الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ [سورة الأحزاب 33/ 37]- أي: تستحي أنّ ذلك يظهر لئلّا يشنّع عليك المنافقون واليهود أنّك نكحت منكوحة ابنك.
[تحريم التّبني]
وكان من قبل قد تبنّى زيدا، ثمّ حرّم الله ذلك عليه وعلى الأمّة بقوله: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ/، وقوله:
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ الآية [سورة الأحزاب 33/ 40، 5] .
فأمره الله بنكاحها، بل أنكحه إيّاها لتقتدي به الأمّة، كما قال الله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [سورة الأحزاب 33/ 37] .
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير استئذان، كما في «صحيح مسلم» «1» .
[افتخار زينب رضي الله عنها بتزويج الله لها]
وفي «الصّحيحين» ، عن أنس بن مالك، قال: جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول له:«اتّق الله وأمسك عليك زوجك» ، قال أنس: وكانت زينب رضي الله عنها تفتخر فتقول لأزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم ورضي عنهنّ: زوّجكنّ أهاليكنّ، وزوّجني ربّي من فوق سبع سماوات «2» .
فائدة
كذا روى ابن إسحاق وغيره من حديث قتادة عن أنس ما تقدّم من أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رأى زينب متزيّنة فأعجبته، فرغب في نكاحها لو
(1) أخرجه مسلم، برقم (1428/ 89) . عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاريّ، برقم (6984) .
طلّقها زيد. روى ذلك جمع من المفسّرين بأسانيد قويّة «1» .
وفي «البخاريّ» من حديث ثابت البنانيّ عن أنس بن مالك أنّ هذه الآية: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [سورة الأحزاب 33/ 37] نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة ولم يزد. وسبق أنّ الّذي أخفاه هو ما أعلمه الله من أنّها ستكون زوجته. وقال له: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ استصحابا للحال إلى أن يبلغ الكتاب أجله.
وليس في استحسانه لها، ورغبته في نكاحها لو طلّقها زيد قدح في منصبه الجليل حتّى يوجب الطّعن في الرّوايات الثّابتة المنقولة في هذه القصّة، بل قد جعلها العلماء من أصحابنا أصلا، استدلّوا به
(1) قلت: وفي هذه الأسانيد القويّة!! عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، متّهم بالكذب والتّحديث بالغرائب ورواية الموضوعات. وقد تنبّه لبطلانها وزيفها جمع من المحدّثين الرّاسخين. قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» ، ج 8/ 425: ورويت آثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطّبري، ونقلها كثير من المفسّرين، لا ينبغي التّشاغل بها. وقال ابن كثير في «تفسيره» ، ج 5/ 560: ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير هنا آثارا عن بعض السّلف أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحّتها فلا نوردها. وهذا القول لا يليق بمقام النّبوّة، ولا يليق به صلى الله عليه وسلم من مدّ عينيه لما نهي عنه من زهرة الحياة الدّنيا، وهذا لا يتّسم به النّاس، فكيف سيد الأنبياء؟!! ومن أقوى ما يردّ بها على ما لا يليق بمقام النّبوّة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف زينب من صغرها إلى أن تزوّجها؛ فلو كانت المسألة فيها شيء من الرّغبة الجنسيّة لتزوّجها هو. وإنّما الواقع الحقيقي هو أنّه إبطال لزواج المتبنّي بزوجة من يتبنّاه، وقوله تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ أي: تخفي في نفسك ما سيقع من الضّجّة والاعتراض عليك بعد أن تتزوّج زوجة ابنك الّذي تتبنّاه.
على أنّ من خصائصه صلى الله عليه وسلم وجوب طلاق من رغب في نكاحها على زوجها، ووجوب إجابتها، فجوّزوا رغبته في نكاح منكوحة/ غيره.
وأنّ في هذه القصّة ما لا يخفى من التّنويه بقدر المصطفى صلى الله عليه وسلم، والإعلام بعظيم مكانته عند ربّه سبحانه وتعالى، وأنّه سبحانه يحبّ ما يحبّه، ويكره ما يكرهه، وينوب عنه في إظهار ما استحيا من إظهاره، علما منه سبحانه بأنّه إنّما يفعل ذلك قمعا لشهوته، وردّا لنفسه عن هواها «1» ، كما قال سبحانه في الآية الآخرى: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [سورة الأحزاب 33/ 53] .
فما نقله القاضي عياض عن ابن القشيريّ وقرّره: من أنّ ما سبق من تجويز رغبته في نكاحها لو طلّقها زيد إقدام عظيم من قائله، وقلّة
(1) قلت: حاشاه صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا. ولم يكن زواجه صلى الله عليه وسلم لقضاء شهوة، بل لبيان تشريع بفعله صلى الله عليه وسلم. فإنّ الفعل آكد، والشّرع يستفاد على نحو أقطع من فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وما زواجه صلى الله عليه وسلم هذا إلّا ليرتفع الحرج والضّيق بين المؤمنين إذا أرادوا الزّواج بمطلّقات أدعيائهم، وهم الّذين تبنوهم في الجاهليّة، ثمّ أبطل الإسلام حكم التّبني، وألغى جميع آثاره. قال أبو شهبة- رحمه الله: وقد نسج المستشرقون والمبشّرون المحترفون من مثل هذه الرّوايات أثوابا من الكذب والخيال. وصوّروه صلى الله عليه وسلم بصورة الرّجل الّذي لا همّ له إلّا إشباع رغباته الجنسيّة والجري وراء النّساء. وقد اعتمد هؤلاء في طعونهم بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم على روايات مختلفة مدسوسة عند أئمة النّقد وعلماء الرّواية، وأغلب الظّنّ أنّها من صنع أسلافهم من اليهود والزّنادقة من الفرس وغيرهم، الّذين عجزوا أن يقاوموا سلطان الإسلام وقوّته، فلجأوا إلى الدّس والكذب، وجاز هذا الزّور على بعض الأغرار من المسلمين، فرووه في كتبهم، ولكنّه ما كان يخفى على العلماء والرّاسخين، فنبّهوا على كذبه، وحذّروا من التّصديق به.