الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقارىء، فأخذني وغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني» ، فقال: اقرأ، فقلت:«ما أنا بقارىء، فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني» ، فقال:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ [سورة العلق 96/ 1- 3] ، فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده «1» ، فدخل على خديجة، فقال:«زمّلوني زمّلوني» - أي: غطّوني- فزمّلوه حتّى ذهب منه الرّوع- أي: الفزع- فقال لخديجة وأخبرها الخبر- أي: خديجة-: «لقد خشيت على نفسي» «2» ، فقالت خديجة: كلّا والله ما يخزيك الله أبدا- أي: لا يهينك بل يكرمك-، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ- أي: المنقطع-، وتكسب المعدوم- أي: تعطي الشّيء مع قلّته وفقده-، وتقري الضّيف- أي: تطعمه الطّعام-، وتعين على نوائب الحقّ- أي:
الحوادث المحمودة- «3» .
[تحقّق خديجة رضي الله عنها من الوحي]
فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، ابن عمّ خديجة، وكان امرأ- أي: رجلا- قد تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب [العربي] ، فيكتب من الإنجيل
(1) يرجف فؤاده: يضطرب من الخوف.
(2)
أي: المرض أو الموت من شدّة الضّغط والضّم. وقد كان ذلك قبل أن يحصل له العلم الضّروريّ بأنّ الّذي جاءه ملك من الله. ولا يصحّ تفسير الخشية هنا بغير هذا. (انظر السّيرة النّبويّة، لأبي شهبة، ج 1/ 262) .
(3)
قلت: وفي ذكر هذه الأوصاف ما يدلّ على كمال خلق النّبيّ في الجاهليّة، وأنّ صنائع المعروف تقي مصارع السّوء، كما يدلّ على كمال عقل السّيّدة خديجة، ووفور شفقتها، ومحبّتها للنّبيّ صلى الله عليه وسلم. (انظر السّيرة النّبويّة، لأبي شهبة، ج 1/ 263.
[بالعربيّة] ما شاء الله أن يكتب، وكان/ شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النّبيّ صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا هو النّاموس الأكبر الّذي نزّل الله تعالى على موسى «1» ، يا ليتني فيها جذعا «2» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أو مخرجيّ هم؟» قال: نعم، لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا- أي: معانا-.
ثمّ لم ينشب ورقة- أي: لم يلبث- أن توفّي، وفتر الوحي «3» .
(حتّى حزن النّبيّ صلى الله عليه وسلم [فيما بلغنا] حزنا شديدا، غدا منه يتردّى من رؤوس الجبال، فكلّما أراد أن يلقي نفسه تبدّى له جبريل، وقال: يا محمّد، إنّك رسول الله حقّا)«4» .
(1) النّاموس: رسول الخير، والمراد به: جبريل عليه السلام. وخصّ موسى لأنّ شريعته كانت أعمّ وأوفى من شريعة عيسى عليهما السلام.
(2)
الجذع: الشّاب الحدث القويّ.
(3)
أخرجه البخاريّ، برقم (6581) . ومسلم برقم (160/ 252) .
(4)
ما بين قوسين زيادة ليست على شرط الصّحيح، لأنّها من بلاغات الزّهريّ. وقد ذكرها البخاريّ لينبّهنا إلى مخالفتها لما صحّ عنده من حديث بدء الوحي، الّذي لم تذكر فيه هذه الزّيادة، وهي من قبيل المنقطع، والمنقطع من أنواع الضّعيف. (فتح الباري، ج 16/ 12) . قلت: إنّ ما اشتهر من سيرته صلى الله عليه وسلم يردّ ذلك، فقد حدث له أثناء دعوته النّاس أشدّ وأقسى من هذه الحالة، ولم يفكّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالانتحار، بأن يلقي نفسه من شاهق جبل. وسنرى فيما يأتي من الكتاب أنّه لمّا