الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هنا
(1)
(2)
.
قال (وفيه مسائل:
الأولى: في إثباته
. أوجبه قومٌ لوجهين:
أحدهما: أن المعاني غير متناهية
(3)
، والألفاظ متناهية
(4)
، فإذا وُزِّع
(5)
لزم الاشتراك. ورُدَّ بَعْدَ تسليم المقدمتين: بأن المقصود بالوضع مُتَنَاهٍ.
والثاني: أن الوجود يطلق على الواجب والممكن، ووجود الشيء عينُه. ورُدَّ: بأن الوجود زائد مُشْتَرك
(6)
، وإن سُلِّم فوقوعه
(7)
لا يقتضي وجوبَه
(8)
.
وأحاله
(9)
آخرون؛ لأنه لا يُفْهم الغَرَض فيكون مَفْسَدةً. ونوقض
(1)
سقطت من (ت).
(2)
انظر تعريف الاشتراك في: المحصول 1/ ق 1/ 359، التحصيل 1/ 212، نهاية السول 2/ 114، السراج الوهاج 1/ 306، شرح الأصفهاني 1/ 208، التعريفات للجرجاني ص 191.
(3)
هذه المقدمة الأولى.
(4)
هذه المقدمة الثانية.
(5)
أي: قُسِّمت الألفاظ على المعاني.
(6)
أي: الوجود زائد على الذات والعين، فليس هو الذات، وهو مشترك بين الممكن والواجب.
(7)
أي: وقوع الشيء.
(8)
أي: أن يكون واجب الوجود.
(9)
أي: أحال الاشتراك.
بأسماء الأجناس).
اختلف الناس في اللفظ المشترك هل هو واجبٌ أم لا؟ وبتقدير أن لا يكون واجبًا فهل هو ممتنع أو
(1)
ممكن؟ وبتقدير إمكانه فهل هو واقع؟ فهذه احتمالات أربعة بِحَسْب الانقسام العقلي، وقد صار إلى كل منها صائر.
واحتج من قال بالوجوب بشيئين:
أحدهما: أن المعاني غيرُ متناهية، وهذا واضح، فإن منها الأعداد وهي لا تصل إلى نهاية، والألفاظ متناهية؛ لأنها مركبة من الحروف المتناهية، والمركب من المتناهي متناه. وحينئذ فإذا وزَّعنا الألفاظ على المعاني فلا بد وأن تستوعبَها، وإلا يلزم خُلُوُّ بعضِ المعاني المقصودة عن الألفاظ، ومتى كانت مستوعبة لها لَزِم الاشتراك؛ لأنه لا بد حينئذ من لفظٍ واحدٍ بإزاء معانٍ كثيرة وهو الاشتراك.
وأجاب المصنف أولًا: بمنع المقدمتين، أي: لا نسلم أن المعاني غير متناهية، ولا أنَّ الألفاظ متناهية.
وسند المنع الأول: أن حصول ما لا نهاية له في الوجود محال
(2)
. وأما قوله: "الأعداد غير متناهية" فمسلَّم لكن بمعنى: أنه لا مَرْتَبة من مراتبه إلا ويمكن أن يوجد بعدها مَرْتبةٌ أخرى، مع أن المراتب الداخلة في الوجود منه
(1)
في (ص): "أم".
(2)
لأن كل شيءٍ موجودٍ في الدنيا فله نهاية.
أبدًا تكون متناهية
(1)
، لا بمعنى أن الحاصل منه في الوجود غير متناه
(2)
. ولا يلزم من كون الأعداد غير متناهية بالمعنى الذي تقدم ذِكْرُه أن تكون المعاني الموجودة غير متناهية. وأيضًا فأصولها متناهية وهي: الآحاد، والعشرات، والمئون، والألوف
(3)
، والوضع للمفردات لا للمركبات
(4)
(5)
.
وسند المنع الثاني: وهو قولهم: "الألفاظ متناهية، والمركب من المتناهي متناه" - أن كونها مركبة من الحروف المتناهية لا يقتضي أن تكون متناهية، كما أن أسماء الأعداد غير متناهية، وأصولها متناهية.
وأجاب ثانيًا: بأن المقصود بالوضع متناه، أي: ولئن سلمنا صحة المقدمتين فلا يلزم ما ذكرتم؛ لأن المعاني التي يَقْصِدُها الواضع بالتسمية متناهيةٌ، إذ الوضع للمعاني فرع تصورها، وتصور ما لا يتناهى محال.
ويمكن أن يُقَرَّر على وجه آخر فيقال: إنما يلزم الاشتراك أن لو حصل استيعابُ جميع المعاني بالوضع، ونحن نقول: الوضع إنما هو لما تشتد الحاجة
(1)
يعني: كل عدد يوجد فهو متناه، لأنه ينتهي وينقطع عند هذا الحد، فانقطاعه عما بعده هو النهاية له، فصار العدد متناه.
(2)
أي: لا بمعنى أن العدد بعد وجوده غير متناه، فكل موجود متناه، والعدد موجود فهو متناهٍ، والحاصل أن عدم التناهي في الأعداد بالنظر إلى المراتب لا إلى الوجود.
(3)
في (ص): "والآلاف".
(4)
في (ت): "المركبات".
(5)
يفهم من قوله: "الأصول متناهية": أن الفروع غير متناهية باعتبار المراتب لا باعتبار الوجود، كما سبق بيانه.
إليه وهو متناه، وليس الوضع لكل معنى، بل جاز خلو بَعْضِ المعاني عن الوضع، ألا ترى أنَّا لا
(1)
نجد لكثير من المعاني، كأنواع الروائح أسماءً مستقلةً: لا مشتركة، ولا مفردة، بعد الاستقراء والبحث التام.
الثاني: أن الوجود يطلق على وجود الواجب سبحانه وتعالى، ووجود الممكن، بطريق الحقيقة فيهما. ووجودُ كل شيءٍ عينُ ماهيته، كما تقرر في علم الكلام وهو مذهب أبي الحسن
(2)
، ولا ريب في مخالفة حقيقة الواجب لحقيقة الممكن، فيكون إطلاق الوجود
(3)
عليهما بطريق الاشتراك.
وأجاب أولًا: بأنا لا نسلم أن وجود كل شيء عينُ ماهيته، بل هو زائد عليها، وذلك الزائد معنى واحد يشترك فيه
(4)
الواجب والممكن، فيكون متواطئًا لا مشتركًا
(5)
. وهذا المنع منه مَبْنِيٌّ على اختياره وقد نقله في كتابه "الطوالع" عن الجمهور، والحق مذهب الشيخ وليس هذا موضع تقريره.
(1)
في (ص): "أن لا".
(2)
انظر: شرح الجوهرة ص 447، رقم البيت (123)، المطالب العالية للرازي 1/ 290.
(3)
في (ص)، و (غ):"الوجوب". وفي (ت): "الواجب". وكلاهما خطأ، والصواب: الوجود، وهو في (ك)؛ لأن الكلام عن الوجود، وأنه مشترك بين الواجب (وهو وجود الله تعالى) والممكن (وهو وجود المخلوقات).
(4)
سقطت من (ت).
(5)
يعني: إطلاق الوجود على الواجب والممكن من قبيل إطلاق الكلي المتواطئ، فالواجب والممكن مشتركان في حقيقة الوجود بالتساوي، مختلفان باعتبار الأفراد.
وأجاب ثانيًا: بأنا سلمنا أن وجود كلِّ شيء عينُ ماهيته، ولا يلزم مطلُوبكم؛ إذ لا يقتضي ذلك غيرَ وقوعِ الاشتراك، ووقوعه لا يقتضي وجوبَه، وأنتم ادعيتم وجوبه
(1)
.
قوله: "وأحاله آخرون" إلى آخره.
احتج مَنْ أحاله وهم فرقة قليلون، ومنهم: ثعلب، وأبو زيد البلخي
(2)
، والأبهري
(3)
، على ما حكاه ابن العارض المعتزلي في كتابه
(1)
يعني: كون الوجود واقعًا مشتركًا بين الواجب والممكن، لا يقتضي أنه واجب الوقوع، فالدليل لا يدل على دعواكم وجوبَ الوقوع.
(2)
هو أحمد بن سهل أبو زيد البلخيّ، صاحب التصانيف المشهورة. قال ابن حجر رحمه الله:"قال النديم في الفِهْرِسْت: كان فاضلًا في علوم كثيرة، وكان يسلك طريق الفلاسفة، ويُقال له: جاحظ زمانه. ركان يُرمى بالإلحاد". وقال ابن حجر: "وذكر الفخر الرازي في شرح الأسماء: أنَّ أبا زيد هذا طَعَن في عدة أحاديث صحيحة، منها حديث: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا". ويظهر في غُضُون كلامه ما يدل على انحلالٍ من الازدراء بأهل العلوم الشرعية، وغير ذلك". ولأبي زيد من الكتب: فضائل مكة، والقرابين، وشرائع الأديان، ما يصح من أحكام النجوم، السياسة، البحث عن التأويلات، وغيرها. توفي سنة 322 هـ. انظر: لسان الميزان 1/ 183، الفِهْرِسْت ص 153، معجم البلدان 3/ 64، الأعلام 1/ 134.
(3)
هو شيخ المالكية أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد التميميّ الأبهريّ، الإمام العلامة، القاضي المحدِّث. قال الدارقطني:"ثقةٌ مأمونٌ زاهدٌ وَرِع"، انتهت إليه رئاسة مذهب مالك رضي الله عنه. من مصنفاته: شَرْح المختَصَرَيْن الكبير والصغير لابن عبد الحكم، الردُّ على المزنيّ، الأصول، إجماع أهل المدينة، فضل المدينة على مكة، وغيرها. توفي رحمه الله ببغداد سنة 395 هـ. انظر: سير 16/ 332، الديباج المذهب 2/ 206.
"النكت": بأن وقوعه يقتضي المفسدة؛ لأن المقصود من الألفاظ ووضْعِها إنما هو التفاهم، حالة التخاطب، والمشترك لو وقع وسَمِعَه السامعُ لم يحصل له الفهم؛ لأن المشترك متساوي الدلالة بالنسبة إلى معانيه، فلو فُهِم منه المعنى الذي هو غرض المتكلم دون غيره - لزِم ترجيح أحد المتساويين على الآخر من غير مرجِّح، ولو فُهِم غيرُه لأدَّى إلى وقوع المفسدة بفعلِ ما لم يُطْلب منه، وربما كان ممنوعًا منه.
وأجاب: بالنقض بأسماء الأجناس، وتقريره: أنه إنْ أردتم أنه لا يُفْهِم الغرض على جهة التفصيل فمسلَّم، لكن هذا لا يوجب عدم وضع المشترك؛ فإن أسماء الأجناس أيضًا لا تُفْهِم الغرضَ على وجه التفصيل مع كونها موضوعة. وإنْ أردتم أنه لا يُفْهِم الغرضَ أصلًا فممنوع؛ فإن المشترك يفيد فهمَ الغرضِ على سبيل الإجمال، وذلك مطلوب ليستعد السامع للامتثال قبل البيان.
فإن قلت: اسمُ الجنس (موضوعٌ للقدر المشترك وهو مفهومٌ من اللفظ، بخلاف المشترك إذ المقصود منه فرد معيَّن وهو غير معلوم من اللفظ)
(1)
.
قلت: اسم الجنس، وإنْ دل على القدر المشترك، إلا أنه لا دلالة له على خصوصية الافراد، فساوى المشترك في عدم الدلالة التفصيلية.
(1)
في (ت): "وإن دلّ على القدر المشترك إلا أنه لا دلالة له على اللفظ". وهو خطأ.
قال: (والمختار إمكانه؛ لجواز أن يقع
(1)
مِنْ واضعين، أو واحدٍ لغرض الإبهام حيث يُجْعل التصريح سببًا لمفسدة).
المذهب الثالث: وهو ما اختاره الأكثرون منهم المصنف، أنه ممكن الوقوع؛ لجواز أن يقع إما مِنْ واضعَيْن بأن وضع
(2)
أحدهما لفظًا لمعنى، ثم وضعه الآخر لمعنى آخر، ثم اشْتَهر ذلك اللفظ ما بين الطائفتين في إفادته المعنيين. ولا يخفى عليك أن هذا إنما يجيء إذا قلنا: اللغات غير توقيفية.
وإما مِنْ واضعٍ واحد
(3)
(4)
لغرض الإبهام على السامع حيث يكون التصريح سببًا للمفسدة، كما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد سأله رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم وقت ذهابهما إلى الغار: مَنْ هذا؟ قال: هذا رجل
(5)
يهديني السبيل
(6)
.
(1)
في (ص) زيادة: "أن يقع من واحد". وهذه الزيادة خطأ.
(2)
في (ت): "يضع".
(3)
سقطت من (ت).
(4)
في (ص): "لواحد". وهو خطأ.
(5)
رجل: اسم جنس، لا مُشْترك، ولعل المؤلف - رحمه الله تعالى - قصد إيراد مثالٍ للإيهام على السامع، حيث يكون التصريح سببًا للمفسدة، لا خصوص التمثيل للاشتراك.
(6)
أخرجه البخاري 3/ 1423، في فضائل الصحابة، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، رقم 3699، وابن سعد في الطبقات 1/ 233 - 234، 235، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، بلفظ:"هذا الرجل يهديني السبيل". وأخرجه ابن سعد 1/ 234، والبيهقي في دلائل النبوة 2/ 489 - 490، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ:"هاد يهديني". وظاهر الروايات أن هذا حصل في أثناء الهجرة إلى المدينة، لا وقت الذهاب إلى الغار، فرواية البخاري وابن سعد عن أنس بن مالك =
قال: (ووقوعه للتردد في المراد من القرء ونحوه، ووقع في القرآن مثل:{ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}
(1)
، {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ}
(2)
).
قوله: "ووقوعه" عطف على قوله: "والمختار إمكانه". وهذا هو المذهب الرابع: أنه واقع، والخلاف فيه مع مَنْ سَلَّم إمكان المشترك وَمَنَع وقوعه.
لنا: أنا نتردد في الراد من "القرء" ونحوه عند السماع بغلار قرينة بين الطهر والحيض على السواء، فلو كان حقيقة في أحدهما فقط، أو في القدر المشترك لما كان ذلك.
وما يقال: لعل التردد حَصَل بسبب عُرْفٍ طارئٍ؛ لكثرة الاستعمال في المجاز - فهو وإنْ كان مُحْتَمَلًا لكنه على خلاف الأصل، إذِ الأصل عدم التغيير، ولأن التردد حاصلٌ في مفهوماتِ ألفاظٍ قَلَّ ما يستعملها أهلُ العرف كما في: عسعس الليل
(3)
، فإنا لا نفهم منه الإقبال والإدبار على التعيين إلا بقرينة، ولا يجوز إحالته إلى استعمال أهل العرف.
ثم إذا ثبت وقوعه فهل وقع في القرآن؟
منهم مَنْ منع، والمختار خلافُه بدليل قوله تعالى: {ثَلَاثَةَ
= رضي الله عنه قال: "أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردِفٌ أبا بكر، وأبو بكر شيخٌ يُعرف، ونبي الله صلى الله عليه وسلم شابٌّ لا يُعرف" الحديث.
(1)
سورة البقرة: الآية 228.
(2)
سورة التكوير: الآية 17.
(3)
انظر: المصباح المنير 1/ 59، مادة (عس).
قُرُوءٍ}
(1)
عند مَنْ يجعل القرء مشتركًا بينهما، كما هو مقتضى اللغة وهو الصحيح. وكذلك قوله تعالى:{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} أي: أقبل وأدبر.
وإنما أتى المصنف بهَذين المثالين لأن الأول من الأسماء، والثاني من الأفعال؛ وديان أحدهما مفردٌ والآخر جمع، ليُفْهَم بذلك وقوع النوعين في القرآن، وأنه مشحون بالمشترك على اختلاف أنواعه.
واحتج مَنْ منع وقوعه في القرآن: بأنه
(2)
إنْ وَقَع مبيَّنًا بذكر قرينة كان تطويلًا من غير فائدة؛ إذ يمكن التعبير عن المراد بلفظ مفردٍ وُضِع له فقط. وإنْ وقع غيرَ مبيَّن كان غيرَ مفيد، وذلك عيب.
والجواب: أنا نقول: لا يذكر معه قرينة، ولا نُسَلِّم أن غيرَ المبيَّن غير مفيد
(3)
مطلقًا، بل هو مفيد لفهْمِ المعنى على سبيل الإجمال، والفهم الاجمالي أيضًا مقصودٌ في فهم الألفاظ؛ لاشتماله على فوائد: منها استعداد المكلَّف للبيان وغيرِ ذلك. وأيضًا فإنه كأسماء الأجناس.
واعلم أن المانع من وقوعه في كلام الله تعالى هو المانع مِنْ وقوعه في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلَّتُه المذكورة شاملة لذلك
(4)
، وإنما لم يذكر المصنف أن الخصمَ مانعٌ في المكانَيْن بل اكتفى بذِكْر أحدهما لأنه لا قائل بالفصل
(5)
(1)
سورة البقرة: الآية 228.
(2)
في (ت)، و (غ):"أنه".
(3)
سقطت من (ت).
(4)
أي: لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
(5)
في (ص): "بالتفصيل".