الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنّه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يكيد أهل (المدينة) أحد إلّا انماع- أي:
انذاب- كما ينماع الملح في الماء» ، متّفق عليه «1» .
وأنّه صلى الله عليه وسلم قال: «على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطّاعون ولا الدّجّال» ، متّفق عليه «2» .
وأنّه صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلّا المسجد الحرام» ، متّفق عليه «3» .
وأنّه صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة، ومنبري على حوضي» ، متّفق عليه «4» .
[المفاضلة بين مكّة والمدينة]
ولا خلاف بين العلماء في أنّ هذين البلدين أفضل بلاد الله على الإطلاق، وإنّما اختلفوا في أيّهما أفضل. والجمهور على تفضيل (مكّة) على (المدينة) ، إلّا موضع قبره الشّريف، فأجمعوا أنّه أفضل تربة في الأرض، لما ورد أنّ كلّا يدفن في تربته الّتي خلق منها «5» ، وهو صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، فتربته أفضل تربة في الأرض.
(1) أخرجه البخاريّ، برقم (1778) . ومسلم برقم (1387/ 494) . عن سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاريّ، برقم (1781) . ومسلم برقم (1379/ 485) . عن أبي هريرة رضي الله عنه. أنقاب:(جمع تلّة للنقب) ؛ وهو الطّريق بين الجبلين.
(3)
أخرجه البخاريّ، برقم (1133) . ومسلم برقم (1394/ 505) . عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
أخرجه البخاريّ، برقم (1138) . ومسلم برقم (1391/ 502) . عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
والّذي ورد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما قبض نبي إلّا دفن حيث يقبض» . أخرجه ابن ماجه برقم (1628) . عن ابن عبّاس رضي الله عنهما.
وأفضل موضع في (مكّة) : (الكعبة) ، ثمّ (المسجد) ، ثمّ (دار خديجة) رضي الله عنها، لأنّه أقام فيها نحو ثمانية وعشرين عاما.
وما أحسن قول القاضي عياض- رحمه الله تعالى- في وصف تلك الرّياض- أعني (مكّة والمدينة) -: (وجدير بمواطن عمّرت بالوحي والتّنزيل، وتردّد في عرصاتها «1» جبريل، وعرجت منها الملائكة والرّوح، وضجّت فيها بالتّقديس والتّسبيح، [وانتشر عنها من دين الله وسنّة رسوله ما انتشر] ، مدارس وآيات، ومشاهد الفضل والخيرات، ومعاهد البراهين والمعجزات، ومناسك الدّين، ومواقف سيّد المرسلين، حيث انفجرت النّبوّة/ والرّسالة، وفاض عبابها «2» ، وأوّل أرض مسّ جلد المصطفى ترابها؛ أن تعظّم عرصاتها، وتتنسّم «3» نفحاتها، وتقبّل ربوعها وجدرانها)«4» .
وقال القاضي عياض- رحمه الله تعالى- في معنى ذلك شعرا، [من الكامل] «5» :
يا دار خير المرسلين ومن به
…
هدي الأنام وخصّ بالآيات
(1) العرصات: (جمع عرصة) ؛ وهي كلّ موضع واسع لا بناء فيه. (أنصاريّ) .
(2)
العباب: كثرة الماء والسّيل.
(3)
تنسّم: طلب النّسيم واستنشقه. (أنصاريّ) .
(4)
الشّفا، ج 2/ 132- 133.
(5)
وروي أنّ القاضي عياضا- رحمه الله تعالى- لم يحج ولم يزره صلى الله عليه وسلم، فقال هذه الأبيات متحسّرا.
عندي لأجلك لوعة وصبابة
…
وتشوّق متوقّد الجمرات «1»
وعليّ عهد إن ملأت محاجري
…
من تلكم الجدران والعرصات «2»
لأعفّرنّ مصون شيبي بالثّرى
…
من كثرة التّقبيل والرّشفات «3»
لكن سأهدي من حفيل تحيّتي
…
لقطين تلك الدّار والحجرات «4»
أذكى من المسك المعنبر نفحة
…
تغشاه بالآصال والبكرات «5»
وأمّا شرف قومه ونسبه، وماثر آبائه وحسبه صلى الله عليه وسلم فهي دوحة شرف، أصلها ثابت وفرعها في السّماء، وعمود نبوّة يصدع بنوره حجاب الظّلماء.
وقد قال الله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [سورة التّوبة 9/ 128] . ومعنى: مِنْ أَنْفُسِكُمْ- بضم الفاء- أي:
منكم، ومِنْ أَنْفُسِكُمْ- بفتحها- أي: من خياركم.
(1) اللّوعة: حرقة في القلب، وألم يجده الإنسان من حبّ أو همّ أو حزن. الصّبابة: رقّة الشّوق وحرارته.
(2)
المحجر: ما أحاط بالعين.
(3)
التّعفير: التّمريغ بالعين. الرّشفات: جمع رشفة- وهي مصّ الريق. وفسّر هنا بالتّقبيل.
(4)
الحفيل: بمعنى كثير.
(5)
في «الشفا» : المفتّق.