الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقول به، فإنه تعلق في مسألة الرؤية بقوله تعالى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}
(1)
.
وقال: لما ذكر الحجاب في إذلال الأشقياء - أشعر ذلك بنقيضه في السعداء. وقد تحققتُ على طول بحثي عن كلام أبي الحسن أنه ليس من منكري الصِّيَغ على ما اعْتَقَده معظمُ النقلة، ولكنه قال في معارضاته
(2)
مع أصحاب الوعيد بإنكار الصيغ، وآل سِرُّ مذهبه إلى إنكار التعلق بالظواهر فيما ينبغي
(3)
القطع فيه، ولا نرى له المنع من العمل بقضايا الظواهر في مظان الظنون. وقد باح القاضي رضي الله عنه بجَحْد الصيغ، وَصَرَّح بنفي المفهوم"
(4)
(5)
.
قال:
(الرابعة: تعليق الحكم بالاسم لا يدل على نفيه عن غيره
، وإلا لما جاز القياس، خلافًا (لأبي بكر)
(6)
الدقاق).
(1)
سورة المطففين: الآية 15.
(2)
في (ت)، و (ص)، و (غ):"مفاوضاته".
(3)
في (ص)، و (ك):"يُبْغى". وفي (غ): "نبغي".
(4)
انظر: البرهان 1/ 450، 451.
(5)
انظر مسألة دلالة الخطاب على الحكم بالمنطوق أو بالمفهوم في: المحصول 1/ ق 1/ 576، التحصيل 1/ 256، الحاصل 1/ 385، نهاية السول 2/ 194، السراج الوهاج 1/ 410، مناهج العقول 1/ 309 ، جمع الجوامع مع المحلي 1/ 235، الإحكام 3/ 64، بيان المختصر 2/ 431، تيسير التحرير 1/ 86، فواتح الرحموت 1/ 406، شرح الكوكب 3/ 473.
(6)
في (غ)، و (ك):"لابن".
هذه المسألة في مفهوم الاسم ومفهوم الصفة اللذين هما من جملة أصناف دليل الخطاب.
أما مفهوم الاسم فنقول: تقييد الحكم أو الخبر بالاسم عَلَمًا كان أو اسمَ جنس، مثل قولك: قام زيد، أو قام الناس لا يدل على نفي الحكم عما عداه، خلافًا لأبي بكر الدقاق
(1)
والحنابلة
(2)
.
(1)
هو أبو بكر محمد بن محمد بن جعفر البغداديّ الشافعيّ القاضي المعروف بالدَّقَّاق، ويلقَّب خباط. كان فقيهًا أصوليًا، عالمًا بعلوم كثيرة، وكانت فيه دُعابة. ولد سنة 306 هـ. من مصنفاته: شرح مختصر المزنيّ، كتاب في أصول الفقه. توفي رحمه الله سنة 392 هـ. انظر: تاريخ بغداد 3/ 229، طبقات الإسنوي 1/ 253.
(2)
انظر: شرح الكوكب 3/ 509، وبه قال ابن خويز منداد وابن القصار من المالكية، ومال إليه أبو بكر بن فُورك، وأما نسبته إلى مالك رضي الله عنه كما في "شرح الكوكب" فغير صحيحة، فإن الباجي والقرافي وابن الحاجب لم ينسبوه إلى مالك، بل ذكر الباجي بأن مالكًا رضي الله عنه إنما يقول بمفهوم الصفة لا بمفهوم اللقب، وقال القرافي في "شرح التنقيح":"وحكى الإمام أن مفهوم الذهب لم يقل به إلا الدقاق"، ونسبه ابن الحاجب إلى الدقاق وبعض الحنابلة. لكن ذكر الزركشي في البحر (5/ 149) قول المازَري بأنه أشير إلى مالك القول به لاستدلاله في "المدونة" على عدم إجزاء الأضحية إذا ذُبحت ليلًا بموله تعالى:{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} قال: فذكر الأيام ولم يذكر الليالي. قال العلامة الشنقيطي في نشر الورود 1/ 113: "الجواب أنه مفهوم ظرف لا مفهوم لقب، وقد قدمنا اعتبار مفهوم الظرف". وقد نسب الزركشي إلى الباجي القول به، والباجي قد صَرَّح بأن مفهوم اللقب والصفة ليسا حجة عنده. وقد نفى مفهوم اللقب ابن عقيل وابن قدامة من الحنابلة. انظر: إحكام الفصول ص 514، شرح تنقيح الفصول ص 270، بيان المختصر 2/ 478، أصول الفقه للعربي اللوه ص 801، البحر المحيط 5/ 148، شرح الكوكب 3/ 509، نزهة الخاطر 2/ 224.
وقد سَفَّه علماء الأصول الدَّقَّاق ومَنْ قال بمقالته وقالوا: هذا خروج عن حكم اللسان، وانسلال عن مفاوضات الكلام، فإنَّ مَنْ قال: رأيت زيدًا - لم يقتض ذلك أنه لم ير غيره قطعًا.
قال إمام الحرمين: "وعندي أن المبالغة في الرد عليه سَرَفٌ؛ لأنه لا يُظَنُّ بذي العقل الذي لا ينحرف كلامُه عن سَنَن الصواب - أن يُخَصِّص بالذكْر مُلَقَّبًا مِنْ غير غَرَض"
(1)
(2)
. وحاصل ما اختاره إمام الحرمين أن التخصيص يتضمن غرضًا مبهمًا، ولا يتعيَّن انتفاءُ غيرِ المذكور
(3)
. ثم قال: "وأنا أقول وراء ذلك: لا يجوز أن يكون مِنْ غرض المتكلم في التخصيص نَفْيُ ما عدا المسمَّى بلقبه، فإن الإنسان لا يقول: رأيت زيدًا، وهو يريد الإشعار بأنه لم يرَ غيره، فإنْ هو أراد ذلك قال: إنما رأيت زيدًا، أو ما رأيت إلا زيدًا"
(4)
هذا كلامه.
وحكى ابن بَرْهان في كتابه في أثناء المسألة مذهبًا ثالثًا عن بعض علمائنا: وهو التفرقة بين أسماء الأنواع وأسماء الأشخاص، فقال: "إنْ تَخَصَّص
(5)
اسمُ النوع بالذِّكْر دَلَّ على نَفْي الحكم عن غيره". ومَثَّل له ابن
(1)
يعني: لا يظن بعاقل أن يعلِّق الحكم على اسم أو لقب بدون غرض.
(2)
البرهان 1/ 470.
(3)
يعني: فيحتمل انتفاء الحكم عن غير المذكور، ويحتمل أن لا ينتفى، ويكون هناك غرض آخر.
(4)
البرهان 1/ 471.
(5)
في (ص): "إنَّ تخصيص". وعبارة ابن برهان كما في الوصول إلى الأصول 1/ 341: "تخصيص اسم النوع بالذكر يدل".
برهان بما إذا قال: في السود من الغنم زكاة
(1)
(2)
.
وإنْ تَخَصَّص اسمُ الشخص مثل: قام زيدٌ - فلا يدل. ثم قال ابن برهان: "وهذا ليس بصحيح؛ لأن أسماء الأنواع نازلة في الدلالة منزلة أسماء الأشخاص، إلا أنَّ مدلول أسماء الأنواع أكثر
(3)
، وهما في الدلالة متساويان"
(4)
(5)
.
إذا عرفت هذا فقد استدل في الكتاب على مذهب الجمهور: بأن تعليق الحكم على الاسم لو دل على نفيه عن
(6)
غيره - لما جاز القياس. واللازم
(7)
باطل، وبيان الملازمة: أنه لو دلَّ لكان الدليلُ الدال على ثبوت الحكم في الأصل المقيس عليه "كالنص الدال على أن البُرَّ رِبَويٌّ مثلًا" دالًا على نفي الحكم عن الفرع المقيس "كالأرز في مثالنا"، والفرض أن القياس قاضٍ بإلحاقه، فمتى عَمِل بالمفهوم بَطَل القياس
(8)
.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
عبارة ابن برهان رحمه الله تعالى: ولو قال: "في السود من الغنم زكاة" نُزِّل منزلة قوله: "في سود الغنم زكاة"، ولا شك أن هذا يقتضي نفي الحكم عن البيض، فكذا إذا قال:"في السود من الغنم زكاة". اهـ. والمعنى أن قوله: "في السود من الغنم زكاة" يقتضي نفي الزكاة عن السود من غير الغنم.
(3)
لأن أسماء الأنواع تحتها أفراد كثيرة، أما أسماء الأشخاص فتحت كلِّ واحدٍ منها فردٌ واحد.
(4)
يعني: فيكون تعليق الحكم عليهما بدرجة واحدة لا فرق بينهما؛ إذ هما اسمان، فلا يفيدان نفيه عما سواهما.
(5)
انظر: الوصول إلى الأصول 1/ 341.
(6)
في (ت): "من".
(7)
وهو التالي: لما جاز القياس.
(8)
لأن مفهوم تعليق الحكم بالاسم وهو البر مثلًا يقتضي أن لا ربًا في غير البر، والقياس يقتضي وجود الربا في غيره، فلو عملنا بمفهوم اللقب بطل القياس.