الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء» «1» .
نعوذ بالله من الفتن والمحن، ما ظهر منها وما بطن.
[الجهر بالدّعوة]
وفي السّنة الرّابعة من مبعثه صلى الله عليه وسلم: نزل قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [سورة الحجر 15/ 94- 95] .
فامتثل صلى الله عليه وسلم أمر ربّه، وأظهر الدّعوة إلى الله تعالى، فدخل النّاس في الإسلام أرسالا، حتّى فشا ذكر الإسلام ب (مكّة) ، ولكن كان المسلمون إذا أرادوا الصّلاة ذهبوا إلى الشّعاب، واستخفوا من قومهم بصلاتهم.
[موقف المشركين من النّبيّ صلى الله عليه وسلم إثر جهره بالدّعوة]
ولمّا أظهر صلى الله عليه وسلم دعوة الخلق إلى الحقّ لم يتفاحش إنكار قومه عليه، حتّى ذكر آلهتهم وسبّها، وضلّل آباءهم، وسفّه أحلامهم، فحينئذ اشتدّ ذلك عليهم، وأجمعوا له الشّرّ، فحدب «2» عليه عمّه أبو طالب، وعرّض نفسه للشّرّ دونه، مع/ بقائه على دينه.
فلمّا رأت ذلك قريش، اجتمع أشرافهم ومشوا إلى أبي طالب، وقالوا له: إنّ ابن أخيك قد سبّ آلهتنا، وعاب ديننا، وسفّه أحلامنا، وضلّل آباءنا، فإمّا أن تكفّه عنّا، وإمّا أن تخلّي بيننا وبينه، فإنّك على مثل ما نحن عليه من خلافه.
[أبو طالب بين نصرته للرّسول صلى الله عليه وسلم وتخلّيه عنه]
فعظم على أبي طالب فراق قومه، ولم تطب نفسه بخذلان ابن أخيه، فكلّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فظنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ عمّه قد بدا له تركه، والعجز عن نصرته، فقال: «يا عمّ! والله لو وضعوا الشّمس في
(1) أخرجه مسلم، برقم (145/ 232) . عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
حدب عليه: انحنى عليه وعطف.
يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر، حتّى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته» ثمّ استعبر صلى الله عليه وسلم باكيا «1» ، فقال له:
يا ابن أخي، قل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدا «2» .
وفي ذلك يقول أبو طالب، [من الكامل] «3» :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
…
حتّى أوسّد في التّراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
…
وابشر وقرّ بذاك منك عيونا «4»
ودعوتني وعرفت أنّك ناصحي
…
ولقد صدقت وكنت ثمّ أمينا
وعرضت دينا قد علمت بأنّه
…
من خير أديان البريّة دينا
لولا الملامة أو حذار مسبّة
…
لو جدتني سمحا بذاك مبينا
(1) استعبر: جرت دمعته. قلت: يا لقوّة الإيمان، ويا لعظمة النّفس البشريّة، ويا لجلال البطولة!! رجل يظنّ أنّه تخلّى عنه ناصره الوحيد من أهله، وهو وأصحابه في غمرات متتابعة من الأذى والبلاء، وتألّب رؤساء الشّرك عليه، ثمّ يقف هذا الموقف الفذّ العظيم!! إنّ هذا في منطق العقل يستحيل أن يكون مدّعيا أو كاذبا أو بشرا من عامّة البشر؛ ما هذا إلّا نبيّ كريم، ورجل بالغ أسمى درجات الثّقة بالله ربّ العالمين. فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
(2)
أخرجه البيهقيّ في «دلائل النّبوّة» ، ج 2/ 187.
(3)
دلائل النّبوّة، ج 2/ 188.
(4)
اصدع بأمرك: بيّنه واجهر به. أمرك: ما أمرك الله به من دعوة المشركين إلى عبادته وحده سبحانه. غضاضة: منقصة أو عيب. قرّت عين فلان: سرّ ورضي.