الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزّمان، وتناقلها المشاة والرّكبان، وعقدت عليها الخناصر، وانعطفت عليها الأواصر.
وفاته:
قال العيدروس في «النّور السافر» «1» : حكي أنّه مات بالسّمّ، وسبب ذلك أنّه حظي عند السّلطان إلى الغاية، فحسده الوزراء على ذلك، فوقع منهم ما أوجب له الشّهادة، وناهيك بها من سعادة.
ومن أحسن ما قيل فيه هذا البيت لبعضهم يمدحه:
لأيّ المعاني زيدت القاف في اسمكم
…
وما غيّرت شيئا إذا هي تذكر
لأنّك بحر العلم والبحر شأنه
…
إذا زيد فيه الشّيء لا يتغيّر
ومثله قول الآخر فيه أيضا:
فأنت بحر وقاف ما له طرف
…
محمّد إسمك المعروف موصوفا
سميّ خير الأنام الطّهر من مضر
…
يهناك يهناك هذا الفخر تشريفا
عاش- رحمه الله تعالى- إحدى وستّين سنة، وانتقل إلى جوار ربّه ليلة العشرين من شعبان سنة ثلاثين وتسع مئة (بكجرات) ، فشيّعه خلق كثير، ودفن في مدينة (أحمد آباد) .
تغمّده الله بالرّحمة والرّضوان، وأسكنه فسيح الجنان.
(1) تاريخ النّور السّافر عن أخبار القرن العاشر، ص 140.
ترجمة السّلطان مظفّر بن محمود بايقرا الكجراتي
المهدى إليه هذا الكتاب هو السّلطان الفاضل العادل المحدّث الفقيه مظفّر بن محمود بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن المظفّر الكجراتي، أبو النّصر شمس الدّين مظفّر شاه. صاحب الرّئاستين «1» .
ولد في العشرين من شوّال سنة خمس وسبعين وثمان مئة في (كجرات) من بلاد الهند.
ونشأ في مهد السّلطنة، ورضع من لبان العلم وترعرع. وقرأ على مجد الدّين الإيجي العلّامة، وأخذ الحديث عنه. وعن الشّيخ المحدّث جمال الدّين محمّد بن عمر بن مبارك الحميريّ الحضرميّ الشهير ب (بحرق) ، وتدرّب في الفنون الحربيّة، حتّى فاق أسلافه في العلم والأدب، وفي كثير من الفعال الحميدة.
قام بالملك بعد والده في شهر رمضان سنة سبع عشرة وتسع مئة.
كان غاية في التّقوى والعزيمة، والعدل والسّخاء، والنّجدة والجهاد، والعفو والتّسامح عن النّاس؛ ولذلك لقّبوه بالسّلطان الحليم.
وكان جيّد القريحة، سليم الطّبع، حسن المحاضرة، خطّاطا جيّد الخطّ، كان يكتب النّسخ والثّلث والرّقاع بكمال الجودة، وكان يكتب القرآن الحكيم بيده ثمّ يبعث به إلى الحرمين الشّريفين، وحفظ القرآن في أيّام الشّباب.
وكان يقتفي آثار السّنّة السّنيّة في كلّ قول وفعل، ويعمل بنصوص الأحاديث النّبويّة، وكثيرا ما يذكر الموت ويبكي، ويكرم العلماء ويبالغ في تعظيمهم.
ولم يزل يحافظ على الوضوء ويصلّي بالجماعة ويصوم رمضان، ولم يقرب الخمر قطّ، ولم يقع في عرض أحد، وكان يعفو ويسامح عن الخطّائين، ويجتنب الإسراف والتّبذير، وبذل الأموال الطّائلة على غير أهلها.
وكان كثير التفحّص عن أخبار النّاس، عظيم التحسّس عن أخبار الممالك، وربّما يغيّر زيّه ولباسه ويخرج من قصره آناء اللّيل والنّهار، ويطّلع على الأخبار ويستكشف الأسرار.
(1) أي: رئاسة السّيف والقلم.
وله من الأخبار والنّوادر ما لا يسمع بمثله في العدل وإنصاف المظلومين، ممّا يذكّرنا بسير الأوائل من الخلفاء الرّاشدين ومن بعدهم.
قال اللكنوي في «نزهة الخواطر» ، أثناء ترجمته لهذا السّلطان العادل:
قال الآصفي: وفي سنة إحدى وثلاثين وتسع مئة خرج السّلطان إلى مصلّى العيد للاستسقاء، وتصدّق وتفقّد ذوي الحاجة على طبقاتهم، وسألهم الدّعاء، ثمّ تقدّم للصّلاة، وكان آخر ما دعا به- كما يقال-:(اللهمّ إنّي عبدك ولا أملك لنفسي شيئا، فإن تك ذنوبي حبست القطر عن خلقك فها ناصيتي بيدك! فأغثنا يا أرحم الرّاحمين) ، قال هذا ووضع جبهته على الأرض، واستمرّ ساجدا يكرّر قوله:(يا أرحم الرّاحمين) ، فما رفع رأسه إلّا وهاجت ريح ونشأت بحرية ببرق ورعد ومطر؛ ثمّ سجد لله شكرا، ورجع من صلاته بدعاء الخلق له وهو يتصدّق وينفح بالمال يمينا وشمالا.
وبعد الاستسقاء بقليل اعتراه الكسل، ثمّ ضعف المعدة، ومنه شكا ضعف الجسد، وفي خلال ذلك عقد مجلسا حفلا بسادة الأمّة ومشايخ الدّين، واجتمع بهم، وتذاكروا فيما يصلح بلاغا للآخرة، إلى أن تسلسل الحديث في رحمة الله سبحانه وما اقتضاه منّه وإحسانه، فأخذ يشرح ما منّ الله عليه من حسنة ونعمة، ويعترف بعجز شكرها، إلى أن قال: (وما من حديث رويته عن أستاذي المسند العالي مجد الدين بروايته له عن مشايخه إلّا وأحفظه وأسنده، وأعرف لراويه نسبته وثقته، وأوائل حاله إلى وفاته. وما من آية إلّا ومنّ الله عليّ بحفظها وفهم تأويلها وأسباب نزولها وعلم قراءتها. وأمّا الفقه فأستحضر منه ما أرجو به مفهوم:«من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» . ولي مدّة أشهر أصرف وقتي باستعمال ما عليه الزّهّاد، وأشتغل بما سنّه المشايخ لتزكية الأنفاس عملا بما قيل:
«من تشبّه بقوم فهو منهم» ؛ وها أنا أطمع في شمول بركاتهم متعلّلا بعسى ولعلّ، وكنت شرعت بقراءة «معالم التّنزيل» ، وقد قاربت إتمامه، إلّا أني أرجو أن أختمه في الجنّة إن شاء الله تعالى، فلا تنسوني من صالح دعائكم، فإنّي أجد أعضائي فقدت قواها، وليس إلّا رحمة الله سبحانه دواها) .
فدعا له الحاضرون بالبركة في العمر.
قال: وفي سنة اثنتين وثلاثين وتسع مئة على خروجه من (جانپانير) ظهرت منه مخائل المستودع بفراق الأبد لها ولأهلها، وأكثر من أعمال البرّ فيها.
وفي طريقه إلى (أحمد آباد) ، ولمّا نزل بها كان يكثر من التردّد إلى المزارات المتبرّكة، ويكثر من الخير بها، وكان له حسن الظّنّ بالعلّامة (خرم خان)، فقال له يوما: نظرت فيما أوثر به أولي الاستحقاق من الإنفاق فإذا أنا بين إفراط في صرف بيت المال وتفريط في منع أهله، فلم أدر إذا سئلت عنهما بما أجيب.
وفي آخر أيّامه- وكان يوم الجمعة- قام إلى المحل واضطجع إلى أن زالت الشّمس، فاستدعى بالماء وتوضّأ وصلّى ركعتي الوضوء، وقام من مصلّاه إلى بيت الحرم، واجتمعت النّسوة عليه آيسات باكيات يندبن أنفسهن حزنا على فراق لا اجتماع بعده، فأمرهنّ بالصّبر المؤذن بالأجر، وفرّق عليهنّ مالا، ثمّ ودّعهن واستودعهن الله سبحانه، وخرج وجلس ساعة، ثمّ استدنى منه راجه محمّد حسين المخاطب بأشجع الملك وقال له: قد رفع الله قدرك بالعلم وله وهي آخر خدمتك لي، أريدك تحضر وفاتي وتقرأ عليّ سورة يس، وتغسلني بيدك وتسامحني فيه، فامتن بما أهّله به وفدّاه ودعا له، ثمّ وقد سمع أذانا قال: أهو في الوقت؟ فأجاب أسد الملك: هذا أذان الاستدعاء لاستعداد صلاة الجمعة ويكون في العادة قبل الوقت، فقال: أمّا صلاة الظّهر فأصليها عندكم، وأمّا صلاة العصر فعند ربّي في الجنّة إن شاء الله تعالى، ثمّ أذن للحاضرين في صلاة الجمعة واستدعى مصلّاه وصلّى، ودعا الله سبحانه بوجه مقبل عليه وقلب منيب إليه، دعاء من هو مفارق للقصر مشرف على القبر، ثمّ كان آخر دعائه: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وقام من مصلّاه وهو يقول: أستودعك الله- واضطجع على سريره وهو مجتمع الحواس، ووجهه يلتفت إلى القبلة، وقال:(لا إله إلّا الله محمّد رسول الله) ، وفاضت نفسه والخطيب على المنبر يدعو له؛ وفي ذلك عبرة لمن ألقى السّمع وهو شهيد.
وكان ذلك في ثاني جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وتسع مئة وحمل تابوته إلى (سركيج) ودفن عند والده. طيّب الله ثراه. «1»
(1) نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنّواظر، ج 4/ 355. ملخّصا.
صورة عن المخطوطات المستعان بها في تحقيق هذا الكتاب
راموز ورقة العنوان لمخطوط (دار الكتب المصريّة)
راموز الورقة الأولى لمخطوط (دار الكتب المصريّة)
راموز الورقة الأخيرة لمخطوط (دار الكتب المصريّة)
راموز الورقة الأولى لمخطوط (مكتبة الأحقاف بتريم)
راموز الورقة الأخيرة لمخطوط (مكتبة الأحقاف بتريم)
راموز ورقة العنوان لمخطوط (الأنصاريّ)
راموز الورقة الأولى لمخطوط (الأنصاريّ)
راموز الورقة الثانية لمخطوط (الأنصاريّ) ، ويبدو فيها البياض الّذي تركه النّاسخ، ممّا فوّت الفرصة على الأنصاريّ- رحمه الله معرفة اسم السّلطان المهدى إليه الكتاب، ومعرفة اسمه أيضا.
راموز الورقة الأخيرة لمخطوط (الأنصاريّ)
راموز ورقة العنوان لمخطوط (مولد النّبيّ) للإمام بحرق وضعت للفائدة العلمية
راموز الورقة الأولى لمخطوط (مولد النّبيّ صلى الله عليه وسلم للإمام بحرق وضعت للفائدة العلمية
راموز الورقة الأخيرة لمخطوط (مولد النّبيّ صلى الله عليه وسلم للإمام بحرق وضعت للفائدة العلمية
حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النّبي المختار صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه المصطفين الأخيار المسمّى تبصرة الحضرة الاحمديّة الشّاهيّة بسيرة الحضرة الأحمديّة النّبويّة للعالم الفقيه القاضي علّامة اليمن محمّد بن عمر بحرق الحضرميّ الشّافعيّ رحمه الله تعالى 869- 930 هـ
[ق 2] بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدّمة المؤلف
الحمد لله الّذي كشف عنّا الغمّة «1» ، وجلا غياهب الظّلمة، وأكمل ديننا وأتمّ علينا النّعمة، وأكرمنا بخير نبيّ فكنّا به خير أمّة، هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ [سورة الجمعة 62/ 2] .
صلّى الله وسلّم عليه، وعلى آله وأصحابه الأئمّة، وأتباعه وأحزابه أولي المناقب الجمّة.
أمّا بعد: فإنّ خير الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم، وخير الأخلاق الحسنة خلقه الأعظم، وخير الطّرق الموصلة إلى الله تعالى طريقه الأقوم.
ولهذا قال الله تعالى ترغيبا للأوّل والآخر في اكتساب تلك المحامد والمفاخر: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [سورة الأحزاب 33/ 21] . [وقال تعالى] : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة آل عمران 3/ 31] . [وقال تعالى] : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [سورة النّور 24/ 63] .
فرغّب سبحانه في اتّباع سنّته السّنيّة «2» ، ومعرفة سيرته
(1) الغمّة: الكرب.
(2)
السّنيّة: المضيئة الرّفيعة القدر.
السّريّة «1» . وقد صنّف العلماء- رحمهم الله تعالى- في سيرته صلى الله عليه وسلم وفي عاداته وعباداته المختصر والمطوّل، وألّفوا فيها المجمل والمفصّل. فانتقيت من مجموع ما صنّفوه، واصطفيت من محصول ما ألّفوه؛ نبذة كافية شافية، لخّصتها ممّا صحّ من الأخبار، واشتهر بين علماء الحديث والآثار، ممّا أكثره في «الصّحيحين» ، أو في أحدهما، أو في غيرهما من الأصول المعتمدة- كالسّنن الأربعة، لأبي داود والتّرمذيّ والنّسائيّ وابن ماجه، وكموطأ الإمام مالك، وكسيرة ابن هشام، وشفاء القاضي عياض- رحمة الله عليهم أجمعين.
فوقع بحمد الله تعالى كتابا عظيم الوقع، جمّ الفوائد، كثير النّفع، صغير الحجم، كثير العلم، مشتملا على ما يزيد في الإيمان من الكلم الطّيّب العذب، ويحيي القلب إحياء المطر الصّيّب «2» للبلد الجدب «3» .
وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ/ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ [سورة هود 11/ 120] .
مفتتحا بخطبتين، منقسما إلى قسمين، مشتملا على سيرتين، مشمولا إلى حضرتين.
فقسم في المبادىء والسّوابق، وقسم في المقاصد واللّواحق.
أمّا قسم المبادىء والسّوابق: فافتتحته بخطبة في التّعريف بمولده الشّريف، وقدره العليّ المنيف- وإن كان غنيّا عن التّعريف-
(1) السّريّة: الشّريفة. سرو، سروة، وسروا: شرف، فهو سريّ.
(2)
المطر الصّيّب: المطر بقدر ما ينفع ولا يؤذي. من الصّوب.
(3)
البلد الجدب: البلد الّذي يبست أرضه لاحتباس الماء عنها.
ينبغي أن يخطب بها في شهر مولده صلى الله عليه وسلم في الجمع على المنابر، ويطرّز بقراءتها المحافل الشّريفة والمحاضر.
ثمّ أتبعتها بثمانية أبواب، كلّ باب منها باب من أبواب الجنّة، ووقاية من النّار لمن ألقى إليه السّمع وجنّة.
الباب الأوّل: في سرد مضمون الكتاب، ليتذكّر به أولوا الألباب، من لدن مولده صلى الله عليه وسلم إلى وفاته.
الباب الثّاني: في شرف بلدي مولده ونشأته ووفاته وهجرته، وشرف قومه ونسبه، وماثر آبائه صلى الله عليه وسلم وحسبه.
الباب الثّالث: في ذكر من بشّر به صلى الله عليه وسلم قبل ظهوره، وما أسفر قبل بزوغ شمس نبوّته من صبح نوره صلى الله عليه وسلم.
الباب الرّابع: في سيرته صلى الله عليه وسلم من حين ولادته إلى بعثته، من تنقّله في أطواره- كرضاعه وشقّ صدره- وبعض أسفاره.
الباب الخامس: في نسخ دينه صلى الله عليه وسلم لكلّ دين، وعموم رسالته إلى النّاس أجمعين، وتفضيله على جميع الأنبياء والمرسلين، صلّى الله وسلّم عليه وعليهم أجمعين.
الباب السّادس: في بعض ما اشتهر من معجزاته، وظهر من دلالات صدقه صلى الله عليه وسلم وآياته.
الباب السّابع: في بعض سيرته صلى الله عليه وسلم؛ ممّا لاقاه من حين بعثه الله إلى أن هاجر إلى الله تعالى.
الباب الثّامن: في بعض ما اشتمل عليه حديث الإسراء من العجائب، وانطوى عليه من الأسرار والغرائب، ممّا أكرمه الله به صلى الله عليه وسلم.
وأمّا قسم المقاصد واللّواحق: فافتتحته أيضا بخطبة في الحثّ
على الجهاد في سبيل الله بالأنفس والأموال، وإيراد بعض الآيات والأحاديث الدّالّة على أنّه من أفضل/ الأعمال، ليخطب بها حيث تدعو الحاجة إليها، لتحريض المجاهدين، وتذكيرهم برفع درجاتهم يوم الدّين وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [سورة الذّاريات 51/ 55] .
ثمّ أتبعتها بذكر ما اشتهر من سيرته صلى الله عليه وسلم من هجرته إلى وفاته- ومن تشريع أحكام دينه وغزواته، وما في أثناء ذلك من علامات نبوّته ومعجزاته، وأسباب نزول سور من القرآن وآياته، مرتّبا لها على سنيّ هجرته صلى الله عليه وسلم العشر، ناشرا لما انطوى من مسكها الطّيّب النّشر.
ثمّ ذيّلت ذلك بفصول في وجوب نصب الإمام، وأنّ الإمام الحقّ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ عليّ رضي الله عنهم أجمعين، ومدّة خلافة الخلفاء الأربعة، وذكر شيء من فضائل الصّحابة رضي الله عنهم أجمعين؛ الّذين جاهدوا في الله حقّ جهاده، وخلفائه الأربعة، الموضّحين سبل رشاده، مع ذكر ترتيبهم في الفضل، والرّدّ على من قدح في أحد منهم بالقول الفصل.
ثمّ ختمت الكتاب بشيء من سيرته صلى الله عليه وسلم في أحواله النّفيسة النّفسيّة، وأقواله المقدّسة القدسيّة، إذ لا ينطق صلى الله عليه وسلم عن الهوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [سورة النّجم 53/ 4] .
أمّا أحواله النّفسيّة: ففي حسن خلقه وخلقه، ووفور عقله، وحسن عشرته، وسماحته، وشجاعته، وزهده صلى الله عليه وسلم.
وأمّا أقواله القدسيّة: ففي ذكره لربّه في سوابق صلاته، ولواحقها، وفيها، وفي صيامه، وحجّه، وجهاده، وسفره، ومعاشه، ومعاشرته، ومرضه، وعند موته صلى الله عليه وسلم.
ناقلا ذلك عن كتب الحديث المعتمدة، ليكون كتابا جامعا
للحضرتين، شافعا للجامع بين السّيرتين، كالملك المظفّر واللّيث الغضنفر: السّلطان أحمد بن السّلطان محمود شاه «1» ، زاده الله ممّا آتاه من الملك والحكمة، وعلّمه ممّا يشاء، وأوزعه «2» أن يشكر نعمته الّتي أنعم عليه، وعلى والديه، وأن يعمل صالحا يرضاه، وأصلح له في ذرّيّته، وأدخله برحمته في عباده الصّالحين، وإيّانا والمسلمين، إنّه جواد كريم/ [قال: من الطّويل] :
فأحمد أسمى من بنى اسما وكنية
…
وفعلا ووصفا ملكه من أساسه
شهاب فخذ من علمه واقتباسه
…
سنا النّور واخش النّار في وقت باسه
وعن بيضه أو سمره أو قياسه
…
سل الخصم عن برهانه أو قياسه
فتلك رجوم، قد أعدّت لبأسه
…
نجوم هدى في زيّه ولباسه «3»
فلا زال محمودا حميدا مظفّرا
…
شهابا على أعدائه كأناسه «4»
ينكّس جالوت الصّليب صلابه
…
بتأييد داود على أمّ راسه «5»
(1) ذكرنا نبذة يسيرة عنه في المقدمة، ص 21- 26.
(2)
أوزعه: ألهمه.
(3)
الرّجوم: الشّهب والأنوار. مفردها: رجم.
(4)
المقصود: مثل سهام الرّمي. وإنسي القوس: ما أقبل عليك منها، وقيل: ما ولي الرّامي.
(5)
الصّليب: القويّ. داود: النّبيّ داود عليه السلام. أمّ رأسه: أصل رأسه.
ويحظى بما آتاه ملكا وحكمة
…
بأجناده أم نفسه أم مراسه «1»
فوسمت باسمه هذا الكتاب الكريم، ورسمته برسمه، وو إنّه بسم الله الرّحمن الرّحيم، فسمّيته:(تبصرة الحضرة الأحمديّة الشّاهيّة بسيرة الحضرة الأحمديّة النّبويّة) ؛ متوسّلا إلى الله تعالى بصاحب الحضرة النّبويّة خير الأنام عليه أفضل الصّلاة والسّلام؛ أن يمهّد بصاحب الحضرة الشّاهيّة قواعد الإسلام، وأن يعمر ويغمر بوجوده وجوده البلاد والعباد، وأن يلحق الحضرة بالحضرة، ويحشر الزّمرة في الزّمرة، فالمرء مع من أحبّ «2» ، ومن تشبّه بقوم فهو منهم «3» ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ [سورة المائدة 5/ 56] .
(1) أجناده: جنوده. المراس: القوّة. أم: حرف عطف بمعنى بل.
(2)
إشارة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم الّذي أخرجه البخاريّ، برقم (5816) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:«المرء مع من أحبّ» .
(3)
إشارة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم الّذي أخرجه أبو داود، برقم (3512) عن ابن عمر رضي الله عنهما:«من تشبّه بقوم فهو منهم» .
القسم الأوّل قسم المبادى والسّوابق