خالد) وتعقبه المنذري في "مختصره"(3)، فقال: هذا فيه نظر، فإن أبا خالد

(1) وفي نسخة: "من أبي خالد عندنا".

(2)

قال العيني: إما تركها سهوًا وغفلة، أو كان رأيه في هذا الباب مثل ما ذهب إليه أحمد، فلم يذكر ما ينقضه "عمدة القاري"(3/ 333). (ش).

(3)

"مختصر سنن أبي داود"(1/ 230).

ص: 505

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الأحمر هذا هو سليمان بن حيان، وهو من الثقات الذين احتج البخاري ومسلم بحديثهم في صحيحيهما، ومع هذا لم يتفرد بهذه الزيادة، بل قد تابعه عليها أبو سعد محمد بن سعد الأنصاري الأشهلي المدني، نزيل بغداد، وقد سمع من ابن عجلان، وهو ثقة، وثَّقه يحيى بن معين ومحمد بن عبد الله المُخَرِّمي والنسائي.

وقد أخرج هذه الزيادة النسائي في "سننه"(1) من حديث أبي خالد الأحمر، ومن حديث محمد بن سعد، وقد أخرج مسلم في "الصحيح"(2) هذه الزيادة في حديث أبي موسى الأشعري من حديث سليمان التيمي عن قتادة، وضعف أبو داود والدارقطني والبيهقي وغيرهم لتفرد سليمان التيمي به، وقال الدارقطني: هذه اللفظة لم يتابع سليمان التيمي فيها عن قتادة.

وقد رواه أصحاب قتادة الحفاظ منهم هشام الدستوائي وسعيد وشعبة وهمام وأبو عوانة وأبان وعدي بن أبي عمارة فلم يقل أحد منهم: "وإذا قرأ فأنصتوا"، قال: وإجماعهم على مخالفته يدل على وهمه، ولم يؤثر عند مسلم تفرده بها لثقته وحفظه، وصححها من حديث أبي موسى وأبي هريرة، انتهى.

وقد أخرج أبو داود هذه الزيادة في حديث أبي موسى الأشعري من رواية سليمان التيمي، وقال: زاد: "وإذا قرأ فأنصتوا"، قال أبو داود: قوله: "أنصتوا" ليس بمحفوظ، لم يجئ به إلَّا سليمان التيمي في هذا الحديث، وكذلك روي عن يحيى بن معين وأبي حاتم الرازي والدارقطني وأبي علي النيسابوري، وصححها مسلم في "صحيحه"، قال أبو إسحاق: قال أبو بكر ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث: [أيّ طعن فيه؟ ] فقال مسلم: تريد

(1)"سنن النسائي"(2/ 142).

(2)

في باب التشهد برقم (404).

ص: 506

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أحفظ من سليمان؟ فقال له أبو بكر: فحديث أبي هريرة هو صحيح؟ يعني "وإذا قرأ فأنصتوا"، فقال: هو عندي صحيح، فقال: لم لم تضعه هاهنا؟ قال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا (1) عليه، انتهى.

قلت: أما ادّعاؤهم في حديث أبي هريرة بتفرد أبي خالد، كما قال البخاري في "جزئه": ولم يتابع أبو خالد في زيادته، وكذلك ادعاؤهم الإجماع على خطأ هذه اللفظة في الحديث غلط فاضح وتعصب واضح، فإنه قد تابع أبا خالد أبو سعد محمد بن سعد الأنصاري عن ابن عجلان أخرجه النسائي، ومحمد بن سعد الأنصاري ثقة، وقال الدارقطني بعد تخريج رواية أبي خالد الأحمر: تابعه محمد بن سعد الأشهلي، ثم أخرج روايته بسنده، ثم ذكر في آخرها: قال أبو عبد الرحمن: كان المخرمي يقول: هو ثقة يعني محمد بن سعد، فالعجب من البخاري كيف يدعي عدم متابعة أبي خالد، والعجب من البيهقي كيف يدعي الإجماع على خطأ هذه الزيادة مع أنها صححها مسلم في "صحيحه" على رؤوس الأشهاد.

قلت: وقد قال البيهقي في "كتاب القراءة خلف الإِمام"(2): قال الإِمام أحمد رحمه الله: وقد روي ذلك عن حسان بن إبراهيم الكرماني وإسماعيل بن أبان الغنوي عن محمد بن عجلان، وإسماعيل ضعيف، ويقع في أحاديث حسان بن إبراهيم بعض ما ينكر، انتهى.

أما قوله: إسماعيل ضعيف فمسلم، وأما تضعيف هذه الجملة برواية

(1) قلت: وعلم من هذا أن الزيادة في حديث أبي موسى مجمع عليه عند مسلم، وبسط في "فيض الباري"(2/ 215) الكلام على هذه الروايات، ورجح أنهما حديثان مختلفان اختلطا على المحدثين، فحكموا بالضعف. (ش).

(2)

(ص 132).

ص: 507

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

حسان بن إبراهيم وتكلمه فيه فغير مقبول، فإنه قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (1): قال حرب الكرماني: سمعت أحمد يوثق حسان بن إبراهيم، ويقول: حديثه حديث أهل الصدق، وقال عثمان الدارمي وغيره عن ابن معين: ليس به بأس، وقال المفضل الغلابي عن ابن معين: ثقة، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال ابن المديني: كان ثقة وأشد الناس في القدر، وقال ابن عدي: قد حدث بأفراد كثيرة وهو عندي من أهل الصدق إلَّا أنه يغلط في الشيء ولا يتعمد.

ثم قال البيهقي: قال الإِمام أحمد رحمه الله: وقد رواه يحيى بن العلاء الرازي عن زيد بن أسلم، ويحيى بن العلاء متروك، جرحه يحيى بن معين وغيره من أهل العلم بالحديث، وروي بإسناد ضعيف عن عمر بن هارون عن خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم، ولا يفرح (2) بمتابعة هؤلاء في خلاف أهل الثقة والحفظ، ثم قال: وخارجة بن مصعب أيضًا ليس بالقوي.

قلت: وأما خارجة بن مصعب فذكره الحافظ في "تهذيب التهذيب"(3)، ونقل تضعيفه عن جمع من المحدثين، وقال في أثنائه: قال مسلم: سمعت يحيى بن يحيى وسئل عن خارجة فقال: مستقيم الحديث عندنا، ولم يكن ينكر من حديثه إلَّا ما يدلس عن غياث بن إبراهيم، فإنا كنا قد عرفنا تلك الأحاديث، فلا نعرض لها.

ثم أخرج البيهقي (4) بسنده حديث أبي سعد محمد بن مُيَسَّر: نا ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قرأ الإِمام فأنصتوا" وهذا باطل، أخطأ فيه أبو سعد الصغاني هذا على ابن عجلان فَغَيَّر إسناده وزاد في متنه،

(1)(2/ 245).

(2)

كذا في الأصل، والظاهر "يفوح".

(3)

(3/ 77).

(4)

"كتاب القراءة خلف الإِمام"(ص 133).

ص: 508

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وخالف ما روى الثقات عن ابن عجلان، وأبو سعد جرحه يحيى بن معين.

قلت: قال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(1): قال أبو داود عن أحمد: صدوق، ولكن كان مرجئًا، قلت: كتبت عنه؟ قال: نعم.

وأما ادعاؤهم في حديث أبي موسى الأشعري تفرد سليمان التيمي بهذه الزيادة، فهذا أيضًا غلط وباطل، فإن عمر بن عامر وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة تابعاه كما في الدارقطني من حديث سالم بن نوح.

قال العلامة النيموي (2): وسالم بن نوح هذا وإن قال الدارقطني: ليس بالقوي، فقد أخرج له مسلم وابن خزيمة وابن حبان في "صحاحهم"، قلت: قال أبو زرعة: لا بأس به، صدوق، ثقة، وقال الساجي: صدوق ثقة، وأهل البصرة أعلم به من ابن معين، وذكره ابن حبان وابن شاهين في "الثقات"، وقال ابن قانع: هو بصري ثقة، قاله الحافظ في "تهذيب التهذيب"(3).

وقد ذكر العلامة النيموي متابعًا آخر لسليمان التيمي من "صحيح أبي عوانة": ثنا سهل بن بحر، ثنا عبد الله بن رشيد، ثنا أبو عبيدة، عن قتادة وفيه:"وإذا قرأ الإِمام فأنصتوا"، فبطل بذلك دعوى تفرد سليمان.

ثم أخرج البيهقي (4) هذه الزيادة من حديث أنس من طريق حسن بن علي بن شبيب المعمري، نا أحمد بن المقدام، نا الطفاوي، نا أيوب، عن الزهري، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قرأ الإِمام فأنصتوا".

أخبرنا أبو سعد الماليني، أنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ قال: لم يحدث به عن أيوب غير الطفاوي، وحدث به المعمري عن أبي الأشعث،

(1)(9/ 484).

(2)

"آثار السنن"(1/ 85).

(3)

(3/ 443).

(4)

"كتاب القراءة خلف الإِمام"(ص 135).

ص: 509

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وهو أحمد بن المقدام، عن الطفاوي، فزاد في متنه:"فإذا قرأ فأنصتوا" فتكلم الناس فيه من أجله.

قال أبو أحمد: وقال لنا عبدان يعني الأهوازي الحافظ: لما حدث المعمري بهذه الزيادة عن أبي الأشعث كتبوا إليّ من بغداد، فكتبت إليهم أن محمد بن بكار وإسماعيل بن سيف وأبا الأشعث ثلاثتهم حدثونا عن الطفاوي، وليس فيه هذه الزيادة:"وإذا قرأ فأنصتوا"، انتهى.

قلت: لا يجوز أن يتكلم في المعمري، فإنه قال في "ميزان الاعتدال" (1): حسن بن علي بن شبيب المعمري الحافظ، واسع العلم والرحلة، سمع علي بن المديني وشيبان، قال الدارقطني: صدوق حافظ، وقال عبدان: ما رأيت في الدنيا صاحب حديث مثله، قال البردعي (2): ليس بعجب أن يتفرد المعمري بعشرين أو ثلاثين حديثًا في كثرة ما كتب، وقال عبدان: سمعت فضيلًا (3) الرازي وجعفر بن الجنيد يقولان: المعمري كذاب، ثم قال عبدان: حسداه، لأنه كان رفيقهم، فكان إذا كتب حديثًا غريبًا لا يفيدهما، انتهى.

وقال السمعاني في "الأنساب"(4): وأبو علي حسن بن علي بن شبيب المعمري الحافظ إنما اشتهر بها ، لأنه عني بجمع حديث معمر.

وأما أحمد بن المقدام أبو الأشعث العجلي، فقال في "الميزان" (5): أحد

(1)(1/ 504).

(2)

هكذا في الأصل، والظاهر: البرديجي، كما في "الميزان"(1/ 504)، و"لسان الميزان"(2/ 415).

(3)

كذا في الأصل، وفي "الميزان" و"لسان الميزان": فضلك الرازي، هو فضل بن العباس الرازي أحد الأئمة، طوف وصنف، وسكن بغداد، توفي في صفر سنة 270 هـ. والكاف في لغة العجم أداة تصغير.

(4)

(4/ 330).

(5)

(1/ 158).

ص: 510

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الأثبات المسندين، قال ابن خزيمة: كان كيسًا صاحب حديث، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وإنما ترك أبو داود الرواية عنه لمزاح فيه.

وفي "تهذيب التهذيب"(1): قال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال صالح جزرة: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو داود: كان يُعَلِّمُ المَجَّانَ المُجُون، فأنا لا أحدث عنه، قال ابن عدي: وهذا لا يؤثر فيه، لأنه من أهل الصدق، وكان أبو عروبة يفتخر بلقبه ويثني عليه. قلت: ووثَّقه مسلمة بن قاسم وابن عبد البر وآخرون، وذكره ابن حبان في "الثقات".

وأما الطفاوي فقال في "الميزان"(2): الطفاوي شيخ مشهور ثقة، روى عنه أحمد بن حنبل والناس، قال ابن معين: ما به بأس، وقد وثَّقه ابن المديني.

وفي "تهذيب التهذيب"(3): قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: صالح، وقال ابن حبان عن ابن معين: لم يكن به بأس، البصريون يرضونه، وقال علي بن المديني: كان ثقة، وقال أبو داود وأبو حاتم: ليس به بأس، زاد أبو حاتم: صدوق صالح إلَّا أنه يهم أحيانًا، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الدارقطني: قد احتج به البخاري، وقال ابن عدي: وعامة رواياته إفرادات وغرائب وكلها يحتمل، ويكتب حديثه، ولم أر للمتقدمين فيه كلامًا، فعلى هذا حديثهم صحيح، وإلَّا فلا ينحط هذا الحديث عن درجة الحسن بأن رجال السند كلهم إما ثقات بالإجماع، وإما من هو وثَّقه كثير من المحدثين، وإن تكلم فيه بعضهم.

وقد أخرج الترمذي في "صحيحه"(4) في تفسير سورة الشعراء: حدثنا

(1)(1/ 81).

(2)

(3/ 618).

(3)

(9/ 309).

(4)

"سنن الترمذي"(3184).

ص: 511

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي، ثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، الحديث، ثم قال بعد نقل الحديث: هذا حديث حسن صحيح، فصرح الترمذي بصحة حديثهما، وحكم بأن حديثهما صحيح.

ثم قال البيهقي (1): وروي عن سليمان بن أرقم عن الحسن والزهري عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب فرسًا فوقع منه، فوثئت رجله، فدخل عليه أصحابه يعودونه، فحضرت الصلاة، فصلَّى بأصحابه وهو قاعد، فقاموا، فأومأ إليهم أن اجلسوا فجلسوا، فلما فرغ من الصلاة قال:"إنما جعل الإِمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا"، وذكر الحديث.

ثم قال البيهقي: وهذا بما يتفرد به سليمان بن أرقم، وهو متروك، جرحه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما، ثم نقل عن البخاري أنه قال: سليمان بن أرقم مولى قريظة أو النضير، عن الحسن والزهري، تركوه.

ويؤيد حديث أنس هذا ما أخرج الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2): حدثنا أحمد بن داود قال: ثنا يوسف بن عدي، نا عبيد الله بن عمرو، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل بوجهه فقال:"أتقرأون والإمام يقرأ"، فسكتوا، فسألهم ثلاثًا، فقالوا: إنا لنفعل، قال:"فلا تفعلوا"، انتهى.

ثم أخرج البيهقي هذه الزيادة من رواية سيدنا عمر بن الخطاب، فقال: وروى بعض الناس بإسناد له عن عبد المنعم بن بشير، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه - قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا صلاة الظهر، فقرأ معه رجل من الناس في

(1)"كتاب القراءة خلف الإِمام"(ص 135).

(2)

(1/ 218).

ص: 512

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

نفسه، فلما قضى صلاته قال:"هل قرأ معي منكم أحد؟ " قال ذلك ثلاثًا، فقال له الرجل: نعم يا رسول الله أنا كنت أقرأ بسبح اسم ربك الأعلى، قال:"ما لي أنازع القرآن؟ أما يكفي أحدكم قراءة إمامه، إنما جعل الإِمام ليؤتم به، فإذا قرأ فأنصتوا".

ثم تكلم فيه البيهقي بأن هذا يخالف ما ثبت عن عمران بن حصين في هذه القصة، فإنه ليس في رواية عمران لفظة "في نفسه"، وفي رواية عمران: أن النبي-صلي الله عليه وسلم-قال: "أيكم قرأ بسبح اسم ربك الأعلى؟ " وذلك يدل على أنه سمع صوته بالقراءة، ثم قال:"قد عرفت أن بعضكم خالجنيها"، ولولا رفع الرجل الصوت بالقراءة لم يكن في قراءته مخالجة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ومنازعته فيما قرأ.

ثم تكلم في رواته وقال: عبد المنعم بن بشير ذكره ابن عدي في "كتاب الضعفاء"، وقال: له أحاديث مناكير لا يتابع عليها، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم من الضعفاء المشهورين الذين جرحهم مزكو الأخبار مالك بن أنس ومن بعده من أهل العلم بالحديث، انتهى ملخصًا.

قلت: دعوى مخالفة حديث عمران بن حصين ليس بشيء، لأن هذه الصلاة كانت صلاة الظهر، فلم يكن من الصحابة إلَّا ويعرف أن هذه الصلاة يسر فيها القراءة، مع أن الصحابة الذين كانوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم كانوا إما ساكتين أو مسرين القراءة، فكيف يمكن مع هذا أن يجهر الصحابي بالقراءة؟ وسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أيكم قرأ بسبح اسم ربك الأعلى؟ "، لا يدل على أنه كان يجهر بالقراءة، فيحتمل أنه كان يهمس بالقراءة، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت الهمس، أو ظهر منه كلمة جهرًا، ولعله كشف له قراءته بسبح اسم ربك الأعلى.

وكذلك قول البيهقي: لولا رفع الرجل صوته بالقراءة لم يكن في قراءته مخالجة قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنازعته فيما قرأ، بعيد عن الصواب،

ص: 513

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فإن المخالجة والمنازعة يتحقق في الهمس والصوت الخفي الذي يخرج مع النفس أيضًا.

فالحاصل أن هذه الزيادة مروية من عدة طرق:

أولها: ما أخرجه مسلم في "صحيحه" من طريق سليمان التيمي عن قتادة.

وثانيها: تابعه على هذه الزيادة عمر بن عامر وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عند الدارقطني والبيهقي والبزار من حديث سالم بن نوح.

والثالث: ما أخرجه أبو عوانة من طريق عبد الله بن رشيد قال: ثنا أبو عبيدة عن قتادة في حديث أبي موسى الأشعري، فثبت بهذا أن سليمان التيمي ليس بمنفرد، بل تابعه على ذلك عمر بن عامر وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة من رواية سالم بن نوح، وأبو عبيدة.

والرابع: ما أخرجه الخمسة وغيرهم إلَّا الترمذي في حديث أبي هريرة من طريق أبي خالد الأحمر عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم.

والخامس: ما أخرجه النسائي والدارقطني من طريق أبي سعد محمد بن سعد الأنصاري، ثني محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، وقال الدارقطني (1): قال أبو عبد الرحمن: كان المخرمي يقول: هو ثقة، يعني محمد بن سعد.

والسادس: ما أخرجه البيهقي وقال: وقد روي ذلك عن حسان بن إبراهيم الكرماني وإسماعيل بن أبان الغنوي عن محمد بن عجلان، وقد أخرج الدارقطني حديث إسماعيل بن أبان الغنوي فقال: حدثنا محمد بن جعفر المطيري، نا أحمد بن حازم، ثنا إسماعيل بن أبان الغنوي، ثنا محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم ومصعب بن شرحبيل، عن أبي صالح عن أبي هريرة.

(1)"سنن الدارقطني"(1/ 328).

ص: 514

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والسابع: ما ذكره البيهقي: قال الإِمام أحمد: وقد رواه يحيى بن العلاء الرازي عن زيد بن أسلم.

والثامن: ما قال البيهقي: وروي بإسناد ضعيف عن عمر بن هارون عن خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم.

والتاسع: ما أخرجه البيهقي والدارقطني من طريق أبي سعد محمد بن مُيَسَّر، حدثنا ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة.

والعاشر: ما قال البيهقي من حديث أنس بن مالك: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنا جعفر الخدري، نا الحسن بن شبيب المعمري، نا أحمد بن المقدام، نا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، نا أيوب، عن الزهري، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قرأ فأنصتوا".

والحادي عشر: ما ذكره البيهقي من حديث أنس قال الإِمام أحمد رحمه الله: وروي عن سليمان بن أرقم عن الحسن والزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث، وفيه:"وإذا قرأ فأنصتوا".

والثاني عشر: ما ذكره البيهقي من حديث عمر بن الخطاب، وروى بعض الناس بإسناده له عن عبد المنعم بن بشير، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، وفيه:"فإذا قرأ فأنصتوا".

فهذا الحديث ثابت من اثني عشر طريقًا، بعضها صحيح، وبعضها ضعيف، ولو كانت الطرق كلها ضعيفة لكانت بتعدد طرقها، وكثرتها حسنة، فكيف إذا كانت الطرق الكثيرة منها صحيحة؟

(تنبيه): قد تقدم أن المحدثين الحفاظ اختلفوا في تصحيح هذه الزيادة وتضعيفها، فضعفها أبو داود والدارقطني والبيهقي وأبو حاتم الرازي، وغيرهم جمع كثير من المحدثين، وأنا أتعجب من هؤلاء الكبراء كيف غفلوا

ص: 515

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

عن قواعدهم، فإن مذهب جمهور المحدثين في قبول الزيادة وعدم قبولها ما ذكره الحافظ في "شرح النخبة" (1) بقوله: وزيادة راويهما أي الحسن والصحيح مقبولة ما لم تقع منافية برواية من هو أوثق ممن لم يذكر هذه الزيادة، لأن الزيادة إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها، فهذه تقبل مطلقًا، لأنها في حكم الحديث المستقل الذي يتفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره، وإما أن تكون منافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى، فهذا يقع به الترجيح بينها وبين معارضها، فيقبل الراجح، ويرد المرجوح، واشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقًا من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح أن لا يكون شاذًا، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه، انتهى.

وكذلك قال السيوطي في "تدريب الراوي"(2): النوع الثالث عشر: الشاذ، وهو عند الشافعي وجماعة من علماء الحجاز ما روى الثقة مخالفة لرواية الناس، لا أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، انتهى.

وفي "فتح المغيث شرح ألفية الحديث"(3): وقد قسمه أي ما ينفرد به الثقة من الزيادة الشيخ ابن الصلاح، فقال: ما انفرد بروايته دون الثقات ثقة خالفهم فيه، أي فيما انفرد به صريحًا في المخالفة بحيث لا يمكن الجمع بينهما، ويلزم من قبولها رد الأخرى، فهو رد أي مردود عندهم أي المحققين ومنهم الشافعي، أو لم يخالف في ما انفرد به ما رووه أو الأحفظ أصلًا، فأَقْبَلَنْهُ- بنون التوكيد الخفيفة- لأنه جازم بما رواه، وهو ثقة ولا معارض لروايته، إذ الساكت عنها لم ينفها لفظًا ولا معنى، ولا في سكوته دلالة على وهمها، بل هي كالحديث المستقل الذي تفرد بجملته ثقة، ولا مخالفة فيه

(1) انظر: "شرح نخبة الفكر" للقاري (ص 335).

(2)

(2/ 359).

(3)

(1/ 202).

ص: 516

603 -

حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى بَيْتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:«إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا» . [خ 1113، م 412، ق 3/ 79]

===

أصلًا، وادعى فيه أي في قبول هذا القسم الخطيب الاتفاق بين العلماء حال كونه مجمعًا، انتهى ملخصًا.

وحاصل هذه العبارات أن الراوي الثقة إذا زاد شيئًا وكان منفردًا في زيادته، ولم يخالف زيادته رواية من لم يزده، تقبل زيادته عند المحققين من المحدثين، وها هنا كذلك، فإن هذه الزيادة رواتها ليسوا بمنفردين فيما رووا، بل تابعهم في هذه الزيادة ثقات وغير ثقات، ثم بعد ذلك ليست هذه الزيادة مخالفة لرواية من لم يزدها بحيث يلزم من قبول هذه الزيادة رد الرواية الأخرى، فكانت في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الراوي الثقة، وحكمه وجوب القبول بالاتفاق، فعلى هذا يجب قبول هذه الزيادة على مذهب المحققين من المحدثين، فمن لم يقبلوا منهم فحسن ظننا يحكم بأنهم غفلوا عن قواعدهم، والله تعالى أعلم.

603 -

(حدثنا القعنبي) محمد بن مسلمة، (عن مالك) بن أنس الإِمام، (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة، (عن عائشة قالت: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته) أي في مشربة له، كما تقدم في رواية جابر -رضي الله تعالى عنه - (وهو) أي النبي صلى الله عليه وسلم (جالس) لأنه كان شاكيًا سقط عن فرس فانفكت رجله، (فصلَّى وراءه) أي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوم قيامًا) أي قائمين (فأشار) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إليهم) أي إلى القوم (أن اجلسوا) أي اتبعوا الإِمام في الجلوس (فلما انصرف) أي عن الصلاة، وفرغ عنها (قال: إنما جعل الإِمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلَّى جالسًا فصلوا جلوسًا) أي اتبعوا الإِمام في الركوع والرفع والجلوس، ولا تخالفوه.

ص: 517

604 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ، الْمَعْنَى، أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:"اشْتَكَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يُكَبِّرُ لِيُسْمِعَ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ"، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ. [م 413، ن 798، حم 3/ 334، ق 3/ 79]

===

604 -

(حدثنا قتيبة بن سعيد وبزيد بن خالد بن) عبد الله بن (موهب) الرملي (المعنى) أي معنى حديثهما واحد (أن الليث) بن سعد (حدثهم) أي قتيبة ويزيد وغيرهما، (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم، (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري (قال) أي جابر:(اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم) والظاهر أن هذه الشكاية حدثت لسقوطه عن الفرس.

(فصلينا وراءه) أي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو قاعد) أي بعذر (وأبو بكر رضي الله عنه يكبر) أي يجهر بالتكبير (ليسمع الناس تكبيره)(1)، أي تكبير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يجهر بالتكبير حتى يسمعه الناس.

(ثم ساق الحديث) أي كل واحد من قتيبة ويزيد بن خالد، ويمكن أن يرجع الضمير إلى الليث، وهذا الحديث أخرجه مسلم مطولًا وفيه:"فإذا صلَّى قاعدًا فصلوا قعودًا".

(1) قال ابن حبان: هذا لم يكن إلَّا في مرض موته صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم، لأن صلاته في مرضه الأول في مشربة عائشة ومعه نفر من الصحابة لا يحتاجون إلى من يسمعهم تكبيره، بخلاف صلاته في مرض موته بأنها كانت في المسجد بجمع كثير من الصحابة، فاحتاج أبو بكر أن يسمعهم التكبير، لكن إسماع التكبير لم يتابع عليه أبو الزبير، قاله ابن رسلان.

وأجاب عنه الحافظ بأنه صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم لشدة ضعفه لا يجهر إلَّا قليلًا، فأسمعهم أبو بكر، وحكى عن عياض أنه لم يستخلف في المسجد أحدًا، فلعله صلَّى به عليه السلام من في المشربة ومن في المسجد، فلا بد إذًا من الإِسماع لهم.

قلت: لا يبعد أن يكون هذا في أُحُد فإنه صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم صلَّى فيه أيضًا قاعدًا كما تقدم. (انظر: "فتح الباري" 2/ 177). (ش).

ص: 518

605 -

حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا زَيْدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحُبَابِ -، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ، حَدَّثَنِى حُصَيْنٌ مِنْ وَلَدِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهُمْ. قَالَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَعُودُهُ، فَقَال: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ إِمَامَنَا مَرِيضٌ. فَقَالَ «إِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ.

===

605 -

(حدثنا عبدة بن عبد الله) الصفار الخزاعي، أبو سهل البصري، ثقة، (نا زيد -يعني ابن الحباب-، عن محمد بن صالح) المدني الأزرق، مولى بني فهر، قال في "التقريب": مقبول، وقال في "تهذيب التهذيب": ذكره ابن حبان في "الثقات"، ثم قال: قلت: وذكره ابن حبان في "الضعفاء" أيضًا، وقال: يروي المناكير، وقال أبو حاتم: شيخ.

(ثني حصين من ولد سعد بن معاذ) هو حصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ الأنصاري الأشهلي، أبو محمد المدني، روى عن أسيد بن حضير ولم يدركه، ذكره ابن حبان في ثقات أتباع التابعين، فلذا قال أبو داود بعد سوق حديثه عن أسيد بن حضير: ليس بمتصل، قال في "التقريب": مقبول، وقال في "الميزان": فما ضَعّفه أحمد، وهو صالح الأمر.

(عن أسيد بن حضير أنه) أي أسيدًا (كان يؤمهم) أي قومه فمرض (قال) أي أسيد: (فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال) هكذا في النسخ الدهلوية (1)، أي أحد من حضر، وأما في المصرية والكانفورية ففيهما:"فقالوا" أي قومه، وهو الأوضح، (يا رسول الله إن إمامنا مريض، فقال: إذا صلَّى قاعدًا فصلوا قعودًا، قال أبو داود: وهذا الحديث) أي وسنده بحذف المضاف (ليس بمتصل) لأن الحصين لم يدرك أسيد بن حضير.

قلت: نقل صاحب "العون" عن المنذري على قوله: ليس بمتصل،

(1) كذلك في نسخة العيني (3/ 120): "فقال".

ص: 519

(70)

بَابُ الرَّجُلَيْنِ يَؤُمُّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ (1)، كَيْفَ يَقُومَانِ؟

606 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، ثَنَا ثَابِتٌ،

===

قال المنذري (2): وما قاله ظاهر، فإنَّ حُصينًا هذا إنما يروي عن التابعين، ولا يحفظ له رواية عن الصحابة سيما أسيد بن حضير، فإنه قديم الوفاة، انتهى.

قلت: قال في "تهذيب التهذيب": روى عن أسيد بن حضير ولم يدركه، وأنس وابن عباس وعبد الرحمن بن ثابت الأشهلي ومحمود بن لبيد ومحمود بن عمرو الأنصاري وزيد بن محمد بن مسلمة، انتهى.

وظاهر العبارة على أنه أدركهم غير أسيد بن حضير، نعم ذكره ابن حبان في ثقات أتباع التابعين، فكان روايته عن الصحابة عنده مرسلة، أما أنس بن مالك فقد توفي سنة 92 هـ، وحصين مات سنة 126 هـ، فلا يبعد أن يروي عنه من غير واسطة، وكذلك محمود بن لبيد توفي سنة 96 هـ، فلا دليل على عدم لقائه إياه، والحديث محمول على الابتداء، وهو منسوخ (3) عندنا وعند الشافعي وغيره من الأئمة بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قاعدًا، والناس خلفه قيام.

(70)

(باب (4) الرَّجُلَيْنِ يَؤُمُّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، كَيْفَ يَقُومَانِ؟ ) (5)

606 -

(حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة، (ثنا ثابت)

(1) وفي نسخة: "الآخر".

(2)

"مختصر سنن أبي داود"(1/ 231).

(3)

هذا هو المعروف، لكن السندي أبطل دعوى النسخ بالبسط في "شرحه على البخاري". (ش).

(4)

ذكر ابن العربي هذه الأبواب جملة واحدة، وذكر فيها عشرين فرعًا. [انظر:"عارضة الأحوذي"(2/ 31)]. (ش).

(5)

قال الشعراني: ومنها قول الثلاثة: إن الواحد يقف على يمين الإِمام، فإن وقف على يساره لا تبطل مع قول أحمد: أنها تبطل، ومع قول سعيد بن المسيب: يقف عن يساره، ومع قول النخعي: يقف خلفه إلى أن يركع، فإن جاء آخر وإلَّا وقف =

ص: 520

عَنْ أَنَسٍ قال: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ فَأَتَوْهُ بِسَمْنٍ وَتَمْرٍ، فَقَالَ:«رُدُّوا هَذَا فِى وِعَائِهِ وَهَذَا فِى سِقَائِهِ فَإِنِّى صَائِمٌ» ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا، فَقَامَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَأُمُّ حَرَامٍ خَلْفَنَا. قَالَ ثَابِتٌ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَاّ قَالَ: أَقَامَنِى عَنْ يَمِينِهِ عَلَى بِسَاطٍ. [خ 1982، م 2481، ق 3/ 53]

===

البناني، (عن أنس) بن مالك (قال) أي أنس:(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم حرام (1)) وهي خالة أنس، أخت أمه أم سليم (فأتوه) أي أهل البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (بسمن وتمر، فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ردوا هذا) أي السمن (في وعائه) الوعاء بكسر الواو، قال في "القاموس": ويضم، والإعاء: الظرف، والجمع أوعية (وهذا) أي التمر (في سقائه) بكسر السين القربة، وربما كانوا يحفظون الرطب فيه فلا يفسدها الدود، ويمكن أن يرجع الضمير على العكس (فإني صائم (2)، ثم قام) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصلَّى بنا ركعتين تطوعًا) وفيه جواز الجماعة في النافلة، وعند الحنفية جوازها مقيد بما إذا لم يزيدوا على الثلاثة ، فيدخل في التداعي فيكره.

(فقامت (3) أم سليم وأم حرام خلفنا، قال ثابت) وهذا قول حماد:(ولا أعلمه) أي أنسًا (إلَّا قال) أي أنس: (أقامني) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن يمينه على بساط (4) فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أنسًا عن يمينه حذاءه، والمرأتين خلفهما،

= عن يمينه إذا ركع، وكذا نقل ابن رسلان مذهب أحمد وابن المسيب، ولم يذكر غيرهما. (ش).

(1)

قال ابن رسلان: وكانت إحدى خالاته من الرضاعة، قاله ابن وهب. وقال غيره: بل خالته لأبيه أو لجده. (ش).

(2)

هذا اعتذار لعدم أكله، وفيه أنه لا بأس بإظهار التطوع إذا دعت الحاجة إليه، قاله ابن رسلان. (ش).

(3)

فيه استبراك بالصالح والعالم، وقال بعضهم: أراد تعليم النساء، فإنهن قلما يشاهدن أفعال الإِمام في المساجد، "ابن رسلان". (ش).

(4)

فعال بمعنى مبسوط، كفراش بمعنى مفروش. (ش).

ص: 521

607 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ (1) ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّهُ وَامْرَأَةً مِنْهُمْ، فَجَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةَ خَلْفَ ذَلِكَ". [م 660، ن 803، جه 975، ق 3/ 95]

===

وهذا هو مذهبنا إذا كان مع الإِمام رجل أو صبي يقف بحذاء الإِمام عن يمينه، وإذا كانت امرأة تقف خلفه، وإذا كان رجل وامرأة يقف الرجل حذاءه والمرأة خلفهما.

607 -

(حدثنا حفص بن عمر، ثنا شعبة، عن عبد الله بن المختار) البصري، قال في "التقريب": لا بأس به، وقال في "الخلاصة": وثَّقه النسائي، (عن موسى بن أنس) بن مالك الأنصاري، قاضي البصرة، ثقة (يحدث عن أنس) بن مالك (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمّه) أي صار له إمامًا (وامرأة منهم) ولعلها أمه أم سليم، (فجعله) أي فأقام أنسًا (عن يمينه والمرأة) أي أقام المرأة (خلف ذلك) أي خلف أنس.

وفي هذا الحديث دلالة على أنه إذا كانت مع القوم امرأة فعليها أن تقوم خلف الرجل، ولا تصف معهم بحذائهم ولا قدامهم، وهذا متفق عليه (2).

واختلف فيما إذا حاذت الرجال (3) أو تقدمت، فعند الجمهور تجوز صلاتهم وصلاتها، ولا تفسد صلاة أحد منهم، وهكذا عند الحنفية في حكم القياس، وفي حكم الاستحسان تفسد صلاته إن نوى الإِمام إمامتها، وإلَّا فتفسد صلاتها.

(1) زاد في نسخة: "قال سمعت".

(2)

وكذا نقل الإِجماع ابن رسلان. (ش).

(3)

قال الموفق (3/ 39): إن وقفت في صف الرجال كره، ولم تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها، وهذا مذهب الشافعي. وقال أبو بكر: تبطل صلاة من يليها، وهو قول أبي حنيفة

إلخ، وهي مكروهة عند المالكية غير مفسدة، كذا قال الدردير (1/ 331) ولخص البحث صاحب "البدائع"(1/ 550). فأجاد. (ش).

ص: 522

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

واستدلوا عليها بأن الرجال مأمورون بالتقدم عليهن، كما روي عن ابن مسعود موقوفًا، وهو في حكم المرفوع، لأنه لا دخل للقياس فيه:"أخروهن من حيث أخرهن الله"، فصار تاركًا لفرض المقام، ولحديث أنس أنه صف هو واليتيم وراء النبي صلى الله عليه وسلم والعجوز من ورائهما، ولولا أن المحاذاة مُفسدة لما تأخرت العجوز عنهما، لأن الانفراد خلف الصف إما مفسد كما عند أحمد أو مكروه، والحديث الموقوف رواه الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود، وفيه: وكان ابن مسعود يقول: "أخروهن كما أخروهن الله"، وقال تقي الدين بن دقيق العيد: إنه حديث صحيح، قاله القاري في "النقاية".

وقال في "فتح القدير"(1): وقد يستدل بحديث إمامة أنس واليتيم المتقدم حيث قامت العجوز من وراء أنس واليتيم منفردة خلف صف، وهو مفسد، كما هو مذهب أحمد لما ذكرنا من الأمر بالإعادة، أو لا يحل وهو معنى الكراهة السابق ذكرها، وبدلالة الإجماع على عدم جواز إمامتها للرجل، فإنه إما لنقصان حالها، أو لعدم صلاحيتها للإمامة مطلقًا، أو لفقد شرط، أو لترك فرض المقام، والحصر بالاستقراء وعدم وجود غير ذلك، وهذا كافٍ ما لم يرد صريح النقض لما عرف أنه يكفي في حصر الأوصاف قول السابر العدل - بحثت فلم أجد-: لا يجوز الأول لجواز الاقتداء بالفاسق والعبد، ولا الثاني لصلاحيتها لإمامة النساء، ولا الثالث لأن المفروض حصول الشروط فتعين الرابع.

وتعقب الحافظ في "الفتح"(2) على قول الحنفية، وقال: وعن الحنفية تفسد صلاة الرجل دون المرأة، وهو عجيب، وفي توجيهه تعسف حيث قال

(1)(1/ 312).

(2)

"فتح الباري"(2/ 212).

ص: 523

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قائلهم: دليله قول ابن مسعود: "أخروهن من حيث أخرهن الله"، والأمر للوجوب، وحيث ظرف مكان ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلَّا مكان الصلاة، فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل، لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها، وحكاية هذا تعني عن تكلف جوابه، والله المستعان.

وأجاب عنه العلامة العيني (1)، وقال: قلت: هذا القائل لو أدرك دقة ما قاله الحنفية ههنا ما قال: وهو عجيب، وتوجيهه ما ذكرنا، وليس فيه تعسف، والتعسف على الذي لا يفهم كلام القوم، انتهى.

ثم استدل الحافظ ابن حجر على قوله المتقدم بأنه قد ثبت النهي عن الصلاة في الثوب المغصوب، وأمر لابسه أن ينزعه، فلو خالف فصلَّى فيه ولم ينزعه أثم وأجزأته صلاته، فلم لا يقال في الرجل الذي حاذته المرأة ذلك؟ وأوضح منه لو كان لباب المسجد صفة مملوكة فصلَّى فيها شخص بغير إذنه مع اقتداره على أن ينتقل عنها إلى أرض المسجد بخطوة واحدة صحت صلاته، وأثم، وكذلك الرجل مع المرأة التي حاذته ولا سيما إن جاءت بعد أن دخل في الصلاة فصلت بجنبه، انتهى.

قلت: وهذا عجيب من مثل العلامة ابن حجر، فإن الأفعال التي أمر بها أو نهي عنها، إما أن تكون من الأركان والشروط أو الموانع أو لا، فعلى التقدير الأول لو خالفها يكون مفسدًا، وعلى الثاني يكون مكروهًا، ولا يجوز أن يقاس أحدهما على الآخر، مثاله أن الإِمام مأمور بالتقدم، فلو تأخر عن المقتدي تفسد صلاة المقتدي، ولا يقال: كره له ذلك واجزأته صلاته، وأوضح من ذلك أن التكلم في الصلاة منهي عنه، فلو تكلم أحد متعمدًا يحكم بفساد صلاته، ولا يقال: إنه يكره وتجوز صلاته، وأمثلته كثيرة.

(1)"عمدة القاري"(4/ 364).

ص: 524

608 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِى سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:"بِتُّ فِى بَيْتِ خَالَتِى مَيْمُونَةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ فَأَطْلَقَ الْقِرْبَةَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَوْكَأَ الْقِرْبَةَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ كَمَا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنِى بِيَمِينِي (1) فَأَدَارَنِى مِنْ وَرَائِهِ، فَأَقَامَنِى عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ". [خ 699، م 763، ن 806، ت 232، جه 973، ق 3/ 28، حم 1/ 360]

===

608 -

(حدثنا مسدد) بن مسرهد، (ثنا يحيى) القطان، (عن عبد الملك بن أبي سليمان) واسمه ميسرة، أبو محمد، ويقال: أبو سليمان، وقيل: أبو عبد الله العرزمي بفتح المهملة وسكون الراء وبالزاي المفتوحة، قال في "التقريب": صدوق له أوهام، (عن عطاء) بن أبي رباح، (عن ابن عباس قال: بت) أي رقدت أو كنت ليلًا (في بيت خالتي ميمونة) أم المؤمنين، (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فأطلق القربة) أي حل وكاءها (فتوضأ، ثم أوكأ القربة) أي ربط رأسها، (ثم قام إلى الصلاة) وظاهر التهجد، (فقمت فتوضأت كما توضأ) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم جئت فقمت عن يساره)(2) أي النبي صلى الله عليه وسلم، (فأخذني بيميني)(3) أي بيدي اليمنى (فأدارني) أي صرفني (من ورائه) أي خلف ظهره (فأقامني عن يمينه، فصليت معه).

قال القاري (4): قال في "شرح السنَّة": في الحديث فوائد، منها: جواز صلاة النافلة بالجماعة، ومنها: أن المأموم الواحد يقف على يمين الإِمام،

(1) وفي نسخة: "بيمينه".

(2)

فيه حجة للجمهور أن موقف اليسار لا يبطل الصلاة، لأنه عليه الصلاة والسلام ما أبطل صلاته خلافًا لأحمد، قاله ابن رسلان، وأجاب عنه الموفق بأن لا عبرة للقيام أي قبل الركوع، فإنه قليل يعفى عنه. (ش).

(3)

وفي رواية: أخذ برأسي، وفي أخرى: أخذ بذؤابتي، وفي أخرى: أخذ بأذني اليمنى يفتلها

إلخ، "ابن رسلان". (ش).

(4)

"مرقاة المفاتيح"(3/ 74).

ص: 525

609 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِى هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ:"فَأَخَذَ بِرَأْسِى أَوْ بِذُؤَابَتِى، فَأَقَامَنِى عَنْ يَمِينِهِ". [انظر سابقه]

===

ومنها: جواز العمل اليسير في الصلاة، ومنها: عدم جواز تقدم المأموم (1) على الإِمام، ومنها: جواز الصلاة خلف من لم ينو الإمامة (2).

وفي "الهداية": وان صلَّى خلفه أو يساره جاز وهو مسيء، قال ابن الهمام (3): هذا هو المذهب، ثم قال: أورد كيف جاز النفل بجماعة وهو بدعة؟ أجيب بأن أداءه بلا أذان ولا إقامة بواحد أو اثنين يجوز على أنا نقول: كان التهجد عليه عليه السلام فرضًا فهو اقتداء المتنفل بالمفترض، ولا كراهة فيه، انتهى ملخصًا.

609 -

(حدثنا عمرو بن عون ثنا هشيم) بن بشير، (عن أبي بشر) جعفر بن إياس، وهو ابن أبي وحشية، (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذه القصة) أي القصة المتقدمة عن ابن عباس (قال) أي ابن عباس: (فأخذ برأسي أو بذؤابتي) لفظ "أو" للشك من الراوي، قال في "القاموس": والذؤابة: الناصية، أو منبتها من الرأس، وشَعَرٌ في أعلى ناصية الفَرَس، انتهى، وقيل: هي الشعر المضفور من الرأس، (فأقامني عن يمينه) قلت: وهذا يخالف ما في "الصحيحين": "فأخذ بيدي"، فلعله (4) أخذ أولًا بذؤابة الرأس ثم بيده، أو على العكس، وإلَّا فما في "الصحيحين" أصح.

(1) لقوله: "من ورائه"، والتقدم يفسد الصلاة عند الثلاثة خلافًا لمالك، قاله الشعراني، وكذا في "الشرح الكبير". (ش).

(2)

قال القاضي: واختلفوا في ذلك، وذهب مالك إلى جوازه، وذهب بعضهم إلى منعه، وذهب أبو حنيفة إلى منع ذلك للنساء دون الرجال، وعندنا مستحبة، قاله ابن رسلان. (ش).

(3)

"فتح القدير"(1/ 308).

(4)

ويحتمل أن يكون أخذ أحدهما للإِدارة والآخر للتيقظ أو التنبه، كما ورد في "أوجز المسالك"(2/ 594). (ش).

ص: 526