الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعاب ذلك المشركون عليه، فأنزل الله عز وجل: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [سورة الحشر 59/ 5]«1» .
قال ابن عمر: ولها يقول حسّان بن ثابت، [من الوافر] «2» :
وهان على سراة بني لؤيّ
…
حريق بالبويرة مستطير «3»
فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب، [من الوافر] :
أدام الله ذلك من صنيع
…
وحرّق في نواحيها السّعير
ستعلم أيّنا منها بنزه
…
وتعلم أيّ أرضينا تضير «4»
[مآل أموال بني النّضير]
وفي «الصّحيحين» ، عن عمر رضي الله عنه أنّه قال: كانت أموال بني النّضير ممّا أفاء الله على رسوله، ممّا لم يوجف المسلمون عليه خيلا ولا ركابا، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصّة/ ينفق على أهله منها نفقة سنة، ثمّ يجعل ما بقي في السّلاح والكراع عدّة في سبيل الله «5» .
[غزوة ذات الرّقاع، أو غزوة نجد]
وفي هذه السّنة أيضا- وهي: الرّابعة- غزا النّبيّ صلى الله عليه وسلم غزوة ذات
(1) أخرجه البخاريّ، برقم (4602) . البويرة: موضع منازل بني النّضير.
(2)
ذكره البخاريّ في «صحيحه» ، برقم (3808) .
(3)
سراة: أشراف القوم. المستطير: المنتشر.
(4)
النّزه: البعد. تضير: تضرّه.
(5)
أخرجه البخاريّ، برقم (2748) . الإيجاف: سرعة السّير، وهو كناية عن الجهاد والقتال. الكراع: اسم يجمع الخيل والسّلاح، وهي الّتي تصلح للحرب.
الرّقاع إلى (نجد) يريد غطفان «1» - سمّيت بذلك لأنّ أقدامهم نقبت «2» من الحفاء، وكان يلفّون عليها الخرق- فانتهى صلى الله عليه وسلم إلى (نجد) ، فلقي جمعا من غطفان، فتقاربوا ولم يكن قتال، فلمّا صلّى الظّهر بأصحابه ندم المشركون أن لا يكونوا حملوا عليهم في الصّلاة، ثمّ قالوا: دعوهم فإنّ لهم بعدها صلاة هي أحبّ إليهم من آبائهم وأبنائهم- يعنون: صلاة العصر- فإذا قاموا إليها فشدّوا عليهم، فنزل جبريل عليه السلام بصلاة الخوف، وهي قوله تعالى: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ
(1) ذكر المؤلّف- رحمه الله غزوة ذات الرّقاع ضمن أحداث السّنة الرّابعة. قلت: قال ابن القيّم في «زاد المعاد» ، ج 3/ 252: صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنّه صلّى صلاة الخوف بذات الرّقاع، فعلم أنّها بعد الخندق وبعد عسفان، ويؤيّد هذا أنّ أبا هريرة وأبا موسى الأشعريّ رضي الله عنهما شهدا ذات الرّقاع، كما في الصّحيحين وغيرهما؛ وأنّ مروان بن الحكم سأل أبا هريرة، هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟، قال: نعم، قال: متى؟، قال: عام غزوة نجد. وهذا يدلّ على أنّ غزوة ذات الرّقاع بعد خيبر، وأنّ من جعلها قبل الخندق فقد وهم وهما ظاهرا، ولمّا لم يفطن بعضهم لهذا ادّعى أنّ غزوة ذات الرّقاع كانت مرّتين، فمرّة قبل الخندق ومرّة بعدها، وهذا لا يصحّ. ثمّ قال: وممّا يدلّ على أنّ غزوة ذات الرّقاع بعد الخندق، ما أخرجه مسلم من حديث جابر: أنّهم صلّوا صلاة الخوف بذات الرّقاع، وصلاة الخوف إنّما شرعت بعد الخندق، بل بعد عسفان، لأنّه ورد في الحديث: أنّ أوّل صلاة صلّاها للخوف بعسفان، وعسفان كانت بعد الخندق بلا خلاف. لذلك يجب ذكر هذه الغزوة بعد خيبر، مرجّحا رواية البخاريّ في الصّحيح، ومخالفا بذلك ما ذكره ابن إسحاق، الّذي جعلها في السّنة الرّابعة، قبل غزوة الخندق. (انظر الجامع في السّيرة النّبويّة، ج 3/ 271) .
(2)
نقبت: رقّت جلودها وقرحت من المشي.