الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المركب، مثل:
أشاب الصغيرَ وأفنى الكبيـ
…
ـر كَرُّ
(1)
الغَداة ومَرُّ العشي
أو فيهما، مثل
(2)
: أحياني اكتحالي بطلعتك).
لما تناهى القول في الحقيقة شرع في المجاز، والشرح: أن
المجاز إما أن يقع في مفرداتِ الألفاظ فقط، أو في تركيبها فقط
(3)
أو فيهما جميعًا:
والأول: كإطلاق الأسد على الشجاع.
والثاني: كقوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}
(4)
، {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}
(5)
، {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا}
(6)
، ويسمى هذا النوع بالمجاز المركب، والإسنادي، والعقلي
(7)
،
(1)
سقطت من (ص).
(2)
في (ص): "نحو".
(3)
سقطت من (ص).
(4)
سورة الأنفال: الآية 2.
(5)
سورة إبراهيم: الآية 36.
(6)
سورة الزلزلة: الآية 2.
(7)
في هذه الآيات الثلاث أُسْنِد الفعل فيها إلى غير ما هو له: وهو السبب، فزيادة الإيمان من الله تعالى حقيقة، وإسنادها إلى الآيات إسنادٌ إلى السبب لا إلى الفاعل الحقيقي، ويسمى هذا الإسناد في البلاغة المجاز العقلي. وكدا الإضلال أُسْنِد إلى الأصنام؛ لأنها سبب الإضلال لا الفاعل الحقيقي، فالمضل هو الله سبحانه وتعالى. وكذلك إخراج الأثقال من الأرض، فالأرض سبب، والفاعل هو الله تعالى، فكل هذه الأمثلة أُسند الفعل فيها إلى غير ما هو له، وهذا هو المجاز العقلي، وحَدُّه: هو إسناد الفعل أو =
ومَثَّل له في الكتاب بقول الشاعر
(1)
:
أشاب الصغيرَ وأفنى الكبيـ
…
ـر كَرُّ الغَداة ومَرُّ العَشي
(2)
فإنَّ مفردات هذا النوع من المجاز كلها مستعملة في موضوعاتها، وإنما التجوز في إسناد بعضها إلى بعض، وذلك حكم عقلي، ألا ترى أن "أشاب" و"الصغيرَ" مستعملان في موضوعيهما، وكذلك:"أفنى" و"الكبير"، لكن إسناد "أشاب" و"أفنى" إلى "كر الغداة ومر العشي" هو الذي وقع فيه التجوز؛ لكونهما مسندَيْن إلى الله تعالى في نفس الأمر. ومثْلُه: أنبت الربيعُ البقلَ. والضابط فيه: أنك متى نَسَبْتَ إلى ما ليس بمنسوب إليه لذاته
(3)
، بضَرْبٍ من الملاحظة بين الإسنادين
(4)
- كان ذلك مجازًا في التركيب. وخرج بهذا القيد الأخير
(5)
قولُ الدهري: أنبت الربيعُ البقلَ؛ إذ ذاك
(6)
ليس عنده لضرب من الملابسة، بل هو أصليٌّ عنده،
= ما في معناه إلى غير ما هو له عند المتكلم في الظاهر لِعَلاقة. انظر: حسن الصياغة شرح دروس البلاغة للفاداني ص 131، جواهر البلاغة للهاشمي ص 296، مختصر المعاني للتفتازاني ص 36.
(1)
قائل هذا البيت هو قُثَم بن خَبيئَةَ الصَّلَتان العبدي. انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 501 - 502.
(2)
فالفعلان: أشاب وأفنى - أُسْنِدا إلى غير ما هو له: وهو كرُّ الغداة ومرُّ العشي، وهما سبب، والذي أشاب وأفنى في الحقيقة هو الله تعالى.
(3)
أي: ما ليس بفاعل حقيقي.
(4)
أي: بعلاقة بين الإسناد إلى الفاعل الحقيقي، والإسناد إلى الفاعل المجازي.
(5)
وهو قوله: بضربٍ من الملاحظة بين الإسنادَيْن.
(6)
في (ص)، و (غ)، و (ك):"إذ ذلك".
منتسِبٌ إلى مَنْ ينتسب إليه حقيقة
(1)
. ولهذا اخترنا التمثيل لهذا النوع بآي الكتاب العزيز، فإن الأبيات التي تذكر، والأمثلة التي تُورد جاز أن يكون قائلها
(2)
دهريًا، على أن البيت المذكور في الكتاب للصَّلَتان العبدي وهو مسلم وفي قصيدته التي هذا البيت منها ما يدل على ذلك، وبهذا القيد ينفصل عنه الكذب أيضًا؛ لأن الكاذب لم يُسْنِد الأثر إلى ما أسنده لمشابهة ذلك الإسنادِ إسنادًا آخر الذي هو أصلي، بل إما لأنه أصلي عنده
(3)
، أو وإن لم يكن كذلك إلا أنه لم
(4)
يلاحظ الملاحظة.
والملاحظة قد تكون بأن يَخْتَصَّ الشيءُ بأثرٍ، بأن يوجد الأثر عند وجوده، وينعدم عند عدمه، وهو غير صادر عنه
(5)
، لكن الله تعالى أجرى العادة بأنْ يُوجِده عند وجوده، ويُعْدِمه عند عدمه، كنبات البقل مع الربيع.
أو بأن يُوجَد عند وجوده، وإن لم ينعدم عند عدمه، كالهلاك مع أكل السم في قولهم: أهلكه السم
(6)
.
أو بأن يكون الشيءُ سببَ السبب، كقولهم: كسا الخليفةُ الكعبة
(7)
،
(1)
أي: الدهري يعتقد ذلك القول حقيقة، وأن الفاعل الحقيقي لإنبات البقل هو الربيع.
(2)
في (ص)، و (ك):"قائلهما".
(3)
أي: إما لأن هذا الإسناد أصلي عند الكاذب.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
قوله: وهو (أي: الأثر) غير صادرٍ عنه (أي: عن الشيء).
(6)
سقطت من (ت). والمعنى واضح: وهو أن الهلاك موجود عند وجود السم، لكنه لا ينعدم عند عدم السم، فقد يكون الهلاك بشيء آخر.
(7)
فالخليفة لم يكسُ الكعبة، وإنما أمَرَ بكسوتها، فهو سبب السبب، لأن سبب =
وما أشبه ذلك.
وذهب ابن الحاجب إلى إنكار المجاز في التركيب وهو شاذ
(1)
.
والثالث: وهو أن يقع المجاز فيهما جميعًا، كقول القائل لمَنْ سَرَّته رؤيتُه: أحياني اكتحالي بطلعتك. فإنه اسْتَعْمَلَ الإحياء في السرور، والاكتحال في الرؤية، وذلك مجاز
(2)
، ثم أسْنَد الإحياء إلى الاكتحال مع أن المحيي هو الله تعالى
(3)
. هذا شرح ما في الكتاب، ولك هنا مناقشات:
إحداها: على التمثيل بالبيت الذي ذكره من جهة أنه إنما يصلح مثالًا للقسم الثالث؛ لأن المراد بالصغير مَنْ تقدم له الصِّغَر.
وثانيها: أن هذا التقسيم إنما يصح عند مَنْ يقول: إنَّ المركبات موضوعة
(4)
، وقد اضطرب رأي المصنف في ذلك في هذا الكتاب.
= كسوتها هم المأمورون، وهو آمرهم.
(1)
انظر: بيان المختصر 1/ 204.
(2)
أي: في المفرد، فكل لفظٍ على حدةٍ مستعملٌ في غير ما وضع له، فصار مجازًا في المفرد.
(3)
فهذا مجاز في المركب.
(4)
أي: كما وضعت العرب معاني المفردات، فقد وضعت معاني المركبات، حتى يكون الخروج عن وضع العرب لمعاني المركبات مجازًا في المركب، كما أن الخروج عن وضعهم لمعاني المفردات مجاز في المفرد.
وثالثها: في تعبيره بالمركب، فإن الصواب التعبير بالتركيب؛ وذلك لأنك إذا قلت: هلك الأسد. تريد
(1)
أن الشجاع مَرِض مرضًا شديدًا، فهذا
(2)
مجاز واقع في المركب لا في النسبة، وليس هذا هو المراد
(3)
، بل كل مجاز في غير النسبة فهو في مركب، فإن "الأسد" مع قولك:("رأيت"، في قولك)
(4)
: رأيت الأسد - مركب؛ لانضمام غيره إليه. وهذا الإيراد إذا انقدح على التعبير بالمركب لدخوله فيه، وَرَد على التعبير بالمفرد لخروجه منه
(5)
(6)
.
(1)
في (ت): "مريدًا".
(2)
في (ت): "فهو".
(3)
أي: أن الماتن قصد بقوله: المجاز في المركب - مجاز النسبة، أي: أن النسبة بين المسند والمسند إليه مجازية، والتعبير بالمركب لا يؤدي هذا المعنى؛ لأن معنى المجاز المركب هو المجاز الواقع في كلام مركب، لا في لفظ مفرد، فمثلًا قولنا: هلك الأسد، إذا أردنا بالهلاك المرض الشديد، وبالأسد الرجل الشجاع، فإن هذا المجاز مجازٌ مركب، مع أنه ليس واقعًا في النسبة؛ لأن نسبة المرض الشديد إلى الرجل الشجاع حقيقية، وإنما المجاز وقع في لفظَيْ: هلك، والأسد، وهما جملة مركبة. فعلى هذا يكون تعبير المصنف بالمركب ليس مانعًا؛ لأنه يُدخل في القسم الثاني ما ليس منه، فالأولى التعبير: بالتركيب.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
انظر أقسام المجاز في: المحصول 1/ ق 1/ 445، التحصيل 1/ 232، الحاصل 1/ 352، نهاية السول 2/ 162، السراج الوهاج 1/ 355، مناهج العقول 1/ 264، نهاية الوصول 2/ 340، شرح تنقيح الفصول ص 45، بيان المختصر 1/ 204، فواتح الرحموت 1/ 208، شرح الكوكب 1/ 184.
(6)
قوله: "لدخوله فيه" أي: لدخول المجاز في المركب في القسم الثاني الذي هو مجاز =
قال: (ومنعه ابن داود في القرآن والحديث. لنا: قوله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}
(1)
. قال: فيه إلباس. قلنا: لا إلباس مع القرينة. قال: لا يقال لله تعالى: إنه
(2)
متجوِّز. قلنا: لعدم الإذن، أو لإيهامه الاتساع فيما لا ينبغي).
اختلف أهل العلم في وقوع المجاز في اللغة على مذاهب:
أحدها: وهو المنسوب إلى الأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني، المنع مطلقًا. قال إمام الحرمين في "التلخيص" الذي اختصره من "التقريب والإرشاد" للقاضي:"والظن بالأستاذ أنه لا يصح عنه"
(3)
.
= التركيب. وقوله: "لخروجه منه" أي: لخروج المجاز في المركب عن مجاز المفرد الذي هو القسم الأول. والمعنى: أن هذا الاعتراض الذي أورده الشارح على المصنف في تعبيره عن القسم الثاني بالمجاز في المركب، كما أنه يَنتج عن هذا التعبير دخول ما ليس من القسم الثاني فيه، أي: دخول المجاز في المركب - الواقع في مفردات الجمل - في مجاز التركيب الذي هو مجاز النسبة وهو ليس منه، فإنه ينتج عن هذا التعبير أيضًا خروج المجاز في المركب - الواقع في مفردات الجمل - عن القسم الأول الذي هو المجاز في المفرد، مع أن الصواب دخوله فيه، إذ كل مجازٍ في غير النسبة فهو مجاز في مركب، إذ المجاز في المفرد لا يكون إلا في مركب، فالأولى بالمصنف أن يُعبِّر عن القسم الأول بالمجاز في المركب، وعن القسم الثاني بالمجاز في التركيب. وقد أورد هذه الاعتراضات الثلاث الإسنوي في نهاية السول 2/ 163، وقال بمثل ما قال الشارح إلا أنه أجاب عن الاعتراض الأول: بأن الصغير لما وقع مفعولًا لم يكن ركنًا في الإسناد لكونه فضلة، فلم يجتمع المجاز التركيبي والإفرادي. هكذا قال الإسنوي.
(1)
سورة الكهف: الآية 77.
(2)
سقطت من (ت).
(3)
انظر: التلخيص 1/ 193، وانظر: البحر المحيط 3/ 43.
وفيما عَلَّقته
(1)
من خط ابن الصلاح: أن أبا القاسم بن كج حكى عن أبي علي الفارسي
(2)
إنكار المجاز، كما هو المحكي عن الأستاذ
(3)
.
والثاني: أنه غير واقع في القرآن، (وواقع في غيره)
(4)
. وإليه ذهب بعض الحنابلة، وطائفة من الرافضة، وحُكِي عن بعض المالكية.
وأما أبو بكر بن داود الأصفهاني
(5)
الظاهري فالمشهور عنه أنه منع
(1)
في (ص): "علقه". وهو خطأ
(2)
هو أبو علي الحسن بن أحمد الفارسيّ الفسويّ، ولد بمدينة فَسَا سنة 288 هـ. كان واحد زمانه في علم العربية، وكان متهمًا بالاعتزال. من مصنفاته: التذكرة، المقصور والممدود، التذكرة، وغيرها. توفي سنة 377 هـ. انظر: تاريخ بغداد 7/ 275، وفيات 2/ 80، سير 16/ 379، بغية الوعاة 1/ 496.
(3)
قال الزركشي بعد حكاية أبي القاسم بن كج عن أبي علي الفارسي: "وهو غريب، عكس مقالة تلميذه ابن جني، وفيه نظر، فإن تلميذه أبا الفتح ابن جني أعرف بمذهبه، وقد نقل عنه في كتاب "الخصائص" عكس هذه المقالة: أن المجاز غالب اللغات، كما هو مذهب ابن جني". البحر المحيط 3/ 44، ولم أقف على مقالة أبي علي الفارسي بأن المجاز غالب اللغات، لكن نقل عنه ابن جني في الخصائص (2/ 449) القول بالمجاز.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
هو العلَّامة البارع محمد بن داود بن علي الظاهريّ، أبو بكر، أحد مَنْ يُضرب المثل بذكائه، له بَصَرٌ تامٌّ بالحديث وبأقوال الصحابة، وكان يجتهد ولا يقلِّد أحدًا. من مصنفاته:"الإنذار والإعذار"، "التقصي" في الفقه، "الانتصار من محمد بن جرير الطبريّ"، "الوصول إلى معرفة الأصول"، وغيرها. عالق ثلاثًا وأربعين سنة، ومات في سنة 297 هـ. انظر: سير 13/ 109، تاريخ بغداد 5/ 256.
وقوعه في القرآن خاصة كما هو رأي هؤلاء، وحَكَى عنه الإمامُ وشيعتُه منهم المصنف اختيارَ المنع في القرآن والحديث
(1)
.
وعلى هذا في المسألة أقوال أربعة: المنع مطلقًا، المنع في القرآن وحده، المنع في القرآن والحديث دون ما عداهما، والرابع: أنه واقع مطلقًا في القرآن والحديث وغيرهما، وعليه جماهير العلماء سلفًا وخلفًا.
والمصنف استدل على وقوعه في القرآن ليدل على ما عداه بطريقٍ أولى. وقد وقع المجاز في مواضعَ عديدةٍ من الكتاب العزيز، وصنف شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام في ذلك مصنفًا حافلًا
(2)
. اكتفى
(3)
المصنف بذكرِ قوله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}
(4)
ووجه الحجة: أن الإرادة: هي الميل مع الشعور، وهي
(5)
ممتنعة في الجدار لكونه جمادًا، وقد أضافها إليه وأراد بذلك الإشرافَ على الوقوع وهو مجاز.
فإن قلت: لا نسلم امتناع قيام الإرادة بالجدار؛ لقدرةِ الله تعالى على
(1)
انظر: المحصول 1/ ق 1/ 462، التحصيل 1/ 235، الحاصل 1/ 359.
(2)
وهو كتاب "الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز" ط/ دار المعرفة، بيروت - لبنان. قال السيوطي في الإتقان 2/ 47:"ولخصته مع زيادات كثيرة في كتاب سميته: مجاز الفرسان إلى مجاز القرآن".
(3)
في (غ)، و (ك):"واكتفى".
(4)
سورة الكهف: الآية 77.
(5)
أي: الإرادة.
خلق العلم والقدرة فيه.
قلتُ: هذا مِنْ خرق العادات التي لا تكون إلا في زمن النبوة لقصد التحدي لا في عموم الأوقات، وهذا لم يكن للتحدي.
قال الشيخ أبو إسحاق في "شرح اللمع": "واستدل أبو العباس بن سريج على أبي بكر بن داود بقوله تعالى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ}
(1)
فقال: الصلوات لا تُهْدم وإنما أراد به مواضع الصلوات، وعَبَّر بالصلوات عنها على سبيل المجاز، فَحَذَف المضاف وأقام المضاف إليه مقامَه"
(2)
، قال:"فلم يكن له عنه جواب"
(3)
.
ومَنْ أنصف من نفسه، ونفى العصبية عن كلامه، أقر بأن القرآن مشحون بالمجاز، وكيف لا وهو من توابع الفصاحة، وبدائع كلمات
(1)
سورة الحج: الآية 40.
(2)
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في "زاد المسير" 5/ 437: "وفي المراد بالصلوات قولان: أحدهما مواضع الصلوات. ثم فيها قولان: أحدهما: أنها كنائس اليهود، قاله قتادة والضحاك، وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: قوله: "وصلوات" هي كنائس اليهود، وهي بالعبرانية "صلوثا". والثاني: أنها مساجد الصابئين، قاله أبو العالية. والقول الثاني: أنها الصلوات حقيقة، والمعنى: لولا دفع الله عن المسلمين بالمجاهدين، لانقطعت الصلوات في المساجد، قاله ابن زيد". وانظر: التفسير الكبير 23/ 41. قلت: حمل "الصلوات"، على الحقيقة كما قال ابن زيد رحمه الله تعالى لا يمنع القول بالمجاز؛ لأن الهدم لها متأول بالانقطاع، لا بحقيقة الهدم، فحقيقة الهدم: إزالة الموجود، وحقيقة الانقطاع: عدم الوجود، وفرق بينهما. والله أعلم.
(3)
انظر: شرح اللمع 1/ 170.
العرب، ولا يخلو القرآن عن ذلك
(1)
. وقد قال القاضي في "مختصر التقريب": يلزم من إثبات المجاز في اللغة إثباته في القرآن
(2)
.
واحتج ابن داود رحمهما الله على مذهبه بوجهين:
أحدهما: أن المجاز لا يدل بمجرده لعدم وضعه له، فلو ورد
(3)
في القرآن لأدى إلى الإلباس، وهو لا يقع من الله تعالى.
وأجاب في الكتاب: بأن الإلباس ينتفي
(4)
مع القرينة.
فإن قلت: إذا كان مع القرينة ففيه تطويل.
قلت: التطويل لا يَنْفِي إلا كونه على خلاف الأصل، ونحن مقرون بذلك. نعم لقائلٍ أن يقول: هذا الجواب يقتضي أن المجاز لا يقع في القرآن إلا
(5)
مع القرينة.
وثانيهما: أنه لو جاز وقوع المجاز في القرآن لجاز أن يُطْلق على الله أنه مُتَجَوِّز؛ لأن المتجوِّز مَنْ يتكلم بالمجاز.
وأجاب بوجهين:
(1)
قال السيوطي في الإتقان 2/ 47: "ولو سقط المجاز من القرآن سقط منه شطر الحسن، فقد اتفق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة".
(2)
انظر: التلخيص 1/ 191.
(3)
في (ت): "وقع".
(4)
في (غ): "يُنفى".
(5)
سقطت من (ت).
أحدهما: أن أسماء الله تعالى توقيفية عندنا، لا بد في إطلاقها مِنْ ورود الإذن، وهذا لم يَرِد به إذن فلا نطلقه عليه.
والثاني: سلمنا أن أسماءه تعالى دائرة مع المعنى، لكن شرطه أن لا يُوهم نقصًا، وما نحن فيه يوهم النقص؛ لأن التجوز يُوهم تعاطي ما لا ينبغي؛ لأنه مشتق من الجواز وهو التعدي.
وأما مَنْ أنكر المجاز في اللغة مطلقًا: فليس مراده أن العرب لم تنطق بمثل قولك للشجاع: إنه أسد، فإن ذلك مكابرة وعناد، ولكن هو دائر بين أمرين:
أحدهما: أن يدعى أن جميع الألفاظ حقائق
(1)
، ويُكْتَفى في كونها حقائق بالاستعمال في جميعها
(2)
. وهذا مسلَّم ويرجع البحث لفظيًا؛ فإنه حينئذ يُطْلِق الحقيقةَ على المُسْتَعْمَل، وإن لم يكن بأصل الوضع
(3)
، ونحن لا نُطْلِق ذلك
(4)
.
(1)
أي: حقائق في معانيها.
(2)
أي: يُكتفي في الدلالة على أن الألفاظ حقائق في معانيها بالاستعمال في جميع تلك المعاني، فالاستعمال يدل على أن الجميع حقيقة.
(3)
أي: إذا كان مرادك بالحقيقة: هو اللفظ المستعمل. قَسِيم المهمل، فنحن نسلِّم لك هذا، ويكون الخلاف بيننا لفظيًا؛ إذ الحقيقة عندنا: هي اللفظ المستعمل بأصل الوضع اللغوي، فكل استعمال له لغير هذا الأصل يكون مجازًا، وأنت تعد جميع استعمالاته سواء كان بأصل الوضع أو بغيره حقيقة، فهذا اختلاف في الاصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح.
(4)
أي: لا نطلق الحقيقة على مطلق الاستعمال، بل على الاستعمال بأصل الوضع اللغوي.