الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتحقيق أن الجوابين خارجان عن صَوْب
(1)
التحقيق، وإنما الجواب الدقيق الذي ليس بعده شيء ما قرره لنا
(2)
غيرَ مرةٍ والدي أطال الله بقاه فقال: تقدير الكلام: ليس شيءٌ كمثله، فشيء اسم ليس وهو المبتدأ، وكمثله الخبر، فالشيء الذي هو موضوع، قد نُفِيَ عنه المثل الذي هو محمول، فهو
(3)
منفي عنه لا منفيٌ؛ فيكون
(4)
ثابتًا، فلا
(5)
يلزم أن تكون الذات المقدسة منفية
(6)
، وإنما المنفيُّ مِثْلُ مِثْلِها، ولازمه نفي مثلها، وكلاهما منفي عنها
(7)
. والله أعلم.
العلاقة الحادية عشر: النقصان:
أي: المجاز بالنقصان في اللفظ
(8)
. مثل: قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}
(9)
تقديره: واسأل أهل القرية، إذ القرية عبارة عن الأبنية وهي لا
(1)
صوب بمعنى صواب، يقال: قول صَوْب وصواب. انظر: لسان العرب 1/ 535، مادة (صوب).
(2)
سقطت من (ت).
(3)
أي: الشيء.
(4)
أي: الشيء.
(5)
في (ك): "ولا".
(6)
لأن تقدير الآية: ليس ذاتٌ كمثلة، أي: كمثل ذاته. فالذات لله تعالى مثبتة، والمنفي هو المِثْلية.
(7)
أي: عن الذات المقدسة.
(8)
قال الإسنوي في تعريف هذا النوع: هو أن ينتظم الكلام بزيادة كلمة فيعلم نقصانها. انظر: نهاية السول 2/ 168.
(9)
سورة يوسف: الآية 82.
تُسأل.
ولقائل أن يقول: يحتمل أن يكون
(1)
الله خلق في القرية قدرة الكلام، ويكون ذلك معجزة لذلك النبي، ويبقى اللفظ على حقيقته. لا يقال: الأصل عدم هذا الاحتمال؛ لأنا نقول: هذا مُعَارَض بأن الأصل عدم المجاز، على أن هذا كله
(2)
مُفَرَّع على أن القرية السم للأبنية المجتمعة، أما إنْ قلنا: إنها مُشْتَركة بينها وبين الناس المجتمعين، إما باشتراك لفظي أو معنوي - فالاستدلال ساقط بالكلية. ثم الذي يدل على أن القرية حقيقة في الناس المجتمعين أيضًا قوله تعالى:{وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً}
(3)
{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ}
(4)
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا}
(5)
(6)
؛ ولأن القرية مشتقة من "القَرْء": وهو الجمع
(1)
سقطت من (ص).
(2)
أي: القول بالمجاز، وأن المراد أهل القرية لا القرية.
(3)
سورة الأنبياء: الآية 11.
(4)
سورة الحج: الآية 48.
(5)
سورة قصص: الآية 58.
(6)
فالظلم والبطر لا يكونان من البنيان، بل من الناس، وكذا الإهلاك إنما يقع على الناس لا على البنيان. وهذا الاستدلال بهذه الآيات على أن المراد بالقرية هم الناس المجتمعون يَرِد أيضًا على آية:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} فإنها يمكن أن تدل على أن المراد بالقرية هم الناس المجتمعون، لكن دلالة هذه الآيات ليست صريحة؛ إذ يمكن تأويل آية {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ}: أي: وكثيرًا قصمنا من أهل قرية. انظر: تفسير أبي السعود 6/ 58: وكذا آية الحج: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا} . قال أبو السعود 6/ 112: "أي: وكم من أهل قرية، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه =
ومنه: قرأت الماء في الحوض، أي: جمعته
(1)
، ومنه: القِرا
(2)
: وهو الضيافة لاجتماع الناس لها. وهذا كله حَرَكة البحث والنظر. والأول هو المُرْتَضى أعني: أن المراد سؤال أهل القرية، كيف والشافعي رضي الله عنه قد نص عليه في "الرسالة"، ونَقَله عن أهل العلم باللسان وسَمَّى هذه الآية وأمثالها بالصنف
(3)
الذي يدل لفظه على باطنه دون ظاهره، فقال ما نصه: "باب الصنف الذي يدل لفظه على باطنه دون ظاهره
(4)
"
(5)
. قال الشافعي: "قال الله جل ثناؤه وهو يحكي قول إخوة يوسف لأبيهم: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}
(6)
فهذه الآية
= في الإعراب ورجع الضمائر والأحكام مبالغة في التعميم والتهويل". وكذا أيضًا آية القصص: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} أي: وكثير من أهل قرية. فالحاصل أن الاستدلال بهذه الآيات على كون "القرية" تطلق حقيقة على الناس المجتمعين ليس صريحًا، بل هو كالاستدلال بآية {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} على أن المراد بالقرية في الآيات الثلاث السابقة: هو الناس المجتمعون، أي: هو استدلال لا يزيد الدلالة وضوحًا، بل كل الآيات دالة على معنى القرية من جهة واحدة محتملة. والله تعالى أعلم.
(1)
انظر: لسان العرب 1/ 128، مادة (قرأ)، 15/ 178، مادة (قرا).
(2)
في (ص): "القراء". وفي اللسان 15/ 179 مادة (قرا): وقَرَى الضيف قِرًى وقَراء: أضافه.
(3)
في (ت): "الصنف".
(4)
فالقرية في الظاهر هي البنيان، وفي الباطن هي الناس.
(5)
سقطت من (ت).
(6)
سورة يوسف: الآيتان 81، 82.
في معنى الآيات قبلها لا يختلف أهل العلم باللسان أنهم إنما يخاطِبون أباهم بمسألة أهل القرية وأهل العير؛ لأن القرية والعير لا يُنْبئان عن صدقهم"
(1)
. انتهى.
وهنا
(2)
مباحثتان:
إحداهما: أن
(3)
العادّين لهذين النوعين
(4)
: العاشر والحادي عشر - ذكروه في المجاز الإفرادي، وكيف يكون ذلك
(5)
في مجاز النقصان، والمجاز في المفرد: هو اللفظ المستعمل في غير موضوعه الأول، والمحذوف لم يستعمل البتة
(6)
، والمجاز بالزيادة كذلك؛ لأن الزائد لم يستعمل البتة في شيء
(7)
؟
وهذا السؤال قد شاع وذاع، وأجاب عنه والدي أحسن الله إليه: بأن هذا
(8)
لفظ
(9)
مستعمل في غير ما وضع له، فصدق عليه تعريف المجاز
(1)
انظر: الرسالة ص 64.
(2)
في (غ): "وها هنا".
(3)
سقطت من (غ).
(4)
وهما المجاز بالزيادة، والمجاز بالنقصان.
(5)
أي: المجاز الإفرادي.
(6)
أي: كيف يجعل المحذوف في المجاز في المفرد، والمجاز في المفرد: هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له أولًا. والمحذوف لم يستعمل أصلًا.
(7)
أي: في شيء من المعاني؛ لأن الزيادة تعني عدم المعنى، الذي يعني عدم الاستعمال، فهو في حكم المحذوف.
(8)
أي: المجاز بالزيادة أو النقصان.
(9)
في (غ): "اللفظ".
الإفرادي. قال: وذلك دان قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} موضوع لسؤالها، مستعمل في سؤال أهلها فكان مجازًا
(1)
. وليس هو مجاز في التركيب، فإن مجاز التركيب مثل قولك: أنبتَ الربيعُ البقلَ، لفظ مستعملٌ في موضوعه مقتضاه إسناد الإنبات إلى البقل
(2)
، ولكنا عَلِمنا بالعقل أنه ليس كذلك، وإنما هو من الله تعالى، فقلنا: إنه مجاز عقلي. ولم نُرد بقولنا: المجاز بالزيادة والنقصان - أن اللفظة الزائدة وحدها، أو الناقصة وحدها مجاز. قال: ومن تأمَّل قول الإمام في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} وفي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
(3)
فَهِم ذلك
(4)
، ولا يقال: إنه حينئذ يصير مجازًا في التركيب؛ لأنا لا نعني بمجاز التركيب إلا إسناد الفِعْل إلى الفاعل وهو الذي يكون الإسناد فيه من جهة الموضوع اللغوي صحيحًا، وإنما جاء المجاز من جهة العقل
(5)
، حتى لو فرض هذا الكلام من كافر يعتقد حقيقته لم يكن مجازًا
(6)
. وهذا جواب نفيس.
(1)
أي: أطلق القرية وأراد أهلها، فاستعمل المحذوف بالمذكور، أي: استعمل المعنى المحذوف باللفظ المذكور؛ لدلالة القرينة عليه. والحاصل أن إرادته للمعنى المحذوف (أهل القرية) استعمالٌ، وتعبيره عنه بحذف بعضه مجاز، فَحَذَف لفظَ "الأهل" ذكرًا، واستعمله معنى.
(2)
هذا خطأ من الناسخ أو سهو من المؤلف لأن الصواب إسناد الإنبات إلى الربيع.
(3)
سورة الشورى: الآية 11.
(4)
انظر: المحصول 1/ ق 1/ 399، 400.
(5)
لأن العقل يحيل أن يكون الربيع هو الفاعل الحقيقي.
(6)
يعني: لو فُرض أن كافرًا دهريًا يعتقد أن الربيع هو الفاعل الحقيقي - لم يكن ذلك مجازًا عنده، فهذا علامة مجاز التركيب، صحة إرادة المعنى الحقيقي من جهة اللغة، =
الثانية: أن الإمام عدَّ المجاز بالزيادة والمجاز بالنقصان مع تغايرهما وتقابلهما نوعًا واحدًا
(1)
، وبه أشعرت عبارة الكتاب، وعليه جرى سائر أتباع الإمام إلا الشيخ صفي الدين الهندي فإنه عَدَّهما نوعين كسائر المحققين
(2)
، وقد يعتذر عن الإمام بأنه لما كان مدار الأمر في هذين المجازين على شيء واحد: وهو أن تستفيد الكلمةُ حركةً لأجل إثبات مزيدٍ مستغنى عنه
(3)
، أو حذف شيء لا بد منه
(4)
- جُعِلا نوعًا واحدًا؛ لأن الكلمة نقلت عن حكمٍ كان لها إلى حكم آخر لم يكن لها في الأصل، وذلك كافٍ في وصفها بالمجاز، كما أنها توصف بالمجاز لنقلها عن معناها الأصلي إلى معنى آخر. وبيان انتقالها عما كان لها من الحكم إلى غيره أن "المِثْل" في قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} اكتسى الجر بزيادة الكاف، وكان حكمه في الأصل النصب، فالجر فيه مجاز. والقرية في قوله:
= ومن جهة الدهري.
(1)
انظر: المحصول 1/ ق 1/ 454.
(2)
انظر: نهاية الوصول 2/ 355.
(3)
مثل قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فالكاف مزيدة، ولولاها لكانت حركة كلمة "مثلِه" الفتحة؛ لأنها خبر "ليس" مقدم، فاستفادت كلمة "مثله" من الكاف حركة الكسرة.
(4)
الضمير في قوله: "منه" يعود إلى "شيء" لا إلى "حذف"، والمعنى: أو حذف شيءٍ لا بد من ذكره، ومثاله قوله تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} فإن تقدير كلمة: "أهل" قبل القرية ضروري؛ لتعذر سؤال الأبنية، فهنا استفادت كلمة "القرية" حركةً مِنْ حذف كلمة:"أهل"، وهي الفتحة، وكان أصل حركتها لو ذكرت كلمة:"أهل" الكسرة.