الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(الفصل السادس: في الحقيقة والمجاز
.
الحقيقة: فعيلة من الحق بمعنى الثابت، أو المُثْبَت، نُقِل إلى العَقْد المطابِق، ثم إلى القول المطابِق، ثم إلى اللفظ المستعمل فيما وضع له في اصطلاح التخاطب. والتاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية).
قَدَّم على الكلام في مسائل الفصل مقدمةً في الكلام على لَفْظَي الحقيقة والمجاز، ومعناهما لغة واصطلاحًا. والمقصد الأعظم أن إطلاق لفظ الحقيقة والمجاز على المعنى المصطلح بين الأصوليين إنما هو على سبيل المجاز
(1)
.
فأما الحقيقة: فوزنها فعيلة، اشْتُقت من الحق: إما بمعنى الفاعل من حَقَّ الشيءُ يَحُقُّ بالضم والكسر إذا وجب وثبت، فمعناها: الثابت. وإما بمعنى المفعول من حَقَّقتُ الشيءَ أَحُقُّهُ إذا أَثْبَتُّهُ، فمعناها
(2)
المثبَت
(3)
. ثم إن الحقيقة نُقِلت من معنى الثابت أو المثبَت إلى: الاعتقاد المطابق للواقع، والعلاقة ثبوته وتَقَرُّره.
ثم نقلت من الاعتقاد المطابق إلى: اللفظ المستعمل فيما وضع له (في اصطلاح التخاطب
(4)
.
(1)
أي: بحسب المعنى اللغوي لكلٍ مِنْ لفظي الحقيقة والمجاز.
(2)
في (ص)، و (ك)، و (غ):"فمعناه". وفي (ت): "بمعنا". وما أثبته هو الأنسب والأحسن.
(3)
انظر: لسان العرب 10/ 49، المصباح المنير 1/ 156، مادة (حقق).
(4)
هذا سهو من الشارح رحمه الله تعالى، وإلا فالصواب أن يقول: ثم نقلت من =
قال الإمام: لأن في استعماله فيما وضع له)
(1)
تحقيقًا لذلك الوضع. قال: "فظهر أن إطلاق لفظ الحقيقة على هذا المعنى المعروف ليس حقيقة لغوية، بل مجازًا واقعًا في الرتبة الثالثة، نعم هو حقيقة عرفية"
(2)
.
ولقائل أن يقول: الحق في اللغة موضوع للقدر المشترك بين الجميع: وهو الثبوت، قال الله تعالى:{وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}
(3)
أي: ثبتت. وهو من أسمائه تعالى بهذا الاعتبار؛ لأنه الثابت أزلًا وأبدًا لذاته، بخلاف غيره من الموجودات. ويقال الحق لما يقابل الباطل؛ لأنه جدير بالثبوت، كما أن الباطل جدير بالزهوق. وإذا كان موضوعًا للقدر المشترك فهو موجودٌ في الجميع.
سَلَّمنا أنه ليس موضوعًا للقدر المشترك، لكنا
(4)
لا نسلم أن كل مجازٍ مأخوذ مما قبله حتى يكون مجازًا واقعًا في المرتبة
(5)
الثالثة، بل كلٌّ مأخوذٌ من الحقيقة بعلاقةٍ معتبرة.
= الاعتقاد المطابق إلى القول الدَّال على المعنى المطابق، ثم نقلت من القول المطابق إلى المعنى المصطلح عليه عند الأصوليين: وهو اللفظ المستعمل فيما وُضع له في اصطلاح التخاطب. انظر: نهاية السول 2/ 146.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
انظر: المحصول 1/ ق 1/ 406، والعبارة هنا فيها اختلاف عما في المحصول، وهي موافقة لما في نهاية السول 2/ 146.
(3)
سورة الزمر: الآية 71.
(4)
في (غ)، و (ك):"ولكنا".
(5)
في (ص): "الرتبة".
وقد علمت تعريف الحقيقة، فقوله
(1)
: "اللفظ" جنسٌ، وقد قلنا غير مرة: إنه جنسٌ بعيد، وأن الأحسن أن يأتي بالقول.
وقوله: "المستعمل" يخرج به اللفظ الموضوع قبل الاستعمال؛ فإنه ليس بحقيقة (ولا مجاز)
(2)
، كما ستعرفه إن شاء الله تعالى. ويخرج به
(3)
أيضًا المهمل.
وقوله: "فيما وضع له" يخرج به المجاز؛ فإنه مستعمل في غير ما وضع له. ولك أن تقول: المجاز موضوع فلا يخرج بهذا الفصل، وإنما يخرج لو قال: وَضْعًا أوَّلًا، وهو لا يمكنه أن يزيد هذا القيد مخافة أن يُورد عليه الحقيقة الشرعية والعرفية؛ لأنهما من غير وضعٍ أول
(4)
(5)
.
وقوله: "في اصطلاح التخاطب" يُدْخِل الحقيقتين الشرعية والعرفية. ولقائل أن يقول: إن الفصول لا تكون للإدخال
(6)
، وإنَّ الحدَّ غير مانع لصدقه على العَلَم
(7)
مع أنه ليس بحقيقة ولا مجاز، ولدخول المجاز فيه كما
(1)
في (غ): "بقوله".
(2)
في (ت): "ولا مجازًا". فائدة: يجوز الجر والنصب في قوله: "ولا مجاز"، فالجر عطف على لفظ:"حقيقة" المجرور بحرف الجر، والنصب عطف على محل:"حقيقة" ومحلها النصب؛ لأنها خبر ليس. انظر: شرح ابن عقيل 2/ 103 - 105.
(3)
سقطت من (ص)، و (غ)، و (ك).
(4)
في (ك): "أولي".
(5)
أي: لو وضع هذا القيد لخرجت الحقيقة الشرعية والعرفية من الحد.
(6)
لأن الجنس للإدخال، والفصل للإخراج، فالجنس عام يشمل المحدود وغيره، والفصل خاص بالمحدود فيخرج ما سواه.
(7)
فزيد وبكر وعمرو أعلام، ويصدق هذا التعريف للحقيقة عليها، فهي ألفاظ =
عرفت.
قوله: "والتاء" إلى آخره، هذا جوابٌ عَنْ سؤالٍ مقدَّر وتقديرُه
(1)
أن يقال: إذا كانت الحقيقة بمعنى المثبَت فينبغي أن تكون مجردة عن تاء التأنيث؛ لأن فعيلًا إذا كان بمعنى مفعول فقياسه أن يُسوَّى فيه بين المذكَّر والمؤنث، تقول: رجل جريح، وامرأة جريح، ورجل قتيل وامرأة قتيل.
وجوابه: أن الحقيقة وإن كانت صفة في الأصل إلا أن الاسمية غلبت عليها وتُرِكت وصْفيتها، ألا ترى أنك تقول: كلمة حقيقة، ولفظة حقيقة، فإنما جيء بالتاء لذلك
(2)
. وفعيل إنما يُسَوَّى
(3)
فيه بين المذكر والمؤنث إذا كان باقيًا على وصفيته، مستعملًا مع موصوفه، استغناء بتأنيث الموصوف عن تأنيثه
(4)
. وأما إذا غلبت عليها الاسمية وقُطِعَت عن الموصوف - فقياسه أن تدخل التاء فيه إذا قُصِد به المُؤَنث، كما يقال: أكيلة، ونطيحة
(5)
. ويجوز أن يقال: دخول التاء فيه علامة لنقل اللفظ مِنَ الوصفية
= مستعملة فيما وضعت له في اصطلاح التخاطب.
(1)
في (غ)، و (ك):"وتقريره".
(2)
أي: لغلبة الاسمية.
(3)
في (غ): "سُوِّي".
(4)
كما مَثَّل قبل قليل: امرأة جريح، وامرأة قتيل، فالموصوف مؤنث موجود مذكور مع الوصف، فاسْتُغْني عن تاء التأنيث في الصفة.
(5)
انظر المسألة في: شذا العرف في فن الصرف ص 82، 92.
إلى الاسمية. وهو أقرب إلى لفظ الكتاب، إلا أنه مدخول
(1)
؛ فإنه
(2)
لا دلالة للتاء على النقل.
قال: (والمجاز: مَفْعَل من الجواز بمعنى العبور وهو المصدر أو المكان، نُقِل إلى الفاعل، ثم إلى اللفظ المستعمل في معنى (غير موضوع له)
(3)
يناسب المصطلح).
إطلاق لفظ المجاز على المعنى الصطلح عليه بين الأئمة مجاز لغوي، حقيقة عرفية، وذلك لأن المجاز مشتق من الجواز، والجواز معناه: التعدي والعبور، تقول: جُزْت الدار أي: عبرتها. ووزن المجاز مَفْعَلٌ؛ لأن أصله مَجْوَز فقلبت واوه ألفًا بعد نقل حركتها إلى الجيم، والمَفْعَل
(4)
يستعمل حقيقة في الزمان والمكان والمصدر، تقول: قعدتُ مَقْعَد زيد. وتريد قعوده، أو زمان قعوده، أو مكان قعوده. فيكون لفظ المجاز في الأصل
(5)
حقيقةً إما في المصدر الذي هو الجواز، وإما في مكان التجوز أو زمانه. ونُقِل لفظ المجاز من ذلك
(6)
إلى الفاعل وهو الجائز أعني المُنْتَقِل
(7)
لما بينهما من العلاقة. والعلاقة إنْ نُقِل من المصدر: هي الجزئية؛ لأن المشتق منه جزء من
(1)
أي: غير مسلم، بل يدخله الاعتراض.
(2)
في (ت): "بأنه".
(3)
في (ت): "غير ما وضع له".
(4)
وهو المصدر الميمي.
(5)
أي: في معناه اللغوي.
(6)
أي: من معناه اللغوي.
(7)
سقطت من (ت).
المشتق
(1)
. كقولك
(2)
: هذا رجل عدل. أي: عادل. وإنْ نُقل من المجاز المستعمل في المكان - فهي إطلاق اسم المحل وإرادة الحال
(3)
، مثل: سال الوادي
(4)
. وأما المجاز المستعمل في الزمان فقد تَرَك المصنف ذِكْره كأنه للجزم بأن الجائز غير مأخوذ منه؛ إذْ لا علاقة معتبرةً بينهما.
ثم الجائز حقيقةً إنما يطلق على الأجسام؛ إذ الجواز: الانتقال مِنْ حَيِّز إلى حيز. وأما اللفظ فَعَرضٌ يمتنع عليه الانتقال، فَنُقِل لفظ المجاز من معنى الجائز إلى المعنى المصطلح
(5)
. قال صاحب الكتاب: وهو اللفظ المستعمل في معنى غير موضوعٍ له يُنَاسب المصطلح. وإطلاقه على هذا المعنى على سبيل التشبيه، فإن تعدية اللفظِ مِنْ معنى إلى معْنَىً، كالجائز يتعدي من مكان إلى مكان، فيكون إطلاق لفظ المجاز على المعنى المصطلح مجازًا في المرتبة
(6)
الثانية
(7)
، حقيقة عرفية
(8)
.
(1)
أي: المصدر المشتق منه الذي هو الجواز جزء من المشتق الذي هو الجائز، لأن اسم الفاعل يدل على الحدث، وعلى ذاتٍ قام بها الحدث.
(2)
في (غ): "كقول".
(3)
اسم المحل هو المجاز، والحال هو الجائز، فَذُكِر المحلّ وأريد به الحال.
(4)
الوادي اسم المحل، وأريد به الحال وهو الماء.
(5)
أي: نُقِل لفظ المجاز إلى معنى الجائز في الأجسام، ثم نُقل من الجائز في الأجسام إلى المعنى الاصطلاحي الذي هو الجواز في المعاني والأعراض، فإطلاق لفظ المجاز على المعاني والأعراض لمشابهتها الأجسام في الانتقال، وإلا فالأصل أن الانتقال لا يطلق على الألفاظ.
(6)
في (ت): "الرتبة".
(7)
لأن المرتبة الأولى: هي الانتقال من مكان إلى مكان. والمرتبة الثانية: هي الانتقال من معنى إلى معنى.
(8)
سقطت من (غ).
وقوله: "اللفظ المستعمل"، قد عرفت شرحهما فيما سبق.
وقوله: "في معنى غير موضوع له" يُخْرِج الحقيقة، ويقتضي أن المجاز غير موضوع، فكان
(1)
الأحسن أن يزيد "بوضعٍ أول".
وقوله: "يناسب المصطلح" أشار به إلى فوائد:
إحداها: أن يشمل الحدُّ كلَّ مجاز: من شرعي، وعرفي عام، وخاص، ولغوي. فإن الاصطلاح أعم من أن يكون بالشرع، أو العرف، أو اللغة.
والثانية: أن ينبه على اشتراط العلاقة في المجاز
(2)
.
والثالثة: أن يحترز عن العَلَم المنقول مثل: بكر، وكَلْب؛ فإنه ليس بمجاز؛ لأنه لم ينقل لعلاقة. والله أعلم
(3)
.
قال: (وفيه مسائل: الأولى: الحقيقة اللغوية موجودة. وكذا العرفية العامة: كالدابة ونحوها. والخاصة: كالقلب، والنقض، (والفرق، والجمع)
(4)
.
(1)
في (ص): "وكان".
(2)
المفهومة من قوله: "يناسب". فالعلاقة هي المناسبة والمشابهة بين المعنى الحقيقي والمجازي.
(3)
انظر تعريف الحقيقة والمجاز في: المحصول 1/ ق 1/ 1/ 395، التحصيل 1/ 221، الحاصل 1/ 337، نهاية السول 1/ 145، السراج الوهاج 1/ 333، شرح الأصفهاني 1/ 225، مناهج العقول 1/ 243، جمع الجوامع مع المحلي 1/ 300، بيان المختصر 1/ 183، شرح تنقيح الفصول ص 42، فواتح الرحموت 1/ 203، تيسير التحرير 2/ 2، شرح الكوكب 1/ 149.
(4)
في (ت)، و (غ):"والجمع والفرق".
الحقيقة متعددة بلا خلاف، وإلى ما تتعدد؟ فيه اختلاف:
فقال قائلون: إلى ثلاثة: اللغوية، والعرفية بنوعيها، والشرعية.
وقال آخرون: إلى
(1)
الأُولَيَيْن
(2)
فقط.
وقد علمت مِنْ هذا الاتفاق على إمكان اللغوية والعرفية، وأما الوجود
(3)
فلا نزاع في وجود اللغوية، وكيف ولا شك في وجود ألفاظٍ مستعملة في معان، وذلك إنْ كان بالوضع فقد حَصَل الغرض، وإلا فيلزم أن يكون مجازًا فيها
(4)
، وهو باطل؛ لأن شرط المجاز حصول المناسبة الخاصة بين الموضوع الأصلي والمعنى المجازي، وذلك لا يمكن إلا بعد ثبوت الموضوع الأصلي.
وأما العرفية: فاعلم أولًا أن اللفظة العرفية: هي التي نُقِلت عن موضوعها الأصلي إلى غيره بعرف الاستعمال.
وهي منقسمة إلى: خاصة، وعامة بحسب الناقلين. فإن كان الناقل طائفةً مخصوصة سميت خاصةً، وإنْ كانت عامة الناس سميت عامة. وقد ذهب الأكثرون إلى وقوع العرفية العامة، وهي على قسمين:
أحدهما: أن يكون الاسم قد وضع لمعنى عام ثم
(5)
يُخصص بالعرف
(1)
سقطت من (ص).
(2)
في (ص): "الأولتين".
(3)
الإمكان: هو الوجود بالقوة. والوجود: هو الوجود بالفعل.
(4)
أي: وإن لم يكن الاستعمال بالوضع يلزم منه أن يكون الاستعمال مجازًا في المعاني.
(5)
في (ص): "لم". وهو خطأ.
العام ببعض أنواعه، كلفظ الدابة، فإنه موضوع لكل ما يَدِبُّ على وجه الأرض، وخصصها العرف العام بذات الحوافر
(1)
.
وثانيهما: أن يكون الاسم في أصل اللغة قد وضع لمعنى، ثم كثر استعماله فيما له به
(2)
نوعُ مناسبة وملابسة بحيث لا يُفهم المعنى الأول، كالغائط فإنه (موضوع في الماصل: للمكان المطمئن من الأرض
(3)
التي تُقْضَى فيها الحاجة غالبًا. وأطلقه)
(4)
العرف على الخارِج المستقذَر من الإنسان، كناية عنه باسم محله؛ لنفرة الطباع عن التصريح به
(5)
.
وأما الخاصة
(6)
: فلا نزاع في وقوعها، إذْ هو معلوم بالضرورة بعد استقراء كلامِ الطوائفِ من ذوي العلوم والصناعات التي لا يعرفها أهل اللغة، كالقلب، والنقض والجمع، والفرق، في اصطلاح النُّظَّار. وستعرف معاني هذه الأمور في كتاب القياس إن شاء الله تعالى
(7)
.
(1)
انظر: المصباح المنير 1/ 201، مادة (دب).
(2)
سقطت من (ص).
(3)
أي: المكان المنخفض. انظر: المصباح المنير 2/ 26، مادة (اطمأنَّ).
(4)
سقطت من (ت).
(5)
انظر: المصباح المنير 2/ 111، ولسان العرب 7/ 364، مادة (غوط)، وفيه:"ومنه قيل: للمطْمَئِنّ من الأرض غائط، ولموضع قضاء الحاجة غائط؛ لأن العادة أن يَقْضي في المُنْخَفِض من الأرض حيث هو أستر له، ثم اتُّسِع فيه حتى صار يطلق على النَّجْو نفسِه".
(6)
أي: اللفظة العرفية الخاصة.
(7)
انظر الحقائق الثلاث في: المحصول 1/ ق 1/ 409، التحصيل 1/ 223، الحاصل 1/ 340، نهاية السول 2/ 150، السراج الوهاج 1/ 336، شرح الأصفهاني =