الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خروج الدّجّال إن كان. والله أعلم «1» .
وأمّا النّوع العاشر منه: [في إعجاز القرآن العظيم]
وهو المعجزة العظمى، والآية الكبرى، معجزة القرآن العظيم، المستمرّة إلى آخر الدّهر، المشتملة على وجوه من الإعجاز.
فمنها: البلاغة الّتي أعجز بها الجنّ والإنس، قال الله تعالى:
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [سورة الإسراء 17/ 88] .
قال القاضي عياض- رحمه الله تعالى-: (ووجه إعجازه بحسن نظمه، وفصاحة كلمه الخارقة عادة العرب العرباء، وهم القوم اللّدّ الفصحاء، لأنّهم كانوا أرباب هذا الشّأن، وفرسان هذا الميدان، جعل الله البلاغة لهم طبعا وخلقة، وركّبها فيهم جبلّة وقوّة، يأتون من ذلك على البديهة بالعجب، ويرتجلون في المحافل القصائد والخطب، ويرتجزون به في الحرب، بين الطّعن والضّرب، فيرفعون من مدحوه، ويضعون من قدحوه، ويجعلون النّاقص كاملا، والنّبيه خاملا، ويتغزّلون فيأتون بالسّحر الحلال، ويتمثّلون بما يزري على عقد اللآل «2» ، ويخدعون الألباب إن سألوا، ويذلّلون الصّعاب إن شفعوا، لهم في فنون البلاغة الحجّة البالغة، والقوّة الدّامغة، لا يشكّون أنّ الكلام طوع مرادهم/، وأنّ البلاغة ملك قيادهم، قد حووا فنونها، واستنبطوا عيونها، ودخلوا فيها من كلّ باب، وتمسّكوا فيها بأوثق الأسباب، فما راعهم إلّا رسول كريم، قد جاءهم بكتاب حكيم: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ
(1) قلت: لم يصحّ شيء من هذا التّأويل. والله أعلم.
(2)
عقد اللآل: اللآلئ.
وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [سورة فصّلت 41/ 42] ، قد أحكمت آياته، وفصّلت كلماته، وبهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كلّ مقول، صارخا بهم في كلّ حين، ومقرّعا لهم على مرّ السّنين، قائلا لهم: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [سورة البقرة 2/ 23] .
ولم يزل يقرّعهم به أشدّ التّقريع، ويوبّخهم به غاية التّوبيخ، ويسفّه أحلامهم، ويحطّ أعلامهم، وهم في كلّ ذلك ناكصون عن معارضته، معترفون بالعجز عن مماثلته، حتّى أعرضوا عن المعارضة بالحروف، إلى المقارعة بالسّيوف، وقالوا على سبيل المباهتة «1» والرّضى بالدّنيّة: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ [سورة فصّلت 41/ 5]، و: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [سورة فصّلت 41/ 26] .
ولمّا سمع الوليد بن المغيرة قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [سورة النّحل 16/ 90]، قال:
والله، إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة «2» ، وإنّ أسفله لمغدق «3» ، وإنّ أعلاه لمورق، وما يقول هذا بشر) «4» .
(1) المباهتة: القذف بالباطل.
(2)
الطّلاوة: الرّونق والحسن الفائق.
(3)
المغدق: كثير الماء.
(4)
الشّفا، ج 1/ 500- 507. بتصرّف من المؤلّف.