الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن أمثلته أيضًا: أن يقول الشافعي: العمرة فرض؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
(1)
و
(2)
ظاهر الأمر الوجوب.
فيقول المالكي: تخصيص النص بالحج والعمرة المشروع فيهما؛ لأن استعمال الإتمام في الابتداء مجاز
(3)
، والتخصيص أولى من المجاز وللشافعي بعد هذا أن يقول: هذا الترجيح معارَض بأنهما قد استويا في السياق
(4)
، فوجب أن يستويا في الحكم، والحج واجب إجماعًا؛ فيجب الآخر عملًا بالأصل
(5)
المُسَوِّي بينهما.
قال:
(العاشر: التخصيص خير من الإضمار
؛ (لما مر)
(6)
، مثل:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} )
(7)
.
التخصيص خيرٌ من الإضمار:
لأن التخصيص خير من المجاز لما مر
(8)
، والمجاز مساوٍ للإضمار،
(1)
سورة البقرة: الآية 196.
(2)
سقطت من (ت).
(3)
لأن الأمر بالإتمام لا يكون إلا بعد الشروع، فاستعماله في الابتداء مجاز.
(4)
أي: الحج والعمرة استويا في سياق الآية من غير تفريق بينهما.
(5)
أي: الآية.
(6)
في (ت): "أي كما مر". والعبارة خطأ كما هو واضح؛ إذ هذه مسألة جديدة لم تمر، ثم وَضْع "أي": غير مناسب؛ لأن المتون مبنية على الاختصار، وهي لفظة لا حاجة إليها.
(7)
سورة البقرة: الآية 179.
(8)
في (ت): "كما مر".
والأَوْلى من المساوي أوْلى.
مثاله: قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ، فإنَّ الأئمة اختلفوا فيه فقال منهم قائل: الخطاب عام اختص بالورثة؛ لأنهم إذا اقتصوا حصلت لهم الحياة بدفع شر هذا القاتل الذي صار عدوًا لهم.
وقال قائل: بل
(1)
هو عام، و"المشروعية" مضمرةٌ، أي: ولكم في مشروعية القصاص حياة. وذلك لأن الناس إذا علموا أن القصاص مشروع كان أدعى لاندفاع القتل (فيما بينهم)
(2)
؛ لأن مَنْ هَمَّ بالقتل واستحضر أنه يُقْتص منه انكف عن القتل غالبًا.
واعلم أن هذا التأويل الثاني هو الصحيح
(3)
وإن كان الأول مترجِّحًا من جهة أولوية التخصيص، وكذلك كل
(4)
ما أوردناه (في هذا الفصل من الأمثلة)
(5)
فإنا غير حاكمين عليه بالترجيح إلا من جهة ما أوردناه له مثالًا، ولا يشترط أن يكون مرجوحًا
(6)
من وجه آخر هو أقوى أو مساو،
(1)
سقطت من (ت).
(2)
في (ت)، و (ص)، و (ك):"ما بينهم".
(3)
انظر: زاد المسير 1/ 181، تفسير ابن كثير 1/ 211.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
في (ت)، و (غ):"من هذا الفصل في الأمثلة". وفي (ص): "من هذا الفصل من الأمثلة"، والمثبت من (ك).
(6)
هكذا في جميع النسخ، والصواب:"مترجحًا"؛ لأن هذا هو المفهوم من الكلام أن الترجيح إنما هو من جهة واحدة، لا من غيرها من الجهات، وكلامه بعد هذا يدل عليه.
و
(1)
لذلك ذكرنا في بعض الأمثلة أن الترجيح يندفع بالأمر الفلاني تنبيهًا على ما أشرنا إليه الآن.
ومن أمثلة هذا الوجه العاشر: أن يقول المالكي: الكلب طاهر؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}
(2)
والضمير في {أَمْسَكْنَ} عام في جملة الجوارح، فيندرج فيه الكلب، فيجوز أكل موضع فَمِه عملًا بالظاهر
(3)
؛ فيكون طاهرًا.
فيقول الشافعي: يلزم على
(4)
ما ذكرتموه جواز أكل ما أمسك بعد القدرة عليه من غير ذكاة، وليس كذلك
(5)
، فيلزم التخصيص
(6)
، بل ههنا إضمارٌ تقديره: كلوا مِنْ حلال ما أمسكن عليكم. وكون موضع فَمِه من الحلال مَحَلَّ النزاع
(7)
.
(1)
سقطت من (ص).
(2)
سورة المائدة: الآية 4.
(3)
لأن الظاهر أن الكلب إنما يمسك بفمه، والآية تبيح الأكل مما أمسك.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
يعني يقول الشافعي للمالكية: يلزمكم على مقتضى الأخذ بالعموم جواز أكل ما أمسك الكلب بعد القدرة عليه من غير ذكاة؛ لأن النص عام ولم يشترط التذكية، مع أن الحكم على خلاف ذلك.
(6)
فيلزمكم أيها المالكية القائلين بالعموم أن تخصصوه بما أمسكن وكان ميتًا، أما ما أمسكنه وهو حي فلا بد من ذبحه. قال ابن العربي:"إنْ أدركتَ ذكاةَ الصيد فذكِّه دون تفريط، فإنْ فَرَّطت لم يُؤكل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شَرَط ذلك عليك". أحكام القرآن 2/ 548، وانظر: تفسير آيات الأحكام للسايس 2/ 167.
(7)
يعني: أن الشافعية لا يرون التخصيص هنا، بل يرون الإضمار، وتقدير الآية =
فللمالكي أن يقول: على
(1)
ما ذكرناه يلزم التخصيص، وعلى ما ذكرتموه يلزم الإضمار، والتخصيص أولى.
ومنها: قولنا: لا يصح صوم رمضان إلا بنية الفرض، خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: يصح بمطلق النية وبنية النفل، ونيةِ واجبٍ آخر
(2)
.
لنا: "إنما الأعمال بالنيات"
(3)
يقتضي توقف ذاتِ الأعمال على نياتها، كما يقال: إنما الكتابة بالقلم. ويلزم من توقف ذوات الأعمال توقف صحتها؛ لاستحالة وجود الصحة بدون الذات. والمراد بالنيات نيات الأعمال، فاقتضى توقفَ صحةِ كلِ عملٍ على
(4)
نيته؛ فيتوقف
(5)
الفرض على نية الفرض.
فإن قلت: "الكمال" مضمر في الحديث؛ إذ لو لم يُضْمَر لزم التخصيص بالأعمال التي لا تتوقف على النية، كرد الودائع والغصوب
(6)
.
= عندهم: كلوا من حلال، فيكون موضع الفم من الكلب غير مدلول على حليته، الأن الأمر في الآية مقيَّد بما حلَّ لا بما حرم، فيكون موضع فم الكلب محلَّ نزاع.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
يعني: لو نوى في ليلة رمضان عن صوم كفارة أو نذرٍ أو قضاءٍ يكون الصيام عن رمضان، وتقع النية عن رمضان. انظر: ملتقى الأبحر 1/ 197.
(3)
سبق تخريج الحديث.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
في (ت): "فيُوقف".
(6)
لأن لفظ الأعمال في الحديث يشمل كل الأعمال، ومنها ردُّ الودائع والغصوب، مع أن رد الودائع والغصوب لا يحتاج إلى نية، فلا بد من تخصيصها من عموم الأعمال.
قلت: التخصيص أولى.
قال: (تنبيه: الاشتراك خير من النسخ؛ لأنه لا يُبْطِل).
التخصيص الذي سبق ترجيحه على الاشتراك وغيره - هو التخصيص في الأعيان، لا التخصيص في الأزمان الذي هو النسخ، فإن الاشتراك خير منه؛ وذلك لأن الاشتراك لا إبطال فيه، بل غايته التوقف إلى القرينةِ عند مَن لا يحمله على معنيَيْه، بخلاف النسخ فإنه يُبْطِل الحكم السابق بالكلية.
مثاله
(1)
: التبييت
(2)
شرطٌ في صحة صوم رمضان، خلافًا لأبي حنيفة، وقياسًا عندنا على القضاء والنذر، فنقيس محل النزاع على محل الوفاق.
فإن عارض بما رُوي: أنه عليه الصلاة والسلام قدم المدينة يوم عاشوراء، فرأى اليهود صائمين، فسأل عليه السلام عن صومهم يومَهم فقيل: هذا يومٌ أنجى الله تعالى فيه موسى عليه السلام، وأهلك عدوه فرعون، وكان موسى عليه السلام يصومه شكرًا، ونحن نصومه اتباعًا له. فقال عليه الصلاة والسلام:"نحن أحق بموسى منهم"
(3)
، ثم أمر مناديًا
(1)
في (ت)، و (ص):"مثال".
(2)
في (ت): "النية".
(3)
أخرجه البخاري 2/ 704، في كتاب الصوم، باب صيام يوم عاشوراء، حديث رقم 1900، وانظر الأرقام 3216، 3727، 4403، 4460. ومسلم 2/ 795، في كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء، حديث رقم 1130.
ينادي: "ألا مَنْ أكل فلْيُمْسك بقيةَ النهارِ، ومَنْ لم يأكل فليصم"، أمر بالصوم في أثناء النهار، ومن المعلوم أن الصوم في أثناء النهار لا يكون إلا بنية من النهار.
قلنا: لا نسلم وجوب صوم ذلك اليوم.
فإن قال: ظاهر الأمر الوجوب - كان لمن يعتقد أن الأمر مشترك بين الوجوب والندب أن يقول: كما هو حقيقة في الوجوب، فكذلك في الندب، وإذا كان حقيقةً فيهما لا يُحمل على الوجوب إلا بقرينة زائدة، وعندنا صوم النفل يصح بنيةٍ من النهار
(1)
.
فإن قلت
(2)
: الاشتراك خلاف الأصل.
قلت: لو لم يكن مشتركًا لزم النسخ، فإن صوم يوم عاشوراء غير ثابت، والاشتراك خير من النسخ
(3)
.
قال: (والاشتراك بين عَلَمين خيرٌ منه بين عَلَم ومعنى، وهو خيرٌ منه بين معنيين).
هذان فرعان:
الأول: أنه إذا تعارض المشترك بين عَلَمين، والمشترك بين عَلَم ومعنى -
(1)
يعني: هذه قرينة عندنا تجعل الأمر بصيام عاشوراء أمرَ نفل.
(2)
في (ك): "قيل".
(3)
يعني: لو لم نقل بالاشتراك لزم أن نقول بنسخ وجوب صيام عاشوراء، والاشتراك خيرٌ من النسخ. فائدة: الذي رجحه ابن حجر رحمه الله أن صوم يوم عاشوراء كان واجبًا ثم نسخ الوجوب وبقي الاستحباب. انظر: الفتح 4/ 247.
فالمشترك بين عَلَمين أولى؛ لأن الأعلام إنما تُطلق على الأشخاص المخصوصة: كزيدٍ وعَمْرو؛ إذِ المراد العلم الشخصي لا الجنسي
(1)
. وهذا بخلاف أسماء المعاني
(2)
؛ إذ تتناول المسمَّى في أي ذات كان، فكان اختلالُ الفهم يحعله مشتَركًا بين علمين - أقلَّ
(3)
.
الفرع الثاني: وإليه أشار بقوله: "وهو" أي: المشترك بين علم ومعنى أولى من المشترك بين معنيين؛ لأن الاختلال الحاصل عند الاشتراك في
(4)
الأول أقل من الثاني
(5)
.
هذا ما ذكره المصنف تبعًا للإمام في هذين الفرعين
(6)
.
(1)
علم الشخص: هو ما وضع لمعيَّن في الخارج لا يتناول غيره من حيث الوضع له. قال المحلي: "فلا يَخْرج العَلَم العارض الاشتراك كزيد مُسَمَّى به كلٌّ من جماعة". وعلم الجنس: هو ما وضع لمعيَّنٍ في الذهن. أي: مُلاحِظ الوجود فيه، كأسامة علم للسبع، أي: لماهيته الحاضرة في الذهن. انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 278. قال ابن عقيل في شرح الألفية 1/ 129: "وحكم علم الجنس في المعنى كحكم النكرة، من جهة أنه لا يَخُصُّ واحدًا بعينه، فكل أسد يصدق عليه أسامة، وكل عقرب يصدق عليها أمُّ عِرْيط، وكل ثعلب يصدق عليه ثُعالة".
(2)
أسماء المعاني: كل ما ليس له وجود خارج الذهن، كالعلم والجهل مثلًا.
(3)
قال الإسنوي رحمه الله تعالى: "مثاله: أن يقول شخص: رأيت الأسودين. فَحَمْلُه على شخصين كلٌّ منهما اسمه الأسود، أولى من حَمْله على شخص اسمه الأسود، وآخر لونه أسود". نهاية السول 2/ 184.
(4)
في (ت)، و (ص):"من".
(5)
قال الإسنوي رحمه الله تعالى: ". . . . ومثاله: الأسودين أيضًا، فَحَمْلُه على العَلَم والمعنى أولى من شخصين لونهما أسود". المرجع السابق بتصرف.
(6)
انظر: المحصول 1/ ق 1/ 503، 504.
وأنتَ إذا نظرت إلى قولهما: "المشترك بين علمين وبين علم ومعنى" وعلمت أن المشترك لا بد وأن يكون حقيقة في أفراده، وتذكرت ما قالاه قبل ذلك: من أنَّ العَلَم ليس بحقيقة ولا مجاز - علمت أن الغفلة تطرقت إليهما في ذلك
(1)
(2)
. وبالله التوفيق.
(1)
أي: كيف قالا بالاشتراك بين علمين، والمشترك لا بد وأن يكون حقيقة في أفراده، وهما يقولان بأن العلم لا يوصف بحقيقة ولا مجاز! . انظر: نهاية السول 2/ 184.
(2)
انظر مباحث الفصل السابع في: المحصول 1/ ق 1/ 487، التحصيل 1/ 242، الحاصل 1/ 366، نهاية الوصول 2/ 463، نهاية السول 2/ 179، السراج الوهاج 1/ 375، مناهج العقول 1/ 284، المحلي على جمع الجوامع 1/ 312، البحر المحيط 3/ 125، شرح تنقيح الفصول ص 121، فواتح الرحموت 1/ 210.
الفصل الثامن: تفسير حروف يحتاج إليها