الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجرّاح، وهو جالس بيننا، فلم أكره ممّا قال غيرها، كان والله أن أقدّم فيضرب عنقي، لا يقرّبني ذلك من إثم أحبّ إليّ من أن أتأمّر على قوم فيهم أبو بكر، وكثر اللّغط «1» ، وارتفعت الأصوات، حتّى خفت من الاختلاف، ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقناهم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإمّا أن نبايعهم على ما لا نرضى، وإمّا أن نخالفهم فيقع الفساد، فقلت لأبي بكر: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون، ثمّ بايعته الأنصار، ثمّ كانت بيعة العامّة من الغد «2» .
وأمّا سيّدنا عليّ رضي الله عنه وسائر بني هاشم فكانوا في وقت البيعة مشغولين بغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكفينه، فوقع في أنفسهم من استبداد أبي بكر وعمر وسائر المهاجرين والأنصار بالأمر عليهم.
وسبق أنّها لم تقع عن رويّة، إنّما بادر إليها عمر خوفا من الوقوع في الفتنة، فلم يسأل أبو بكر منهم البيعة لانعقادها، ولم يبادروا هم إليها.
[طلب فاطمة رضي الله عنها ميراثها من النّبيّ صلى الله عليه وسلم]
ثمّ إنّ فاطمة رضي الله عنها سألت أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من (خيبر وفدك) ، وصدقات (المدينة) من أموال بني قينقاع والنّضير وقريظة، فأبى عليها أبو بكر ذلك، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نورث، ما تركناه صدقة» ، ولكنّي سأعول من كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعوله، وقال: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله إلّا عملت به، فإنّي أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ.
(1) اللّغط: الصّوت والضّجيج.
(2)
أخرجه البخاريّ، برقم (6442) .
فوقع في نفسها من ذلك، فهجرت أبا بكر إلى أن ماتت رضي الله عنها.
فلمّا ماتت أرسل عليّ رضي الله عنه بعد أن جمع بني هاشم- إلى أبي بكر أن يأتيهم وحده، فأتاهم فاعتذر/ إليه عليّ من تخلّفه، وقال: إنّا قد عرفنا فضلك، ولم نحسدك على خير ساقه الله إليك، ولكنّك استبددت بالأمر علينا، ففاضت عينا أبي بكر، واعتذر إليهم بوقوع البيعة من غير رويّة، وقال: والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ إليّ من أن أصل من قرابتي، فقال له عليّ: موعدك العشيّة للبيعة، ثمّ راح بمن معه من بني هاشم إلى المسجد، فبايعوه، رضي الله عنهم أجمعين، فسرّ بذلك المهاجرون والأنصار، وقالوا لعليّ رضي الله عنه: أصبت، أصبت. روى ذلك البخاريّ ومسلم «1» .
ورويا أيضا-[أي: البخاريّ ومسلم]- أنّ عليّا والعبّاس سألا من أبي بكر رضي الله عنه نصيبهما من الصّدقة السّابق ذكرها.
سأل عليّ نصيب فاطمة، والعبّاس هو عصبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فأبى عليهما.
ثمّ سألاها عمر فأبى عليهما، واستشهد جماعة من الصّحابة منهم: عثمان وعبد الرّحمن على أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث»
(1) أخرجه البخاريّ، برقم (3998) . ومسلم برقم (1759/ 52) . عن عائشة رضي الله عنها: قلت: اختلفت الرّوايات؛ فبعضهم ذكر أنّ عليّا بايع قبل ذلك، ولكن الصّحيح ما أخرجه البخاريّ ومسلم. وفي بعض الكتب ما يشير إلى أنّ فاطمة كانت ملحّة على مبايعة علي. (انظر الإمامة والسياسة لابن قتيبة) . ومهما يكن فما صحّ من اختلافات بينهم رضي الله عنهم يحمل على أحسن المحامل، وأحسن ما يقال فيه: إنّهم بشر.