الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة لابد منها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الّذي أكرم هذه الأمّة بالخيريّة، فكانت خير أمّة أخرجت للنّاس. والصّلاة والسّلام على سيّد الجنّ والنّاس؛ سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه المطهّرين عن الأدناس. وبعد:
فإنّنا- وبين كتابنا هذا- هناك الكثير من الأمور الّتي قابلتنا، والشّؤون والشّجون الّتي اعترضتنا، والّتي تحتّم علينا لزاما التّوضيح والتّبيان.
فبعد أن فرغنا من تحقيق هذا الكتاب المبارك، الّذي نقدّمه للقارئ الكريم، والّذي أخذ من الوقت والجهد ما الله به عليم، وأصبح في مراحله النّهائية- البروفة الأخيرة- فوجئنا وعند مراجعتنا لبعض الأحداث الواردة فيه، على كتاب آخر مطبوع تحت اسم «حدائق الأنوار» لابن الدّيبع، حقّقه الشّيخ عبد الله الأنصاريّ- على الجميع رحمة الله- فلاحظنا بعض التّشابه في الكتابة بين الكتابين لنفس الحادثة، فظنّنا أنّه من باب سقوط الحافر على الحافر، فأخذنا جزيئة أخرى من الكتاب، فوجدنا أنّ النّصّ هو هو.
عندها كان لا بدّ لنا من زيادة الاهتمام والبحث في الموضوع، فعدنا إلى أوّل الكتاب، فوجدنا أنّ الكتاب هو نفس الكتاب، والفرق فقط هو في اسم المؤلّف، والّذي حقّقه الشّيخ الأنصاريّ- رحمه الله تعالى- معتمدا نسخة خطيّة من مجموع به عدّة كتب أكثرها لابن الدّيبع، وأنّ هذا الكتاب قد نسب في المخطوط المذكور لابن الدّبيع.
مع العلم بأنّ الشّيخ الأنصاريّ- رحمه الله تعالى- عندما ترجم لابن الدّبيع واستعرض مؤلّفاته ذكر أنّه لم يجد ممّن ترجم له ذكر كتاب سيرته هذا، وعلّل ذلك بأنّ مترجميه قد أغفلوا هذا الكتاب، أو لم يشتهر أمره. وأضاف قائلا:(ونرجو من الله أن يوفّقنا لجمع معلومات تفيدنا أكثر في توثيق هذه السّيرة وصلتها بابن الدّيبع في المستقبل، ممّا سيجتمع إلينا من آراء القرّاء الكرام الّتي نأمل أن يوافونا بها، وبما سنتوصّل إليه في المستقبل إن شاء الله) .
بل إنّ المخطوط الّذي اعتمده الأنصاريّ- رحمه الله قد اعتراه نقص في بعض الأسطر في بداية الكتاب، والمذكور فيها- أي: في المخطوطين المعتمدين لدينا- اسم الكتاب وأنّه مهدى لأحد ملوك الهند. وقد صرّح- رحمه الله بذلك- مشيرا إلى مواضع النّقص- قائلا: (فالبياض في الموضع الأوّل أخفى عنّا معرفة الملك الّذي قدّم إليه- المؤلّف- هذا الكتاب ووسمه باسمه
ورسمه برسمه، والبياض في الموضع الثّاني حجب عنّا معرفة اسم الكتاب على وجه التّحقيق والتّأكيد) .
ومع هذا كلّه نرى أنّ الأنصاريّ- رحمه الله قد ذكر أثناء وصفه للمخطوط الّذي اعتمده- والّذي هو ضمن مجموع لكتب أخرى لابن الدّيبع- فقال: (عنوان الكتاب معلّق بخطّ الثّلث الجميل. وأرجّح أنّ هذه العنونة مستحدثة، يعود تاريخ كتابتها إلى زمن متأخّر عن زمن نسخها) .
ولعلّ التّشابه في بعض الأمور قد أوصل الأنصاريّ- رحمه الله إلى ما وصل إليه.
وكم كنّا نأمل أن يكون الشّيخ الأنصاريّ بين ظهرانينا ليطّلع على ما توصّلنا إليه من معلومات كانت ستثلج صدره وتقرّبها عينه. عليه رحمة الله «1» .
يحسن بنا أن نشير هنا إلى أنّنا قد أطلعنا الأستاذ المحقق عبد الله بن محمّد الحبشي على ما توصّلنا إليه، فتكرّم بكتابة تمهيد لهذا الكتاب المبارك، ساهم في تبيان الحقيقة وإزالة اللّبس. فجزاه الله عنّا خيرا، ووفّقه وسدّد خطاه.
وإنّني وكلّي فرح وسرور بهذا الاكتشاف الّذي أعاد الحقوق لأهلها، وأوضح أمرا في غاية الأهمّيّة حول نسبة هذا الكتاب، أتوجّه إلى الله تعالى أن يكلّل أعمالنا ومساعينا وجميع أمورنا بالتّوفيق «2» .
ويحسن بي أيضا أن أجري في هذه العجالة مقارنة بين طبعة الأنصاريّ- رحمه الله تعالى- وبين طبعتنا هذه؛ ذاكرا مميّزاتها:
1-
اعتمد الأنصاريّ على مخطوط واحد فقط، فقال:(تعرّض المجموع لعمل الأرضة، فأحدثت فيه ثقوبا اخترقت المجموع من الغلاف إلى الغلاف، وأحدثت فيه ضررا بالغا، وأتت على بعض الكلمات فاقتطعتها) . وقد بذل- رحمه الله جهدا كبيرا بإثبات النّقص الّذي أصاب المخطوط، معارضا الكتاب على أصوله الّتي نهل المؤلّف منها، مجتهدا بتصويب التّصحيف وإصلاح الخلل، وبما أنّه اعتمد على نسخة ناقصة وسقيمة فلم تأت تصويباته كاملة في معظم المواطن. بينما اعتمدنا نحن على مخطوطين كاملين ليس بهما أيّ نقص أو خرم، فجاء الكتاب أكثر ضبطا وأقرب إلى الصّواب.
(1) كانت وفاة الشّيخ عبد الله إبراهيم الأنصاريّ نهاية سنة 1410 هـ رحمه الله تعالى.
(2)
كذلك- وقبل طبع هذا الكتاب المبارك- فإنّنا قد اكتشفنا ما يزيل أيّ شكّ ربّما يطرأ- مع ما توفّر من الأدلّة السّابقة- فقد عثرنا على كتاب «مولد النّبيّ صلى الله عليه وسلم» للعلّامة (بحرق) محفوظا في مكتبة الأسد الوطنيّة بدمشق؛ من خلال ثلاث نسخ خطيّة، ذوات الأرقام:(8571) ، (10799) ، (11372) ؛ وبعد اطلاعنا عليها وجدنا تطابقا في بداية «المولد» مع فصل (خطبة في التّعريف بمولده الشّريف) من هذا الكتاب، ص 53 وهذا التّطابق كلمة بكلمة وحرف بحرف؛ ممّا يؤكد دون أدنى شكّ أنّ هذا الكتاب للعلّامة (بحرق) - رحمه الله تعالى- ولله الحمد على ما أنعم وألهم. اه الناشر.
2-
أحال- رحمه الله نصوص الكتاب على أصولها ما استطاع، وخرّج معظم الأحاديث فيه، وقام بإتمام الأخبار الّتي اختصرها المؤلّف، ذاكرا ذلك في الهامش، ممّا زاد في حجم الكتاب كثيرا- حتّى وصل إلى ثلاث مجلدات. بينما قمنا بإحالة نصوص الكتاب على مصادرها الأصليّة، وتخريج الأحاديث كلّها، وذلك بشكل مفيد ومختصر، فجاءت طبعتنا في مجلد واحد. وقد استفدنا من بعض تعليقاته فأثبتناها بالهامش وميّزناها ب (أنصاريّ) .
3-
ربّما وجدنا تناقضا لم يجمع عليه أهل السّير أثناء معارضة الكتاب على مصادره، فلم يعلّق- رحمه الله عليها بشيء. بينما وجدنا من الأمانة العلميّة أن نشير إلى ذلك بالهامش.
4-
مرّ معنا- في أثناء الكتاب- بعض الرّوايات الواهية السّاقطة سندا ومتنا وعقلا ونقلا- كقصّة زواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش- والّتي وقعت في بعض كتب القصص والتّفسير والسّير، وقد تذرّع بها أعداء الإسلام في التّهجّم على الإسلام ونبيّه، ونسج المستشرقون والمبشّرون من هذه الرّواية وغيرها أثوابا من الكذب والخيال معتمدين بذلك على هذه الرّوايات المختلقة المدسوسة- عند أئمّة النّقد وعلماء الرواية- فلم يشر الأنصاريّ- رحمه الله إلى ذلك مطلقا. فقمنا بالرّد على هؤلاء في الأماكن الّتي تتطلّب منّا ذلك.
5-
أجهد الأنصاريّ- رحمه الله نفسه في صنع فهارس للكتاب- بلغت مجلّدا كاملا!! - ممّا زاد في حجمه وثمنه، ونرى أنّ مثل هذه الكتب لا تحتاج إلى هذه الفهارس الكثيرة. وقد أشار إلى ذلك العلامة المحقق (عبد الفتاح أبو غدة) - رحمه الله تعالى- حول عدم جدوى هذه الفهارس مقارنة بالوقت الذي تستهلكه «1» .
(1) قال العلّامة المحقّق (عبد الفتّاح أبو غدّة) - رحمه الله تعالى- في كتابه «الانتقاء فى فضل الأئمّة الثّلاثة الفقهاء» ، ص 352؛ تحت عنوان (حول صنع الفهارس للكتب المطبوعة وذهاب الوقت الثمين بها) : جرت العادة في الأيّام الأخيرة أن يصنع للكتاب الكبير أو النّفيس الخطير فهارس عامّة، حتّى يسهل الاتصال بمعلوماته دون عناء طويل وتردّد كثير بين صفحاته للوصول إلى طلبة الباحث، وفي ذلك
نفع مشهود وضبط تامّ لأطراف المعلومات فتصاب لراغبها بأقصر الطّرق وأقل الوقت. ولكن هذا العمل فيه بذل جهد كبير، وتحمّل مشقّات كثيرة؛ فقد صار نوعا من أنواع التأليف، والإتقان فيه صعب وعر، ويحتاج إلى حبس النّفس عليه مدّة طويلة، ولذا يتردّد طالب العلم بين الإقدام عليه لتقريبه المطلوب بيسر وسهولة، والإحجام عنه لما يأكل من الذّهن والزّمن في معاناة ضبط الأسماء وتمييزها، وتصنيفها وعدم تعدّدها أو تداخلها سهوا وخطأ. وقد تردّدت كثيرا في صنع فهارس هذا الكتاب نظرا لما يذهب من الوقت في تأليف فهارسه وضبطها وإتقانها..، فقد أخذ منّي صنع هذه الفهارس وضبطها، ومقابلتها بالكتاب أكثر من ثلاثة أشهر مع بعض أعمال صغرى خفيفة، فتمنّيت لو كنت صرفت ذلك الزّمن في خدمة كتاب آخر، ولكن ما كلّ الأماني ترتضى! قال الأخ الفاضل الأستاذ المحقّق محمود الطّناحي، في كتابه النّفيس «مدخل إلى تاريخ نشر التراث» في ص 74، بعد أن أشار إلى فضل الأستاذ الشيخ محمّد محيي الدّين عبد الحميد- رحمه الله تعالى- فيما نشره وحقّقه من الكتب، وبعد ذكره ما انتقد على الشّيخ في إغفاله صنع الفهارس لكتبه النّضرة الميسّرة،
فلم نعمد في عملنا هذا إلى صناعة الفهارس، سيّما وأنّنا فصلنا بين مواضيع الكتاب المتتابعة ووضعناها على هامش الكتاب. ولم ندخلها في نصّ المؤلّف- كما يفعل بعض المحقّقين- كيلا يتوهّم القارئ الكريم أنّها من صنع المؤلّف، وأيضا من باب التّأدّب مع الأئمّة السّابقين بالمحافظة على مصنّفاتهم. وبالتالي أصبح تناول الكتاب سهلا وممتعا.
6-
ألحقنا بالكتاب ثبتا ضمّنّاه أهمّ أحداث السّيرة النّبويّة العطرة والتشريعات ونحو ذلك، وأحلناها إلى مكان وجودها في صفحات الكتاب. أمّا الحدث الّذي لم يرد بعده رقم يشير إلى مكان وجوده داخل الكتاب؛ فليعلم أنّ المؤلّف- رحمه الله لم يذكره. وإنّما ذكرناه إتماما للفائدة والنّفع. كما ألحقنا به أيضا بعض المصوّرات والمخطّطات الملوّنة الّتي تعين على فهم بعض أحداث السّيرة النّبويّة الشّريفة.
وفي الختام: نسأل الله أن يجعل نيّاتنا ومقاصدنا له وحده سبحانه، خالصة لوجهه الكريم.
وأن يعمّ النّفع بهذا الكتاب الأمّة المحمّديّة في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يجزي القائمين على هذا العمل، وكلّ من شارك أو ساعد في إخراج هذا الكتاب خير الجزاء، إنّه سميع مجيب. وصلى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
الناشر
وحدّثني الأستاذ فؤاد سيّد؛ عالم المخطوطات بدار الكتب المصريّة رحمه الله تعالى قال: سألت ذات يوم الشّيخ محيي الدّين عبد الحميد: لماذا لا تهتمّ بفهرسة ما تنشر يا مولانا؟! فأجاب: أمن أجل خمسة عشر مستشرقا أضيّع وقتا هو أولى بأن يصرف إلى تحقيق كتاب جديد؟!! وقد صدق الشيخ فإنّها تذهب بالوقت الثّمين، ولا يشعر به القارئ. ا. هـ.