الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: المختار في التفرقة بينهما أن علم الجنس: هو الذي يُقصد به تمييز الجنس عن غيره من غير نظر إلى أفراده
(1)
.
واسم الجنس: ما يُقْصد به مسمى الجنس باعتبار وقوعه على أفراده
(2)
. حتى إذا أدخلت
(3)
عليه الألف واللام الجنسية الدالة على الحقيقة ساوى عَلَم الجنس، (كذا ذكره والدي أحسن الله إليه في الفرق بينهما
(4)
. قال
(5)
: ويستنج منه أن علم الجنس)
(6)
لا يُثنَّى ولا يجمع؛ لأنه إنما يثنى ويجمع الأفراد
(7)
.
(فائدة):
اعلم أنا إذا قلنا على الإنسان حيوان، وأنه كلي فها هنا
(8)
اعتبارات ثلاثة:
(1)
أي: أن علم الجنس وضع للماهية الذهنية، بقطع النظر عن الأفراد.
(2)
أي: أن اسم الجنس وضع للماهية الذهنية، بدون قطع النظر عن أفراده.
(3)
في (ت): "دخلت".
(4)
وهذا الفرق هو ما ذكره الشنقيطي رحمه الله تعالى في آداب البحث والمناظرة ق 1/ 19. وقال: بل لا يكاد يُعقل غيره. اهـ، وقد نقل القرافي رحمه الله تعالى عن الشيخ شمس الدين الخسروشاهي الفرق بين علم الجنس واسم الجنس بخلاف ما قرره الشارح. انظر: نفائس الأصول 2/ 601، شرح تنقيح الفصول ص 33.
(5)
سقطت من (غ)، و (ك).
(6)
سقطت من (ت).
(7)
لأن علم الجنس إنما وضع للماهية الذهنية لا للأفراد، فلا يجمع ولا يُثَنَّى؛ لأن الجمع والتثنية إنما يكونان للأفراد، والماهية الذهنية شيء واحد لا تعدد فيها.
(8)
في (ص): "فهنا".
أحدها: أن يراد به الحصة من الحيوانية التي شارك باعتبارها الإنسانُ غيرَه، وهذا يقال له: الكلي الطبيعي
(1)
.
وتارةً يُراد به أنه غيرُ مانع من الشركة، وهذا هو الكلي المنطقي
(2)
.
وتارة يراد به الأمران، أعني: الحيوانية التي وقعت بها الشركة، مع كونها غير مانعة، وهذا هو الكلي العقلي.
فلأول: موجود في الخارج؛ لأنه جزء من الإنسان الموجود، وجزءُ الموجود موجود.
والثاني: لا وجود له في الخارج؛ لاشتماله على ما لا يتناهى. ومنهم من زعم أنه موجود في الخارج.
والثالث: في وجوده في الخارج أيضًا اختلاف، والظاهر
(3)
أنه لا
(1)
بمعنى أنه طبعه الله طبيعة مخصوصة، قابلة لعوارض مخصوصة، نحو: الحس، والحركة بالإرادة، وغير ذلك.
انظر: نفائس الأصول 1/ 506.
(2)
قول الشارح رحمه الله تعالى: "يراد به أنه غير مانع من الشركة" إشارة إلى تعريف الكلي عضد المناطقة: وهو أنه ما لا يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه. كإنسان، وحيوان، ونبات، وجماد، ونحوها من النكرات. وقد بَيَّن القرافي هذا النوع بشيء من التفصيل فقال:". . . هو إشارة إلى الصورة الكائنة في الذهن التي تنطق على أفراد الحيوانات في الخارج، فهذا هو الكلي المنطقي؛ لأن أهل المنطق إنما يتكلمون فيه؛ لأنهم إنما يتكلمون في هذا الموطن في: الجنس، والنوع، والفصل، والخاص، والعرض العام. وهذه صور ذهنية تنطبق على أمور خارجية؛ فلذلك سُمِّى منطقًا".
نفائس الأصول 1/ 506.
(3)
سقطت من (غ).
وجود له أيضًا؛ لاشتماله على ما لا يتناهى. وزعم أفلاطون أنه موجود في الأعيان، وأن الإنسان الكلي
(1)
موجود في الخارج
(2)
.
قال: (جزئي إن لم يشترك).
هذا مقابل لقوله: "كلي" أي: الذي لا يشترك في معناه كثيرون هو الجزئي. وإنْ شئت قلت: الجزئي: ما يمنع نفس تصور معناه من وقوع الشركة فيه. كزيدٍ العَلَم مثلًا.
قال: (عَلَم إن استقل، ومُضْمَرٌ إن لم يستقل).
الجزئي إما عَلَم أو مضمر؛ لأنه إما أن يستقل في دلالته على المعنى الجزئي فهو العلم كزيد، وإما أن لا يستقل في ذلك بل يحتاج إلى قرينةِ تَكَلُّمٍ أو خطابٍ أو غَيْبةٍ فهو المضمر، كأنا وأنت وهو
(3)
. هذا شرح ما أورده، وفيه مناقشات من وجوه:
أحدها: أن هذا التقسيم كله في الاسم، وقد قَدَّم أن الاسم: هو الذي يستقل، فكيف يقسِّم
(4)
ما يستقل إلى ما لا يستقل!
(5)
.
(1)
أي: الكلي المنطقي. انظر: نفائس الأصول 1/ 505، 506.
(2)
قال القرافي: "ومتى قيل: الكلي لا موجود في الخارج صَدَق باعتبار المنطقي، والعقلي، دون الطبيعي. ومتى قيل: موجود في الخارج صدق باعتبار الطبيعي دون الآخَرَيْن". انظر: نفائس الأصول 1/ 506، 507، وانظر: البحر المحيط 2/ 286.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
في (ك): "ينقسم".
(5)
يعني: كيف يجعل من أقسام المستقل وهو الاسم، غيرَ المستقل وهو المضمر! .
الثاني: أن عدم الاستقلال موجود في أسماء الإشارة، والأسماء الموصولة، وغيرها، وليست مضمرات.
والثالث: أن عدم الاستقلال قد جعله أوَّلًا رَسْمًا للحرف، فإنْ أراد بالاستقلال ذلك
(1)
فالاعتراض لائح، وإنْ أراد غيره فليبينه
(2)
.
الرابع: أنه أهمل في تقسيم الكلي إلى اسم جنس، ومشتقٍّ - ذِكْرَ عَلَمِ الجنس كما عرفت.
الخامس: أنه جعل المضمر من أقسام الجزئي
(3)
، ولقائل أن يقول: وَحْدة المضمر بالنوع لا بالشخص
(4)
، فإنَّ أنتَ مثلًا معناه:(المخاطب، المذكر، المفرد)
(5)
، من غير تعيين، فيصح إطلاقه على مَنْ كان كذلك. والناس مختلفون في أنَّ
(6)
المضمر جزئي أو كلي، وحجة المصنف ومَنْ
(1)
في (ص)، و (غ)، و (ك):"ذاك".
(2)
يعني: إن أراد بالاستقلال هنا الاستقلالَ الذي ذكره في تعريف الحرف، وهو استقلال معناه بالمفهومية - فالاعتراض أيضًا لائح، وهو أن الحرف غير مستقل فيدخل في تقسيم الاسم إلى مستقل وغير مستقل، فيكون الحرف اسمًا، لأنه من أقسامه، كما دخلت المضمرات في التعريف، وإنْ أراد بالاستقلال غير ذلك المعنى فليبيِّنه.
(3)
أي: مع أن المضمر كلي؛ لأنه يشترك فيه كثيرون، كما سيبينه الشارح.
(4)
يعني: الضمائر واحدة بنوعها لا بشخصها، فتكون كلية؛ لأنها لو كانت واحدة بشخصها لا تطلق إلا على شخصٍ واحد، فتكون جزئية.
(5)
في (ت): "للمخاطب المفرد المذكر".
(6)
سقطت من (ت).
جعله جزئيًا أن الكلي نكرة، والمضمرات أعرف المعارف
(1)
(2)
.
قال: (تقسيم آخر: اللفظ والمعنى إما أن يتحدا وهو المنفرد
(3)
، أو يتكثرا وهي المتباينة
(4)
، تفاصلت معانيها كالسواد والبياض، أو تواصلت كالسيف والصارم، والناطق والفصيح. أو تكثر اللفظ واتحد المعنى (وهي المترادفة، أو بالعكس)
(5)
: فإنْ وُضع للكل كالعين
(6)
فمشترك، وإلا فإن نُقِل لِعَلاقة واشتهر في الثاني - سمي بالنسبة إلى
(1)
انظر: آداب البحث والمناظرة ق 1/ 20، قال الإسنوي في نهاية السول 2/ 52:"ذهب الأكثرون إلى أن المضمر جزئي كما ذهب إليه المصنف. . . ونقل القرافي في شرح المحصول وشرح التنقيح عن الأقلين أنه كلي، وقال: إنه الصحيح. وقال الأصفهاني في شرح المحصول: إنه الأشبه. وهذا القول هو الصواب". انظر: شرح تنقيح الفصول ص 34، نفائس الأصول 2/ 594، 595.
(2)
انظر المباحث السابقة في: المحصول 1/ ق 1/ 301، التحصيل 1/ 200، الحاصل 1/ 299، نهاية السول 2/ 39، السراج الوهاج 1/ 263، شرح الأصفهاني على المنهاج 1/ 178، شرح الكوكب 1/ 109، الإحكام 1/ 16، شرح تنقيح الفصول ص 27، حاشية الباجوري على السلم ص 34، آداب البحث والمناظرة ص 17.
(3)
في (ت)، و (ص)، و (ك)، و (غ):"المفرد". وكذا في شرح الأصفهاني للمنهاج 1/ 182، والسراج الوهاج 1/ 268. وهو خطأ؛ لأن المفرد سبق تعريفه، والمراد هنا بيان المنفرد أي اللفظ المنفرد بمعنى واحد، والمثبت من نهاية السول 1/ 56، وسيأتي كلام الشارح وتعبيره بالمنفرد.
(4)
في (ت): "المباينة". وهو موافق لما في السراج الوهاج 1/ 269.
(5)
سقطت من (ت)، و (غ)، و (ك).
(6)
سقطت من (ت)، و (غ)، و (ك).
الأول منقولًا عنه، وإلى الثاني منقولًا إليه، وإلا فحقيقة ومجاز).
هذا تقسيم ثاني للفظ المفرد، وهو باعتبار وَحْدته وَوَحْدةِ مدلولِهِ، وتعددهما. وينقسم بهذا الاعتبار إلى أربعة أقسام؛ وذلك لأنك إذا نسبت اللفظ إلى المعنى فإما أن يتحدا، أو يتكثَّرا، أو يتكثر اللفظ ويتحد المعنى، أو بالعكس.
فأما الأول: وهو أن يتحدا. ومثاله: لفظة "الله" فإنها واحدة ومدلولها واحد، ويسمى هذا بالمنفرد
(1)
؛ لانفراد لفظه بمعناه، وهو ينقسم إلى: كلي، وجزئي، على ما مر في التقسيم السابق.
وأما الثاني: وهو أن يتكثَّر اللفظ والمعنى - فهي الألفاظ المتباينة، كالإنسان والفرس وغير ذلك من الألفاظ المختلفة، الموضوعة لمعانٍ مختلفةٍ، وحينئذ إما أن يمتنع اجتماعها كالسواد والبياض، أو لا يمتنع بأن يكون بعضها اسمًا للذات، وبعضها اسمًا للذات إذا اتصفت بصفة خاصة، كالسيف والصارم فإن السيف اسم للذات، والصارمَ للسيف القاطع
(2)
كما قاله الجوهري في "الصِّحاح"
(3)
وغيرِه، وقد يجتمعان في سيف واحد
(4)
. أو يكون بعضها اسمًا للصفة، وبعضها اسمًا لصفة الصفة؛ كالناطق بالفعل
(5)
والفصيح، فإن الناطق بالفعل صفة للإنسان وقد لا يكون
(1)
في (ت): "بالمفرد". وهو خطأ. كما سبق بيانه.
(2)
فالسيف والصارم متباينان. انظر: نهاية السول 2/ 58.
(3)
انظر: الصحاح 5/ 1966، مادة (صرم).
(4)
كقولنا: سيف قاطع. انظر: نهاية السول 2/ 58.
(5)
فيخرج الأبكم، والطفل الصغير، فإنهما ناطقان بالقوة.
فصيحًا
(1)
. فالأُولى التي لا يمكن اجتماعها هي المسماة بالمتباينة (المتفاصلة؛ لتفاصل معانيها بالذات. والثانية التي لا يمتنع اجتماعها هي المسماة بالمتباينة)
(2)
المتواصلة؛ لتواصل معانيها. وقد بيّنّا أنها على نوعين.
وأما القسم الثالث: وهو أن يكون اللفظ كثيرًا، والمعنى واحدًا - فهى الألفاظ المترادفة، كالإنسان والبشر لواحدٍ سواء كانت من (لغة واحدة، أو من لغات مختلفة على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في فصل)
(3)
الترادف.
وأما الرابع: وهو أن يكون اللفظ واحدًا والمعنى كثيرًا - فلا يخلو إما أن يكون قد وُضع للكل، أي: لكل واحد من تلك المعاني أوْ لا. والأول المشترك كالعَيْن لمدلولاتها المتعددة
(4)
.
والثاني: وهو أن لا يوضع لكل واحد؛ بل لمعنى، ثم يُنقل إلى غيره، فإما أن يُنقل لعلاقة أوْ لا: فإن لم ينقل لعلاقة وقد أهمله المصنف فهو المرتجل. كذا قاله الإمام
(5)
. قال القرافي: "وفيه نظر؛ لأن المرتجل في
(1)
والفصيح صفة النطق التي هي صفة الإنسان، فيكون الفصيح صفة الصفة.
(2)
سقطت من (ت).
(3)
سقطت من (ت).
(4)
قال في المصباح 2/ 92 مادة (عين): "العين تقع بالاشتراك على أشياء مختلفة: فمنها الباصرة، وعين الماء، وعين الشمس، والعين الجارية، والعين الطليعة، وعين الشيء: نَفْسُه، ومنه يقال: أخذت مالي بعينه، والمعنى: أخذت عين مالي. والعين: ما ضُرِب من الدنانير، وقد يقال لغير المضروب: عين أيضًا. قال في التهذيب: والعين النقد، يقال: اشتريت بالدين أو بالعين".
(5)
انظر: المحصول 1/ ق 1/ 312، 313.
الاصطلاح: هو اللفظ المخترع الذي لم يتقدم له وضع"
(1)
.
وإن نُقِل لعلاقة: فإما أن يشتهر في الثاني أوْ لا:
فإن اشْتَهَر في الثاني كالصلاة سُمِّي بالنسبة إلى المعنى الأول منقولًا عنه، وبالنسبة إلى المعنى الثاني منقولًا إليه، إما شرعيًا، أو عرفيًا عامًا، أو خاصًا، بحسب اختلاف الناقلين، كما سيتبين
(2)
لك إن شاء الله تعالى في حَدِّ المجاز.
وإنْ لم يشتهر في الثاني كالأسد، فهو حقيقة بالنسبة إلى الأول، أعني: الحيوان المفترس، مجازٌ بالنسبة إلى الثاني وهو الرجل الشجاع. هذا تقرير ما في الكتاب. والنظر فيه من وجوه:
منها: اشتراطه المناسبة في المنقول، وهو غير شَرْطٍ؛ ألا ترى أن كثيرًا من المنقولات لا مناسبة بينها وبين المنقولة
(3)
عنها، كالجوهر إذ هو في اللغة: الشيء النفيس
(4)
؛ وفي اصطلاحِ المتكلمين: قَسيم العرض
(5)
. وأما
(1)
انظر: نفائس الأصول 2/ 606، والنقل بالمعنى، وعبارته:". . . على أن المرتجل هو اللفظ الذي لم يُسبق بوضع، وهو قد اشترط الوضع عكس ما قالوه". وانظر: شرح التنقيح ص 32.
(2)
في (ت)، و (غ):"سنبين".
(3)
في (ص): "المنقول".
(4)
انظر: المعجم الوسيط 1/ 149.
(5)
قال الإسنوي في نهاية السول 2/ 59: "ثم نقله المتكلمون إلى قسيم العَرَض: وهو القائم بنفسه. وإنْ كان في غاية الخسَّة".
قول الأصفهاني: إنَّ قيامه بنفسه نفاسةٌ - فهو إن صَحَّ ودفع صحة التمثيل بالجوهر - لا يدفع أصل الدعوى
(1)
.
ومنها: أن كلامه يقتضي
(2)
أن المجاز لا يَشْتَهِر، وهو مردود بل ربَّ مجازٍ أشهرَ من الحقيقة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح.
ومنها: أن كلامه ناطق بأن المجاز غير
(3)
موضوع، وسوف
(1)
يعني: أن كلام الأصفهاني إن سُلِّم في كون الجوهر نُقل لمناسبة، وَدَفع كلامُه هذا صحةَ التمثيل بالجوهر على النقل لغير مناسبة - فإن كلام الأصفهاني لا يدفع أصل الدعوى وهي أن المناسبة لا تشترط في النقل؛ لأن عدم صحة المثال لا يمنع صحة الدعوى؛ لأن التمثيل للتوضيح لا للتدليل، وكما قيل: ليس من دأب الرجال المنازعة في المثال.
(2)
في (ت): "مُقتضي".
(3)
سقطت من (ص). ورحم الله الشيخ المطيعي إذ أدرك أن هناك سقطًا سواء في "نهاية السول" أو في "الإبهاج" من الطبعة التوفيقية، التي هي أولى الطبعات للكتاب، وما بعدها صورة منها، حيث يقول في تعليقه على كلام الإسنوي رحمه الله تعالى: قال الإسنوي: "وعُلِم من هذا أن المجاز عند المصنف غير موضوع إلى آخره". وقال التاج السبكي في تكملة الإبهاج: ومنها أن كلامه ناطق بأن المجاز موضوع، وسوف يأتي ما يخالفه. اهـ وعبارته تنافي عبارة الإسنوي، ولعل في إحدى العبارتين سقطًا أو زيادة، وعلى كل حال فالمختار أن المجاز موضوع بالوضع النوعي، لا الشخصي، ولعل الخلاف لفظي. اهـ. سلم الوصول 2/ 59، 60. ومن غير شك أن السقط في "الإبهاج"، لا في "نهاية السول"؛ لأن كلام البيضاوي ناطق - كما قال الشارح - بأن المجاز غير موضوع؛ لأنه قال: "فإنْ وُضع للكل كالعين فمشترك، وإلا (أي: إن لم يوضع للكل) فإنْ نقل لعلاقة واشتهر. . ." إلخ.
يأتي
(1)
ما يخالفه إن شاء الله تعالى.
ومنها: أنه يقتضي أن المجاز يوضع لا لِعَلاقة
(2)
؛ إذ قال: "وإلا فحقيقة ومجاز" أي: وإن لم يوضع لعلاقة فحقيقة ومجاز، وليس كذلك؛ إذ لا بد من العلاقة في المجاز. ويمكن أن يجاب عن هذا: بأن قوله: "لعلاقة" إنما ذكره لتحقيق معنى النقل لا لتنويعه، أي: لا يتحقق النقل ولا يعتبر إلا بالعلاقة
(3)
، لكن يَتَعَيَّن على هذا أن يكون قوله:"وإلا فحقيقة ومجاز" معطوفًا على قوله: "واشتهر"، أي: وإن لم يشتهر فمجاز
(4)
، ويجيء
(5)
الإيراد الثاني.
قال: (وأما الثلاثة الأول المتحدة المعنى فنصوص. وأما الباقية: فالمتساوي الدلالة مجمل، والراجح ظاهر، والمرجوح مؤول).
الثلاثة الأول: المتحدة اللفظ والمعنى، والمتكثرة اللفظ والمعنى، والمتكثرة اللفظ دون المعنى - نصوص؛ لأن لكلِ لفظٍ منها فردَ
(1)
سقطت من (ت). وفي (ك): "سيأتي".
(2)
في (ك): "بعلاقة".
(3)
أي: لم يقصد بقوله: "لعلاقة" التنويع، وهو أن العلاقة مشترطة في النوع الأول: المنقول، والمنقول إليه، ولا تُشترط في النوع الثاني: وهى الحقيقة والمجاز، بل قصد بقوله:"لعلاقة" بيان أن النقل لا يتحقق ولا يوجد إلا بالعلاقة، فيكون المجاز على هذا مشترطًا فيه العلاقة.
(4)
فيكون المعنى على هذا: وإن لم يشتهر اللفظ في الوضع الثاني فيكون التقسيم بالحقيقة والمجاز، أي: أن الحقيقة هي المشهورة، والمجاز غير مشهور.
(5)
في (غ): "أي ويجيء".
مَعْنى
(1)
لا يحتمل غيرَه، وهذا هو المَعْنِيُّ بالنص، سُمِّي به لارتفاعه على غيره من الألفاظ في الدلالة، مِنْ قولهم: نَصَّتِ الظبية جِيدها، إذا رَفَعَتْ، ومنه مِنَصَّة العروس
(2)
وقد يطلق النص على ما يدل على معنى قطعًا ويحتمل غيره، كصيغ العموم في الجموع
(3)
؛ فإنه لا بد لها من ثلاثة
(4)
ويحتمل الزيادة. وقد جمع الشيخ تقي الدين [ص 1/ 172] ابن دقيق العيد رضي الله عنه في "شرح العنوان" الاصطلاحات في النص فقال: هي ثلاث:
أحدها: أن لا يحتمل اللفظ إلا معنى واحدًا
(5)
.
(1)
في (ص): "فردًا معينًا".
(2)
في اللسان 7/ 97، مادة (نصص):"النَّصُّ: رَفْعُك الشيء. نَصَّ الحديثَ يَنُصُّه نَصًّا: رَفَعه. وكُلُّ ما أُظْهِرَ فقد نُصَّ. . . يقال: نَصَّ الحديث - إلى فلان، أىِ: رفعه. وكذلك: نَصَصْتُه إليه. ونصت الظبيةُ جيدها: رَفَعَتْه. ووضع على المِنَصَّة، أي: على غاية الفضيحة والشهرة والظهور. والمِنَصّةُ: ما تُظْهَرُ عليه العروسُ لتُرَى، وقد نَصَّها وانتصت هي".
(3)
أي: ألفاظ الجمع الدالة على العموم، قال القرافي في نفائس الأصول 2/ 611:"وما يدل على معنى قطعًا ويحتمل غيره كصيغ الجموع في العموم نحو قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}. قال القرافي في شرح التنقيح ص 37 عن المشركين في الآية: "فإنه يقتضي قتل اثنين جزمًا، فهو نص في ذلك مع احتماله لقتل جميع المشركين". وإنما قال القرافي اثنين جزمًا، مع أن الشارح قال: ثلاثة؛ لأن المسألة خلافية بناءً على ما هو أقل الجمع. وانظر: البحر المحيط 4/ 126.
(4)
أي: ثلاثة أفراد، فلا تطلق على اثنين ولا واحد.
(5)
وهذا هو اصطلاح الأصوليين، ومَثَّل القرافي له بأسماء الأعداد. انظر: نفائس الأصول 2/ 611.
الثاني: اصطلاح الفقهاء: وهو اللفظ الذي دلالته قوية الظهور.
قلت: وهو الذي مشى عليه الإمام والمصنف في كتاب القياس
(1)
كما سينتهي الشرح إليه إن شاء الله تعالى.
الثالث: اصطلاح الجدليين فإن كثيرًا من متأخريهم يريدون بالنص: مجرد لفظ الكتاب والسنة.
وقد احترز في الكتاب بقوله: "المتحدة المعنى" عن العين، والقرء، فإنها متباينة مع أنها ليست بنصوص
(2)
؛ لأن كل لفظ منها مشترك بين مَعان. وكذلك الألفاظ المترادفة
(3)
قد تكون مشتركة كلفظة العين والناظر
(4)
.
(1)
انظر: المحصول 2 / ق 2/ 193.
(2)
إذ الأصل في المتباين أنه من النصوص.
(3)
في (ص): "المترادفة الألفاظ".
(4)
أي: وكذلك احترز المصنف بقوله: "المتحدة المعنى" عن الألفاظ المترادفة المشتركة؛ لأنها من حيث كونها مترادفة متحدة المعنى، ولكن من حيث كونها مشتركة غير متحدة المعنى، فلا تكون من النصوص التي يشترط فيها اتحاد المعنى، وذلك مثل لفظ العين والناظر، فإنهما مترادفان، وفي نفس الوقت مشتركان؛ إذ لكلٍ منهما معان متعددة. وقد سبق ذكر معاني العين، وأما معاني الناظر، فالناظر اسم فاعل من نظر، أي: أبصر، فهو بمعنى المبصر. والناظر: النقطة السوداء الصافية التي في وسط سواد العين، وبها يرى الناظر ما يرى. وقيل: الناظِرُ في العين (أي: النقطة السوداء التي في العين) كالمرأة إذا استقبلْتَها أبصرتَ فيها شخصك.
انظر: لسان العرب 5/ 216، المصباح المنير 2/ 281، مادة (نظر)
قوله: "وأما الباقية" أي: متحدة اللفظ متكثرة المعنى. وإنما قال: "الباقية" وأراد القسم الرابع؛ لأن تحته أقسامًا عدة: كالمشترك، والمنقول عنه وإليه، والحقيقة والمجاز. وحاصل هذا أن هذا القسم إما أن تكون دلالته على كل واحد من المعاني على السوية - فهو المجمل، أوْ لا: فإن كانت دلالته على بعض المعاني أرجح فالطرف الراجع ظاهر، والمرجوح مُؤوَّل؛ لانه يَؤُول إلى الظهور عند مساعدةِ الدليل له.
قال: (والمشترك بين النصِّ والظاهرِ المحكم، وبين المجمل والُمؤَوَّل المتشابه).
لا شك في اشتراك النص والظاهر في رجحان الإفادة، وإنما النص راجح لا يحتمل غيره. والظاهر راجح يحتمل غيره
(1)
. والقدر المشترك بينهما من الرجحان يسمى المحكم؛ لإحكام عبارته وإتقانه، فالمحكم جنس لنوعين: النص، والظاهر. ومقابلهما المجمل والمُؤَوَّل، فإنهما اشتركا في أن كلًا منهما يفيد معناه إفادةً غيرَ راجحةٍ إلا أن المؤول مرجوح، والمجمل ليس مرجوحًا بل مساويًا، والقدر
(2)
المشترك بينهما من عدم الرجحان يسمى
(3)
بالمتشابه. فالمتشابه جنس لنوعين: المجمل، والمؤول. وأصل هذا الاصطلاح مأخوذ من قوله تعالى:{مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}
(4)
.
(1)
سقطت من (ص)، و (غ)، و (ك).
(2)
في (ت)، و (غ)، و (ك)، "فالقدر".
(3)
في (ت): "مسمى".
(4)
انظر البحوث السابقة في: المحصول 1/ ق 1/ 311، التحصيل 1/ 201، الحاصل =
قال: (تقسيم آخر: مدلول اللفظ إما معنى، أو لفظ: مفرد، أو مركب. مستعمل، أو مهمل، نحو: الفرس، والكلمة، وأسماءِ الحروف، والخبر، والهذيان).
اللفظ المفرد باعتبار حقيقة مدلولِه ينقسم إلى خمسة أقسام؛ لأن مدلوله إما: معنى، أو لفظ. والأول: قد تقدم الكلام فيه من كونه كليًا أو جزئيًا. والثاني: إما أن يكون اللفظ الذي هو مدلوله
(1)
مفردًا، أو مركبًا، وكلٌ منهما إما أن يكون مهملًا، أو مستعملًا.
الأول
(2)
: كالفرس
(3)
، فإنه لفظٌ مدلولُه معنى.
والثاني: نحو الكلمة، فإنها لفظ مدلوله: لفظٌ، مفردٌ، مستعمل. وهو الاسم، والفعل، والحرف. وقد عرفت في التقسيم السابق وجه
(4)
انحصار انقسام
(5)
الكلمة في: الاسم، والفعل، والحرف. وأجمعت
(6)
النحاة على
= 1/ 300، نهاية السول 1/ 56، السراج الوهاج 1/ 268، شرح تنقيح الفصول ص 29، بيان المختصر 1/ 159، شرح الكوكب 1/ 136، الإحكام 1/ 17، شرح المحلى على جمع الجوامع 1/ 275.
(1)
أي: مدلول اللفظ، فاللفظ دال ومدلول، ومقصوده هنا الكلام على اللفظ الذي مدلوله لفظ فقط.
(2)
أي: القسم الأول من الخمسة، وهو أن يكون مدلول اللفظ معنى.
(3)
وكزيد، والإنسان، والجماد، والنبات، والحيوان، والألوان، والطعوم، والروائح، وجميع الأعراض غير اللفظ. انظر: نفائس الأصول 2/ 643.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
في (غ)، و (ك):"أقسام".
(6)
في (ك): "واجتمعت".
انحصارها في ذلك.
قال شيخنا أبو حيان رحمه الله: وحكى لنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير شيخنا عن صاحبه أبي جعفر بن صابر
(1)
أنه كان يذهب إلى أن ثمَّ رابعًا وهو الذي نسميه نحن: اسم فعل، وكان يسميه: خالفة؛ إذ ليس هو عنده واحدًا من هذه الثلاثة
(2)
.
والثالث: كأسماء حروف التهجي، فذلك مدلوله: لفظٌ، مفردٌ، مهملٌ. ألا ترى أن حروف جَلَس لم تُوضع لمعنى، مع أن كلًا منها قد وُضع له اسم: فللأول الجيم، وللثاني
(3)
اللام، وللثالث
(4)
السين.
فإن قلت: فيكون قول الأستاذ لتلميذه: قل: أب ت - عبثًا؛ إذ لا معنى لهذه الألفاظ؟
قلت: لما كانت آلةً يُتوصل باجتماعها على الترتيبِ المعتبرِ إلى الكلام المفيد - لم يكن تعليمها عبثًا.
والرابع: كلفظ الخبر، فإنَّ مدلوله: لفظٌ، مركبٌ، مستعملٌ. نحو: قام زيد.
(1)
قال السيوطي: "أحمد بن صابر أبو جعفر النحويّ، الذَّاهب إلى أنَّ للكلمة قسمًا رابعًا، وسمّاه الخالفة، قرأ عليه أبو جعفر بن الزبير"، انظر: بغية الوعاة 1/ 311، ولم يزدِ السيوطيُّ على هذا، ولم أقف على ترجمته عند غيره.
(2)
انظر: بغية الوعاة 1/ 311.
(3)
في (ك): "والثاني".
(4)
في (ك): "والثالث".
والخامس: أن يكون المدلول لفظًا، مركبًا، مهملًا.
قال الإمام: "والأشبه أنه غير موجود؛ لأن التركيب إنما يُصار إليه لغرض الإفادة، فحيث لا إفادة لا تركيب"
(1)
.
قال صفي الدين الهندي: "وهذا حق إن عُنِي بالمركب ما يكون جزؤه دالًا على جزء المعنى حين هو جزؤه
(2)
. وإن عُنِي به ما يكون لجزئه دلالة في الجملة ولو في غير معناه، أو ما
(3)
يكون مؤتلفًا من لفظين
(4)
كيف كان التأليف، وإن لم يكن لشيء من أجزائه دلالة - فهو باطل.
أما الأول
(5)
: فمثل "عبد الله" إذا كان عَلَمًا فإن اسم العلم يدل عليه، وهو لفظ مركب على هذا التقدير غير دالٍ على المعنى المركب.
وأما الثاني: فكلفظ
(6)
"الهذيان" فإنه يدل على المركب من مُهْملتين، أو من لفظة مهملة ومستعملة، وهو غير دال على المعنى
(1)
المحصول 1/ ق 1/ 323.
(2)
لأن الجزء إذا لم يكن دالًا على جزء المعنى لا يتحقق به التركيب؛ إذ المركب: هو ما دلَّ جزؤه على جزء معناه. فإذا كان كل جزء لا معنى له - لم يكن ذلك المجموع مركبًا، وعلى هذا فليس للمركب المهمل وجود؛ لأن ضابط التركيب إفادة الجزء لجزء معنى المركب.
(3)
في (ت): "وما".
(4)
في (ص): "لفظتين". والمثبت موافق لما في "نهاية الوصول".
(5)
وهو ما يكون لجزئه دلالة في الجملة، ولو في غير معناه.
(6)
في (غ): "فلفظ".
المركب. هذا إن أراد بعدم دلالته على معنى المعنى المركب، أما إنْ أراد أنه لا يدل على معنى أصلًا وأراد باللفظ المركب المعنى الثاني
(1)
فينتقض بالثاني دون الأول"
(2)
انتهى. والمصنف حاول ذلك فخالف الإمام
(3)
ومثَّل بالهذيان كما قررناه، فإنه لفظ موضوعٌ للمهمل المركب كما عرفت
(4)
(5)
.
قال: (والمركب صِيغَ للإفهام).
شرع في تقسيم المركب، ولا رَيْبَ فيما ذكره من أن المتكلم إنما صاغ المركب من المفردات؛ ليُفْهِم ما في ضميره.
قال: (فإنْ أفاد بالذات طلبًا فالطلب للماهية استفهام، وللتحصيل مع الاستعلاء أمر، ومع التساوي التماس، ومع التسفل سؤال. وإلا فمحتَمِلُ التصديقِ والتكذيب خبرٌ، وغيره تنبيه، ويندرج فيه: الترجي،
(1)
سقطت من (ص).
(2)
انظر: نهاية الوصول 1/ 143.
(3)
بل خالف أيضًا صاحبي الحاصل والتحصيل، فإنهما ذهبا إلى رأي الإمام.
انظر: الحاصل 1/ 307، التحصيل 1/ 203.
(4)
قال الإسنوي عن رأي الإمام: "وهو ضعيف، فإن ما قالوه دليل على أن المهمل غير موضوع، لا على أنه لم يوضع له اسم". نهاية السول 2/ 62.
وانظر: نفائس الأصول 2/ 644.
(5)
انظر: المحصول 1/ ق 1/ 321، التحصيل 1/ 203، الحاصل 1/ 306، نهاية السول 1/ 62، السراج الوهاج 1/ 272، شرح المنهاج للأصفهاني 1/ 185.
والتمني، والقَسَم، والنداء).
المركب تارةً يفيدَ طلبًا بالذات أي: بالوضع. وإنْ شئتَ قلتَ: إفادةً أولية
(1)
. وطورًا يفيد غير ذلك.
فإن أفاد طلبًا بذاته: فإنْ كان الطلب لماهيةٍ في الذهن - وأحسن من هذه العبارة أن تقول
(2)
: بطلب
(3)
ذِكْرِ ماهية الشيء - فهو الاستفهام
(4)
، كقولك: ما هذا؟ ومَنْ هذا؟
وإنْ كان لتحصيل أمرٍ ما من الأمور:
فإن كان مع الاستعلاء فأمر، كقول المتعاظم المستعلي لآخر: افعل كذا. سواء أكان
(5)
مع الاستعلاء عاليًا في نفس الأمر، أم
(6)
لم يكن.
وإن كان مع التساوي، كقول القائل لمماثله: افعل كذا - فهو التماس، وتسمية التساوي بالالتماس اصطلاح خاص، كما قال ابن دقيق العيد في "شرح العنوان".
وإنْ كان مع التسفل، كقول مَنْ يجعل نفسه دون المطلوب منه - فهو
(1)
قوله: وإنْ شئت. . . إلخ، معناه: لك أن تُعَبِّر عن المعنى الأول بقولك: المركب تارةً يفيد طلبًا إفادة أولية.
(2)
في (ص): "يقول".
(3)
في (غ)، و (ك):"طلب".
(4)
في (غ): "للاستفهام "
(5)
في (ت): "كان".
(6)
في (ك): "أو"
سؤال، سواء أكان
(1)
دونه في نفس الأمر كقول الداعي: رب اغفر لي. أم
(2)
لم يكن.
وإن لم يفد بالذات طلبًا: فإما أن يحتمل التصديق والتكذيب أوْ لا.
القسم الأول: أن يحتملهما فهو الخبر، وزعم قوم
(3)
أن تعبير المصنف ومَنْ وافقه بالتصديق والتكذيب أحسن من قول غيره: الصدق والكذب؛ لأن من الأخبار ما لا يحتمل إلا الصدق كخبر الصادق، وما لا يحتمل إلا الكذب كقول مَنْ قال: الواحد نصف العشرة، مع احتمال تصديق ذي المكابرة. وقولنا: الواحد نصف الاثنين، ويحتمل التكذيب من الكافر والمعاند
(4)
.
وهذا عندي غير مرضي؛ فإن الحكم على الخبر من حيث هو؛ والخبر من حيث هو خبرٌ محتملٌ لذلك
(5)
، وسقوط أحد الاحتمالين في بعض الأفراد لخصوصيةٍ ومزيةٍ لا يُخرج احتمالَ ماهيةِ الخبر من حيث هي لمحتَمِلاتها
(6)
. ثم إن التصديق والتكذيب عبارة عن: الإخبار بكون الكلام
(1)
في (ت)، و (ص)، و (ك):"كان".
(2)
في (ص): "أو".
(3)
لعله يقصد به الإسنوي - رحمه الله تعالى - معاصر الشارح رحمه الله تعالى.
(4)
انظر: نهاية السول 2/ 65.
(5)
أي: الحكم على الخبر بالصدق أو الكذب من حيث كونه خبرًا (أي: بصرف النظر عن قائله، وعن مطابقته الواقع أو مخالفته) محتمل. وحقيقة الخبر قابلة لكونه صدقًا أو كذبًا، بصرف النظر عن العوارض التي تمنع قبوله لأحدهما.
(6)
في (ت): "بمحتملاتها".
صدقًا، أو كذبًا. فتعريفه به دور
(1)
فإن قلت: التصديق والتكذيب، والصدق والكذب، نوعان للخبر، والنوع إنما يُعْرف بعد معرفة الجنس، (فلو عُرِّف الجنس به)
(2)
لزم الدور
(3)
.
قلت: أجاب القرافي بأن الحدَّ: هو شرح ما دل اللفظُ الأول عليه بطريق الإجمال
(4)
؛ لأن من سمع لفظ: إنسان
(5)
، وجهل مُسَمَّاه - يقال له: هو الحيوان الناطق. فإن كان جاهلًا بالحيوان والناطق فَسَد الحد؛ لأن الحد بالمجهول لا يصح، فتعيَّن أن يكونا معلومَيْن له، ومتى كانا معلومين، فمَنْ عَلِم الحيوان والناطق فقد عرف الإنسان؛ لأنه ليس شيئًا غيرهما، فعلمنا أنه كان عارفًا بحقيقة الإنسان، وإنما كان جاهلًا بمسمى اللفظ على التفصيل، وكان يعلمها من حيث الإجمال وأنَّ لها مسمى ما. وإذا كان
(1)
لأنه عَرَّف الخبر بأنه: ما احتمل التصديق والتكذيب. والتصديق والتكذيب هما: الإخبار بكون الكلام صدقًا أو كذبًا. فأصبح الخبر موقوفًا على التصديق والتكذيب، والتصديق والتكذيب موقوف على الإخبار، فكان هذا دورًا.
(2)
في (ك): "ولو عرَّفت به الجنس".
(3)
يعني: سواء قلنا بالتصديق والتكذيب، أو بالصدق والكذب - فهما نوعان للخبر، والنوع إنما يُعْرف بعد معرفة الجنس الذي هو الخبر هنا، فلو عُرِّف الجنس الذي هو الخبر بالنوع الذي هو التصديق والتكذيب، أو الصدق والكذب - للزم الدور.
(4)
يعني: اللفظ الأول يدل على معنى بطريق الإجمال، والحد يشرح ذلك المعنى الإجمالي بالتفصيل.
(5)
فإنسان هو اللفظ الأول، ودلّ على الحقيقة بطريق الإجمال، أي: له معنى ما، من غير أن يَعْرِفه.
الحد هو شرح ما دل اللفظ الأول عليه بطريق الإجمال - جاز أن يكون السائل عالمًا بمدلول لفظ الصدق والكذب، وجاهلًا بمدلول لفظ
(1)
الخبر، فَبُيِّن له مدلول
(2)
لفظ الخبر، بمدلول لفظ الصدق والكذب
(3)
. قال: ولا يُقال العلم بالنوع يستلزم العلمَ بالجنس لاستلزام العلم بالمركب العلمَ بالمفرد
(4)
؛ لأن الجهل هنا إنما وقع في
(5)
وضع لفظ الخبر للخبر لا في نفس الخبر
(6)
ولا تنافي بين العلم بالخبر والجهل بوضع لفظةٍ له
(7)
فإن المرء قد يَعْلم حقيقةً ولا يعلم اسمها
(8)
.
فإن قلت: الصدق والكذب ضدان يستحيل
(9)
اجتماعهما، فلا يقبل
(1)
سقطت من (ت)، و (ك).
(2)
سقطت من (ت)، و (ك).
(3)
بتطبيق ما قاله القرافي يكون الخبر هو اللفظ الأول الذي دلَّ على الحقيقة بالإجمال، ولفظ الصدق والكذب هو اللفظ الثاني الذي دلَّ على الحقيقة بالتفصيل، فعُرِّف اللفظ الأول المجمل، باللفظ الثاني المُفَصَّل.
(4)
المعنى: أن النوع مركب من الجنس والفصل، فيكون النوع مركبًا، والجنس مفردًا، وعلى هذا فيستلزم العلمُ بالنوع العلمَ بالجنس؛ لأن العلم بالمركب يستلزم العلم بالمفرد.
(5)
في (ص): "من".
(6)
يعني: أن الجهل في حد الخبر نتج مِنْ تعريف الخبر بالإخبار - كما سبق بيانه - وهو دور، لا أن الجهل في الحد ناشئ من عدم معرفة حقيقة الخبر، فحقيقته معلومة.
(7)
سقطت من (ت).
(8)
كما سبق بيانه أن المرء قد يعلم الحقيقة على التفصيل، ويجهل أن هذه الحقيقة لها ذلك الاسم، فالجهل بالخبر من حيث الألفاظ الموضوعة له، لا مِنْ حيث ذاته.
(9)
في (ك): "مستحيل".
مَحَلُّهما إلا أحدَهما، أما هُما معًا فلا، وإذا كان المحلُ لا يقبل إلا أحدهما كان المتعيِّن في الحد صيغة "أو" التي لأحد الشيئين دون "الواو" التي للشيئين معًا. وهذا هو الذي ارتضاه إمام الحرمين. وقال: "مَنْ قال الصدق والكذب أَوْهم اتصالَهما بخبر واحد، فإذا
(1)
ردَّد ونَوَّع فقال: (ما يدخله)
(2)
الصدق أو الكذب - فقد تحرز"
(3)
.
قلت: ما ذكرناه هو الصواب وذلك لأنه لا
(4)
يلزم مِن تنافي المقبولين تنافي القبولين
(5)
، ألا ترى أنَّ الممكن قابل للوجود والعدم، ولو وُجد أحد
(1)
في (ك): "وإذا".
(2)
في (ت): "ما مدخله". (أي: محل الدخول).
(3)
هذا الذي نقله الشارح رحمه الله تعالى عن الجويني رحمه الله تعالى، ذكره الجويني مستدلًا لقول القاضي - الذي عَرَّف الخبر بأو - قال:"والخبر هو الذي يدخله الصدق والكذب. . . فرأى القاضي: الصدق والكذب على التنويع بلفظ أو؛ إذ ذاك أمثل من الإتيان بهما، فإن من قال: الخبر يدخله الصدق والكذب - أوهم إمكان اتصالهما بخبر واحد، وإذا ردَّد ونوَّع فقال: ما يدخله الصدق أو الكذب - فقد تحرز من ذلك. والذي تقتضيه صناعة الحد ارتياد أبلغ الألفاظ وأبعدها عن الإيهام، وأقربها إلى الأفهام. والذي لم يأت بالكلام على صيغة التنويع قال: لسنا نحاول حَدَّ خبرٍ واحد، وإنما نتعرض لجنس الخبر، والصدق والكذب يجريان في جنس الخبر. والقول في ذلك قريب". البرهان 1/ 564، والظاهر من كلامه تصحيحه للتعريفين، وإن كانت "أو" أوضح وأظهر. وانظر تعريف القاضي للخبر في التلخيص 2/ 275.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
المقبولين: الصدق والكذب من حيث التعلق بالحال والواقع. والقبولين: الصدق والكذب من حيث التعلق بالمحل. فعلى هذا لا يلزم من تنافي الصدق والكذب =
القبولين دون الآخر للزم من نفي ذلك القبول ثبوت استحالة ذلك المقبول، فإن كان ذلك المستحيل هو الوجود
(1)
لزم كون الممكن مستحيلًا، وإن كان المستحيل هو العدم لزم كون الممكن واجب الوجود، فلا يتصور الإمكان إلا باجتماع القبولين، وأنْ يتنافى المقبولان فتعين
(2)
الواو
(3)
.
وإنما الشبهة التي وقعت لإمام الحرمين التباس القبولين بالمقبولين، وأنه يلزم مِنْ اجتماع المقبولين تعذر اجتماع القبولين وليس كذلك، ولذلك
(4)
نقول: كل
(5)
جسم قابل لجميع الأضداد
(6)
، وقبولاتها كُلُّها مجتمعة له، وإنما المتعاقبة على سبيل البدل هي المقبولات لا القبولات فتأمل ذلك.
= في الواقع والحال أن يتنافى قبول المحل للصدق والكذب، فالخبر من حيث مَحَلُّه يقبل الصدق والكذب، وفي هذا القبول لا منافاة بين اجتماعهما، وإنما المنافاة في المقبول، أي: من حيث الحال والواقع، فالخبر على هذا لا يكون إلا صدقًا أو كذبًا.
(1)
في (غ): "الموجود".
(2)
في (ص): "فيتعيَّن".
(3)
قوله: فلا يتصور الإمكان. . . إلخ يعني: فلا يتصور لوجود الإمكان للمكنات إلا باجتماع القبولين (أي: الوجود والعدم من حيث المحل) وأن يتنافى المقبولان (أي: الوجود والعدم من حيث الحال والواقع) فتتعين على هذا الواو الدالة على الاجتماع؛ لأن التعريف للخبر من حيث المحل لا الحال.
(4)
في (غ)، و (ك):"وكذلك".
(5)
سقطت من (ت).
(6)
أي: كل جسم يقبل مثلًا الطول والقصر، والقوة والضعف، والاتصال والانفصال، والوجود والعدم، والكلام والبكم، وغير ذلك.
فإن قلت: لِمَ سَمَّى الأصوليون ما نُقِل عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبارًا ومعظمها أوامر ونواهي؟
قلت: أجاب القاضي بوجهين:
أحدهما: أنَّ حاصل جميعها آيل إلى الخبر، فالمأمور به في حكم المُخْبَر عن وجوبه، وكذا القول في النواهي. والسر فيه أنه صلى الله عليه وسلم ليس آمرًا على سبيل الاستقلال وإنما الآمر (حقًا الله تعالى)
(1)
، وصِيَغ الأمر من المصطفى عليه السلام في حكم الإخبار عن
(2)
الله تعالى.
والثاني: أنها سميت أخبارًا لنقل المتوسطين
(3)
وهم يخبرون عمن يروي لهم، ومَنْ عاصر النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بلغه أمر
(4)
لا يقول: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، (بل يقول: أمرنا)
(5)
، فالمنقول - إذا استجد - اسم الخبر في المرتبة الثانية إلى حيث انتهى
(6)
.
(1)
في (ت)، و (ص)، و (ك)، و (غ):"حقًا لله تعالى". والمثبت من البرهان 1/ 565.
(2)
في (ك): "من".
(3)
وهم التابعون ومَنْ بعدهم.
(4)
سقطت من (ت)، و (غ).
(5)
في (ص): "بل أمرنا نقول". وهو خطأ.
(6)
قوله: "فالمنقول إذا استجد اسم الخبر في المرتبة الثانية". "اسم الخبر"، خبر المبتدأ:"فالمنقول". والمعنى: أن المنقول هو اسم الخبر إذا استجد (أي: النقل) في المرتبة الثانية، وهي مرتبة ما بعد الصحابة. فالمنقول في المرتبة الثانية اسم الخبر لا لفظ الأمر؛ لأن النقل فيها إخبار عن الأمر. وقوله:"إلى حيث انتهى"، أي: إلى آخر الرواة.
القسم الثاني: أن
(1)
لا يحتمل التصديق والتكذيب فهو تنبيه.
ويندرج في التنبيه لا على وجه الحصر التمني مثل: ليت الشباب يعود. والترجي، والقَسَم، والنداء، وأمثلتهن معروفة.
فإن قلت: ما الفرق بين الترجي والتمني؟
قلت: الترجي لا يكون في المستحيلات، والتمني يكون في المستحيلات وفي الممكنات
(2)
.
وأما لفظ الكتاب فقوله: "بالذات" احتراز
(3)
عما يفيد الطلب باللازم، كقولك: أنا طالب منك أن تذكر لي حقيقة الإنسان. فإنه لا يُسمى استفهامًا. وأن
(4)
تسقيني الماء. إذ لا يُسَمَّى أمرًا. وأن
(5)
لا تفعل كذا
(6)
. فإنه لا يُسَمَّى نهيًا، بل هذه إخبارات، وكذلك
(7)
الأقسام الباقية من التمني، والترجي، والقسم والنداء، كلها تفيد الطلب باللازم.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
انظر: شرح ابن عقيل على الألفية 1/ 346.
(3)
في (ت)، و (ص)، "احترازًا".
(4)
في (ص)، و (ك)، و (غ):"أو أن".
(5)
في (ص)، و (ك)، و (غ):"أو أن".
(6)
يعني: ويقول أيضًا: وأنا طالب منك أن تسقيني ماء، وأنا طالب منك أن لا تفعل كذا.
(7)
في (غ): "وكذا".
وعلى كلامه اعتراضات:
منها: أنه اشترط في حقيقة الأمر الاستعلاء، وذلك مذهبٌ زَيَّفه في باب الأوامر. كذا أورده بعض الشراح
(1)
، وسنبين في كتاب الأوامر إن شاء الله وجه صحة كلامه وعدم اضطرابه.
ومنها: أنه جعل التساوي قسيمًا للاستعلاء والتسفل، وإنما هو قسيم للعلو والنزول
(2)
؛ لأن الاستعلاء: جَعْلُ الطالب نفسَه عاليًا، ولا يلزم من ذلك كونه عاليًا في نفس الأمر، والتسفل عكسه.
ومنها: أن قوله: "وللتحصيل مع الاستعلاء أمرٌ" إنْ أراد به تحصيل الفعل الذي ليس بكف - فالتقسيم غير حاصر؛ لخروج طلب
(3)
الكف بالنهي عنه
(4)
. وإنْ أراد تحصيل الفعل مطلقًا كفًا كان أو غيره - لزم دخول النهي في حد الأمر، وهما حقيقتان مختلفتان.
(1)
لعله يقصد الإسنوي في نهاية السول 2/ 64، والفنري كما في "مناهج العقول" للبدخشي 1/ 193.
(2)
فالتساوي معناه المساواة، وهو قسيم للعلو والنزول. وكذا قال الإسنوى في نهاية السول 2/ 64:"فإن التساوي ليس قسيمًا للاستعلاء والتسفل، بل للعلو: وهو أن يكون الطالب أعلى مرتبة".
(3)
في (ص)، و (غ):"طالب".
(4)
أي: لخروج طلب الكفِّ بالنهي عن الفعل بصيغة الكفّ. فلو قلت لشخصٍ: اكفف عن هذا، انته عن هذا. فهذا أمرٌ يراد به النهي، فهو غير داخل في تعريف الأمر الذي ذكره بقوله: وللتحصيل مع الاستعلاء أمر. إذا فسَّرنا التحصيل بطلب الفعل الذي ليس بكفّ.