الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكلام المصنف مُصَرِّح بأن الحرف لم يوجد لا بطريق الأصالة ولا بطريق التبعية، والحق مساواته للفعلِ، فإنَّ نَقْلَ مُتعلَّقِ معانيَ الحروفِ من المعاني اللغوية إلى المعاني الشرعية مستلزِمٌ لنقلها أيضًا، فلا فرق في ذلك بين الفعل والحرف كما في أنواع المجاز.
فائدة:
قد تقرر أن الألفاظ المستعملة من الشارع:
إما الأسماء وهي على قسمين: منها ما وضعه بإزاء الماهيات الجَعْلية
(1)
، وذلك معروف كالصلاة وأمثالها. ومنها الأسماء المتصلة بالأفعال، وسنذكرها إن شاء الله مع الفعل.
وإما الفعل والحرف: فقد علمت أن التحقيق فيهما أنهما مستويان
(2)
. والفعل ينقسم إلى: ماضٍ، وأمرٍ، ومضارع.
والأسماء المتصلة بالأفعال
(3)
ثمانية: المصدر
(4)
، واسم الفاعل، واسم المفعولِ، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل، واسم الزمان، واسم المكان،
(1)
الماهيات الجعلية: هي الحقائق التي أوجدها الشارع.
(2)
أي: مستويان في النقل.
(3)
أي: الأسماء المشتقة من الأفعال.
(4)
الظاهر أنه يريد بالمصدر ما فوق الثلاثي سواء رباعي مجرد أو ثلاثي مزيد فيه؛ لأن هذه المصادر مأخوذة من الفعل الماضي، وكذلك المصدر الميمي. أما المصدر الثلاثي المجرد فهو أصل للفعل، وغير مشتق من شيء، ومن ثم قالوا بجموده. انظر: جامع الدروس العربية 2/ 3.
واسم الآلة.
أما الفعل المضارع فلم يُستعمل في الشرعية في شيء أصلًا إلا لفظة "أشهد" في الشهادة، فإنها تعيَّنت ولم يقم غيرها مقامَها، وكذا في اللعان سواء قلنا: إنه يمين، أو شهادة، أو فيه شائبتان
(1)
. ويجوز في اليمين
(2)
في: أقسم بالله، وأشهد، ولا يتعين
(3)
. ولا مدخل له
(4)
في الإنشاءات.
وأما الفعل الماضي: فيُعْمل به
(5)
في الإنشاءات خلا الشهادة واللعان، فمن الإنشاءات التي يُعمل به فيها العقود كلها، والطلاق.
وأما فعل الأمر: فهو مسألة الإيجاب والاستيجاب
(6)
في العقود
(1)
انظر: نهاية المحتاج 7/ 97، بداية المجتهد 2/ 118.
(2)
أي: يجوز المضارع في اليمين.
(3)
أي: ولا يتعين قوله: "أشهد بالله" يمينًا، بل فيه احتمال لغير اليمين، بخلاف: أقسم بالله، فإنه متعيِّن في اليمين. انظر: نهاية المحتاج 8/ 168.
(4)
أي: للمضارع.
(5)
سقطت من (ت).
(6)
في (ص): "والاستحباب". وهو خطأ. والإيجاب: هو اللفظ الصادر من أحد العاقدين أولًا: أي: سواء من الولي للزوج أو العكس، وسواءٌ من البائع للمشتري، أو العكس. والقبول: هو اللفظ الصادر عن الآخر ثانيًا. هذا عند الحنفية. انظر: ملتقى الأبحر 1/ 237، التعريفات للجرجاني ص 35، القاموس الفقهي ص 372، 294، وعند غيرهم الإيجاب: ما صدر من الولي أو البائع سواء كان أولًا أو آخِرًا. والقبول: ما صدر من الزوج أو المشتري أولًا أو آخرًا. انظر: نهاية المحتاج 3/ 363 - 366، الروض المربع 4/ 328. أما الاستيجاب: فهو طلب الإيجاب. فمثال الإيجاب =
والطلاق وفي الوكالة، لو أتى بصيغة أمر نحو: بع واشتر. قال بعض الأصحاب: هنا
(1)
لا يشترط القبول، بخلاف ما إذا أتى بصيغة عقد
(2)
نحو: وكّلتك. والصحيح لا فرق، (وفِعْلُ الأمر يُعْمل به في كل موضع يُعمل فيه بالماضي)
(3)
على الصحيح.
وأما اسم الفاعل: ففي الطلاق في قوله: أنتِ طالق. ويُعمل به في الضمان.
وأما اسم
(4)
المفعول: فيستعمل في الطلاق، والعتق، والوكالة. ويقرب من هذا: أنتِ حرام. وأنتَ حر. وأنتِ عليَّ كظهر أمي
(5)
.
وأما المصدر: فقد استعمل في الطلاق (في قوله: أنتِ الطلاق)
(6)
. وهل هو صريح أو كناية؟ فيه خلاف، ولا يبعد جريان مثل ذلك في العتق. والنظر في هذا الفصل طويل، ولعلنا نستوعبه في كتابنا
= بالأمر: تزوج ابنتي. والاستيجاب: زوجني. ومثال الإيجاب بالأمر أيضًا: اشتر. والاستيجاب: بِعْني. انظر: غاية البيان شرح زبد ابن رسلان ص 182.
(1)
أي: في حالة الأمر.
(2)
أي: صيغة عقد بالماضي.
(3)
في (ت): "وفعل الأمر يَعْمَل في كل موضع يعمل به الفعل الماضي"، وفي (غ)، و (ك):"وفعل الأمر يَعْمل في كل موضع يُعمل بالفعل الماضي".
(4)
في (ت): "الاسم".
(5)
هذه الأمثلة الأخيرة هي بمعنى المفعول، فقوله: أنتِ حرام، أي: مُحَرّمة. وأنتَ حُرٌّ، أي: مُحرَّر. وأنتِ عليَّ كظهر أمي، أي: أنت محرمة عليَّ كظهر أمي.
(6)
سقطت من (ت).
"الأشباه والنظائر"
(1)
، فإن الشيخ صدر الدين ابن المرحل رحمه الله تعالى ذكر هذا في كتابه "الأشباه والنظائر"
(2)
، وكتابنا كالتهذيب لكتابه أتمه الله تعالى.
قال: (الثالث
(3)
: صيغ العقود كبعت - إنشاء؛ إذ لو كان إخبارًا و
(4)
كان ماضيًا أو حالًا لم يقبل التعليق
(5)
وإلا لم يقع. وأيضًا إنْ كَذَبَتْ لم تُعْتبر وإن صَدَقَتْ فصِدْقُها إما بها فيدور، أو
(6)
بغيرها وهو باطل إجماعًا. وأيضًا لو قال للرجعية: طلقتك - لم يقع، كما لو نوى الإخبار).
صيغ العقود والفسوخ مثل: بعتُ، واشتريتُ، وتزوجت، وطلقت، وفسختُ، ونحو ذلك (لا مرية)
(7)
في أنها إخبارات عن أمورٍ واقعة في الزمن الماضي، وقد تستعمل في الشرع أيضًا للإخبار كما لو صدر البيع من إنسان ثم قال: بعت، مريدًا الإخبار عما صدر منه في الزمان
(8)
الماضي. أما إذا استعملت هذه الألفاظ لإحداث أحكام لم تكن قبلها فهل هي إخبارات باقية على وضعها اللغوي، أم إنشاءات نقلها الشارع إلى
(1)
انظر: الأشباه والنظائر للشارح 2/ 248.
(2)
انظر: الأشباه والنظائر لابن المرحل 1/ 138.
(3)
في (ت)، و (ص):"الثالثة". وهو خطأ؛ لأن المراد الفرع الثالث.
(4)
سقطت الواو من (ت).
(5)
سقطت من (ص).
(6)
في (ت): "وإما".
(7)
في (ص): "لامرأته".
(8)
في (ت): "الزمن".
الإنشاءاتِ المخصوصة؟
ذهب الأكثرون إلى الثاني، وهو ما قطع به المصنف.
وقالت
(1)
الحنفية: إنها
(2)
إخبارات عن ثبوت الأحكام. فمعنى قولك: "بعتُ" الإخبار عما في قلبك، فإن أصل البيع هو التراضي، ووضعت لفظة "بعت" للدلالة على الرضا، فكأنه أخبر بها عما في ضميره؛ فيقدر وجودها قبيل
(3)
اللفظ للضرورة
(4)
، وغاية ذلك أن يكون مجازًا وهو
(5)
أولى من النقل
(6)
. هذا تحرير مذهبهم فافهمه.
واستدل الأصحاب على كونه إنشاءً بدلائل:
أحدها: أن اللفظ
(7)
لو كان إخبارًا لكان إما عن ماضٍ، أو حال، أو مستقبل. والأوَّلان باطلان، وإلا يلزم أن لا يَقْبل الطلاق التعليق؛ لأن التعليق: توقُّفُ وجودِ شيءٍ على شيء آخر. والماضي والحال قد وُجِدا فلا يَقْبَله، لكن اللازم منتف؛ لقبوله التعليق إجماعًا
(8)
. وإنْ كان عن
(1)
في (ت): "وقال".
(2)
أي: العمود بلفظ الماضي.
(3)
في (ت): "قبل".
(4)
أي: يقدر وجود لفظة "بعت" قبل حصول التلفظ من المتكلم بها، للضرورة، أي: لضرورة أن التلفظ بها إخبار لا إنشاء، فالبيع قبل التلفظ موجود، واللفظة دالة عليه.
(5)
في (ت): "وهذا".
(6)
أي: غاية هذا الإخبار أن يكون مجازًا؛ لأنه ليس إخبارًا عن موجود حقيقي، بل مقدَّر، لكن هذا المجاز أولى من النقل الذي يقول به الآخرون.
(7)
أي: لفظ العقد إذا كان بصيغة الماضي، كبعت، وطلَّقت.
(8)
توضيح الدليل: أن: "طلقت" بلفظ الماضي لو كان إخبارًا عن وقوع الطلاق في =
مُسْتَقبل
(1)
لم يقع؛ لأن قوله: طلقتكِ إذن، بمنزلةِ قوله: ستصيرين طالقًا، والطلاق لا يقع بذلك.
وثانيها: لو كانت هذه الصيغ، إخبارات لكانت إما كاذبة أو صادقة:
فإن كانت كاذبة فلا اعتبار بها.
وإن كانت صادقة فصِدْقها إما أن يحصل بنفسها
(2)
، أي: يتوقف حصوله
(3)
على حصول الصيغة، أو يَحْصُلَ بغيرها:
إنْ كان الأول لزم الدور؛ لأن كون الخبر صدقًا: وهو بعتك مثلًا - موقوفٌ على وجود المخبَر عنه
(4)
: وهو وقوع البيع، فلو توقف المخبَر عنه: وهو الوقوع، على الخبر: وهو بعتك - لزم الدور
(5)
.
= الزمان الماضي أو الحاضر - لكان هذا اللفظ لا يقبل التعليق؛ لأن التعليق لا يكون إلا للمستقبل، وقد ثبت إجماعًا صحة تعليق الطلاق، فدلَّ هذا على أن لفظة: طلقت، ليست للإخبار عن ماضٍ ولا حاضر، بل هي إنشاء للطلاق، أي: أن الطلاق يوجد بهذه اللفظة.
(1)
أي: إخبارًا عن مستقبل.
(2)
أي: بنفس الصيغة.
(3)
أي: حصول الصدق.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
أي: صدق الصيغة متوقف على التحقق في الخارج، فإذا توقف التحقق في الخارج على الصيغة لزم الدور.