الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(السادسة: إنما للحصر؛ لأنَّ "إنَّ" للإثبات، و"ما" للنفي
، فيجب الجمع على ما أمكن. وقد قال الأعشى: وإنما العزَّةُ للكاثر. وقال الفرزدق:
وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
وعُورِض بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}
(1)
. قلنا: المراد الكاملون).
تقييد الحكم بإنما مِثْل: إنما قام زيد - هل يفيد حَصْرَ الأول في الثاني
(2)
؟ بمعنى: أنها تفيد إثباتَ الحكم في المحكوم عليه ونفيَه عن غيره، فيه مذهبان:
أحدهما: تفيد الحصر، وبه قالَ القاضي
(3)
، وأبو إسحاق الشيرازي
(4)
، والغزالي
(5)
، وعليه الإمام وأتباعه
(6)
منهم
(7)
صاحب
= 1/ 242، كشف الأسرار 2/ 167، شرح الكوكب 1/ 267، مغني اللبيب 1/ 118، المساعد على تسهيل الفوائد 2/ 261، أوضح المسالك 2/ 135.
(1)
سورة الأنفال: الآية 2.
(2)
أي: حصر القيام في زيد.
(3)
انظر: التلخيص 2/ 203.
(4)
انظر: شرح اللمع 1/ 541.
(5)
انظر: المستصفى 3/ 440.
(6)
انظر: المحصول 1/ ق 1/ 535، التحصيل 1/ 253، الحاصل 1/ 379، نهاية الوصول 2/ 453.
(7)
في (غ): "ومنهم".
الكتاب.
والثاني: لا، بل تفيد تأكيد الإثبات، واختاره الآمدي
(1)
.
واحتج الأولون بوجهين:
أحدهما: أن كلمة "إنَّ" تقتضي الإثبات، و"ما" تقتضي النفي، فعند تركيبهما يجب بقاء كلٍّ منهما على أصله؛ لأن الأصل عدم التغيير، وحينئذ يجب الجمع بينهما بقدر الإمكان، فلا بد من إثبات شيءٍ ونَفْي آخرٍ؛ لامتناع اجتماع النفي والإثبات على شيء واحد، وحينئذ إما أن نقول كلمة "إنَّ" تقتضي ثبوت غير المذكور، وكلمة "ما" تقتضي نفي المذكور وهو باطل إجماعًا، أو نقول: كلمة "إنَّ" تقتضي ثبوت المذكور، وكلمة "ما" تقتضي نفي غير المذكور، وهذا هو الحصر وهو المراد.
وقد ضُعِّف هذا الوجه بأن المعروف عند النحويين أن "ما" ليست نافية بل زائدة كافَّة مُوَطِّئة لدخول الفعل
(2)
.
(1)
انظر: الإحكام 3/ 97.
(2)
المعنى: أن "ما" زائدة لا بمعنى النفي. كافَّة، أي: تَكُفُّ "إنَّ" عن العمل، فقولنا مثلًا: إنما زيدٌ قائم. زيد: مبتدأ، وقائم: خبر، والجملة بدون "ما": إن زيدًا قائم. فلما دخلت "ما" على "إنَّ" كفَّت عَمَلَها، يعني منعتها من العمل. مُوَطِّئةً لدخول الفعل، أي: تُهَيئ "إنَّ" للدخول على الفعل، مثل قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وقوله تعالى: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} . انظر: أوضح المسالك 1/ 249.
وذُكِرَ في إفادتها الحصرَ وجهٌ آخر أُسْنِد إلى علي بن عيسى الرَّبَعي
(1)
: وهو أن كلمة "إنَّ" لِتأكيد إثبات المُسْنِد للمسند إليه، ثم لما اتصلت بها "ما" المؤكِّدة لا النافية كما
(2)
ذكرنا - تَضَاعَفَ تأكيدُها، فناسَب أنْ تُضَمَّن معنى القصر؛ لأن قَصْر الشيء على الشيء ليس
(3)
إلا تأكيدًا للحكم على تأكيدٍ، ألا ترى إلى قولك: (جاء زيدٌ لا عمرو، وكيف يكون
(4)
جاء زيدٌ - إثباتًا للمجيء صريحًا، وقولك: )
(5)
لا عمرو - إثباتًا ثانيًا لمجيئه ضمنًا.
وهذا الوجه أسدُّ
(6)
من الأول، إلا أن للمعترض عليه أن يقول: وجه مناسبة إضمار معنى القصر لائحة
(7)
، ولكن ذلك إنما يقال بعد ثبوت كونها للحصر، والكلام فيه
(8)
، ومجرد هذه المناسبة لا يدل عليه.
(1)
هو أبو الحسن علي بن عيسى بن الفَرَج بن صالح الرَّبَعيّ، أبو الحسن الزُّهريّ، أحد أئمة النَّحْوِيّين وحُذَّاقِهم الجيِّدي النَّظَر. قال السيوطي:"أخذ عن السِّيرافيّ، ورحل إلى شِيراز، فلازم الفارسيَّ عشر سنين حتى قال له: ما بقي شيءٌ تحتاج إليه، ولو سِرْتَ من المشرق إلى المغرب لم تجد أعرفَ منك بالنحو. فرجع إلى بغداد فأقام بها إلى أن مات". صَنَّف شرحًا للإيضاح، وشرحًا لمختصر الجَرْميّ. توفي سنة 420 هـ. انظر: سير 17/ 392، بغية الوعاة 2/ 181.
(2)
في (ت)، و (ص)، و (غ):"لما".
(3)
سقطت من (ت).
(4)
أي: وألا ترى كيف يكون.
(5)
سقطت من (ت).
(6)
في (ص): "أشد". وهو خطأ.
(7)
أي: كون "إنما" متضمنةً لمعنى القصر فيه مناسبةٌ ظاهرة، كما سبق بيانه.
(8)
أي: ولكن هذه المناسبة لا يقال بثبوتها إلا بعد ثبوت كون "إنما" للحصر، وهو محل النزاع.
الوجه الثاني: من الوجهين المذكورين في الكتاب: أن العرب استعملتها في الحصر كقول الأعشى وهو عبد الله بن الأعور المازني الصحابي
(1)
رضي الله عنه:
ولستَ بالأكْثرِ منهم حَصىً
(2)
…
وإنما العزَّةُ للكاثِرِ
(3)
(1)
هذا سهو من الشارح رحمه الله تعالى فالأعشى هو ميمون بن قيس، من سعد بن ضُبيعة بن قيس، ويكنى أبا بصير، وكان أعمى، وكان جاهليًا قديمًا، وأدرك الإِسلام في آخر عمره، ورحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليُسْلم، فقيل له: إنه يُحَرِّم الخمر والزنا، فقال: أتمتع منهما سنةً ثم أُسْلِمُ. فمات قبل ذلك بقرية باليمامة. انظر: الشعر والشعراء 1/ 257. وفي شرح شواهد المغني (2/ 903) قال السيوطي عن هذا البيت: "هذا من قصيدة للأعشى ميمون يهجو بها عَلْقَمة بن عُلاثة، ويمدح عامر بن الطفيل".
(2)
أي: عددًا. قال الجوهري 6/ 315، مادة (حصا):"وأحصيتُ الشيءَ عددتُه. وقولهم: نحن أكثر منهم حَصَىً، أي: عددًا". قال صاحب اللسان 5/ 132: "الأكثر ههنا (يعني في قول الشاعر: ولستَ بالأكثر منهم). بمعنى الكثير، وليست للتفضيل؛ لأن الألف واللام و"مِنْ" يتعاقبان في مثل هذا. قال ابن سِيدة: وقد يجوز أن تكون للتفضيل وتكون "مِن" غير متعلِّقة بالأكثر". قال ابن عقيل في شرح الألفية 2/ 180 في تخريج كون "الأكثر" للتفضيل: ". . . يخرج على زيادة الألف واللام، والأصل ولستَ بأكثر منهم، أو جَعْلِ "منهم" متعلِّقًا بمحذوف مجرد عن الألف واللام، لا بما دخلت عليه الألف واللام، والتقدير: ولست بالأكثرِ أكثرَ منهم". وانظر: شرح الشواهد للعيني 3/ 47، والحاصل أن "الأكثر" هنا للتفضيل ولكن بالتأويل؛ لأنه يمتنع اجتماع "أل" مع "مِنْ" في التفضيل، أو نقول بأن البيت شاذ ليس على النهج الذي يجري عليه سائر كلام العرب.
(3)
أي: للكثير. انظر: الصحاح 2/ 803، لسان العرب 5/ 132، مادة (كثر). قال الصبان في حاشيته على الأشموني 3/ 47:"وإنما العزة للكاثر: أي للفائق في الكثرة، مِنْ كَثَره بالتخفيف إذا غَلَبَه في الكثرة، فقول البعض تبعًا للعيني، أي: الكثير، فيه مساهلة". قال الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد: الكاثر: يجوز أن =
ولستَ بفتح التاء ضبطه الجوهري.
وقال الفرزدق وهو همام بن غالب التابعي
(1)
رحمه الله:
أنا الذائِدُ
(2)
الحامِي الذِّمَارَ
(3)
وإنما يُدَافِعُ عَنْ أحسابِهِمْ أَنَا أَو مِثْلِي
(4)
.
قوله: "وعُورِض" إشارة إلى حجة الخصم وهي
(5)
قوله تعالى:
= يكون بمعنى الكثير، ويجوز أن يكون اسم فاعل من: كَثَرتُ بني فلان أكثرهم - من باب نصر - إذا غلبتَهم في الكثرة. قال في القاموس: "وكاثرهم فكثروهم غالبوهم في الكثرة فغلبوهم". وهذا المعنى أحسن من الأول. أهـ. انظر: هداية السالك إلى تحقيق أوضح المسالك 2/ 300.
(1)
هو شاعر عصره أبو فِرَاس همَّام بن غالب بن صعصعة بن ناجية التميميّ البصريّ، المعروف بالفَرَزْدَق، الشاعر المشهور. قال الذهبي:"ونظمه في الذِّرْوة، كان وجهه كالفرزدق وهي الطُّلْمَةُ (أي: الخبزة) الكبيرة. فقيل: إنه سمع من عليّ، فكان أشعر أهل زمانه مع جرير والأخطل النصرانيّ". مات في سنة 110 هـ. انظر: سير 4/ 590، وفيات 6/ 86، الشعر والشعراء 1/ 471. قال ابن منظور في لسان العرب 10/ 307:"الفَرَزْدَقُ: الرغيف. وقيل: فُتات الخبز. وقيل: قِطَع العجين. واحدته فَرَزْدَقَة، وبه سُمِّي الرجل الفَرَزْدَق، شُبِّه بالعجين الذي يُسَوَّى منه الرغيب".
(2)
في اللسان 3/ 167، مادة (ذود) الذَّوْد: السَّوْق والطرد والدفع. . . ورجل ذائد، أي: حامي الحقيقة دَفَّاع، من قوم ذُوَّدٍ وذُوَّاد".
(3)
في اللسان 4/ 312، مادة (ذمر):"والذِّمارُ: ذِمارُ الرجل: وهو كل ما يلزمك حفظه وحياطته وحمايته والدفع عنه، وإنْ ضيَّعه لزمه اللوم. أبو عمرو: الذِّمارُ الحَرَمُ والأهل، والذِّمار: الحَوْزة، والذِّمار: الحَشَم، والذِّمار: الأنساب. . . لأنهم قالوا: حامي الذمار، كما قالوا: حامي الحقيقة. وسُمِّي ذمارًا؛ لأنه يجب على أهله التذمر له، وسميت حقيقة؛ لأنه يَحِقُّ على أهلها الدفع عنها".
(4)
انظر: شرح شواهد المغني 2/ 718.
(5)
في (ص): "وهو".
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}
(1)
قالوا: فلو أفادت
(2)
الحصر لكان من لا يحصل له الوَجَل عند ذكر الله تعالى لا يكون مؤمنًا.
وأجاب: بأن المراد بالمؤمنين: الكاملون في الإيمان، جمعًا بين الأدلة، وعلى هذا يكون قد أفادت الحصر كما هو المدَّعى.
واعلم أن الذي نقله شيخنا أبو حيان عن البصريين المذهبَ الثاني، وكان مصمِّمًا عليه ويتغالى في الرد على من يقول بإفادتها الحصر. والذي اختاره والدي أبقاه الله الأول، وله كلام مبسوط في المسألة، اشتد فيه نكيره على الشيخ
(3)
أبي حيان، وقال: إنه استمر على لَجَاج، وإنَّ اللبيبَ لا يَقْدِر أنْ يدفع عن نفسه فَهْمَ أنَّ
(4)
"إنما" للحصر.
ومِنْ أحسن ما وقع له في الاستدلال على أنها للحصر قولُه تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ}
(5)
فقال: هذه الآية مما تفيد أنَّ
(6)
"إنما" للحصر، فإنها لو لم تكن للحصر لكانت بمنزلة قولك: وإن تولوا فعليك البلاغ. وهو عليه البلاغ تولوا أو لم يتولوا، وإنما الذي رتَّب على توليهم نَفْيُ غير البلاغ؛ ليكون تسلية له، ويَعْلمَ أن تَوَلِّيهم لا يضره.
(1)
سورة الأنفال: الآية 2.
(2)
سقطت من "ت".
(3)
لم ترد في (ت).
(4)
سقطت من (ت).
(5)
سورة آل عمران: الآية 20.
(6)
سقطت من (ت).
قال: وهكذا أمثال هذه الآية مما يَقْطع الناظرُ بفَهْم
(1)
الحَصْر منها، كقوله:{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ}
(2)
{إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}
(3)
(4)
(5)
{إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا}
(6)
{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
(7)
{إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ}
(8)
{إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}
(9)
{إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ}
(10)
{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}
(11)
{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ}
(12)
{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}
(13)
{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}
(14)
{إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}
(15)
قال:
(1)
في (ت): "فهم".
(2)
سورة طه: الآية 98.
(3)
سورة النساء: الآية 171.
(4)
سورة الرعد: الآية 7. سورة النازعات: الآية 45.
(5)
سورة هود: الآية 12.
(6)
سورة العنكبوت: الآية 17.
(7)
سورة يونس: الآية 24.
(8)
سورة البقرة: الآية 169.
(9)
سورة البقرة: الآية 275.
(10)
سورة محمد: الآية 36.
(11)
سورة التغابن: الآية 15.
(12)
سورة التوبة: الآية 93.
(13)
سورة التوبة: الآية 45.
(14)
سورة آل عمران: الآية 175.
(15)
سورة العنكبوت: الآية 50.