الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واعلم أن الشرط قد يأتي ولا مفهوم له، وهو فيما إذا ظهرت له فائدة (غير تخصيص الحكم، كما قلنا في مفهوم الصفة، وكما في قوله: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} فإنَّ له فائدة)
(1)
وهي ما أشرنا إليه، وكما في قوله تعالى:{وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}
(2)
، وقول القائل لابنه: أطعني إنْ كنت ابني. والمراد التنبيه على السبب الباعث للمأمور به، لا تقييد الحكم، فكل هذا ليس من محل النزاع
(3)
.
قال:
(السادسة: التخصيص بالعدد لا يدل على الزائد والناقص)
.
اختلفوا في أنَّ تعليق الحكم بعددٍ مخصوصٍ هل يدل على انتفاء الحكم فيما عدا ذلك العدد زائدًا كان أو ناقصًا؟.
فذهب طوائف إلى أنه يدل، وهو المنقول عن الشافعي رضي الله عنه، ممن نقله الماوردي في باب بيع الطعام قبل أن يُسْتوفى
(4)
، وإمام الحرمين
(5)
،
(1)
سقطت من (ت)، و (غ).
(2)
سورة البقرة: الآية 172.
(3)
انظر مفهوم الشرط في: المحصول 1/ ق 2/ 205، التحصيل 1/ 292، الحاصل 1/ 432، نهاية السول 2/ 217، السراج الوهاج 1/ 423، مناهج العقول 1/ 320، الإحكام 3/ 88، شرح تنقيح الفصول ص 270، بيان المختصر 2/ 474، تيسير التحرير 1/ 100، فواتح الرحموت 1/ 421، شرح الكوكب 3/ 505.
(4)
انظر: الحاوي 6/ 267 - 268.
(5)
انظر: البرهان 1/ 453.
والغزالي
(1)
.
وقال آخرون: إنه لا يدل، وهو رأي القاضي وإمام الحرمين
(2)
، وبه قطع المصنف.
وأما الإمام فاختار أنَّ الحكم المقيَّد بعددٍ إنْ كان معلولَ ذلك العدد
(3)
ثَبَت في الزائد؛ لوجوده فيه
(4)
، كما لو
(5)
حَرَّم جَلْد مائة، أو حكم بأن القلتين يدفعان حكم النجاسة
(6)
، وإلا لم
(7)
يلزم كما لو
(8)
أوجب جلد مائة
(9)
. والناقص عن ذلك العدد إن كان داخلًا فيه وكان الحكم إيجابًا أو إباحة ثبت فيه
(10)
، كما لو أوجب أو أباح جلد مائة
(11)
، وإن كان تحريمًا
(1)
انظر: المنخول ص 209.
(2)
انظر: البرهان 1/ 458، التلخيص 2/ 192.
(3)
أي: إن كان حكم ذلك العدد الذي قُيِّد به الحكم.
(4)
أي: لوجود ذلك العدد في الزائد، فالعدد المقيد به الحكم جزء من ذلك العدد الزائد عليه.
(5)
سقطت من (ت).
(6)
فتحريم جلد أكثر من مائة حرام بطريق الأولى، ودفع ثلاث قلل فأكثر للنجاسة من باب أولى، فهنا حكم العدد وُجد في الزائد؛ لوجود العدد المقيد به الحكم في الزائد.
(7)
سقطت من (ت).
(8)
سقطت من (ت)، و (غ).
(9)
يعني: وإن لم يثبت حكم ذلك العدد المقيَّد به الحكم في العدد الزائد عليه؛ لوجوده فيه، لم يكن حكم الزائد كالمقيد به، وذلك مثل: حد الزنا، قد أوجب الشارع فيه جلد مائة، فهذا لا يدل على أن الزائد على المائة واجب بطريق الأولى.
(10)
أي: ثبت في الناقص الإيجاب أو الحرمة؛ لأنه لا يمكن فعل الكل إلا بفعل الجزء.
(11)
أي: فإنه يدل على وجوب أو إباحة جلد خمسين؛ لأن الخمسين داخلة في المائة. =
فلا يلزم
(1)
. وإن لم يكن داخلًا فيه
(2)
كالحكم بشهادة شاهد واحد، فإنه لا يدخل في الحكم بشهادة شاهدين - فالتحريم قد ثبت فيه بطريق الأَوْلى، والإيجاب والإباحة لا يلزمان
(3)
. قال: "فثبت أنَّ قَصْر الحكم على العدد لا يدل على نفيه عما زاد أو نقص إلا بدليل منفصل"
(4)
.
ومِنْ حُجَج القائلين بهذا المفهوم أنَّه لما نزل قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}
(5)
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله لأزيدن على السبعين"
(6)
فقد فهم سيدُ العرب العرباء من الآية: أن حكم ما زاد على
= وفي (ك) بعد قوله: "جلد مائة": "على الزاني مثلًا يقتضي وحوب خمسين لامتناع الإتيان بالكل دون الإتيان بالجزء، ولا يقتضي وجوب مائتين".
(1)
يعني: لو حَرَّم جلد مائة، فلا يلزم منه تحريم جلد تسعين مثلًا، فقد تكون محرمة، وقد لا تكون.
(2)
يعني: وإن لم يكن الناقص داخلًا في العدد.
(3)
يعني: الحكم بشهادة الشاهد الواحد غير داخل في الحكم بشهادة الشاهدين؛ لأن الحكم بشهادة الشاهدين لا يتحقق إلا بالشاهدين، فشهادة الشاهد الواحد لا تحقق جزءًا من الحكم، فإذا كان الحكم بشهادة الشاهدين محرمة، فالحكم بشهادة الشاهد الواحد محرمة من باب أولى. وإذا كان الحكم بشهادة الشاهدين واجبة أو مباحة فلا يدل هذا على أن الحكم بشهادة الشاهد الواحد واجبة أو مباحة.
(4)
انظر: المحصول 1/ ق 2/ 221. وقد وافق الآمدي الإمام فيما ذهب إليه، وقال بعد تفصيلٍ لما رجَّحه. بمثل ما قال الإمام: "والمختار فيما كان مسكوتًا عنه، ولم يكن الحكم فيه ثابتًا بطريق الأولى من هذه الصور: أنَّ تخصيص الحكم بالعدد لا يدل على انتفاء الحكم فيه؛ لما ذكرناه في المسائل المتقدمة". الإحكام 3/ 94.
(5)
سورة التوبة: الآية 80.
(6)
لم أقف على هذا اللفظ. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله =
السبعين بخلافه.
ومن الناس من أجاب عن هذا: بأن العدد كما لا يدل على نَفْي الحكم عما عداه لا يدل على إثباته، بل هو
(1)
مسكوت عنه، فلعل النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك رجاءً لحصول الغفران لهم، بناءً على حكم الأصل؛ إذْ كان جواز المغفرة ثابتًا قبل نزول هذه الآية.
(وقال الغزالي: الأظهر أن هذا
(2)
الخبر غير صحيح؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أعرف الخلق بمعاني الكلام، ولفظ:"السبعين" إنما جرى مبالغةً في اليأس وقطعًا للطمع عن الغفران؛ فإن العرب تستعمله في ذلك كقول القائل: اشفع أو لا تشفع لو شفعت سبعين مرة لما أفاد)
(3)
(4)
وقول الغزالي:
= صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية: أسمع ربي، قد رخَّص لي فيهم، فوالله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة لعل الله أن يغفر لهم. . .". انظر: تفسير ابن جرير 14/ 396 - 397. وفي رواية أخرى أخرجها ابن جرير في التفسير 14/ 395، 397: "لأزيدنَّ على السبعين"، وأخرجها ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور 4/ 253 - 254. والحديث مخرَّج في الصحيحين بلفظ: "وسأزيده على سبعين". انظر: صحيح البخاري 4/ 1715، 1716، كتاب التفسير، باب:{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} ، وباب:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} ، رقم 4393، 4395. صحيح مسلم 4/ 2141، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، رقم 2774.
(1)
أي: ما عدا العدد.
(2)
سقطت من (ص).
(3)
سقطت من (ت).
(4)
انظر: المستصفى 3/ 421، وعبارته في المنخول ص 212: "على أنَّ ما نُقل في آية الاستغفار كذب قطعًا؛ إذ الغرض منه التناهي في تحقيق اليأس من المغفرة، فكيف =
إنَّ
(1)
الأظهر أنَّ هذا الخبر غير صحيح مُتَلَقَّى من إمام الحرمين، فإنه قال:"هذا لم يصححه أهل الحديث"
(2)
وإمام الحرمين تلقى ذلك من القاضي أبي بكر فإنه قال في "مختصر التقريب": "هذا الحديث ضعيف غير مدون في الصحاح"
(3)
وهذا باطل، فإن الحديث ثابت صحيح مدون في البخاري ومسلم.
وقول الغزالي: "السبعين للمبالغة في قطع اليأس" مُتَلَقَّى من القاضي أيضًا فإنه قال: "مَنْ شَدَا طَرْفًا من العربية لم يَخْفَ عليه أن المقصود منه قطع موارد الرجاء، دون التعليق على السبعين، وكيف يَخْفَى مَدْرك هذا - وهو مقطوع به - عن أفصح مَن نطق بالضاد"
(4)
.
والحق أنَّ
(5)
الجواب الأول أسَدُّ من هذا، وقد ذكره القاضي أيضًا في "مختصر التقريب". وأما ما تعلق به القاضي في إنكار الحديث فغير مُعْتَصم؛ لأن السبعين وإنْ نطقت (العرب بها)
(6)
للمبالغة تارةً فقد نطقت بها للتقييد بالعدد المخصوص أخرى، بل العددُ المخصوص هو حقيقتها. وقول القاضي:"المقصود قطع مواردِ الرجاء دون التعليق على السبعين".
= يُظَن برسول الله صلى الله عليه وسلم ذهوله عنه! ".
(1)
سقطت من (ت).
(2)
انظر: البرهان 1/ 458.
(3)
انظر: التلخيص 2/ 192، 193.
(4)
انظر: التلخيص 2/ 193، والبرهان 1/ 458 ، 459.
(5)
سقطت من (ت).
(6)
في (غ): "بها العرب".