الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَرَبِيًّا}
(1)
هو البعض.
الوجه الرابع: أنه لو صح ما ذكرتم لَزِم أن لا يشتمل القرآن على لفظ غير عربي، وليس كذلك، فإن "المشكاة" فيه وهي عجمية، وكذا "القسطاس"، و"الإستبرق"، و"السجيل". والمشكاة: الكُوَّة التي لا
(2)
تَنْفُذ. والقِسْطاس بالرومية: الميزان. والإستبرق بالفارسية: الديباج الغليظ. والسجيل بالفارسية
(3)
: الحجر من الطين.
وأجاب: بأنا لا نسلم أن هذه الألفاظ غير عربية، بل غايته: أنْ وَضْع العرب فيها وافق لغة أخرى، كالصابون والتنور فإن اللغات فيهما متفقة
(4)
.
تنبيه:
عرفت من هذا أن المصنف يختار أن المُعَرَّب
(5)
لم يقع في القرآن، وقد تبع الإمامَ في ذلك
(6)
، وهو الذىِ نصره القاضي في كتاب "التقريب"
(7)
، ونص عليه الشافعي رضي الله عنه في "الرسالة" في باب البيان الخامس فقال ما نصه: "وقد تكلم في العلم مَنْ لو أمسك عن بعضِ ما تكلَّم فيه منه لكان
(1)
سورة يوسف: الآية 2.
(2)
سقطت من (غ).
(3)
سقطت من (ص).
(4)
انظر: البحر المحيط 3/ 33.
(5)
وهي الكلمات الأعجمية التي أُدخلت في العربية.
(6)
انظر: المحصول 1/ ق 1/ 431.
(7)
انظر: التلخيص 1/ 217، التقريب والإرشاد الصغير 1/ 399.
الإمساك أولى به (وأقرب إلى السلامة)
(1)
، فقال منهم قائل: إن في القرآن عربيًا وأعجميًا. والقرآن يدل على أنه ليس من كتاب الله شيءٌ إلا بلسان العرب. وَوَجَدْنا قائلَ هذا القول ومَنْ قَبِل ذلك منه تقليدًا له، وتَرْكًا للمسألة له عن حُجَّته ومسألة غيره ممنْ خالفه. وبالتقليد أغفل مَنْ أغْفل منهم، والله يغفر لنا ولهم"
(2)
. هذا نصه.
ونُقِل عن ابن عباس وعكرمة
(3)
وقوعه
(4)
، وهو الذي اختاره ابن الحاجب
(5)
، واستدل عليه بإجماع النحاة على أن "إبراهيم" لا ينصرف للعَلَمية والعُجْمة. وذلك لا يُجديه
(6)
شيئًا إذا كان محل الخلاف مقصورًا على أسماء الأجناس، غير شامل للأعلام. قال صفي الدين الهندي:"وهو الذي يجب أن يكون"
(7)
.
قال: (وعُورض: بأن الشارع اخترع معاني فلا بُدَّ لها من ألفاظ.
(1)
سقطت من (ت)، و (غ)، و (ك).
(2)
انظر: الرسالة ص 41، 42.
(3)
هو العلامة الحافظ المفسِّر أبو عبد الله عكرمة بن عبد الله البربريّ ثم المدنيّ الهاشمي مولى ابن عباس. قال ابن حجر في "التقريب": ثقة ثبت عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا تثبت عنه بدعة، مات سنة أربع ومائة، وقيل بعد ذلك". انظر: طبقات ابن سعد 5/ 287، سير 5/ 12، التقريب ص 397.
(4)
أي: وقوع غير العربي. انظر: البحر المحيط 3/ 30، الصاحبي لابن فارس ص 44، الإتقان للسيوطي 1/ 178.
(5)
انظر: بيان المختصر 1/ 236.
(6)
أي: لا يجدي ابن الحاجب رحمه الله تعالى.
(7)
انظر: نهاية الوصول 2/ 336، وانظر: شرح الكوكب 1/ 192.
قلنا: كفى التجوز).
قد عَرَفْتَ ما طَعَنت به المعتزلة في مقدمات الدليل الذي احتج به المصنف، وما أجيبوا به، وقد انتقلوا الآن إلى المعارضة بوجهين:
أحدهما: وهو إجمالي أن الشارع اخترع معانيَ لم تكن مُتعقَّلة
(1)
قبل الشَّرْع، بل حَدَث تعقلها
(2)
بعده، فوجب أن يُوضع لها اسم؛ لأنها من جملة المعاني التي تَمَسُّ الحاجة إلى التعبير عنها، وهذه الأسامي التي تطلق عليها
(3)
كالصلاة والحج - لا مَدْخَل للعرب في إطلاقها عليها؛ إذْ وضع الألفاظ مسبوق بتعقل المعاني، وهم لم
(4)
يتعقلوها قبل الشرع، ولا خطرت لهم ببال.
وأجاب: بأنه إنْ عَنَيْتُم بقولكم: "ما تعقلوها ولا خطرت لهم" لا من حيث المجموع، ولا من حيث الجزء
(5)
- فممنوعٌ؛ فإنهم تعقلوها من حيث
(1)
في (ت)، و (ص)، و (ك):"متعلقة"، "تعلقها". وفي (غ):"متعلقة"، "تعقلها". فدلّ ما في (غ) على أن الكلمة الأولى فيها خطأ، والصواب: متعقلة، وهو الذي أثبته، ويدل عليه أيضًا ما سيأتي من كلام الشارح وتعبيره بالتعقل لا بالتعلق، فما وقع في باقي النسخ خطأ وسهو من النساخ.
(2)
الشرح السابق.
(3)
أي: على المعاني المخترعة.
(4)
سقطت من (غ).
(5)
قوله: لا من حيث المجموع، أي: لا من حيث كل المعنى. وقوله: ولا من حيث الجزء، أي: ولا من حيث بعض المعنى.
الجزء كما في الصلاة.
وإن عنيتم: أنه لم يخطر لهم من حيث المجموع - فمسلمٌ، ولكن لا نسلم لا أنه مَدْخل للعرب حينئذٍ فيها، فإنه يكون من باب إطلاق الجزء على الكل، وهو أحد أنواع المجاز، والتجوز كافٍ هنا لحصول المقصود الذي هو الإفهام به
(1)
.
قال: (وبأن الإيمان لغة: هو
(2)
التصديق، وفي الشرع: فعلُ الواجب
(3)
؛ لأنه الإسلام وإلا لم يُقبل مِنْ مبتغيه؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}
(4)
ولم يجز استثناء المسلم من المؤمن، وقد قال الله
(5)
(6)
(7)
والإسلام: هو الدين؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}
(8)
والدين: فعل الواجبات؛ لقوله تعالى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}
(9)
. قلنا: في الشرع: تصديق خاص، وهو غير
(1)
سقطت من (ت)، و (غ).
(2)
سقطت من (غ).
(3)
في (ت): "الواجبات".
(4)
سورة آل عمران: ص 85.
(5)
سقطت من (ص).
(6)
في (ت): {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الآية.
(7)
سورة الذاريات: الآيتان 35، 36.
(8)
سورة آل عمران: الآية 19.
(9)
سورة البينة: الآية 5.
الإسلام والدين؛ فإنهما الانقياد والعمل الظاهر، ولهذا قال الله
(1)
تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}
(2)
وإنما جاز الاستثناء لصِدْق المؤمن على المسلم؛ بسبب أن التصديق شرط صحة الإسلام).
الوجه الثاني: مِنْ وَجْهَيْ المعارضة: وهو تفصيلي، وتقريره: أن الإيمان في اللغة: هو التصديق
(3)
. وفي الشرع: فعل الواجبات. فتكون الحقيقة الشرعية بمعنى: أنها حقائق مبتدأة واقعة، وهو المُدَّعى. أما المقدمة الأولى: فبالنقل عن أئمة اللغة، ومنه قوله تعالى:{وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا}
(4)
أي: بمصدقٍ لنا. وأما الثانية: فلأن الإيمان هو الإسلام، (والإسلام هو الدين، والدين: هو فعل الواجبات. فالإيمان: فعل الواجبات. إنما قلنا: إن الإيمان هو الإسلام)
(5)
؛ لوجهين:
أحدهما: أنه لو لم يكن كذلك لم يكن مقبولًا من مُبْتغيه؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} .
والثاني: أنه تعالى استثنى بعض المسلمين من المؤمنين في قوله تعالى
(6)
: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ
(1)
سقطت من (ص).
(2)
سورة الحجرات: الآية 14.
(3)
انظر: لسان العرب 13/ 21، مادة (أمن).
(4)
سورة يوسف: الآية 17.
(5)
سقطت من (ت).
(6)
سقطت من (ت).
بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
(1)
، ولولا الاتحاد لما صح الاستثناء؛ لأن الاستثناء إخراج بعض الأول.
فإن قلت: أين الاستثناء وليس هنا إلا لفظة "غيرَ"، وهي ظاهرة في الوصفية
(2)
.
قلت: هي هنا بمعنى "إلا"؛ لأنها لو كانت على ظاهرها
(3)
لكان التقدير: فما وجدنا فيها المغاير لبيت المؤمنين فيكون المنفي إذ ذاك بيوت الكفار وهو باطل؛ لأنه قد وُجِد فيها بيوتُهم، فتقرر أنه استثناء، ثم إنه استثناء مُفَرَّغ فَيَحْتاج إلى تقدير شيءٍ عام منفي يكون هو المستثنى منه
(4)
، ولا بد من تقييد ذلك العام بكونه من المؤمنين، وإلا يلزم انتفاء بيوت
(5)
الكفار، وقد عرفت بطلانه، فيكون تقدير الآية والله أعلم: فما وجدنا فيها أحدًا من المؤمنين إلا أهلَ بيت من المسلمين، أي: منهم. ويكون قد أوقع الظاهر موقع المضمر
(6)
.
(1)
سورة الذاريات: الآيتان 35، 36.
(2)
أي: هي صفة لموصوف محذوف تقديره: فما وجدنا فيها بيتًا مغايرًا لبيت من المسلمين. وهذا المعنى غير صحيح، لأن بيوت الكفار المغايرة لبيت المسلمين كانت موجودة.
(3)
أي: على الوصفية.
(4)
القاعدة في الاستثناء المفرغ أن يكون المستثنى منه مقدرًا وشيئًا عامًا، مثل كلمة: أحد، في قولنا: ما جاءني إلا زيد. والتقدير: ما جاءني أحدٌ إلا زيد. انظر: قطر الندى ص 247، الكواكب الدرية 2/ 397.
(5)
في (ص): "ثبوت". وهو خطأ.
(6)
الظاهر هو قوله: {مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، أوقعه موقع الضمر الذي تقديره: منهم.
وإنما قلنا: إن الإسلام هو الدين، لقوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} ، وإنما قلنا: الدين فعل الواجبات؛ لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} أي: دين الملة المستقيمة. وقوله: "وذلك" عائد إلى جميع ما تقدم ذِكْرُه، فوجب أن يكون الكل مُسَمَّى بالدين.
قوله: "قلنا في الشرع"
(1)
إلى آخره - هذا هو الجواب عن هذا الوجه الثاني
(2)
، وتقريره: أن يقال: لا نسلم أن الإيمان في الشرع هو الإسلام، وإنما الإيمان في الشرع عبارة عن: تصديقٍ خاص، وهو تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع ما عُلم مجيئه به بالضرورة. وهو
(3)
بهذا الاعتبار غير الإسلام، وغير الدين، فإنهما في اللغة: الانقياد. وفي الشرع: العمل الظاهر. وهذا هو التحقيق في انفصال الإسلام عن الإيمان، وإنْ كان كلٌّ منهما شَرَطَه الشارع في الاعتبار بالآخر، فإن الإسلام عبارة عن التلفظ، ولا يعتبر به ما لم يساعده القلب بالاعتقاد. والإيمان عبارة عن التصديق بالقلب، ولا يكفي ما لم يتلفظ بالشهادتين إذا أمكنه ذلك. ويدل على انفصال الإسلام عن الإيمان صريحُ قوله تعالى في حق المنافقين:{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}
(4)
أي والله أعلم: إن الذي وقع منكم ليس
(1)
في (غ): "قلنا في الشرع: تصديق".
(2)
سقطت من (ت).
(3)
أي: الإيمان.
(4)
سورة الحجرات: الآية 14.
بإيمان حتى تقولوا: نحن مؤمنون. وإنما هو إسلام؛ لأنه فعلٌ ظاهرٌ من غير تصديق بالقلب، فلا تقولوا: آمنا، بل قولوا: أسلمنا؛ لأنه هو الذي وقع منكم.
فإن قلت: وهل وقع من المنافقين إسلام؟
قلت: وقع منهم الإسلام باللسان الذي هو غير معتبر شرعًا، ويجوز أن يقال: لم يقع منهم إسلام، ويُجْعل تصديق القلب ركنًا في الإسلام شَرْعًا لا شرطًا
(1)
، ولكن يَعْضُدُ الأول قوله تعالى:{وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}
(2)
.
قوله: "وإنما جاز الاستثناء" جواب عن قولهم: لو غاير الإيمانُ الإسلامَ - لم يجز استثناء المسلم من المؤمن، وتوجيهه أن يقال: استثناؤه منه
(3)
لا يدل على أنه هو، وإنما يدل على أنه يصدق عليه، كقول القائل: ملكت الحيوان إلا الفرس. فالحيوان غير الفرس؛ لأنه أعم، والأعم من حيث هو مغاير للأخص، ومع ذلك فقد اسْتُثني منه لصدق
(4)
الحيوان. إذا عرفت هذا فالصدق حاصل في المؤمن مع المسلم؛ لأنَّ شرط صحة الإسلام
(1)
أي: حينما نجعل تصديق القلب ركنًا في الإسلام اى: جزءًا منه، لا يتحقق وجود الإسلام إلا بوجود التصديق، لأن الكل لا يوجد بدون وجود الجزء، بخلاف ما لو جعلنا التصديق شرطًا في الإسلام، أي: أمرًا خارجًا عن حقيقة الإسلام، فإن الإسلام يوجد، ولكنه لا يعتبر ولا يقبل لكونه فاقدًا لشرطه.
(2)
انظر: زاد المسير 7/ 475، التسهيل لابن جزي ص 651، فتح القدير 5/ 67.
(3)
أي: استثناء المسلم من المؤمن.
(4)
في (ت): "بصدق".
الذي هو العمل الظاهر وجود الإيمان الذي هو التصديق، وهذا مسوغ لاستثناء المسلم من المؤمن؛ لأنه كلما صدق المسلم صدق المؤمن لكونه شرطه، ولا ينعكس
(1)
، بدليل مَنْ كان مؤمنًا تاركًا للأفعال الظاهرة، فصحة الاستثناء ثابتة
(2)
؛ لصدق المؤمن على المسلم
(3)
، ولا يلزم من كون المسلم مؤمنًا أن يكون الإسلام هو الإيمان، فإن الكاتب ضاحك، والكتابة غير الضحك، والنزاع إنما هو في الإسلام مع الإيمان، لا في المسلم مع المؤمن
(4)
.
ولقائل أن يقول: الإيمان على هذا التقرير شَرْطُ صحةِ الإسلام والاعتداد به، لا شرط وجود الإسلام، فلا يلزم أن ينتفي الإسلام بانتفاء الإيمان، إلا أن يجعلوا الإيمان شرطًا في صدق الإسلام لا في صحته، أو ركنًا في الإسلام، وما دلَّلْتم على شيء منهما
(5)
. وقد نجز القول في
(1)
العكس هو: كلما صدق المؤمن صدق المسلم. هذا غير صحيح.
(2)
أي: في الآية: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} .
(3)
أي: كلما وجد المسلم وجد المؤمن؛ لأنه شرطه، ولا عكس؛ لأن الإسلام ليس شرطًا للإيمان، فقد يوجد الإيمان بدون الإسلام كما مَثَّل.
(4)
أي: لا يلزم من كون المسلم مؤمنًا أن يكون الإسلام هو الإيمان، فإن الكاتب ضاحك من حيث كونهما خاصتين للإنسان، ومع ذلك فإن الكتابة غير الضحك، فلا يلزم من اتحاد النهايات اتحاد البدايات، أي: لا يلزم من اتحاد المشتقات اتحاد المصادر، فإذا اتحد المسلم مع المؤمن وهما لفظان مشتقان، فلا يلزم من هذا الاتحاد أن يتحد المصدران وهما الإسلام والإيمان، والنزاع في المصادر لا في المشتقات.
(5)
قوله: ولقائل أن يقول. . . إلخ معناه: أن هذا التقرير الذي سبق ذِكْره يدل على أن الإيمان شرطٌ في صحة الإسلام وقبوله، لا شرطٌ في وجود الإسلام؛ لأنه كما بيَّنا =
المسألة.
ولم يذكر المصنف مُتَمَسَّك القاضي أبي بكر، ومِنْ مُتَمَسَّكَاته:
أن القرآن مشتمل على هذه الألفاظ، فلو كانت حقائق شرعية لكانت غير عربية؛ لفقدان وضعِ العرب إياها لهذه المعاني؛ فيلزم خروج القرآن عن كونه عربيًا بكليته، وقد قررتم بطلانَه. وجواب هذا يُعْلم مما سبق.
ومنها: أنه
(1)
لو كانت حقائق شرعية لفَهَّمناها الشارعُ قبل تكليفنا بها، وإلا يلزم أن يكون كلفنا بما لا نفهمه، ولا آحاد تدل على وقوع ذلك
(2)
فضلًا عن التواتر.
وأجيب عن هذا: بأنه لا يلزم من تفهيم الشارع أن يُنْقَل بتواتر (أو آحاد)
(3)
؛ لجواز حصولِ التفهيم بالقرائن. والله أعلم.
= في الهامش السابق أن المصدرين غير متحدين، فالإسلام غير الإيمان، فكلٌ منهما يوجد بدون الآخر. أما المسلم وهو المشتق فلا يوجد بدون المؤمن، فأصبح قبول الإسلام شرطه الإيمان، فلا يلزم على هذا أن ينتفي الإسلام بانتفاء الإيمان، إلا أن يجعلوا الإيمان شرطًا في صدق الإسلام، أي: وجوده، أو ركنًا فيه، لا شرطًا في صحته. ولم يدللوا على شيءٍ منهما، أي: من كون الإيمان شرطَ صدقِ الإسلام، أو ركنه.
(1)
سقطت من (ص).
(2)
أي: على التكليف بما لا نفهم.
(3)
في (ص): "ولا آحاد".
وقد علمت بما
(1)
سبق أن الإيمان في الاصطلاح عبارة عن: تصديق الرسول عليه الصلاة والسلام بكل ما جاء به. وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن رضوان الله عليه
(2)
.
وقال أكثر السلف وعليه بعض المعتزلة والخوارج: إنه تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان.
وفيه مذاهب أخر كثيرة ليس هذا محلها
(3)
، ورام السهيلي التفرقة
(4)
بين الإيمان والتصديق من وجهين قررهما:
أحدهما: أن التصديق لا بد وأن يكون في مقابلةِ خبرٍ صادقٍ، وقد
(1)
في (ت): "مما".
(2)
وهو مذهب جمهور الأشاعرة والماتريدية، والمراد بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم عندهم: هو الإذعان لما جاء به والقبول له، وليس المراد وقوع نسبة الصِّدْق إليه في القلب من غير إذعان ولا قبول، حتى يلزم الحكم بإيمان كثير من الكفار الذين كانوا يعرفون أحقية نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم، ومصداق ذلك قوله تعالى:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} . انظر: شرح الجوهرة ص 67، البيت رقم (18)، تبصرة الأدلة للنسفي 2/ 799.
(3)
انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 373، فتح الباري 1/ 46، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى الفرق بين مذهب السلف والمعتزلة والخوارج في تعريف الإيمان مع اتحادهم في التعريف فقال:"فالسلف قالوا: هو اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالأركان. وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله، ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقص. . . والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد. والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطًا في صحته، والسلف جعلوها شرطًا في كماله".
(4)
في (ت)، و (غ):"التفريق".
يكون عن نظر وفكر، فإذا نظرت في الصَّنْعة وعرفت بها الصانع آمنت به، ولم تكن به مصدقًا بخبرٍ، إذ لا خبر هناك، فإذا جاء الخبر بما آمنت به وأقررت به صدَّقت الخبر.
ونحن نقول في جواب هذا: إنّ الصنعة لما عَرَّفتنا الصانع كانت مُخْبِرةً بلسان الحال، فلم يكن التصديق إلا في مقابلة خبرٍ واقعٍ بلسان الحال.
فإن قال
(1)
: التصديق لا يكون إلا في مقابلة خبرٍ بلسان المقال.
قلنا
(2)
: من أين لك هذا التقييد!
الثاني: أن التصديق قد يكون بالقلب وأنت ساكت، تقول: سمعت الحديث فصدقته، والإيمان لا بد من اجتماع اللفظ مع العَقْد لغةً وشرعًا لِتَعَدِّيه بالباء
(3)
ونحو ذلك.
ونحن نجيب عن هذا: بأن اللفظ شرطٌ في صحة الإيمان لا ركن منه كما علمت فيما تقدم، ويدل عليه مع قوله تعالى:{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}
(4)
إجماعُ الأمة على أن من عرف الله تعالى بقلبه وعجز عن التلفظ بالشهادتين كان مؤمنًا فائزًا، وبالله التوفيق
(5)
.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
سقطت من (ت)، و (غ).
(3)
أي: قوله: آمنت به، يقتضي أن يكون الإيمان باللفظ مع الاعتقاد بالقلب.
(4)
سورة الحجرات: الآية 14.
(5)
انظر مسألة الحقيقة الشرعية في: المحصول 1/ ق 1/ 414، التحصيل 1/ 224، الحاصل 1/ 342، نهاية السول 2/ 151، السراج الوهاج 1/ 338، مناهج =
قال: (فروعٌ: الأول: النقلُ خلافُ الأصل؛ إذ الأصلُ بقاء الأول؛ ولأنه يتوقف على الأول، ونَسْخِه، ووضعٍ ثان، فيكون مرجوحًا).
هذه مسائل مفرعة على جواز النقل:
الأول: أنه على خلاف الأصل، بمعنى: أنه إذا دار اللفظ بين احتمال النقل واحتمال عدمه - كان احتمال عدمه أرجح لوجهين:
أحدهما: أنَّ الأصلَ في الوضعِ الأولِ المنقولِ عنه - البقاءُ
(1)
؛ إذ الأصل بقاءُ ما كان على ما كان.
والثاني: أن النقلَ يتوقف على ثلاثة أشياء: الوضع الأصلي؛ ثم نَسْخُه، ثم وضعٌ ثانٍ. وعَدَمُ النقل لا يتوقف إلا على وضعٍ واحد، وما كان متوقفًا على أمورٍ كان مرجوحًا بالنسبة إلى المتوقِّف على أمرٍ واحد.
قال: (الثاني: الأسماء الشرعية موجودة: المتواطئة كالحج، والمشتركة
(2)
كالصلاة الصادقةِ على ذاتِ الأركان، وصلاة المصلوب، والجنازة. والمعتزلة سَمَّوْا أسماءَ الذوات دينيةً كالمؤمن والفاسق).
هذا الفرع في أنَّ الشارع هل نَقَلَ الأسماء والأفعال والحروف، أم نقل البعض دون البعض؟
= العقول 1/ 248، الإحكام 1/ 35، شرح المحلى على جمع الجوامع 1/ 301، بيان المختصر 1/ 214، شرح تنقيح الفصول ص 43، تيسير التحرير 2/ 15، فواتح الرحموت 1/ 221، شرح الكوكب 1/ 150، المعتمد 1/ 18.
(1)
خبر أنَّ.
(2)
في (ت)، و (ص):"المشترك".
فنقول: أما الأسماء فَقَد وُجِد النقل فيها، وقد قدمنا انقسامَها إلى متباينة، ومترادفة، ومتواطئة، ومشترَكة، ومُشَكِّكَة. فلْيُنظر في واحدٍ واحد
(1)
.
أما المتباينة: فقد وجدت كالصوم والصلاة، وأهمل في الكتاب ذكر هذا القسم لوضوحه.
وأما المترادفة: وقد
(2)
أهمل ذِكْرَها أيضًا، فقال الإمام: "الأظهر أنها لم توجد
(3)
؛ لأنها ثبتت
(4)
على خلاف الأصل، فتتقدر بقدر الحاجة"
(5)
وتابعه صاحب "التحصيل"
(6)
، وقال صفي الدين الهندي:"الأظهر أنها وجدت"
(7)
. وهذا هو الصحيح لِوُجْدان "الواجب" و"الفرض" وهما مترادفان عند الشافعي رضي الله عنه، والإمام يُوافق على ذلك، و"الإنكاح" و"التزويج" عند الشافعي أيضًا.
وأما المتواطئة: فموجودة أيضًا، ومَثَّل لها المصنف بالحج، فإنه يطلق على الإفراد، والتمتع، والقران. وهذه الثلاثة مشتركة في الماهية: وهي الإحرام، والطواف، والوقوف، والسعي.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
في (ت)، و (ص):"فقد".
(3)
أي: في الشرع.
(4)
في (ت): "تثبت".
(5)
انظر: المحصول 1/ ق 1/ 439.
(6)
انظر: التحصيل 1/ 231.
(7)
عبارته في نهاية الوصول 2/ 313: "وأما الترادف: فالأغلب وقوعه".
وأما المُشتركة
(1)
: فاختلفوا في وقوعها، وجزم المصنف بوقوعها. قال الإمام: "وهو الحق؛ لأن لفظَ الصلاة مستعمل في معاني شرعية لا يَجمعها جامع، لأن لفظها يتناول ما لا قراءة فيها: كصلاة الأخرس، وما لا
(2)
سجود فيه ولا ركوع: كصلاة الجنازة، وما لا قيام فيه: كصلاة القاعد، والصلاة بالإيماء على مذهب الشافعي رضي الله عنه (وهي التي عَبَّر عنها في الكتاب بصلاة المصلوب)
(3)
فإنه لا شيء من ذلك فيها، وليس بين هذه الأشياء قدر مشترك"
(4)
. (هذا كلام الإمام)
(5)
.
قال الهندي: "وهو ضعيف؛ لأن كون الفعل واقعًا بالتحرم والتحلل قدر مشترك بين تلك الصلوات، فلِمَ لا يجوز أن يكون مدلولَها
(6)
! " قال: "والأقرب أنها متواطئة بالنسبة إلى الكل؛ إذ التواطؤ خير من
(1)
في (ص): "المشترك". وهو خطأ.
(2)
سقطت من (غ).
(3)
ما بين القوسين من كلام الشارح رحمه الله.
(4)
انظر: المحصول 1/ ق 1/ 438 - 439.
(5)
سقطت من (ت)، و (غ).
(6)
في (ت): "مدلولها مشترك". وهذه الكلمة: "مشترك"، ليست في "نهاية الوصول"، وهي خطأ من جهة النحو؛ لأنها خبر يكون فتكون منصوبة، ومن جهة المعنى؛ لأن المعنى الذي يقصده الهندى - رحمه الله تعالى - هو أنه لِمَ يجوز أن يكون مدلول الصلاة قدرًا مشتركًا، ) ما إذا اً ضفنا كلمة "مشترك" فيكونَ المعنى لِمَ يجوز أن يكون مدلول الصلاة مشتركًا، أي: مشتركًا لفظيًا، وهو عين دعوى الإمام التي يرد عليها الشيخ الهندي. وهي أخيرًا مزيدة في هامش (ت) لا في أصل اللوحة، فلعلها من تصرف الناسخ.
الاشتراك"
(1)
، ثم ذكر الهندي أن الأشبه وقوع المُشْتَرَكة. ومَثَّل لها بإطلاق الطَّهُور على الماء، والتراب، وعلى ما يُدْبغ به. فإن
(2)
ذلك ليس باشتراك معنوي؛ إذ ليس بينها معنى مشترك
(3)
يصلح أن يكون مدلول اللفظ
(4)
.
ولقائل أن يقول: لِمَ اكتفيت بالتحلل والتحرم في الصلاة قدرًا مشتركًا، ولم تكتف باشتراك الماء والتراب وآلة الدباغ في إزالة المانع قدرًا مشتركًا!
وأما المشكِّكة: فالظاهر وقوعها أيضًا، وقد أهملها المصنف
(5)
في الكتاب، وهي كالفاسق بالنسبة إلى مَنْ فعل الكبيرة الواحدة، ومَنْ فعل الكبائر العديدة، فإن تناوله للثاني بطريق أولى.
قوله: "والمعتزلة" أي: أن المعتزلة لما أثبتوا الحقائق الشرعية قَسَّموها إلى: أسماء الأفعال، وأسماء الذوات المشتقة من تلك الأفعال. فالأول: كالصوم والصلاة.
والثاني: كاسم الفاعل مثل: زيد مؤمن، واسم المفعول مثل
(6)
: زيد
(1)
انظر: نهاية الوصول 2/ 312.
(2)
في (ص): "كان". وهو خطأ.
(3)
أي: ليس إطلاق الطهور على هذه الثلاثة من قبيل المشترك المعنوي، إذ ليس بينها قدر مشترك، بل هو من قبيل المشترك اللفظي.
(4)
نهاية الوصول 2/ 313.
(5)
سقطت من (ت)، و (غ)، و (ك).
(6)
في (غ)، و (ك):"نحو".
مقروء عليه، وأفعل التفضيل نحو: أفضل من عمرو. وسَمَّوْا
(1)
هذا القِسْمَ بـ "الدينية" تفرقة بينه وبين الأول، وإن اشترك الكلُّ عندهم في كونه شرعيًا. هكذا نقل الإمام
(2)
، وتبعه صاحب الكتاب.
وفيه نظر، فإن المنقول عن المعتزلة أن "الدينية": هي الأسماء المنقولة شرعًا إلى أصل الدين، كالإيمان والكفر. وأما "الشرعية" فكالصلاة والصوم
(3)
. كذا عَزَاه إليهم طائفة منهم القاضي
(4)
وإمام الحرمين والغزالي
(5)
، فقال إمام الحرمين: "قالت المعتزلة. (الألفاظ تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أحدها)
(6)
: الألفاظ الدينية: وهي الإيمان، والكفر، والفسق. فهي عندهم منقولةٌ إلى قضايا في الدين. فالإيمان في اللسان: التصديق. والكفر: من الكَفْر وهو السَّتْر. والفسق: الخروج. وهذا الذي ذكروه على قواعدهم في أن مرتكب الكبيرة ليس مؤمنًا دينًا، وليس كافرًا أيضًا، وإنما هو فاسق.
والقسم الثاني: الألفاظ اللغوية: وهي القارَّةُ على قوانين اللسان.
(1)
أي: المعتزلة.
(2)
انظر: المحصول 1/ ق 1/ 414.
(3)
أي: هي الأسماء اللغوية التي نُقلت في الشرع إلى أحكام شرعية. انظر: التقريب والإرشاد 1/ 390.
(4)
انظر: التقريب والإرشاد 1/ 388.
(5)
انظر: المستصفى 3/ 17.
(6)
سقطت من (ت).
والقسم الثالث: الألفاظ الشرعية: وهي الصلاة، والصوم، وأخواتها فهي مستعملة في فروع الشرع"
(1)
. هذا لفظه في "البرهان" وهو الذي ذكره في كتاب "التلخيص"
(2)
الذي اختصره من "التقريب والإرشاد" للقاضي، وكذلك
(3)
أورده الغزالي، وهذا هو التحقيق في نَقْل مذهب القوم.
قال: ((والحرف لم يُوجد)
(4)
، والفعل وُجد
(5)
بالتبع).
تقدم الكلام في الاسم، وأما الحرف فلم يوجد. واستدل عليه الإمام بالاستقراء.
وأما الفعل فلم يوجد بطريق الأصالة للاستقراء، ووجد بطريق التبعية؛ لأن الفعل صيغة تدل على صدور المصدر من الفاعل، فالمصدر إنْ كان شرعيًا كالصلاة
(6)
كان الفعل أيضًا كذلك كصَلَّى. وإنْ كان لغويًا كان مثلَه
(7)
. فيكون
(8)
الفعلُ شرعيًا أمْرٌ حصل بالعَرَض لا بالأصالة.
(1)
انظر: البرهان 1/ 174.
(2)
انظر: التلخيص 1/ 209.
(3)
في (غ): "وكذا".
(4)
في (ص): "والحروف لم توجد".
(5)
في (ص): "يوجد".
(6)
سقطت من (ت).
(7)
أي: وإن كان المصدر لغويًا كان الفعل مثله.
(8)
لعل الصواب: فكون.