الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو حيان:
وتأول أصحابُنا كلَّ ذلك، وردوه إلى معنى الوعاء
(1)
(2)
.
قال:
(الرابعة: "مِنْ" لابتداء الغاية
، والتبيين، والتبعيض. وهي حقيقة في التبيين دفعًا للاشتراك).
لفظة "مِنْ" تَرِد لابتداء الغاية، (والتبيين، والتبعيض)
(3)
.
فأما ورودها لابتداء الغاية:
فهو إما في المكان وهو
(4)
مجمع عليه، ومنه قوله تعالى:{مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}
(5)
.
وإما في الزمان، مثل: {مِنْ
(6)
أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ}
(7)
{لِلَّهِ
(1)
أي: الظرف، وهو المعنى الحقيقي.
انظر: ارتشاف الضرب 4/ 1727.
(2)
انظر معاني "في" في: المحصول 1/ ق 1/ 528، التحصيل 1/ 251، الحاصل 1/ 376، نهاية الوصول 2/ 437، نهاية السول 2/ 188، السراج الوهاج 1/ 395، جمع الجوامع مع المحلي 1/ 348، شرح تنقيح الفصول ص 103، فواتح الرحموت 1/ 247، شرح الكوكب 1/ 251، مغني اللبيب 1/ 191.
(3)
في (ت)، و (غ):"وللتبيين وللتبعيض".
(4)
في (ت)، و (غ)، و (ك):"فهو".
(5)
سورة الإسراء: الآية 1.
(6)
سقطت من (ت).
(7)
سورة التوبة: الآية 108.
الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}
(1)
. وفي الحديث: "فَمُطِرْنا مِنْ الجمعة إلى الجمعة"
(2)
. وفيه: "مِنْ نصف النهار إلى صلاة العصر".
وقال النابغة:
تُحُيِّرْنَ مِن أزمانِ يومِ حليمةٍ
…
إلى اليومِ قَدْ جُرِّبْن كلَّ التجاربِ
(3)
وقال الراجز:
تنتهض الرِّعْدة في ظُهَيْري
…
من لدن الظهر إلى العُصَيْرِ
(1)
سورة الروم: الآية 4.
(2)
أخرجه بلفظ النسائي 3/ 155، في كتاب الاستسقاء، باب متى يستسقي الإمام، رقم 1504. وبمعناه أخرجه النسائي 3/ 159 - 162، رقم 1515، 1517، 1518. والبخاري 1/ 315، في الجمعة، باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة، رقم 891، وانظر الأرقام 890، 967 - 973، 975، 983، 986، 3389، 5742، 5982. ومسلم 2/ 613، في كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، رقم الحديث 897. وأبو داود 1/ 693 - 694، في كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الاستسقاء، رقم 1174.
(3)
البيت للنابغة الذبياني، و"يوم حليمة" يوم من أيام العرب المشهورة، حدثت فيه حرب طاحنة بين لخم وغسان، وحليمة هي بنت الحارث بن أبي شمر الغساني، أضيف اليوم إليها لأن أباها - فيما ذكروا - حين اعتزم توجيه جيشه إلى المنذر بن ماء السماء أمرها فجاءت فطيبتهم، وفي يوم حليمة ورد المثل:"ما يوم حليمة بِسِرٍّ" يضرب للأمر المشتهر المعروف، والذي لا يستطاع كتمانه. انظر: منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل 2/ 16، حاشية الصبان على الأشموني 2/ 211. وقوله:"جُرِّبْن" بالبناء للمجهول، أي: اخْتُبِرْن وابْتُلين وامْتُحِنَّ. وأراد أنه قد أظهرت التجربة صفاء جوهرهن (أي: السيوف) ونقاء معدنهن وجودة صقالهن وشدة فتكهن. انظر: هداية السالك إلى تحقيق أوضح المسالك 2/ 129.
وهذا
(1)
قد أثبته الكوفيون وصححه ابن مالك وشيخنا أبو حيان، ومنعه البصريون
(2)
. قال شيخنا: "وتأولُّهم مجيئَها لذلك
(3)
مع كثرته في لسان العرب نَثْرِها ونَظْمها كثرةً تُسَوِّغ القياسَ ليس بشيء"
(4)
.
واعلم أن: "مِنْ" قد
(5)
تدخل لابتداء الغاية في غير المكان والزمان، نحو: قرأت من أول سورة البقرة إلى آخرها. وفي الحديث: "من محمد رسول الله إلى هِرَقل عظيم الروم"
(6)
.
(1)
أي: كون "من" تَرِد لابتداء الغاية في الزمان.
(2)
انظر: أوضح المسالك بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين 2/ 128، شرح ابن عقيل بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين 2/ 15، 16، مغني اللبيب 1/ 349. والمراد بمنع البصريين هو جمهورهم وإلا فقد ذهب المُبَرِّد والأخفش وابن دُرُسْتُوَيْه من البصريين إلى أن "مِنْ" قد تأتي لابتداء الغاية في الزمان.
(3)
أي: تأوُّلُ البصريين مجيء "مِنْ" لابتداء الغاية في الزمان، كتأويلهم آية:{مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} أي: من تأسيس أول يوم. وتأويلهم بيت النابغة بتقدير: مِنْ مضي أزمان يوم حليمة. انظر: مغني اللبيب 1/ 349، هداية السالك إلى تحقيق أوضح المسالك 2/ 128.
(4)
انظر: ارتشاف الضَّرَب 4/ 1718، والنقل بتصرف.
(5)
سقطت من (ت).
(6)
أخرجه أحمد في المسند 1/ 262 - 263. وأخرجه البخاري مختصرًا ومطولًا، ففي كتاب بدء الوحي 1/ 7 - 10، حديث رقم 7، وفي الإيمان، باب سؤال جبريل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإِسلام والإحسان، 1/ 28، حديث رقم 51، وفي الجهاد 3/ 1074 - 1076، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنبوة. . إلخ، حديث رقم 2782. وانظر الأرقام: 2535، 2650، 2738، 2778، 2816، 3003، 4278، 5635، 5905، 6771. وأخرجه مسلم 3/ 1393 - 1397، في الجهاد والسير، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإِسلام، حديث رقم 1773.
وأما ورودها للتبيين فكقوله سبحانه وتعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ}
(1)
، وقوله:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}
(2)
وبهذا قال ابن بابشاذ
(3)
وابن النحاس
(4)
وعبد الدايم القيرواني
(5)
وابن مالك. قال شيخنا أبو حيان: "وقد أنكر ذلك أكثر أصحابنا، وزعموا أنها لم تُرد لهذا المعنى
(6)
"
(7)
، وقالوا: هي في قوله: {مِنَ الْأَوْثَانِ} لابتداء الغاية وانتهائها؛ لأنَّ الأوثان: نحاسٌ مَصُوغ أو ذهب أو غير ذلك، فليس الرجسُ ذاتَها، ولا الجنسَ الذي صُنعت
(8)
منه، وإنما وقع الاجتناب على عبادتها،
(1)
سورة الحج: الآية 30.
(2)
سورة النور: الآية 55.
(3)
هو طاهر بن أحمد بن باب شاذ - ومعناه: الفرح والسرور - أبو الحسن النحويِّ المصريِّ الجوهريّ. أحد الأئمة والأعلام في فنون العربية وفصاحة اللسان. من تصانيفه: شرح جُمَل الزَّجَّاجيّ، المحتسب في النحو، شرح النخبة، وغيرها. توفي سنة 469 هـ. انظر: سير 18/ 439، بغية الوعاة 2/ 17.
(4)
هو أحمد بن محمد بن إسماعيل المراديّ، يعرف بابن النّحاس، أبو جعفر النحويّ المصريّ، إمام العربية، ومِن أهل الفضل الشائع، والعلم الذائع. من مصنفاته: إعراب القرآن، معاني القرآن، الكافي في العربية، وغيرها. مات غريقًا في النيل سنة 338 هـ. انظر: سير 15/ 401، بغية الوعاة 1/ 362.
(5)
قال السيوطيّ رحمه الله: "عبد الدائم بن مرزوق القيروانيّ: نحويُّ قديم. روى عنه أبو جعفر محمد بن حكم السَّرَقُسطيّ، وأكثر أبو حيَّان في الارتشاف من النقل عنه، وذُكر في جمع الجوامع في الظروف". بغية الوعاة 2/ 75.
(6)
أي: التبيين.
(7)
انظر: ارتشاف الضَّرَب 4/ 1719، مع تصرف.
(8)
في (غ): "صيغت".
وَوَصْفُ الرجسِ المعبودُ
(1)
منها
(2)
و"مِنْ" في
(3)
الآية كهي في قولك: أخذته مِنَ التابوت. ألا ترى أن اجتناب عبادة الوثن ابتداؤه وانتهاؤه. وأما {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
(4)
}
(5)
فنقدِّر أن الخطاب عام للمؤمنين
(6)
.
وأما ورودها للتبعيض فنحو: أخذت من الدراهم. ومنه قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ}
(7)
وهو كثير.
وقد زعم الأخفش الصغير
(8)
والمبرد وابن السَّرَّاج
(9)
والسهيلي
(1)
في (ك): "للمعبود".
(2)
أي: ووصف الرجس للمعبود من الأوثان. فـ "وصف" مبتدأ، و"المعبود" خبر.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
سقطت من (ص).
(5)
سورة النور: الآية 55.
(6)
انظر: مغني اللبيب 1/ 349.
(7)
سورة البقرة: الآية 253.
(8)
هو عليّ بن سليمان بن الفضل النحويّ أبو الحسن الأخفش الأصغر، والأخفش: هو الضعيف البصر مع صِغَر العين. قال المرزبانيّ: "ولم يكن بالمتسع في الرواية للأخبار والعِلْم بالنحو". من مصنفاته: شرح سيبويه، الأنواء، التثنية والجمع، المهذّب. توفي سنة 315 هـ. انظر: بغية الوعاة 2/ 167، سير 14/ 480.
(9)
هو إمام النحو أبو بكر محمد بن السَّرِيّ البغدادي النَّحْويّ ابن السَّراج. قال المرزبانيّ: "كان أحدَثَ أصحاب المبرِّدِ سنًّا، مع ذكاءٍ وفطنة، وكان المبرِّد يقرِّبه، فقرأ عليه كتاب سيبويه. . .". ويقال: "ما زال النحو مجنونًا حتى عَقَلَه ابنُ السَّرَّاج بأصوله". من تصانيفه: "أصول العربية" ما أحسنه! ، شرح سيبويه، الشعر والشعراء، وغيرها. مات شابًا سنة 316 هـ. انظر: سير 14/ 483، بغية الوعاة 1/ 109.
وطائفة: أنَّ "مِنْ" لا تكون إلا لابتداء الغاية
(1)
، وصححه ابن عصفور
(2)
.
ويُعرف كونها لابتداء الغاية بصحة وضع ("الابتداء" مكانها، وكونها للتبيين بصحة وضع)
(3)
"الذي" مكانها، وكونها للتبعيض بصحة وضع "البعض".
ثم قال المصنف تبعًا للإمام: إنها حقيقة في التبيين
(4)
؛ لأنه مشترك بين المعاني المتقدمة كلها، إذ يتبين في الأول ابتداء الخروج، وفي الثاني في مثل: {فَاجْتَنِبُوا
(5)
الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ}
(6)
- تبيينُ المُجْتَنَب، وفي الثالث في مثل: أخذتُ مِنَ الدراهم - تبيينُ المأخوذ منه؛ فيكون متواطئًا حقيقة (في القدر المشترك، وإلا فإن كان حقيقة)
(7)
في كل واحدٍ يلزم الاشتراك أو في البعض دون البعض يلزم المجاز، فليكن حقيقة في القدر المشترك دفعًا للاشتراك ودفعًا للمجاز. ولم يذكر المصنف المجاز ولا بد
(1)
انظر: ارتشاف الضَّرَب 4/ 1719.
(2)
الذي في "المقَّرب" لابن عُصفور ص 218: أنَّ "مِنْ" تأتي للتبعيض. وَمثَّل لذلك بقولك: قبضتُ من الدراهم.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
انظر: المحصول 1/ ق 1/ 530، وعبارة المحصول:"والحق عندي أنها للتمييز"، وكذا في التحصيل 1/ 251، ونقل الهندي عن الإمام عبارته بلفظ:". . للتبيين". نهاية الوصول 2/ 433، وعبارة الحاصل 1/ 377:"والحق أنها للتبيين".
(5)
في (ت)، و (غ)، و (ك):"اجتنبوا".
(6)
سورة الحج: الآية 30.
(7)
سقطت من (ت).