الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثاني: للقائلين بأن الواو للترتيب: أن الرجل إذا قال لزوجته التي لم يدخل بها: أنت طالق، وطالق - طلقت واحدةً على المذهب الصحيح
(1)
، ولو كانت الواو لمطلق الجمع لكان مثل قوله: أنت طالق طلقتين - حتى تقعا.
أجاب: بأن قوله: "وطالق" معطوف على الإنشاء، فكان إنشاء آخر أتى به بعد تمام الأول وعَمَلُه عَمَلُه؛ لأن معاني الإنشاء مقارنةٌ لألفاظها، فيكون قوله ثانيًا:"وطالق" إنشاءً لإيقاع طلقة أخرى في غير وقتٍ قابلٍ للطلاق؛ لأنها بالأُولى بانت، إذ هي غير مدخول بها، بخلاف قوله طلقتين، أو ثلاثًا. فإنه تفسير للكلام الأول، وبيانٌ لما قصَد به، لا إنشاءٌ ثان.
خاتمة:
قد عرفتَ دعوى إمام الحرمين: أن المُشْتهِر من
(2)
أصحاب الشافعي أن الواو للترتيب، وما قاله الماوردي، وهذا لَعَلَّهُ أُخِذ من مسألة الترتيب في الوضوء، وإنْ كان كذلك فهو لا يكفي في تسويغ النقل على هذه الصورة؛ فإنَّ للأصحاب مُسْتَنَدًا آخر غير كون الواو للترتيب. وقد قيل: إن الناقلين لكون الواو للترتيب (عن الشافعي إنما هم قوم من الحنفية من غير ثَبْت
(3)
، بل بمجرد ظن من مسألة الترتيب)
(4)
في الوضوء؛ ولذلك قال
(1)
انظر: نهاية المحتاج 6/ 451.
(2)
في (ص): "في".
(3)
أي: من غير تثبت.
(4)
سقطت من (غ).
الأستاذ أبو منصور البغدادي: "معاذ اللهِ أن يصح هذا النقل عن الشافعي، بل الواو عنده لمُطلق الجمع".
قلت: وهو اللائق بقواعد مذهبه، وعليه تدل فروعه، وقد اتفق الأصحاب قاطبة على أن قول القائل: وقفتُ على أولادي، وأولاد أولادي - (مقتضٍ للتسوية)
(1)
والتشريك بينهم دون الترتيب، ولا نعلم أحدًا قال بالترتيب. وإن أتى في بعض الفروع خلافٌ فمنشؤه اختيارٌ مِنْ صاحب ذلك الوجه أن الواو للترتيب.
ومِنْ ذلك قول الأصحاب فيما لو قال: إنْ دخلتِ الدار وكلَّمْتِ زيدًا فأنتِ طالق - لا بد من وجودهما في وقوع الطلاق، ولا يقع بهما إلا طلقةٌ واحدة
(2)
، ولا فرق بين أن يتقدم الكلام أو يتأخر.
وفي "التتمة" ما يقتضي إثباتَ خلافٍ فيه
(3)
؛ لأنه قال: "مَنْ جعل الواو للترتيب فلا بد عنده من أن يتقدم الدخول على الكلام"، قال الرافعي:("ومن الأصحاب مَن جعل الواو للترتيب"، وذكر الرافعي)
(4)
في آخر باب القَسْم والنشوز أنه
(5)
لو قال لوكيله: خذ مالي ثمَّ طَلِّقْها - لم يجز تقديم الطلاق
(6)
. ولو قال: خذ مالي وطَلِّق - فهل يشترط
(1)
في (ت): "يقتضي التسوية".
(2)
سقطت من (ص).
(3)
أي: في التقديم والتأخير بين الشرطين. وانظر المسألة في روضة الطالبين 6/ 155.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
سقطت من (ت).
(6)
فلو طلَّق الوكيل قبل أخذ المال لم يقع الطلاق. وانظر المسألة في روضة الطالبين 6/ 155.
تقديم أخذ المال، أو لا يشترط ويجوز تقديم الطلاق كما لو قال: طَلِّقها وخذ مالي؟ فيه وجهان، رجَّح صاحب "التهذيب" منهما الأول
(1)
.
قلت: وليس الوجهان في المسألة ناظرَيْن إلى ما نحن فيه من اقتضاء الواو للترتيب، وإنما القائل بوجوبِ تقديمِ المال ناظرٌ إلى أنَّ الموكِّل قَدَّمه
(2)
في كلامه والوكيل يراعي المصلحة فليقدِّم أخذ المال والمخالف ناظرٌ إلى عدم اقتضاء الواو للترتيب، ويدل على هذا أنه لا خلاف أنه يجوز تقديم المال في عكسه، وهو ما إذا قال: طَلِّقها وخذ مالي. بل لو صَرَّح بـ "ثم" التي وضعت للتراخي لجاز له تقديم أخْذِ المال على الطلاق، قال الرافعي:"لأنه زيادة خير"
(3)
.
فإن قلت: قد نقل الرافعي في التدبير عن صاحب "التهذيب" فيما إذا قال لعبده: إنْ مِتُّ ودخلتَ الدار فأنت حر - لا بد أن يقع دخولُه
(4)
الدار بعد موت السيد، ولم يحك ما يخالفه، فقد جعلوها هنا للترتيب.
قلت: هذا مشكل، والظاهر أنه مبنيٌ على أن الواو للترتيب، وإلا فأيُّ فرق بين هذه المسألة والمسألة التي قدمناها فيما إذا قال: إن دخلتِ الدار
(1)
وهو اشتراط تقديم أخذ المال.
(2)
أي: قدم أخذ المال، فتقديم أخذ المال ليس من اقتضاء الواو للترتيب، وإنما من تقديم الموكِّل أخْذَ المال في كلامه، فالوكيل يقدمه تبعًا له.
(3)
أي: لأن تأخير الطلاق زيادة خير للموكِّل، إذ قد يتراجع عن الطلاق، فيكون في تأخيره فرصة له.
(4)
في (ت): "دخول".