الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فحصف عقله ولطف خياله بالاطلاع عليها. وهو الذي مهد طريق الحكم والأمثال للمتنبي وأبي العلاء وغيرهما، ولذلك كان يقال إن أبا تمام والمتنبي حكيمان والشاعر البحتري.
وأجاد أبو تمام في كل فن من فنون الشعر، أما مراثيه فلم يعلق بها أحد جاش صدره بشعر، وأشهرها القصيدة التي رثي بها محمد بن الطائي ومنها:
كذا فخليلَّ الخطبُ وليفدحِ الأمرُ
…
فليسَ لعينٍ لم يفض ماؤها عذرُ
توفيتِ الآمالُ بعد محمد
…
وأصبح في شغلٍ عن السَّفر السفرُ
وما كان إلَاّ مالَ من قلّ ماله
…
وذخراً لمن أمس وليس له ذخر
وما كان يدري مجتدى جودٍ كفه
…
إذا ما استهلّتْ أنهُ خلق العسرُ
ألا في سبيل الله من عطّلت له
…
فجاجُ سبيل الله وانثغرَ الثغرُ
فتى كلّما فاضت عيون قبيلة
…
دماً ضحكت عنهُ الأحاديث والذكر
فتى دهره شطران فيما ينوبه
…
ففي بأسه شطر وفي جوده شطر
فتى مات بين الطَّعن والضرب ميتة
…
تقوم مقامَ النصر إنْ فاته النصرُ
وما مات حتى مات مضربُ سيفه
…
من الضرب واعتلّت عليه القنا السُّمر
وقد كان فوتُ الموت سهلاً فرّده
…
إليه الحفاظ المرُّ والخلقُ الوعرُ
ونفسٌ تعاف العارَ حتى كأنما
…
هو الكفر يوم الرّوع أو دونه الكفر
فأثبتَ في مستنقع الموت رجله
…
وقال لها من تحت أخمصك الحشر
غدا غدوة والحمد نسج ردائه
…
فلم ينصرف إلا وأكفانهُ الأجر
(6) البحتري
هو أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي أشعر الشعراء بعد أبي نواس
ولد سنة 206 هـ? بناحية منبج في قبائل طي وغيرها من البدو الضاربين في شواطئ الفرات ونشأ بينهم فغلبت عليه فصاحة العرب وخرج إلى العراف وأقام في خدمة المتوكل والفتح بن خاقان محترماً عندهما إلى قتلا في مجلس كان هو حاضرة فرجع إلى منبج، وبقي يختلف أحياناً إلى رؤساء بغداد وسر من رأى حتى مات سنة 284 هـ?: وكان على فضله وفصاحته من أبخل خلق الله وأوسخهم ثوباً وأكثرهم فخراً بشعره حتى كان يقول إذا أعجبه شعره أحسنت والله، ويقول للمستمعين: ما لكم لا تقولون أحسنت. والكثير على أنه لم يأت بعد أبي نواس من هو أشعر من البحتري، ولا بعد البحتري من هو أطبع منه على الشعر ولا أبدع منه في الخيال الشعري.
شعره: كله بديع المعنى حسن الديباجة صقيل اللفظ، سلس الأسلوب كأنه سيل ينحدر إلى الأسماع مجوداً في كل غرض سوى الهجاء ولذلك اعتبره كثير من أهل الأدب هو الشاعر الحقيقي واعتبروا أمثال أبي تمام والمتنبي والمعري حكماء، ولسهولة شعره ورقته كان أكثر الأصوات التي يتغنى بها في زمنه من شعره المطبوع في ديوان حافل. ومن قوله يمدح الخليفة المتوكل ويصف موكب خروجه لصلاة عيد الفطر وخطبته في الناس:
بالبرِّ صمتَ وأنتَ أفضل صائم
…
وبسنَّة الله الرَّضيَّة تفطر
فانعمْ بيوم الفطر عيدا إنهُ
…
يوم أغرُّ من الزمان مشهَّرُ
أظهرتَ عز الملك فيه بجحفل
…
لجبِ يحاطُ الدّينُ فيه وينصرُ
خلنا الجبالَ تسير فيه وقد غدتْ
…
عدداً يسير بها العديدُ الأكثرُ
فالخيلُ تصهلُ والفوارسُ تدّعي
…
والبيض تلمع والأسنّةُ تزهرُ
والأرضُ خاشعةٌ تميد بثقلها
…
والجوُّ معتكرُ الجوانب أغبرُ