الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(الخامسة: التخصيص بالشرط مثل: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ}
(1)
فإنّه ينتفي المشروط بانتفائه. قيل: تسمية "إنْ" حرفُ شرطٍ
(2)
اصطلاح. قلنا: الأصل عدم النقل. قيل: يلزم ذلك لو لم يكن للشرط بدل. قلنا: حينئذ يكون أحدهما وهو غير المدعى. قيل: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا}
(3)
ليس كذلك. قلنا: لا نسلم بل انتفاء الحرمة لامتناع الإكراه).
هذا مفهوم الشرط وهو أقوى من مفهوم الصفة، ولذلك قال به بعض مَن لا يقول بمفهوم الصفة كابن سريج، وبالغ إمام الحرمين في الرد على منكريه
(4)
. وأما الغزالي فإنه صمم على إنكاره فقال
(5)
: "الصحيح عندنا ما ذهب إليه القاضي من إنكاره"
(6)
.
واعلم أنَّ محل الخلاف في مفهوم الشرط فيما إذا قال: مَنْ جاءني أكرمتُه، وأمثالها مِنْ صيَغ الشرط نحو: متى، وإذا: أنَّ هذه الصيغة الدالة بمنطوقها على إكرام مَنْ يجيء، هل هي دالة بمفهومها على عدم إكرام من لم يجئ؟ هذا محل النزاع، وكذلك في مفهوم الصفة وغيره، فالخلاف إنما هو في دلالة حرف الشرط على العلم عند العلم
(7)
، لا على أصل العلم عند
(1)
سورة الطلاق: الآية 6.
(2)
في (ك): "الشرط".
(3)
سورة النور: الآية 33.
(4)
انظر: البرهان 1/ 452.
(5)
في (ت)، و (ك):"وقال".
(6)
انظر: المستصفى 3/ 438.
(7)
أي: على عدم الجزاء عند عدم الشرط.
العدم
(1)
، فإن ذلك ثابت بالأصل قبل أن ينطق الناطق بكلامه، وكذا في سائر المفاهيم.
مثال مفهوم الشرط: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ}
(2)
دلَّ بالمنطوق على وجوب النفقة على أولات الأحمال، فهل يدل بالمفهوم على العلم عند العلم، حتى يُسْتدل به على منع وجوب النفقة للمعتدة الحائل
(3)
؟
والذي اختاره المصنف تبعًا للإمام
(4)
والجماهير وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه: أنه يدل. ودليله: أن النحويين قالوا: إنَّ كلمة "إنْ" حرف شرطٍ، ويلزم من انتفاء الشرط انتفاء المشروط.
واعترض الخصم (على هذا الدليل)
(5)
بثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّ تسمية "إنْ" حرفُ شرطٍ من الاصطلاحات المجازية، كتسميتهم الحركات المخصوصة بالرفع والجر والنصب، وإن لم تكن هذه الأسماء موجودةً في أصل اللغة.
(1)
أي: لا على أصل العدم الثابت قبل التكلم بالشرط، أي: هو عدم أصلي عند عدم الكلام المشتمل على الشرط.
(2)
سورة الطلاق: الآية 6.
(3)
غير الحامل. في المصباح 1/ 170، مادة (حول):"حالت المرأة، والنخلة، والناقة، وكل أنثى، حِيالًا بالكسر: لم تحمل، فهي حائل".
(4)
انظر: المحصول 1/ ق 2/ 205.
(5)
في (ص): "على هذا على الدليل". وهو خطأ.
وأجاب: بأن الأصل أن تكون تسميتُهم له حرفَ شرطٍ مطابِقةً للوضع اللغوي، وإلا يلزم النقل، وهو خلاف الأصل.
وهذا الجواب ذكره الإمام وغيره
(1)
، وفي النفس منه شيء، فإن المنصف
(2)
لا يكابر في أن هذه الاصطلاحات حادثة بعد أصل الوضع، ولكن سبيل الانفصال عن السؤال أن يقال: نحن إنما كلامنا في المعلَّق على شيء بأداة تَفهم منها العرب ما يُطْلِق عليه المصطلحون الشرط، وهذا الذي يُفْهم من الشرط ليس مكتسبًا من تسميته شرطًا. والحاصل أنَّ المصطلح إنما هو التسمية للمعنى السابق المفهوم عند العرب، والخلافُ في مفهوم الشرط إنما هو في ذلك المعنى الذي كانت العرب إذا أطلقت أداةَ الشرط تفهمه: هل هو الحصول عند الحصول والعدمُ عند العدم، أو مجرد الحصول عند الحصول
(3)
؟
(4)
.
الاعتراض الثاني: أنا لا نسلم أنه يلزم من انتفاء الشرط انتفاء المشروط على الإطلاق، وإنما يلزم ذلك إذا لم يكن للشرط
(1)
انظر: المحصول 1/ ق 2/ 208، الحاصل 1/ 434.
(2)
في (ت): "المصنف". وهو خطأ.
(3)
قوله: أو مجرد الحصول عند الحصول، يعني لا ملازمة بين الشرط والجزاء، فهي قضية اتفاقية.
(4)
هذا الذي قاله الشارح رحمه الله تعالى هو عين ما قاله الإمام ولا أرى فرقًا بينهما مطلقًا؛ لأن الإمام إنما يقصد أن التسمية هي التي حصل فيها الاصطلاح، أما معنى الشرط فهو باق على وضعه اللغوي لم يتغير، كالرفع والجر والنصب الذي طرأ عليها هو التسمية، ووضعها لم يتغير.
بدل يقوم مقامه، أما إذا كان ذا بدل فلا يلزم ذلك، كالوضوء، فإنه شرط في الصلاة، ولا يلزم من انتفائه انتفاؤها لجواز أن توجد بالتيمم.
وأجاب: بأن المدَّعى أن الشرط يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم. وما ذكرتموه لا ينقض هذه الدعوى؛ لأن الشرط في الحالة التي ذكرتموها وهي الصلاة أحدُ الأمرين
(1)
، وأحد الأمرين لا ينتفي إلا بانتفائهما جميعًا، وما لم ينتفيا لا ينتفي الشرط؛ لأن مسمى أحدهما باقٍ؛ وهذا غير مُدَّعانا؛ إذِ المدَّعى فيما هو شرط بعينه
(2)
.
ويمكن أن يقال: وهذا عَيْنُ
(3)
مُدَّعانا أي: أن الشرط يلزم من انتفائه انتفاء
(4)
المشروط؛ لأن الشرط والحالة هذه أحدهما ولم ينتف، ولو انتفى لم تصح الصلاة. وهذا أحسن من تقريره على لفظة "غير" ونُسَخ الكتاب مختلفة؛ لأن "غيرًا" تُصَحَّف بعين
(5)
.
الاعتراض الثالث: أنه لو كان مفهوم الشرط حجةً لكان قوله تعالى:
(1)
أي: الوضوء أو التيمم.
(2)
أي: بذاته وحده.
(3)
في (ت)، و (ص):"غير". وهو خطأ، والصواب ما أثبته، وهو الموجود في (ك)، و (غ).
(4)
سقطت من (غ).
(5)
أي: المرجَّح عند الشارح هو لفظة "غير" من حيث إنها هي التي أرادها البيضاوي في متنه، وإنْ كانت لفظة "عَيْن" هي المرجَّحة عند الشارح من حيث المعنى، فما سبق قوله من الشارح: ويمكن أن يقال: وهذا عين مُدَّعانا. . . إلخ استدراك من الشارح على الماتن، وأن الأحسن وضع "عين" مكان "غير"، وأن وجود "عين" في بعض نسخ المتن إنما هو تصحيف لغَيْر.
{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا}
(1)
دالًا على أنهن إذا لم يُردن التحصن يجوز إكراههن على البغاء.
وأجاب: بأنا لا نسلم أنه ليس كذلك، أي: لا نسلم عدم انتفاء الحرمة عند عدم إرادة (التحصن
(2)
، بل حُرمة الإكراه عند عدم إرادة التحصن)
(3)
منتفيةٌ لامتناع تصور الإكراه حينئذ، فإن الإكراه إنما يتصور على ما لا يريده الإنسان المُكْرَه؛ لأنه حَمْل الشخص على مقابل مراده، فإذا لم يتصور الإكراه جاز أن يقول: ليس بحرام؛ لأنه ليس بمتصور، والحرمة فرع كونه متصوَّرًا
(4)
.
فإن قلت: ما فائدة قوله: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} حينئذ؟
قلت: لعل المراد التنصيص على قبيح
(5)
فعلهم، والنداء بشنيع
(6)
أمرهم
(7)
.
(1)
سورة النور: الآية 33.
(2)
أي: لا نسلم وجود الحرمة عند عدم إرادة التحصن. لأن قوله: "لا نسلم عدم انتفاء الحرمة" نفي من نفي، فـ "عدم" نفي، و"انتفاء" نفي، والنفي من النفي إثبات فيكون المعنى: لا نسلم وجود الحرمة.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
انظر: تفسير القرطبي 12/ 254.
(5)
في (ص): "قبح".
(6)
في (ص): "بتشنيع".
(7)
قال التفتازاني في مختصر المعاني ص 106: "ويجوز أن يكون فائدته في الآية (أي: فائدة الشرط) المبالغة في النهي عن الإكراه، يعني أنهن إذا أردن العفة، فالمولى أحق بإرادتها".