الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن خطبه أيضاً وهي آخر خطبة خطبها:
أما بعد: فإن الله عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها لآخرة ولم يعطكموها لتركنوا إليها، الدنيا تفنى والآخر ة تبقى فلا تبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية فآثروا ما يبقى على ما يفنى فإن الدنيا منقطعة وأن المصير إلى الله، اتقوا الله عز وجل فإن تقواه جنة من بأسه ووسيلة عنده واحذروا من الله الغير، والزموا جماعتكم ولا تصيروا أحزاباً (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) [آل عمران: 103] .
عليّ بن بي طالب كرّم الله وجهه
هو أمير المؤمنين أبو الحسن علي ن أبي طالب، وابن عم رسول وزوج ابنته ورابع الخلفاء الراشدين ولد رحمه الله بعد مولد النبي باثنتين وثلاثين سنة، وهو أول من آمن من الصبيان، وكان شجاعاً لا يشق له غبار، وشهد الغزوات كلها مع النبي إلا غزوة تبوك، وأبلى في نضرة رسول الله ما لم يبله أحد، ولما قتل عثمان بايعه الناس بالحجاز وامتنع من بيعته عاوية وأهل الشام شيعة بني أمية غضباً منهم لمقتل عثمان وقلة عناية علي بالبحث عن معرفة القتلة على حسب اعتقادهم، فحدث من جراء ذلك الفتنة العظمى بين المسلمين وافتراقهم إلى طائفتين فتحاربوا مجدة من غير أن يستتب الأمر لعلي أو معاوية حتى قتل أحد الخوارج علياً غيلة بمسجد الكوفة سنة 40هـ?.
وكانت مدة خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر.
وكان رحمه الله أفصح الناس بعد رسول الله، وأكثرهم علماً وزهداً وشدة في الحق، وهو إمام الخطباء من العرب على الإطلاق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبه
كثيرة: منها خطبته كرم الله وجهه بعد التحكيم وهي: الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدث الجلل وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ليس معه غله غيره، وإن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم (أما بعد) فإن معصية الناصح الشفيق العالم لمجرب تورث الحيرة وتعقب الندامة، وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، ونخلت لكم مخزون رأيي، ولو كان يطاع لقصير أمر فأبيتم عليّ إباء المخالفين الجفاة والمنابذين العصاة حتى ارتاب الناصح وضن الزند بقدحه، فكنت وإياكم كما قال أخو هوزان:
أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى
…
فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
ومن خطبه له حين خاطبه العباس وأبو سفيان وفي أن يبايعا له بالخلافة.
أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وتعرجوا عن طريق المنافرة وضعوا عن تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح هذا ماء آجن ولقمة يغص بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه فإن أقل يقولوا جزع من الموت، هيهات بعد اللتيا والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه، بل اندمجن على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة.