الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثمان وستين وتسعمائة
فيها كما قال في «النور» [1] : جاء جنكز خان إلى سرت، وأحرق دورها، وخرّبها، وسبى أهلها، واستأثر، وقتل صاحبها خداوند خان، قتل يوم الثلاثاء آخر ذي القعدة بجلنجان، وكان خداوند هذا أميرا، كبيرا، جليلا، رفيع المنزلة، حسن الأخلاق، جميل الصورة، طيّب السيرة، جوادا، سخيا محببا إلى الناس، محبّا لأهل الخير، مجمعا لأهل العلم، حسن العقيدة في الأولياء، عريق الرئاسة.
وكانت سرت في زمنه مأوى للأفاضل، ورثاه أبو السعادات الفاكهي بقصيدة طنّانة مطلعها:
الدّهر في يقظة والسّهو للبشر
…
والموت يبدو ببطش البدو والحضر
والسّأم أصعب كأس أنت ذائقه
…
قبل التّدثّر للأجساد بالحفر
انتهى.
وفيها توفي القطب العارف بالله تعالى أحمد بن الشيخ حسين بن الشيخ عبد الله العيدروس [2] .
قال في «النور» : كان من سادات مشايخ الطريقة المكاشفين بأنوار الحقيقة، جمع له بين كمال الخلق والخلق، وبسط المعرفة، وصحّة النّيّة، وصدق المعاملة، ومناقبه كثيرة وأحواله شهيرة.
[1] انظر «النور السافر» ص (268- 269) .
[2]
ترجمته في «النور السافر» ص (272- 273) .
وتوفي في سابع جمادى الأولى بتريم، ورثاه والدي بمرثية عظيمة مطلعها:
تقضي فتمضي حكمها الأقدار
…
والصّفو تحدث بعده الأكدار
انتهى.
وفيها المولى عصام الدّين أبو الخير أحمد بن مصلح الدّين، المشتهر بطاش كبري زاده [1] صاحب «الشقائق النعمانية» .
قال في «ذيل الشقائق» المذكورة المسمى ب «العقد المنظوم في ذكر أفاضل الرّوم» : كان من العلماء الأعيان، توفي وهو مدرّس بإحدى المدارس الثمان بعد ما كان قاضيا بحلب، وأخذ عن أبيه الحديث والتفسير، ثم قرأ على المولى سيدي محمد القوجوي، وصار ملازما له [2] ، ثم على المولى محمد الشهير بميرم جلبي، وكمّل عنده العلوم الرياضية، وقرأ على غير هؤلاء، ودرّس بعدة مدارس، ثم قلّد قضاء قسطنطينية، فأجرى الأحكام الدينية إلى أن رمد رمدا شديدا، انتهى إلى أن عميت كريمتاه، فكان مصداق ما جاء في الأثر «إذا جاء القضاء عمي البصر» [3] فاستعفى عن المنصب، واشتغل بتبييض بعض تآليفه، وكان بحرا، زاخرا، منصفا، مصنّفا، راضيا بالحقّ، عاريا عن المكابرة والعناد، وإذا أحسّ من أحد مكابرة أمسك عن التكلم.
وحكي عنه أنه أمسك لسان نفسه وقال: إن هذا فعل ما فعل من التقصير والزّلل، وصدر عنه ما صدر من الحق والغلط، غير أنه ما تكلم في طلب المناصب الدنيوية قطّ.
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (336- 340) و «الشقائق النعمانية» ص (325- 331) و «الأعلام» (1/ 257) و «معجم المؤلفين» (2/ 177) .
[2]
في «ط» : «ملازما منه» .
[3]
ذكره العجلوني في «كشف الخفاء» (1/ 107) بلفظ: «إذا نزل القضاء عمي البصر» وعزاه للحاكم من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما، وتكلم عليه ضمن كلامه عن حديث:«إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، سلب من ذوي العقول عقولهم، حتّى ينفذ فيهم قضاؤه وقدره» (1/ 81- 82) وانظر «الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» للسيوطي ص (23) طبع مكتبة دار العروبة بالكويت.
ومن مصنّفاته «المعالم في الكلام» و «حاشية على حاشية التجريد» للشريف الجرجاني من أول الكتاب إلى مباحث الماهية، جمع فيه مقالات المولى القوشي، والجلال الدّواني، ومير صدر الدّين، وخطيب زاده، وشرح القسم الثالث من «المفتاح» وكتاب «الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية» وقد جمعه بعد عماه، وهو أول من تصدى له. وكتاب ذكر فيه أنواع العلوم وضروبها وموضوعاتها وما اشتهر من المصنّفات في كل فنّ مع نبذ من تواريخ مصنّفيها [1] وهو كتاب نفيس غزير الفوائد، وجمع كتابا في التاريخ كبيرا واختصره، وله غير ذلك، وابتلى بمرض الباسور وبه توفي سنة ثمان وستين وتسعمائة. انتهى ما ذكره صاحب «ذيل الشقائق» باختصار.
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن حسين بن علي بن أبي بكر بن علي الأسدي الحلبي الحنفي، المشهور بابن درم ونصف [2] الإمام العلّامة.
ولد في محرم سنة ست وثلاثين وتسعمائة، وحفظ القرآن العظيم، وتخرّج بعمّه أخي أبيه لأمه الشيخ عبد الله الأطعاني في معرفة الخطّ والقراءة، ثم لازم ابن الحنبلي أكثر من عشرين سنة في عدة فنون، كالعربية، والمنطق، وآداب البحث، والحكمة، والكلام، والأصول، والفرائض، والحديث، والتفسير، وأجازه إجازة حافلة في سنة سبع وستين.
وحجّ وجاور سنة، فأخذ فيها عن السيد قطب الدّين الصّفوي «المطول» وعاد إلى حلب، فلازم منلا أحمد القزويني في الكلام والتفسير، وتولى مدرسة الشهابية تجاه جامع الناصري بحلب، وطالع كتب القوم وتواريخ الناس، ونظم الشعر.
ومن شعره مقتبسا:
يا غزالا قد دهاني
…
لم يكن لي منه [3] علم
لا تظنن ظنّ سوء
…
إنّ بعض الظنّ إثم
[1] وهو كتابه الهام «مفتاح السعادة ومصباح السيادة» وله أكثر من طبعة.
[2]
ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 386- 396) .
[3]
في «درّ الحبب» : «فيه» .
وفيها القاضي أبو الجود محمد بن محمد بن محمد الأعزازي [1] .
قال في «الكواكب» : كتب بخطّه لنفسه ولغيره من الكتب المبسوطة ما يكاد يخرج عن طوق البشر، من ذلك خمس نسخ من «القاموس» وعدة نسخ من «الأنوار» وعدة نسخ من «شرح البهجة» و «شرح الروض» [2] وكتب «البخاري» وشرحه لابن حجر [2] في كتب أخرى لا تحصى كثرة.
وكتب نحو خمسين مصحفا. كل ذلك مع اشتغاله بالقضاء، ووقف نسخة من «البخاري» على طلبة اعزاز قبل وفاته. انتهى وفيها المولى محمود الإيديني [3] المعروف بخواجه قيني [4] .
قال في «العقد المنظوم» : كان أبوه من كبار قضاة القصبات، ثم طلب ابنه هذا العلم، وأكبّ حتّى صار ملازما، وتزوج المولى خير الدّين معلم السلطان بأخته، فعلت به كلمته، وارتفعت مرتبته، فقلّد مدارس عدة، ثم قلّد قضاء حلب، ثم قضاء مكة مرتين.
وكان حسن الخلق، بشوشا، حليما، لا يتأذى منه أحد، أدركته منيته بقصبة إسكدار. انتهى وفيها المولى يحيى بن نور الدّين الشهير بكوسج الأمين الحنفي [5] .
كان أبوه من الأمناء العثمانية، متوليا على الخراجات الخاصة، فاختار صاحب الترجمة طريق العلم على طريق آبائه، فاشتغل على أفاضل زمانه، حتى صار معيدا لدرس علاء الدّين الجمالي، وتميّز في خدمته، حتى زوّجه بابنته، ودرّس بعدة مدارس، ثم قلّد قضاء بغداد.
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 178- 179) و «الكواكب السائرة» (3/ 12) .
[2]
ما بين الرقمين لم يرد في «درّ الحبب» الذي بين يدي.
[3]
في «ط» : «الايدني» وهو خطأ.
[4]
ترجمته في «العقد المنظوم» ص (341) .
[5]
ترجمته في «العقد المنظوم» ص (340) .
وكان من أفاضل الرّوم، صاحب يد طولى في الحديث والتفسير والوعظ، بحيث لما بنى السلطان سليمان مدرسته بقسطنطينية وجعلها دار حديث أعطاها له لاشتهاره بعلم الحديث، وعيّن له كل يوم مائة درهم، ثم اتفق أنه اتهم [1] ببيع الإعادة والملازمة، وأخذ الرشى على إعطاء الحجرات، فغضب عليه السلطان وعزله، فاغتم لذلك غما شديدا، فلم يمض إلّا القليل حتّى توفي.
وكان لذيذ الصحبة، حلو المحاورة، خاليا عن الكبر والخيلاء، مختلطا بالمساكين والفقراء، إلا أن فيه خصلة سميه يحيى بن أكتم. قاله في «ذيل الشقائق» .
[1] لفظة «اتهم» لم ترد في «آ» .