الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(الخامسة: المجاز خلاف الأصل
؛ لاحتياجه إلى الوضع الأول، والمناسبة، والنقل، ولإخلاله بالفهم).
الأصل تارة يُطْلق ويراد به: الغالب، وتارة يراد به: الدليل.
وقد ادعى المصنف أن المجاز خلافُ الأصل: إما بمعنى خلاف الغالب، والخلاف في ذلك مع ابن جني، حيث ادَّعى أن المجاز غالب على اللغات
(1)
.
أو بالمعنى الثاني.
والغرض: أن الأصل الحقيقة
(2)
، والمجاز على خلاف الأصل، فإذا دار اللفظ بين احتمال المجاز واحتمال الحقيقة - فاحتمال الحقيقة أرجح لوجهين:
أحدهما: أن المجاز يحتاج إلى الوضع الأول، وإلى العلاقة يعني: المناسبة بين المعنيين، وإلى النقل إلى المعنى الثاني. والحقيقة محتاجة إلى الوضع الأول فقط، وما يَتَوَقَّفُ على أمرٍ
(3)
واحدٍ كان راجحًا بالنسبة إلى ما هو متوقف
= نهاية السول 2/ 169، السراج الوهاج 1/ 366، شرح الأصفهاني 1/ 253، مناهج العقول 1/ 274، البحر المحيط 3/ 97، المحلي على جمع الجوامع 1/ 321، الإشارة إلى الإيجاز ص 23، شرح الكوكب 1/ 186.
(1)
انظر: الخصائص 2/ 447، ونص عبارته:"اعلم أن أكثر اللغة مع تأمله مجاز لا حقيقة".
(2)
أي: سواء قلنا: الأصل الغالب، أو الأصل الدليل.
(3)
سقطت من (ت).
على أمور متعددة.
وقد أهمل صاحب الكتاب ذكر الاستعمال؛ لأن الحقيقة والمجاز مشتركان في افتقارهما إليه
(1)
.
والثاني: أن الحقيقة لا تُخِلُّ بالفهم، وذلك ظاهر، والمجاز يُخِلُّ بالفهم؛ فيكون مرجوحًا. والدليل على أنه يُخِلُّ بالفهم وَجهان:
أحدهما: أن اللفظ إذا تجرد عن القرينة فلا جائز أن يُحْمل على المجاز لعدم القرينة، ولا على الحقيقة وإلا لزم الترجيح بدون مرجِّح؛ إذِ الحقيقة والمجاز متساويان على هذا التقدير
(2)
.
والثاني: أن الحمل على المجاز يتوقف على قرينة تدل على أنه المراد، وقد تَخْفى هذه القرينة على السامع، فَيَحْمِل اللفظَ على المعنى الحقيقي مع
(1)
أي: لا بد في الحقيقة من استعمال العرب لذلك المعنى، وكذا في المجاز لا بد فيه من استعمال العرب له.
انظر: أصول الفقه لأبي النور زهير 2/ 262.
(2)
أي: على تقدير كون المجاز لا يخل بالفهم، فهو مساوٍ للحقيقة في الدلالة. والمعنى: أننا إذا جعلنا المجاز لا يخل بالفهم وساويناه بالحقيقة في ذلك - لزم من ذلك الإخلال بفهم اللفظ المجرد عن القرينة؛ لأنه لا يمكن حمله على المعنى المجازي بسبب عدم القرينة، ولا يمكن حمله على المعنى الحقيقي لأنها ليست بأرجح من المعنى المجازي. وهذا الإخلال باطل؛ لأنه بالاتفاق أن اللفظ يحمل حال تجرده عن القرينة على معناه الحقيقي، فيلزم من هذا أن الحقيقة هي الأصل وأنها لا تخل بالفهم، والمجاز هو الفرع وأنه يخل بالفهم.
إرادة المجاز، أو يَخْتَبِط
(1)
عليه الحال فَيَحْمِل على المجاز
(2)
الذي ليس بمراد
(3)
.
قال: (فإنْ غلب كالطلاق تساويا، والأَوْلى الحقيقة عند أبي حنيفة، والمجاز عند أبي يوسف رحمهما الله تعالى).
ما تقدم من رجحان الحقيقة على المجاز إنما هو فيما إذا لم
(4)
تُعارِض أصالة الحقيقة
(5)
غلبةُ المجاز، أما إذا غلب المجازُ في الاستعمال فقال أبو حنيفة: الحقيقة أولى؛ لأن الحقيقة بحسب الأصل راجحة، وكونها مرجوحة أمر عارض لا عبرة به.
وقال أبو يوسف
(6)
: المجاز أولى؛ لكونه راجحًا في الحال.
(1)
أي: يختلط ويلتبس. انظر: لسان العرب 7/ 280، مادة (خبط).
(2)
سقطت من (ص).
(3)
يُفهم من هذين الوجهين أن المجاز مخل بالفهم في حالة عدم القرينة إذا جعل مساويًا للحقيقة في الدلالة، وفي حالة خفاء القرينة على السامع.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
سقطت من (ت).
(6)
هو الإمام المجتهد المحدِّث القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاريّ الكوفيّ. ولد سنة 113 هـ. ولي القضاء لثلاثة خلفاء المهدي والهادي والرشيد. وثَّقه ابن معين وابن المديني وأحمد بن حنبل، وأثنى عليه الأئمة، وقد بلغ من رئاسة العلم ما لا مزيد عليه. من مصنفاته: الخراج، أدب القاضي، الفرائض. توفي سنة 182 هـ ببغداد.
انظر: تاريخ بغداد 14/ 242، وفيات 6/ 378، سير 8/ 535، الجواهر المضية 3/ 611.
ومن الناس مَنْ قال: يحصل التعارض؛ لأن كل واحد راجح على الآخر من وجه فيتعادلان، ولا يُحمل على أحدهما إلا بالنية. وهذا ما اختاره المصنف.
قال الهندي: "وعُزِي ذلك إلى الشافعي"
(1)
.
وقد مَثَّل المصنف لذلك بالطلاق، فإنه حقيقةٌ في: إزالة القيد
(2)
، سواء كان عن نكاح أم ملك يمين أم غيرهما
(3)
.
وخَصَّه العُرْف بإزالة قيد النكاح
(4)
، ولذلك كان كناية في باب العتق محتاجًا إلى النية بخلاف الطلاق
(5)
. هذا كلام المصنف، وهو فيما اختاره في
(6)
هذه المسألة وفيما مثَّل به متابعٌ للإمام في كتاب "المعالم" فإنه كذلك فَعَلَ
(7)
، ثم أَوْرَد على ما ذكر في الطلاق: بأنه يلزم أن لا يُصْرف إلى المجاز الراجح
(8)
إلا بالنية، وليس كذلك، بدليل أنه لو قال لزوجته: أنت طالق -
(1)
نهاية الوصول 2/ 377.
(2)
هذا معناه اللغوي.
(3)
ومنه قولهم: طلَّق البلاد، أي: تركها. وطلَّق القوم، أي: تركهم. والطُّلَقَاء: الأُسَراء العُتَقاء. والطَّليق: الأسير الذي أُطْلِق عنه إسارُه وخُلِّي سبيلُه. وناقة طالق: بلا خِطام، وهي أيضًا التي تُرْسَل في الحي فترعى من جَنابِهم حيث شاءت لا تُعْقل إذا راحت، ولا تُنَحَّى في المسرح. انظر: لسان العرب 10/ 226، 227، مادة (طلق).
(4)
انظر: نهاية المحتاج 6/ 413، القاموس الفقهي ص 230.
(5)
أي: بخلاف باب الطلاق، فإنه صريح فيه. انظر: نهاية المحتاج 8/ 357.
(6)
في (ت)، و (غ):"من".
(7)
انظر: المعالم ص 42.
(8)
وهو الطلاق في الاصطلاح.
طلقت من غير نية
(1)
.
وأجاب: بأن هذا غير لازم؛ لأنه إذا قال لمنكوحته: أنت طالق، فإنْ عَنِيَ بهذا اللفظ الحقيقة المرجوحة: وهو إزالة مطلق القيد - وجب أن يزول مُسَمَّى القيد، وإذا زال هذا المسمى
(2)
فقد زال القيد المخصوص. وإنْ عَنِيَ به المجاز الراجح فقد زال قيد النكاح، فلما كان يفيد الزوال على التقديرين استغنى عن النية. هذا كلام الإمام في "المعالم"
(3)
.
وقد اعترض عليه ابن التِّلِمْساني: بأن السؤال لازم؛ إذِ الكلام مفروض فيما إذا ذَكَره ولم يَنْوِ شيئًا، ولا خلاف أنه يحمل على الطلاق، فقوله: إنْ نوى وإنْ نوى - حَيْدٌ عن السؤال
(4)
(5)
.
ولك أن تعترض على الإمام أيضًا: بأنا لا نسلم أنه إنْ عَنِي بذلك الحقيقة المرجوحة يجب زوال مسمى القيد حتى يلزم زوال القيد المخصوص، وإنما يجب ذلك أنْ لو كان المُطْلَق في سياق الإثبات للعموم
(1)
يعني: ذكر الإمام اعتراضًا على نفسه في التمثيل بالطلاق، وأن مقتضى ما قاله الإمام (وهو أن اللفظ إذا دار بين الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح لا يحمل على أحدهما إلا بالنية) امتناع وقوع الطلاق بمعناه العرفي إلا بنية، مع أن حكم الشرع إيقاع الطلاق بغير نية.
(2)
وهو المعنى الحقيقي، أي: مطلق القيد.
(3)
انظر: المعالم ص 42 - 43.
(4)
أي: قول الإمام: إن نوى الحقيقة فهو كذا، وإن نوى المجاز فهو كذا - خروجٌ عن السؤال ومحل الاعتراض.
(5)
انظر: شرح المعالم 1/ 192.
الشمولي، وإنما هو عموم بدلي
(1)
، فإذا عَنِيَ الحقيقة المرجوحة فإنما أراد حصول مطلق الحقيقة، وهي أعم من القيد المخصوص، فلا تُحْمَل عليه إلا بدليل.
واعلم أن التمثيل بالطلاق مِنْ أصله فيه نظر متوقفٌ على تحرير محل النزع في المسألة، وهو مهم، وقد حرره المتأخرون من كتب الحنفية فإن المرجع في المسألة إليهم، فنقول:
قالت الحنفية: المجاز أقسام:
الأول: أن يكون مرجوحًا.
والثاني: أن يساوي الحقيقة في الاستعمال. فلا ريب في تقديم الحقيقة في هذين القسمين، ولا خلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف في ذلك، وإنْ حصل وَهَم
(2)
مِنْ بعض المصنفين في نقل الخلاف عنهما في القسم الثاني فلا يُعْبأ به.
والثالث: أن تُهْجر الحقيقة بالكلية بحيث لا تراد في العُرْف، فقد اتفقا على تقديم المجاز. مثل: مَن حلف لا يأكل من هذه النخلة - فإنه يحنث بثمرها لا بخشبها، وإن كان هو
(3)
الحقيقة؛ لأن المجاز حينئذ إما حقيقة شرعية كالصلاة، أو عرفية كالدابة
(4)
.
(1)
في (ت): "بدل".
(2)
سقطت من (ت).
(3)
أي: الخشب
(4)
أي: فيحمل اللفظ على المجاز اللغوي؛ لأنه إما حقيقة شرعية، أو حقيقة عرفية، =