الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معجزة لنبيّنا صلى الله عليه وسلم، لأنّ حقيقة المعجزة ما دلّ على صدق الرّسول، وكلّ من المرسلين قد بشّر به، فمعجزاتهم الدّالّة على صدقهم، معجزات دالّة على صدقه، وبراهين شاهدة بصحّة نبوّته.
ثمّ إنّ معجزات سائر المرسلين عليهم الصّلاة والسّلام انقرضت بانقراضهم، وانعدمت بموتهم.
وأمّا نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم فأعظم معجزاته: القرآن، وهو معجزة مستمرّة على مرّ الأزمان، لا تبيد ولا تنقطع، ولا تذهب ولا تضمحلّ، بل هي ثابتة إلى الأبد، واضحة الحجّة لكلّ قرن، فلا يمرّ عصر، ولا يظهر قرن، إلّا وهم مستدلّون على الخصم بوجوه إعجازه، محتجّون عليه بما احتجّ من قبلهم على الخصم من قبله، قائلين: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [سورة البقرة 2/ 23] .
فائدة [: في الفرق بين المعجزة والكرامة والسّحر]
أجمع أهل السّنّة على أنّ كرامات الأولياء حقّ.
قال الشّيخ الرّبّانيّ محيي الدّين النّوويّ- رحمه الله تعالى- في «شرح صحيح مسلم» ، في الكلام على حديث جريج الرّاهب:
(فيه إثبات كرامات الأولياء، وأنّها تكون بجميع خوارق العادات، وأنّ كلّ ما جاز أن يكون معجزة للأنبياء، جاز أن يكون كرامة للأولياء، وأنّ كرامات الأولياء يجوز أن تقع باختيارهم وطلبهم وبغير اختيارهم، لأنّ جريجا توضّأ، وصلّى، ودعا الله تعالى، وقال للغلام: من أبوك؟ فقال: فلان الرّاعي)«1» . انتهى.
(1) شرح صحيح مسلم، للنّوويّ، ج 16/ 88، بتصرّف من المؤلّف.
قلت: وجميع ما ذكره- رحمه الله تعالى- هو مذهب أهل السّنّة، لأنّ خرق العادة لا يحيله العقل، وقد تظاهرت أدلّة الكتاب والسّنّة، والأخبار والآثار، الّتي ملأت الآفاق، وضاقت عن حصرها الأوراق؛ على وقوع/ كرامات الأولياء في كلّ عصر وزمان، كقوله تعالى في مريم: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [سورة آل عمران 3/ 37]، وقوله تعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [سورة مريم 19/ 25]، وقوله تعالى: فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
[سورة مريم 19/ 17]، وقوله تعالى:
قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ [سورة النّمل 27/ 39] .
وكحديث جريج، وأصحاب الغار الثّلاثة، وكذا حديث بركة قصعة الصّدّيق «1» ، وحديث نداء الفاروق: يا سارية الجبل، ومشي العلاء بن الحضرميّ على الماء، وتسبيح قصعة أبي الدّرداء وسلمان «2» ، وتسليم الملائكة على عمران [بن حصين] .
(1) وذلك أنّ ثلاثة من أهل الصفّة نزلوا عنده ليتعشّوا، فأمر أبا بكر ابنه عبد الرّحمن، وقال له: دونك أضيافك، فإنّي منطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فافرغ من قراهم قبل أن أجيء، ثمّ ذهب أبا بكر إلى أمره وعاد بعد ما مضى من الليل ما شاء الله. فوجدهم ينتظرونه ولم يأكلوا شيئا، فأحضر القدر، فأكلوا، فكان كلّما أكلوا لقمة زاد من أسفلها أكثر منها، فأكلوا وهي تزداد، حتى شبعوا، وإذا بالطعام في القدر قد زاد ثلاث مرّات، فأرسل أبو بكر القدر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأكل منها، وأكل معه جمع كبير من الناس، الله أعلم بعددهم «رياض الصالحين» ، رقم (1501) .
(2)
وذلك أنّه بينما أبو الدّرداء يوقد تحت قدر له، وسلمان- رضي الله عنهما عنده، إذ سمع أبو الدّرداء في القدر صوتا، ثمّ ارتفع الصوت بتسبيح كهيئة صوت الصّبيّ، قال: ثمّ ندرت فانكفأت، ثمّ رجعت إلى
ولو لم يكن إلّا قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من عباد الله، من لو أقسم على الله لأبرّه» «1» - أي: لأكرمه- لكفى.
وسئل الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: ما بال الصّحابة لم ينقل عنهم من الكرامات ما نقل عمّن بعدهم؟ فقال: لقوّة إيمانهم.
وسئل النّوويّ- رحمه الله تعالى-: ما بال العلماء لا يظهر عليهم ما يظهر على العبّاد؟ فقال: لعزّة الإخلاص في العلم دون العبادة.
ولا فرق بين الكرامة والمعجزة إلّا اقتران المعجزة بدعوى النّبوّة.
نعم، قد تلتبس الكرامة بالسّحر، فإنّه أيضا أمر خارق للعادة، وإنّما الفرق بين الكرامة والسّحر باتّباع الولي للرّسول، ومخالفة السّاحر له.
فالكرامة الّتي لا يتطرّق إليها تلبيس «2» هي الاستقامة.
قال العلماء: ويستحيل أن يظهر الخارق مع دعوى النّبوّة على يد الكاذب، وكلّ كرامة لوليّ معجزة لنبيّه، لدلالة صدق التّابع على صدق المتبوع. والله أعلم.
مكانها لم ينصبّ منها شيء، فجعل أبو الدّرداء ينادي: يا سلمان؛ انظر إلى العجب!! انظر إلى ما لم تنظر مثله أنت ولا أبوك!! فقال سلمان: أما إنّك لو سكت لسمعت من آيات الله الكبرى وكان أبو الدّرداء إذا كتب إلى سلمان، أو سلمان كتب إلى أبي الدّرداء؛ كتب إليه يذكّره باية القصعة. «حلية الأولياء» ، ج 1/ 224.
(1)
أخرجه البخاريّ، رقم (2556) . عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
تلبيس: اختلاط أو شبهة.