الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة إحدى وخمسين وتسعمائة
فيها توفي الشيخ شهاب الدّين أحمد بن محمد بن داود المنزلاوي الشافعي [1] ، الشيخ الصّالح الزّاهد الورع.
كان محدّثا، فقيها، صوفيا، كريما، يخدم الفقراء بنفسه- كما كان والده- ويقري الضيوف، وتظهر عليه خوارق في ذلك، فربما يجعل الماء والأرز في القدر، فيجعل الله فيه الدسم من لبن وغيره، حتى يقول الضيف: ما ذقت ألذّ منه، وربما ملأ الإبريق من البئر شيرجا أو عسلا.
وكانت له هيبة عند الحكّام، وكان قائما بشعار السّنّة في بلاد المنزلة ودمياط، بحيث لا يقدر أحد أن يتظاهر فيهما بمعصية أو ترك صلاة.
توفي بالمنزلة عن نيّف وثمانين سنة، ودفن عند والده.
وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن العلّامة سراج الدّين عمر البارزي الحموي الشافعي [2] المعمّر الإمام الفاضل.
وفيها أمير شريف العجمي المكّي [3] العلّامة في الطبّ.
قدم دمشق سنة تسع وأربعين وتسعمائة، متوجها إلى الرّوم.
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 100) ، و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 187- 188) .
[2]
ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 114- 115) .
[3]
ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 124) .
قال ابن طولون: وبلغني أنه شرح «رسالة الوجود» للسيد الشريف، وشرح «الفصوص» [1] للمحيي الدين العربي. انتهى.
وفيها بدر الدّين حسن بن إسكندر بن حسن بن يوسف بن حسن النّصيبي الحلبي، ثم المصري [2] الضّرير الشافعي، المعروف بالشيخ حسن.
ولد سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وكان عالما بارعا في الفقه، والقراآت، والنحو، والتجويد.
قال الشعراوي: شيخي وقدوتي إلى الله تعالى، العلّامة الورع الزّاهد.
كان عالما، عاملا، حافظا لمتون الكتب الشرعية وآلاتها على ظهر قلب، حافظا للسانه، ملازما لشأنه، مواظبا على الطهارة الظّاهرة والباطنة، غزير الدمعة، لا يسمع آية أو حديثا أو شيئا من أحوال الساعة وأهوال يوم القيامة إلّا بكى، حتى أرحمه من شدة البكاء.
قال: وكان كريم النّفس، جميل المعاشرة، أمّارا بالمعروف، لا يداهن أحدا في دين الله تعالى، وهو أكثر أشياخي [3] نفعا لي، قرأت عليه القرآن، و «المنهاج» و «الألفية» و «الشاطبية» و «التوضيح» و «جمع الجوامع» و «تلخيص المفتاح» و «قواعد الإعراب» .
وتوفي بمصر ودفن خارج باب النصر. انتهى ملخصا وفيها المولى عبد العزيز بن زين العابدين الحنفي [4] أحد موالي الرّوم، الشهير بابن أم ولد شهرة جدّه لأمّه.
[1] يعني «فصوص الحكم» وقد نشر قديما في مطبعة دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة في جزأين بمجلد واحد سنة (1365 هـ) .
[2]
ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 134- 135) .
[3]
في «ط» : «أشياخه» .
[4]
ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (244) و «در الحبب» (1/ 2/ 807- 816) ، و «الكواكب السائرة» (2/ 168- 169) .
اشتغل بالعلم، وحصّل، واتصل بخدمة المولى ابن المؤيد، ودرّس بمدرسة داود باشا بالقسطنطينية، ثم بدار الحديث بأدرنة، ثم ولي قضاء حلب، ثم صار مفتيا ومدرّسا بأماسية، ثم ترك المناصب، وتقاعد، فعيّن له كل يوم سبعون عثمانيا.
وكان عالما، كاملا، شاعرا، لطيفا.
ومن شعره ما كتبه على وثيقة وهو قاض بمغنيسا:
هذه حجّة مبانيها [1]
…
أسست بالوثاق تأسيسا
صحّ عندي جميع فحواها
…
لن ترى في السطور تلبيسا
ثم عبد العزيز وقّعها
…
قاضيا في ديار مغنيسا
قال ابن الحنبلي: كان فاضلا، فصيحا، حسن الخط، لطيف الشعر باللسان العربي، بديع المحاضرة، جميل المذاكرة. انتهى وتوفي بالقسطنطينية.
وفيها الشيخ زين الدّين عمر العقيبي [2] العارف بالله تعالى، المربي المسلك الحموي الأصل، ثم العقيبي الدمشقي، المعروف بالإسكاف.
كان في بدايته إسكافا يصنع النّعال الحمر، ثم صاحب الشيخ علوان الحموي، وبقي على حرفته، غير أنه كان ملازما للذّكر أو الصّمت، ثم غلبت عليه الأحوال، فترك الحرفة، وأقبل على المجاهدات، ولزم خدمة أستاذه الشيخ علوان، حتى أمره أن يذهب إلى دمشق ويرشد الناس.
وكان كثير المجاهدات، شديد التّقشف، ورعا.
وكان أمّيّا، لكن ببركة صدقه فتح الله عليه في الكلام في طريق القوم والتكلم على الخواطر التي يشكوها إليه الفقراء.
[1] تحرفت في «ط» إلى «مباينها» .
[2]
ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 229- 233) ، و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 224- 225) .
وكان مدة إقامته بدمشق، يسافر لزيارة شيخه في كل سنة مرة، يقيم بحماة ثلاثة أيام ويرجع.
قال الشيخ إبراهيم بن الأحدب: وأخذت عنه الطريق، وانتفعت به، وانتفع به كثير من الناس. انتهى وكان يعامل أصحابه ومريديه، بالمجاهدات الشاقة على النّفوس، وكان ربما أمر بعضهم بالركوب على بعير، ويعلّق في عنقه بعض الأمتعة، ويأمر آخر أن يقود به البعير وهما يجهران بذكر الله تعالى، كما هو المشهور من طريقته، وله أحوال خارقة.
ومن جملة مريديه وملازميه الشيخ محمد الزّغبي المجذوب المعتقد، وكان للشيخ عمر ولدان، وكان عيسى باشا كافل دمشق من جملة معتقديه، وأخذ عنه الطريق.
وتوفي الشيخ عمر في هذه السنة، ودفن بزاويته بمحلّة العقيبة، وظهر في الشمس تغيّر وظلمة شبه الكسوف يوم موته.
وفيها أقضى القضاة محبّ الدّين محمد بن قاضي القضاة سري الدّين عبد البرّ بن محمد بن الشّحنة المصري [1] المولد والمنشأ الحنفي.
كان أسمر، من سرية أبيه المسماة غزال، واشتغل بالعلم على أبيه وغيره، وولي نيابة الحكم عنده [2] ثم نيابة الحكم عنه [2] ، ثم قدم إلى [3] حلب عند انقضاء الدولة الجركسية، بعد أن حجّ وجاور.
وكان مقداما، محتشما، حسن الملبس، لطيف العمامة، حسن المطارحة، لطيف الممازحة، رقيق الطبع، سريع الشّعر مع حسنه ورقته في الجملة.
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 256- 258) ، و «الكواكب السائرة» (2/ 40) ، و «إعلام النبلاء» (5/ 500- 501) .
[2]
ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3]
لفظة «إلى» سقطت من «ط» .
ومن شعره في مليح اسمه إبراهيم:
يا حبيبي صل معنّي
…
ذاب وجدا وغراما
وارحمن صبّا كساه
…
غزل عينيك سقاما
ورماه عن قسيّ ال
…
حاجب اللّحظ سهاما
أنحلته رقّة الخص
…
ر نحولا حيث هاما
لا يرى إلّا خيالا
…
إن تقل [1] فيه نظاما
لم يذق من يوم غبتم
…
عنه لا أكلا ولا ما
أطلقت عيناه نهرا
…
طلّقت منه المناما
أوقدت حشو [2] حشاه
…
نار خدّيك ضراما
عجبا للنّار فيه
…
وبه حزت المقاما
إنّ بعد الوصل عادت
…
بك بردا وسلاما
وتوفي بحلب ليلة الأحد تاسع شعبان قبيل الفجر، ودفن بتربة موسى الحاجب خارج باب المقام.
وفيها قاضي القضاة، عفيف الدّين محمد بن علي بن عمر بن علي بن جنغل- بضم الجيم، والغين المعجمة، بينهما نون ساكنة- الحلبي المالكي [3] آخر قضاة المالكية بحلب، وابن قضاتها.
ولد يوم الأربعاء تاسع عشري شوال سنة أربع وسبعين وثمانمائة، وتفقه بالشيخ علي المكناسي [4] المغربي المالكي، وولي القضاء من قبل السلطان
[1] كذا في «آ» و «ط» و «الكواكب السائرة» : «إن تقل» وفي «درّ الحبب» : «إن يقل» .
[2]
في «آ» و «ط» : «حشي» وما أثبته من «درّ الحبب» و «الكواكب السائرة» .
[3]
ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 276- 278) و «الكواكب السائرة» : (2/ 48) و «إعلام النبلاء» (5/ 499- 500) .
[4]
كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» وإحدى نسخ «درّ الحبب» كما في حاشيته: «المكناسي» . وفي «ط» و «درّ الحبب» و «إعلام النبلاء» : «الكناسي» .
الأشرف قايتباي تاسع عشري شوال سنة سبع وتسعين وهو ابن نيف وعشرين سنة، ثم انكفّ عن المناصب في الدولة العثمانية، ولزم بيته آخرا في رفاهية وطيب عيش، والمسلمون سالمون من يده ولسانه، ولم يكن يخرج من بيته إلّا لصلاة الجمعة والعيدين، وربما شهد بعض الجنائز.
وتوفي في [1] نهار الأربعاء ثاني شوال.
وفي حدودها عصام الدّين إبراهيم بن محمد بن عرب شاه [2] من ذرّيّة أبي إسحاق الإسفراييني- وإسفرايين [3] قرية من قرى خراسان.
كان أبوه قاضيا بها وجدّه في أيام أولاد تيمور- وهو من بيت علم، ونشأ هو طالبا للعلم [4] ، فحصّل وبرع، وفاق أقرانه، وصار مشارا إليه بالبنان.
وكان بحرا في العلوم، له التصانيف الحسنة النافعة في كل فنّ، خرج في أواخر عمره من بخارى إلى سمرقند لزيارة الشيخ العارف خواجه عبيد الله النّقشبندي، فمرض بها مدة اثنين وعشرين يوما، ثم قضى نحبه عن اثنتين وسبعين سنة. وكان آخر ما تلفظ به: الله.
وازدحم الناس للصلاة عليه ودفن بسمرقند قرب الشيخ المذكور.
وفيها جمال الدّين أبو مخرمة محمد بن عمر باقضام الفروعي الشافعي [5] يجتمع مع الفقيه عبد الله بن أحمد مخرمه في الأب السادس.
ولد ببلدة الهجرين من اليمن ونشأ بها، ثم ارتحل إلى عدن لطلب العلم، فأخذ عن إماميها الفقيه عبد الله بن أحمد مخرمه، والفقيه محمد بن أحمد فضل، ثم ارتحل إلى زبيد وأخذ عن علمائها، ثم رجع إلى عدن ولازم الإمام عبد الله بن
[1] لفظة «في» لم ترد في «آ» .
[2]
ترجمته في «الأعلام» (1/ 66) ووفاته فيه (945) وانظر حاشيته.
[3]
لفظة «وإسفرايين» سقطت من «ط» .
[4]
في «ط» : «العلم» .
[5]
ترجمته في «النور السافر» ص (238- 239) .
أحمد مخرمه وولده العلّامة شهاب الدّين أحمد، وانتفع بهما، وتخرّج عليهما.
ولما وصل العلّامة محمد بن الحسين القمّاط قاضيا على عدن، ثم بعده العلّامة أحمد بن عمر المزجد قاضيا أيضا، لازم كلّا منهما، ولم يزل مجتهدا حتى فاق أقرانه في الفقه، وصار في عدن هو المشار إليه، والعلم المعوّل عليه، واحتاج الناس إلى علمه، وقصدوه بالفتوى من النواحي البعيدة، لكنه قد كان [1] يتساهل في الفتاوى ويترك المراجعة، لا سيما في أواخر عمره، فاختلفت أجوبته وتناقضت فتاويه، وكان ذلك مما عيب عليه، ثم كان السلطان عامر بن داود- وهو آخر ملوك بني طاهر بعدن- استماله في آخر عمره وأحسن إليه لأغراض فاسدة عزم عليها، فكان إذا عزم على أمر فاسد يتعلق بالشرع أرسل إليه من يشاوره في كتب سؤال في القضية، فيجيبه إلى ذلك، ويكتب على سؤالاتهم أجوبة توافق أغراضهم، فيتوصلون بها إلى مفاسد لا تحصى، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وتوفي ببلدة الهجرين، سامحه الله تعالى.
[1] في «آ» و «ط» : «ولكنه كان قد» وأثبت لفظ «النور السافر» مصدر المؤلّف، ولا حاجة للفظة «قد» في السياق هنا.