الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مؤلّفات المؤرّخين وأصحاب المغازي والملاحم لا تصل إلى تلك الرّفعة الّتي حظيت بها كتب المحدّثين؛ ذلك لأنّ المحدّثين كانوا لا ينقلون في كتبهم إلّا عن الثّقات، ويطرحون ما لم يصحّ عندهم من الرّوايات، ويذكرون الأحاديث الصّحيحة، ويبتعدون عن تدوين الأحاديث الضّعيفة، ويهجرون الرّوايات الموضوعة والمنحولة.
لقد كان المؤلّف- رحمه الله تعالى- أحد أولئك المحدّثين، حيث نهج في كتابه هذا منهجهم، فانتقى الأحاديث الصّحيحة، والأخبار الثّابتة، واختار موضوعاته من أمّهات كتب السّيرة النّبويّة الّتي قرأها وتعلّمها. ولا عجب في ذلك، فهو ممّن عرف بطول اليد في علم الحديث وفنونه.
فجاء الكتاب جليل النّفع، عظيم الفائدة، عزير المعلومات، واضح الأسلوب، جزل العبارة.
نسخ الكتاب:
اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على نسختين خطّيتين:
الأولى: نسخة (دار الكتب المصريّة) ، برقم (1261) ؛ وهي من كتب المرحوم (جعفر أفندي بناسكجي) ، الّذي آل الكتاب إليه من مكتبة المرحوم المبرور (موسى بن السيد جعفر مبرك) طاب ثراه، تقع في ستّ وثلاثين ومئة ورقة، في كلّ ورقة ثلاثة وعشرون سطرا، خطّها نسخيّ متقدّم، ليس عليها ما يشير إلى اسم ناسخها،
الثّانية: نسخة مكتبة الأحقاف بتريم. عدد أوراقها سبع ومئة ورقة، ومتوسّط عدد أسطرها خمسة وعشرون سطرا، خطّها بين الثّلث والنّسخ المعتاد. ذات الرّقم (3010) . لم أجد ما يشير إلى اسم ناسخها، كان الفراغ من نسخها يوم الأربعاء سادس عشر ذي القعدة سنة إحدى وأربعين ومئتين وألف للهجرة.
منهج التّحقيق:
1-
بعد نسخ المخطوط المعتمد أصلا، قابلته على النّسخة الآخرى، فما كان بين النّسختين أدنى خلاف؛ أثبتّ ما في المخطوط المعتمد أصلا؛ إلا أن يكون خطأ ظاهرا أو زيادات لم ترد في الأصل، فأثبتّ ما في النّسخة الآخرى.
2-
أضفت ما كان مناسبا من العبارة ليستقيم المعنى، وميزته ب [] ، وهذه الزّيادة اعتمدتّها لدى رجوعي إلى الأصول الّتي نهل المؤلّف منها.
3-
ضبطت النّصّ ضبطا أسأل الله العليّ العظيم أن يكون صحيحا، قريبا إلى الصّواب، كما أراده المؤلّف- رحمه الله.
4-
أثبتّ أرقام صفحات المخطوط المعتمد عند بداية كلّ صفحة، ورمزت لها ب [ق
…
] .
5-
خرّجت الآيات الكريمة بذكر اسم السّورة، وترتيبها في القرآن، ورقم الآية.
6-
عزوت الأحاديث النّبوية الشّريفة إلى مظانّها من كتب السّنّة المطهّرة.
7-
أحلت الموضوعات الرّئيسة إلى مصادرها.
8-
وضّحت ما كان مغلقا ومبهما بالشّرح والتّبيان.
9-
عنونت فقر الكتاب بعنوانات مناسبة، ووضعتهما على هامش الكتاب، وذلك للفصل بين موضوعات الكتاب المتتابعة، بطريقة تجعله سهلا متناولا في هذا العصر.
10-
ربّما أجد تناقضا أو مخالفة لم يجمع عليها علماء السّير أثناء مقابلة المصادر الّتي أخذ عنها المؤلّف مع مصادر السّيرة الآخرى، لذلك وجدت من الواجب والأمانة أن أنبّه على ذلك وأشير إليه في الحاشية، رامزا له ب (قلت) .
11-
تعرّضت أثناء الكتاب للرّدّ على بعض المستشرقين وأبواقهم المقلّدين لهم، وذلك في المواضع الّتي تحتاج لذلك.
يحسن بي أن أشير إلى أنني عدت إلى معظم كتب المغازي والسّير الّتي كتبت قديما وحديثا لمعارضتها بهذا الكتاب.
وإنّي أجد من البرّ والوفاء أن أتوقّف عند أهمّ كتابين كانا لي عونا، فقد استفدت منهما وأفدت.
أوّلهما: السّيرة النّبويّة في ضوء القرآن والسّنّة. للدّكتور محمّد بن محمّد أبو شهبة- رحمه الله تعالى- الّذي اعتمد على ذكر الآيات المتعلّقة بحوادث السّيرة ووقائعها. وبذكر الأحاديث الصّحيحة، وترك الأحاديث الموضوعة أو الإسرائيليات المكذوبة. واعتمد أيضا على كتب التّاريخ والسّير قديمها وحديثها، بعد الفحص والتّمحيص والتّحقيق، والموازنة بين الرّوايات، والأخذ بما يصلح للاحتجاج منها، والرّد على أوهام المؤرّخين الّذين بالغوا في مخالفة المحدّثين، وخاصّة إذا عارضت روايتهم ما هو أصحّ منها كرواية صاحبي الصّحيحين. ثمّ تصدّى- رحمه الله تعالى- لأولئك الّذين يحاولون أن يتألكوا بالباطل من المبشّرين والمستشرقين الّذين لا يجدون ثغرة ينفثون منها أحقادهم وسمومهم إلّا نفذوا منها، فكان لهم بالمرصاد.
وكذلك فقد تصدّى للكتّاب المسلمين الّذين تأثّروا بالمستشرقين، وراحوا يلوكون أقوالهم دون تثبّت ومعرفة. فجزاه الله عنّا وعن المسلمين كلّ خير.
ثانيهما: الجامع في السّيرة النّبويّة. تأليف الأخت سميرة الزّايد. فقد كان هذا الكتاب- الّذي يقع في ستّة مجلدات من القطع الكبير- عملا فريدا من نوعه، وينمّ عن جلالة هذا العمل ومدى أهميّته، الجهد الكبير الّذي بذل في سبيل إنجازه. أمّا ثمرة هذا الجهد المبارك فتتجلّى في فائدتين لا تقلّ إحداهما عن الآخرى قيمة وأهمّيّة:
الأولى: الإحاطة بمعظم أحداث السّيرة النّبويّة، وتسجيلها في كتاب جامع، يطلّ القارىء من خلاله على حياة الرّسول صلى الله عليه وسلم عامّة، بكلّ جوانبها ومراحلها، وسائر ما فيها وما يتّصل بها.
الثّانية: ربط سائر مرويات السّيرة النّبويّة بمصادرها الأصليّة المتنوّعة. مع بيان أماكن كلّ منها من تلك المصادر على اختلافها.
وهذا الكتاب، من خلال هاتين الفائدتين؛ يعدّ أوّل جهد من نوعه في نطاق الكتابات الحديثة في السّيرة النّبويّة. أرفع للأخت سميرة الشّكر الوفير لجهدها المبارك هذا الّذي قلّما يستطيع أن ينهض به فرد واحد.
وإنّي أجد من البرّ والوفاء أيضا- وتحقيقا لقوله صلى الله عليه وسلم: «من لم يشكر النّاس لم يشكر الله» - أن أقدّم جزيل الشّكر والامتنان لمشايخنا وأساتذتنا وإخواننا من طلبة العلم؛ الّذين أسهموا بمجهود مشكور وعمل مذكور في مراجعة وتدقيق وتصحيح نصّ هذا الكتاب المبارك، وكذلك لما أسدوه من ملاحظات وإيضاحات لحواشى الكتاب؛ ممّا أغنى الكتاب وجعله من الكتب المخدومة بحقّ. ونحن لا نزكّي عملنا هذا؛ وإنّما هو من باب التّحدّث بنعمة الله، ولسوف يلمس القارىء الكريم ذلك عند تصفّحه لهذا الكتاب.
نسأل الله أن يقبل ما بذلوه وعملوه، وأن يجزيهم عنّا خير الجزاء.
وإليك أيّها القارئ الغالي أقدم سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مبسّطة، مبوّبة، مرتّبة. بذلت فيها طوقي واستنفدت طاقتي، فإن أصبت فمن الله تعالى، وإن قصّرت عن بلوغ الهدف فمن نفسي، وحسبي بذل الجهد وحسن النّيّة.
أسأل الله العليّ القدير أن ينفع بهذا الكتاب الأمّة المحمّديّة، وأن يكرمهم باتباع سيرة الرّسول وسنّته وأقواله وأفعاله وأحواله صلى الله عليه وسلم، إنّه على ما يشاء قدير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
وكتبه
محمّد غسّان نصوح عزقول