الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ست وثلاثين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف بن خليل اليمني الزّبيدي ثم الحسوي المالكي [1] الإمام العلّامة.
قال في «الكواكب» : لازم شيخ الإسلام الوالد سنين، وقرأ عليه في الفقه على مذهب الشافعي، وفي «ألفية ابن مالك» وقرأ عليه «شرحه المنظوم على الألفية» . انتهى وفيها برهان الدّين إبراهيم بن الشيخ شهاب الدّين أحمد بن حمزة الدمشقي [2] الشافعي الإمام العلّامة.
قال الشيخ يونس العيثاوي: كان رفيقنا في الاشتغال، ووالده من أهل العلم الكبار، وكان هو شابا، مهيبا، له يد طولى في المعقولات، دأب وحصّل، وجمع بين طرفي «المنهاج» على شيخنا البلاطنسي، ورافقنا على السيد كمال الدّين بن حمزة مع الأجلّة الأكابر، وله أبحاث عالية، وهمّة سامية، طارح للتكلّف.
سكن المدرسة التقوية ومات بها ليلة الثلاثاء سابع ربيع الأول، ودفن بباب الفراديس. انتهى وفيها تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن أبي بكر البلاطنسي [3] الشافعي الحافظ، شيخ مشايخ الإسلام، العلّامة المحقّق، الناقد المجتهد.
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 75) .
[2]
ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (25/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 78) .
[3]
ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 87- 89) و «الأعلام» (5/ 11) .
ولد يوم الجمعة عاشر رجب سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، وأخذ العلم عن والده، وعن الزّين خطّاب، والبدر ابن قاضي شهبة، وشيخي الإسلام النّجمي والتّقوي ابني قاضي عجلون، والجمال بن الباعوني، والعلاء الأيجي، والبرهان النّاجي، والشهاب الأذرعي، وغيرهم.
قال الشيخ يونس العيثاوي- وهو تلميذه-: هو من بيت صلاح وعلم، سمعت مدحه بذلك من السيد كمال الدّين بن حمزة، ودخل دمشق في طلب العلم، وأخذ عن علمائها المشار إليهم، ثم استوطنها، ولم يتناول من أوقافها شيئا. وكان يجلس في البادرائية. وأرسل إليه بأموال ووظائف فلم يقبل.
وكان عالما، عاملا، ورعا، كاملا، له مهابة في قلوب الفقهاء والحكّام، يرجع إليه في المشكلات، لا يتردد إلى أحد لغناه، وله همّة مع الطلبة، ونصيحة واعتناء بالعلم، أمارا [1] بالمعروف، نهاء عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، لا يداهن في الحقّ، له حالة مع الله تعالى، يستغاث بدعائه [2] ، ويتبرك بلحظه، قائما بنصرة الشريعة، حاملا لواء الإسلام، مجدّا في العبادة، مجانبا للرّياء، لا يحب أن يمدحه أحد، يختم القرآن في كل يوم جمعة، ويختم في شهر رمضان كل ليلة ختمتين [3] ، وأكبّ في آخرة على التّلاوة.
وله شعر متوسط، منه قصيدة نونية مدح فيها السلطان سليمان، وتعرّض فيها
[1] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «آمرا» .
[2]
قلت: الذي عليه العلماء المحقّقون أن الاستغاثة لا تحتاج إلى وساطة بين العبد المسلم وربّه امتثالا لقوله تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ 2: 186 [البقرة: 186] .
[3]
أقول: ما جاء مثل هذا عن بعض العلماء أو عن بعض السّلف أنه يختم ختمة أو ختمتين في ليلة واحدة، فمحمول على أنه لم يصلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر عن ذلك وأنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرأ الإنسان القرآن في أقل من ثلاثة أيام، لأنه يعتبر هذرمة، ولا يمكن أن يعي منه شيئا.
روى الترمذي في «سننه» رقم (2950) وأبو داود رقم (1390) وابن ماجة رقم (1347) والدارمي (1493) وأحمد (2/ 164) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث» وهو حديث صحيح (ع) .
لما حصل في زمنه من الفتوحات، كرودس [1] وغيرها.
وتوفي ليلة الاثنين ثاني المحرم، ودفن بباب الصغير جوار بلديه شيخ الإسلام شمس الدّين البلاطنسي، وقبرهما في آخر التربة من جهة الشمال.
وفيها أحمد بن منلا شيخ، المعروف بخجا كمال العجمي اللالائي [2]- نسبة إلى لالا قرية من أعمال تبريز [3]- الشافعي.
قال في «الكواكب» : كان له فضيلة ومشاركة، وهو أول من ولي نظارة النّظّار بدمشق. وتولى الجامع الأموي، والتكية السليمية، والبيمارستان، إلى جانبها.
أخذ عن شيخي الإسلام الجدّ والوالد، وعن غيرهما، وربما انتقد عليه بعض الناس أمورا، ولكن لو لم يكن له من المكرمة إلّا مصاهرة شيخ الإسلام الجدّ له، كما صاهر القاضي برهان الدّين الأخنائي، والقاضي أمين الدّين بن عبادة لكفاه توثيقا وتعديلا.
قال: ثم إن والد شيخنا أثنى على صاحب الترجمة لما أن حرق سوق باب البريد واحترق أبواب الجامع معه. قال: وكان المتكلم عليه الخجا العجمي من قبل حزم باشا، وأحسن النظر فيه وعمّر ما احترق من مال الوقف الذي كان مرصدا عنده، والحال أنه سرق له مال من منزله، وتحدّث الناس أنه يدّعي سرقة المال المرصد، ولو ادعاه لصدقوه، لكنه قال: مال الجامع محفوظ لم يسرق، فازداد الناس في مدحه وذكر عفّته. قال: وكان كذلك، فإنه لم يقطع على المستحقين شيئا بل هو الذي رتّب القراء تحت القبّة واستمر.
[1] رودوس- بضم الراء المهملة، ثم واو ساكنة، ودال مهملة، ويقال معجمة مكسورة، ثم سين مهملة- جزيرة في البحر الأبيض المتوسط على مقربة من الجنوب الغربي لتركيا المعاصرة. انظر «تقويم البلدان» لأبي الفداء ص (194) و «أطلب العالم» للأستاذ شارل جورج بدران (الخريطة رقم 42 المربع رقم 9) .
[2]
ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 108- 109) .
[3]
كذا قيدها المؤلف- رحمه الله تعالى- نقلا عن «الكواكب السائرة» ولم أجد ذكرا لها في كتب البلدان التي بين يدي.
وتوفي ليلة الخميس تاسع عشري ربيع الآخر، ودفن بباب الصغير. انتهى ملخصا.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عبد الله بن أبي بكر الفاكهي الأصل المصري المكّي الشافعي [1] ابن أخت السّراج البلقيني.
قال في «النور» : ولد في شعبان سنة ثمان وستين وثمانمائة بمكة، ونشأ بها، فحفظ القرآن و «أربعين النواوي» و «إرشاد ابن المقري» [2] و «ألفية ابن مالك» وعرض على البرهان بن ظهيرة، والمحبّ الطّبري، والعلمي، وعمر بن فهد في آخرين.
قال السخاوي: سمع مني بمكة والمدينة أشياء، بل قرأ عليّ بالقاهرة في «سنن أبي داود» وتكرّر قدومه لها، وهو حاذق فطن منوّر.
وقال جار الله بن فهد: واستمر على حاله في التردد، والحذق، وكثرة دخول القاهرة، ومخالطة الأكابر، مع الحرص على تحصيل الوظائف، وتزوج واحدة بعد واحدة، ورزق جملة أولاد، أنجبهم عبد الله بن حبيشة، وله غيره من مكّيّة ومدنيّة، وحصل الأملاك وعمرها، ثم ضعف في آخر عمره، وطلع له فتق في بدنه، وانقطع في بيته نحو جمعة بالإسهال، ثم مات بمكة يوم الجمعة تاسع عشر المحرم بعد وصية، وحصل له بالإسهال الشهادة ووقي فتنة القبر بموته يوم الجمعة، ودفن على قبر أبيه وجدّه جوار الفضيل بن عياض.
وفيها المولى شمس الدّين أحمد بن يوسف القسطنطيني [3] المولد الحنفي، المعروف بابن الجصّاص.
اشتغل، ثم خدم المولى ابن المؤيد، ثم درّس وترى في المدارس، حتى
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 34) و «النور السافر» ص (200- 201) .
[2]
وهو «الإرشاد في فروع الشافعية» للإمام شرف الدّين إسماعيل بن أبي بكر بن المقري اليمني الشافعي، المتوفى سنة (836 هـ) . انظر «كشف الظنون» (1/ 69- 70) .
[3]
ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (276) و «الكواكب السائرة» (2/ 116) .
أعطي سلطانية بروسا، ثم ولي قضاء الشام، ثم عزل منها بعد إقامته بها شهرين وأربعة أيام، ثم أتاه أمر باستمراره في دمشق مفتشا على الأوقاف.
وكان محافظا على الصلاة بالجماعة في الجامع الأموي، لا يحب أحدا يمشي أمامه على هيئة الأكابر، وصار بعد عوده إلى الرّوم مدرّسا بإحدى الثمانية بثمانين درهما.
وكان عالما، عاملا، مدقّقا، ماهرا في العلوم العقلية، بعيدا عن التكلّف، صحيح العقيدة، رحمه الله تعالى.
وفيها- ظنّا- جان التبريزي الشافعي، المعروف بميرجان الكبابي [1] ، القاطن بحلب.
قال في «الكواكب» : كان عالما، كبيرا سنيا، صوفيا، قصد قتله شاه إسماعيل صاحب تبريز لتسنّنه، فخلع العذار، وطاف في الأزقة كالمجنون، ثم صار على أسلوب الدراويش.
وقال ابن الحنبلي: زرته بحلب في العشر الرابع من القرن، وهو بحجرة ليس فيها إلّا الحصير. ومن لطيف ما سمعته منه السوقية كلاب سلوقية.
وفي تاريخ ابن طولون المسمى «مفاكهة الإخوان» [2] : وفي يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان- يعني سنة أربع وثلاثين- قدم دمشق عالم الشرق مرجان القبالي التبريزي الشافعي، وقيل: إنه كان إذا طلع محلّ درسه نادى مناد في الشوارع: من له غرض في حلّ إشكال فليحضر عند المنلا فلان. قال: ووقفت له على تفسير عدة آيات على طريقة نجم الدّين الكبرى في «تفسيره» . قال: وعنده اطلاع. انتهى
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 436- 437) و «الكواكب السائرة» (2/ 132) .
[2]
تنبيه: كذا سماه المؤلف رحمه الله «مفاكهة الإخوان» متابعا بذلك الغزّي صاحب «الكواكب السائرة» وقد وهما في ذلك، والصواب في اسمه «مفاكهة الخلان في حوادث الزمان» وقد طبع القسم الموجود منه في مصر بتحقيق الأستاذ محمد مصطفى وينتهي في أثناء أحداث سنة (926 هـ) وما ورد في كتابنا هنا نقلا عن «الكواكب السائرة» لم يرد فيه للخرم الذي حصل فيه.
ثم ذكر أنه سافر راجعا إلى بلاده من دمشق حادي عشر محرم سنة خمس وثلاثين.
قال: وكان شاع عنه أنه يمسح على الرجلين من غير خفّ، وأنه يقدّم عليا رضي الله عنه [1] ، وأنه استخرج ذلك من آية من القرآن العظيم. انتهى.
وفيها عفيف الدّين عبد الله بن عبد اللطيف بن أبي بدرون [2] السيد الشريف الحسيني الفاسي المكّي، قريب مؤرخ مكّة القاضي تقي الدّين.
ولد في شوال سنة سبع وأربعين وثمانمائة، وأجازه الحافظ ابن حجر، ومن في طبقته باستدعاء المحدّث نجم الدّين عمر بن فهد في سنة خمسين، وله سماع على الشيخ أبي الفتح المراغي العثماني وغيره.
وتوفي في شوال عن ثمان وثمانين سنة.
وفيها- تقريبا- عبد الرحمن الشامي [3] المدرّس بخانقاه سعيد السعداء بالقاهرة.
قال في «الكواكب» : الشيخ الإمام الفقيه النحوي الصّوفي. كان يتعمّم بالصوف، وله تحقيق في العلوم الشرعية والعقلية، أقبلت عليه الأكابر والأمراء، واعتقدوه، وكانوا يجلسون بين يديه متأدبين، وهو يخاطبهم بأسمائهم من غير تعظيم ولا تلقيب.
مات في حدود هذه الطبقة، ودفن قريبا من تربة السلطان إينال، ورؤيت الوحوش تنزل من الجبل فتقف على باب تربته في الليل فيخرج إليها ويكلمها فترجع. ذكره الشعراوي. انتهى.
وفيها زين الدّين عبد القادر بن أحمد الحمصي، المعروف بابن الدّعاس [4] الشيخ الفاضل العالم.
قال في «الكواكب» : دخل دمشق، وحضر دروس شيخ الإسلام الوالد،
[1] يعني في الأحقية في الخلافة.
[2]
ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 155) .
[3]
ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 160) .
[4]
ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 174) .
وكتب نسختين من مؤلّفه المسمى ب «الدرّ النّضيد في أدب المفيد والمستفيد» واجتمع به في ذهابه إلى الروم سنة ست وثلاثين، ثم رجع الوالد سنة سبع وثلاثين فوجده قد مات بحمص. انتهى.
وفيها المولى عبيد الله بن يعقوب المولى الفاضل الحنفي [1] أحد الموالي الرّومية، سبط الوزير أحمد باشا بن الفناري.
قال في «الشقائق» : قرأ على علماء عصره، واشتغل بالعلم غاية الاشتغال، ثم وصل إلى خدمة الفاضل مصلح الدّين اليارحصاري، ثم انتقل إلى خدمة الشيخ محمود قاضي العسكر المنصور، ثم صار قاضيا بحلب.
وكان فاضلا، ذكيا، له مشاركة في العلوم، ومعرفة تامة بعلم القراءات، قوي الحفظ، حفظ القرآن العظيم في ستة أشهر.
[وكان] صاحب أخلاق حميدة جدا، من الكرم في غاية لا يمكن المزيد عليها، ملك كتبا كثيرة، وهي على ما يروى عشرة آلاف مجلد. قال: ورأيت له شرحا للقصيدة المسمّاة ب «البردة» .
وقال: ابن الحنبلي: وكان له مدة إقامته بحلب شغف بجمع الكتب، سمينها وغثّها، جديدها ورثها، حتى جمع منها ما يناهز تسعة آلاف مجلد، وجعل فهرستها مجلدا مستقلا، ذكر فيه الكتاب، ومن ألّفه.
وكان مع أصالته. فاضلا سيما في القراءات [2] ، عارفا باللّسان العربي [والعبراني][3] ، سخيا [معطاء، يسامح في كثير من رسوم المحكمة][3] معتقدا في الصوفية، كثير التردد إلى مجلس الشيخ علي الكيزواني [4] لتقبيل يده، من غير
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (277- 278) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «در الحبب» (1/ 2/ 880- 883) و «الكواكب السائرة» (2/ 188) .
[2]
في «در الحبب» : «سيما في القراءة» .
[3]
ما بين الحاصرتين مستدرك من «در الحبب» مصدر المؤلّف.
[4]
هو أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الكيزوانيّ ويقال له: الكازواني- نسبة إلى كازوا- وهو الصحيح- إلا أنه اشتهر بالأول أيضا، حتى كان يقول: أنا الكيزوانيّ- الشيخ العابد المسلّك العارف بالله تعالى. مات سنة (955 هـ) وسوف يترجم المؤلف له في وفيات سنة (955) من هذا المجلد.
حائل ولا يتغالى في ملبسه، ولا يبالي به.
وكان يقول من تعاطى الأوقاف فقد تحمل أحدا أوقاف [1] . انتهى ملخصا.
وفيها الشيخ علوان علي بن عطية بن الحسن بن محمد بن الحداد الهيتي الحموي الشافعي الصّوفي الشّاذلي [2] الإمام العلّامة الفهامة، شيخ الفقهاء والأصوليين، وأستاذ الأولياء والعارفين [3] .
سمع على الشمس البازلي كثيرا من «البخاري» و «مسلم» وعلى نور الدّين بن زهرة الحنبلي الحمصي.
وأخذ عن القطب الخيضري، والبرهان النّاجي، والبدر حسن بن شهاب الدمشقيين، وغيرهم من أهلها. وعن ابن السّلامي الحلبي، وابن الناسخ الطرابلسي، والفخر عثمان الدّيمي المصري.
وقرأ على محمود بن حسن البزوري الحنوي، ثم الدمشقي الشافعي.
وأخذ طريقة التصوف عن سيدي علي بن ميمون المغربي.
قال المترجم: اجتمعت به بحماة، وكنت أعظ من الكراريس بأحاديث الرقائق ونوادر الحكم، فقال: يا علوان عظ من الرأس ولا تعظ من الكرّاس، فلم أعبأ به، فأعاد القول ثانيا وثالثا، فتنبهت عند ذلك وعلمت أنه من أولياء الله تعالى، فأتيت في اليوم القابل فإذا بالسيد في قبالتي. قال: فابتدأت غيبا، وفتح الله عليّ، واستمر الفتح إلى الآن.
قال: وأمرني بمطالعة «الإحياء» [4] وأخذت عنه طريق الصوفية.
وبالجملة، فقد كان سيدي علوان ممن أجمع الناس على جلالته، وتقدمه، وجمعه بين العلم والعمل، وانتفع الناس به وبتآليفه في الفقه، والأصول، والتصوف.
[1] قاف: بلفظ أحد الحروف المعجمة. قيل: هو الجبل المحيط بالأرض. انظر «مراصد الاطلاع» (3/ 1059) .
[2]
ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 961- 978) و «الكواكب السائرة» (2/ 206- 213) و «الأعلام» (4/ 312- 313) .
[3]
في «ط» : «وأستاذ الأولياء العارفين» بإسقاط الواو التي بين اللفظتين.
[4]
يعني «إحياء علوم الدّين» للإمام الغزالي.
وتآليفه مشهورة، منها «المنظومة الميمية» المسماة ب «الجوهر المحبوك في علم السلوك» وكتاب «مصباح الهداية ومفتاح الدراية» في الفقه. وكتاب «النصائح المهمة للملوك والأئمة» و «بيان المعاني في شرح عقيدة الشيباني» و «عقيدة مختصرة» وشرحها. ورسالة سمّاها «فتح اللطيف بإسرار التصريف» على نهج رسالة شيخه التي في إشارات «الجرومية» وشرح «يائية ابن الفارض» و «تائية ابن حبيب» وهو أشهر كتبه. وكتاب «مجلي الحزن» في مناقب شيخه السيد الشريف أبي الحسن. و «النفحات القدسية في شرح الأبيات الششترية» وهي التي نقلها سيدي أحمد زرّوق [1] في «شرح الحكم العطائية» .
ومن نظمه في النفحات المذكورة:
القتل في الحبّ أسنى منية الرّجل
…
طوبى لمن مات بين السّيف والأسل
سيف اللّحاظ ورمح القدّ كم قتلا
…
من مستهام فقاداه إلى الأجل
لو تعلم الرّوح فيمن أهدرت تلفا
…
أضحت ومقدارها في نيل ذاك علي
إن الغرام وإن أشفى [2] السّقيم به
…
على الهلاك لدرياق من العلل
يا حبذا سقمي فيهم وسفك دمي
…
به ارتفعت بلا شكّ على زحل
أحباب قلبي بعيش قد مضى بكم
…
جودوا بوصل فأنتم غاية الأمل
أشكو انقطاعي وهجري والصّدود لكم
…
إن تقطعوا بانصرام الودّ ما حيلي
وحقّ معنى جمال يجتلي أبدا
…
من حسن طلعتكم قدما من الأزل
ما حلت عنكم ولا أبغي بكم بدلا
…
فليس من شيمتي ميل إلى البدل
[1] تنبيه: وهم المؤلف رحمه الله حين ترجم له في وفيات سنة (899) من المجلد التاسع فسمّاه «إسماعيل بن أحمد- وفي «ط» ابن محمد- بن عيسى البرلسي المغربي الفاسي المالكي، المعروف ب «ابن زروق» وتبعته أنا في غفلة مني اعتذر للقراء عنها أشد الاعتذار، والصواب في اسمه:
أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي أبو العبّاس، ويعرف ب زروق- بفتح المعجمة، ثم مهملة مشددة، بعدها واو ثم قاف- وترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 222- 223) و «درة الحجال» (1/ 90- 91) و «فهرس الفهارس» (1/ 455- 456) و «الأعلام» (1/ 91) .
[2]
تصحفت اللفظة في «ط» إلى «أشقى» .
هيهات أن أنثني يوما إلى أحد
…
وليس غيركم في الكون يصلح لي
وتوفي- رضي الله عنه بحماة في جمادي الأولى.
قال ولده سيدي محمد في «تحفة الحبيب» : ولقد أخبرني بموته قبل حلول مرضه، وعرف بأمور تصدر في بلدته وغيرها بعد موته من أصحابه وغيرهم، فجاءت مواعيده التي أشار بها كفلق الصبح.
وفيها زين الدّين أبو حفص عمر بن أحمد بن علي بن محمود بن الشّماع الحلبي الشافعي [1] الإمام العلّامة المسند المحدّث.
ولد سنة ثمانين وثمانمائة تقريبا، واشتغل على محيي الدّين بن الأبّار، والجلال النّصيبي، وغيرهما من علماء حلب.
وأخذ الحديث عن التّقي الحبيشي الحلبي وغيره بحلب، وعن الجلال السّيوطي، والقاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف بالقاهرة، وقد زادت شيوخه بالسماع على مائتين، وبالإجازة العامة دون السماع، والإجازة الخاصة على مائة، وحجّ وجاور بمكة مرات، وسافر في طلب الحديث إلى حماة، وحمص، ودمشق، وبيت المقدس، وصفد، والقاهرة، وبلبيس، والحرمين الشريفين، وغيرها، وصحب بمكّة سيدي محمد بن عراق، ولبس منه الخرقة، وتلقّن منه الذكر، وأخذ الطريق أيضا عن الشيخ علوان الحموي، وصحبه، وأخذ عنه الشيخ علوان أيضا.
وكان إماما، عالما، أمّارا بالمعروف نهاء عن المنكر، لا يقبل هدايا أهل الدنيا، ولا يتولى شيئا من الوظائف والمناصب، بل يتقنع [2] بما يحصل له من ربح ما كان يضارب به رجلا من أصحابه.
وله مؤلفات كثيرة، منها «مورد الظمآن في شعب الإيمان» ومختصره «تنبيه الوسنان إلى شعب الإيمان» ومختصر شرح الروض سمّاه «مغني الراغب في روض
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 1012- 1025) و «الكواكب السائرة» (2/ 224- 227) و «الأعلام» (5/ 41) .
[2]
في «ط» : «يقنع» .
الطالب» وكتاب «بلغة المقتنع في آداب المستمع» و «الدّر الملتقط من الرياض النضرة في فضائل العشرة» و «العذب الزلال في فضائل الآل» و «اللآلي اللامعة في ترجمة الأئمة الأربعة» و «المنتخب من النظم الفائق في الزهد والرقائق» و «عرف الند في المنتخب من مؤلفات ابن فهد» و «الفوائد الزاهرة في السلالة الطاهرة» و «المنتخب المرضي من مسند الشافعي» و «لقط المرجان من مسند النعمان» وإتحاف العابد الناسك بالمنتقي من موطأ مالك» و «الدر المنضد من مسند أحمد» و «اليواقيت المكلّلة في الأحاديث المسلسلة» و «القبس الحاوي لغرر ضوء السخاوي» و «المواهب الملكية» ، و «تحفة الأمجاد» والتذكرة المسماة «سفينة نوح» والسيرة الموسومة ب «الجواهر والدرر» وكتاب «محرّك همم القاصرين لذكر الأئمة المجتهدين المتعبدين» و «النبذة الزاكية فيما يتعلق بذكر أنطاكية» و «عيون الأخبار فيما وقع له في الإقامة والأسفار» .
ومن شعره في معنى الحديث المسلسل بالأولية:
كن راحما لجميع الخلق منبسطا
…
لهم وعاملهم بالبشر والبشر
من يرحم النّاس يرحمه الإله كذا
…
جاء الحديث به عن سيّد البشر
وتوفي بحلب صبح يوم الجمعة قبيل أذانه ثاني عشر صفر، ودفن تحت جبل الجوشن عند الجادة التي يرد عليها من يرد من أنطاكية.
وفيها كمال الدّين محمد بن علي القاهري الشافعي [1] قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية، الشهير بالطويل، الإمام العلّامة شيخ الإسلام.
ولد سنة ست وأربعين وثمانمائة.
قال الشعراوي: كان من أولاد الترك، وبلغنا أنه كان في صباه يلعب بالحمام في الريدانية، فمرّ عليه سيدي إبراهيم المتبولي، وهو ذاهب إلى بركة الحاج، فقال له: مرحبا بالشيخ كمال الدّين شيخ الإسلام، فاعتقد الفقراء أنه يمزح معه إذ لم يكن عليه أمارة الفقهاء، ففي ذلك اليوم ترك لعب الحمام واشتغل بالقراءة
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 80- 81) و «الكواكب السائرة» (2/ 45- 46) .
والعلم، وعاش جماعة الشيخ إبراهيم حتّى رأوه تولى مشيخة الإسلام وهي عبارة عن قضاء القضاة.
أخذ الشيخ كمال الدّين العلم والحديث عن الشّرف المناوي، والشهاب الحجازي، وغيرهما. وسمع «صحيح مسلم» وغيره على القطب الخيضري، و «ألفية العراقي» وغيرها على الشرف المناوي.
قال الشعراوي: وكان إماما في العلوم والمعارف، متواضعا، عفيفا، ظريفا، لا يكاد جليسه يملّ من مجالسته، انتهت إليه الرئاسة في العلم، ووقف الناس عند فتاويه، وكانت كتب مذهب الشافعي كأنها نصب عينيه لا سيما كتب الأذرعي، والزركشي، وقدم دمشق وحلب، وخطب بدمشق لما كان صحبة الغوري، وأخذ بحلب عنه الشمس السّفيري، والمحيوي بن سعيد، وعاد إلى القاهرة فتوفي بها، ورؤي في ليلة وفاته أن أعمدة مقام الشافعي سقطت، ودفن بتربته خارج باب النصر.
وفيها شمس الدّين محمد بن علاء الدّين علي بن شهاب الدّين أحمد الحريري الدمشقي، الشهير بابن فستق الشافعي [1] ، الحافظ لكتاب الله تعالى، مع الإتقان.
قال في «الكواكب» : كان فاضلا، صالحا، مقرئا، مجوّدا، في خدمة الجدّ شيخ الإسلام رضي الدّين الغزّي ومن أخصائه، ثم لازم شيخ الإسلام الوالد وحضر دروسه كثيرا. انتهى وفيها أبو الفتح محمد القدسي الشافعي [2] الإمام العلّامة.
كان شيخ الخانقاة السميساطية جوار جامع بني أمية بدمشق، وولي نظر العذراوية، وكان له سكون وله شرح على «البردة» .
توفي يوم الجمعة عشري جمادى الآخرة.
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 46- 47) .
[2]
ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 68) .
وفيها شمس الدّين محمد البانقوسي [1] الحلبي، عرف بابن طاش بصتي [2] .
تفقه على ابن فخر النساء، ودرّس بالأتابكية البرانية بحلب، وكان صالحا، مباركا، قليل الكلام، حسن الخط، كبير السنّ، كثير التهجد، رحمه الله تعالى.
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 324- 325) و «الكواكب السائرة» (2/ 69) .
[2]
في «آ» و «ط» : «طاش بفطي» وفي «الكواكب السائرة» : «طاش بنطي» وما أثبته من «در الحبب» .