الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً [سورة الجن 72/ 9] . وذلك لئلّا يلتبس الوحي بالكهانة «1» .
وفي «الصّحيحين» أيضا، أنّهم قالوا: قد حيل بيننا وبين خبر السّماء «2» . والله أعلم.
[رضاعته صلى الله عليه وسلم]
وأوّل من أرضعته صلى الله عليه وسلم ثويبة- بمثلّثة، مصغّرة- مولاة عمّه أبي لهب، وأرضعت معه عمّه حمزة وأبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزوميّ بلبن ابنها مسروح- بمهملات-.
وفي «صحيح البخاريّ» أنّه صلى الله عليه وسلم قال: «أرضعتني أنا وأبا سلمة ثويبة» قال عروة بن الزّبير: وثويبة مولاة لأبي لهب، كان أبو لهب أعتقها، فأرضعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فلمّا مات أبو لهب أريه العبّاس في أسوء حالة، فقال له: ماذا لقيت؟ قال: لم ألق بعدكم خيرا، غير أنّي خفّف عنّي العذاب بعتاقي/ ثويبة «3» .
قلت: فتخفيف العذاب عنه إنّما هو كرامة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم كما خفّف عن أبي طالب، لا لأجل مجرّد العتق لقوله تعالى:
وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [سورة هود 11/ 16] .
[رضاعته صلى الله عليه وسلم من حليمة السّعديّة]
قال علماء السّير: ثمّ احتملته حليمة السّعديّة بنت أبي ذؤيب- مصغّر ذئب- من بني سعد بن بكر بن هوازن، ثمّ قيس بن عيلان- بمهملة- ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان؛ حين قدمت مع قومها يلتمسون الرّضعاء، لما يرجونه من المعروف من أهليهم.
(1) الكهانة: هي تعاطي الإخبار عن الكائنات في مستقبل الزّمان، وادّعاء معرفة الأسرار. [النّهاية، ج 4/ 214 (أنصاريّ) ] .
(2)
أخرجه البخاريّ، برقم (4637) . عن ابن عبّاس رضي الله عنهما.
(3)
أخرجه البخاريّ، برقم (4813) . عن أمّ حبيبة رضي الله عنها.
وكان أهل (مكّة) يسترضعون أولادهم فيهم لفصاحتهم، ولصحّة هواء البادية، فأقام صلى الله عليه وسلم فيهم نحو خمس سنين، وظهر لهم من يمنه وبركته في تلك المدّة أنواع من المعجزات وخوارق العادات.
روى ابن إسحاق عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: قالت حليمة: خرجت في نسوة من بني سعد نلتمس الرّضعاء، على أتان لي قمراء «1» ، في سنة شهباء «2» ، ومعي زوجي الحارث بن عبد العزّى من بني سعد بن بكر، ومعنا شارف لنا- أي: ناقة مسنّة- ما تبضّ «3» بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من بكاء صبيّنا، ما في ثدييّ ما يغنيه، ولا في شارفنا ما يغذّيه، فخرجت على أتاني تلك، ولقد أذمّت «4» بالرّكب- أي: ولقد أزرت بهم «5» - ضعفا وعجفا «6» ، حتّى شقّ ذلك عليهم، حتّى قدمنا (مكّة)، فو الله ما منّا امرأة إلّا عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل لها: إنّه يتيم، [وذلك أنّا إنّما كنّا نرجو المعروف من أبي الصّبيّ، فكنّا نقول: يتيم! وما عسى أن تصنع أمّه وجدّه؟، فكنّا نكرهه لذلك] ، فما بقيت امرأة ممّن قدمت معي إلّا أخذت رضيعا غيري، [فلمّا أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إنّي لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا، والله لأذهبنّ إلى ذلك اليتيم
(1) القمراء: شدّة البياض أو بياض إلى الخضرة.
(2)
سنة شهباء: ذات جدب وقحط.
(3)
تبضّ: تدرّ.
(4)
أذمّت الرّكاب: أعيت وتخلّفت عن جماعة الإبل، ولم تلحق بها، يريد أنّها تأخّرت بالرّكب، أي: تأخّر الركب بسببها.
(5)
أزرت: قصّرت وتهاونت.
(6)
العجف: الهزال.
فلآخذنّه، قال: لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. قالت] : فذهبت إليه فأخذته، وما حملني على أخذه إلّا أنّي لم أجد غيره.
قالت: فلمّا أخذته رجعت به إلى رحلي، فلمّا وضعته في حجري، أقبل عليه ثدياي بما شاء من اللّبن، فشرب حتّى روي، وشرب معه أخوه ضمرة حتّى رويا، ثمّ ناما، وما كنّا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفي فإذا بها حافل «1» ، فحلب منها ما شرب، وشربت، حتّى انتهينا شبعا وريّا/ [فبتنا بخير ليلة] .
قالت: يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلّمي «2» يا حليمة، والله إنّي لأراك قد أخذت نسمة مباركة، ألم تري إلى ما بتنا فيه من الخير والبركة؟ فلم يزل الله يرينا خيرا.
قالت: ثمّ خرجنا وركبت أتاني تلك، وحملته عليها معي، فو الله لقد قطعت بالرّكب، [ما يقدر عليها شيء من حمرهم] . حتّى إنّ صواحبي ليقلن لي: يا بنت أبي ذؤيب، ويحك!! إربعي علينا- أي: ارفقي- أليست هذه أتانك الّتي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهنّ: بلى، والله إنّها لهي هي!! فيقلن: والله إنّ لها لشأنا.
قالت: ثمّ قدمنا منازلنا [من بلاد بني سعد] ، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح عليّ [حين قدمنا به معنا] شباعا لبنا «3» ، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان غيرنا منهم قطرة لبن، [ولا يجدها في ضرع] ، حتّى كان الحاضرون من قومنا
(1) ضرع حافل: ممتلىء لبنا.
(2)
أي: اعلمي.
(3)
ألبنت النّاقة: إذا نزل لبنها في ضرعها.