الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامسالاعلال بالخطأ وما أشبهه
قد يطلع الجهبذ من أئمة الحديث على حديث ما فيحكم عليه بالخطأ أو الوهم مع أن الظاهر السلامة من هذه العلة، لكن العالم الفهم لا يحكم بذلك عن هوى بل يترجح لديه ان أحد الرواة قد اخطأ في هذا الحديث وذلك للقرائن التي تحيط بالحديث، ومثل هذا لا يتضح لأي أحد الا لمن منحه الله فهما دقيقا واطلاعا واسعا وادراكا كبيرا ومعرفة بعلل الأسانيد ومتونها ومشكلاتها وغوامضها ومعرفة بطرق الحديث ومخارجها واحوال الرواة وصفاتهم. وقد يختلف النقاد في اعلال الحديث بالخطأ فمنهم: من يترجح له ذلك ومنهم من لا يرى خطأ في الرواية.
والاعلال بالخطأ يشمل ما أخطأ فيه الراوي، أو أوهم، أو قلب في السند أو في المتن أو صحف أو حرف. وفيما يأتي: نذكر، أمثلة لذلك، ثم نسوق بعض النماذج مبينين أثر ذلك في اختلاف الفقهاء:
نموذج للاعلال بالخطأ وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء
مثال ذلك: حديث أبي اسحاق السبيعي، عن الأسود، عن عائشة، قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء)) (1) .
(1) أخرجه الطيالسي (1397) ، واحمد 6/43 و 106 و 109 و 146 و 171، وأبو داود 1/58 رقم (228) ، وابن ماجه 1/192 رقم (581) و (582) و (583) ، والترمذي 1/202 رقم (118) ، وأبو يعلى (4729) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/124 و 125، والبيهقي 1/201، والبغوي (268) .
وهذا الحديث اسناده صحيح وليس له علة، لكن حكم جماعة من أئمة الحديث على هذا الحديث بالخطأ؛ فقد قال الامام أحمد:((انه ليس بصحيح)) ، وقال أبو داود:((هو وهم)) .
وقال يزيد بن هارون: ((هو خطأ)) ، وقال ابن مفوز: اجمع المحدثون: ((على أنه خطأ من أبي اسحاق)) ، وقال الترمذي:((يرونه أنه غلط من أبي اسحاق)) (1) .
واعلال المحدثين حديث أبي اسحاق السبيعي ذلك لما صح: عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ قبل أن ينام)) (2) . فكأنهم رأوا حديث أبي اسحاق يخالف ما رواه الجم الغفير عن عائشة في:((انه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ قبل أن ينام)) .
والذي يبدو لي ان لا معارضة بين الحديثين، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ احيانا ولا يمس الماء أحيانا؛ لذا قال ابن قتيبة بعد أن ذكر الحديثين:((ان هذا كله جائز، فمن شاء أن يتوضأ وضوءه للصلاة بعد الجماع ثم ينام، ومن شاء غسل يده وذكره ونام، ومن شاء نام من غير أن يمس ماء، غير أن الوضوء أفضل. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذا مرة ليدل على الفضيلة، وهذا مرة ليدل على الرخصة ويستعمل الناس ذلك، فمن أحب أن يأخذ بالأفضل أخذ، ومن أحب أن يأخذ بالرخصة أخذ)) (3) .
(1) التلخيص 1/148-149.
(2)
أخرجه الطيالسي (1384) و (1485) ، وعبد الرزاق (1073) ، وابن أبي شيبة 1/60 و 61، والدارمي (763) و (2084) ، وأحمد 6/126 و 143 و 191، والبخاري 1/80 رقم (288) ، ومسلم 1/170 رقم (305) ، وأبو داود 1/57 رقم (222) و (223) و (224) ، وابن ماجه 1/194 رقم (591) ، وعلقه الترمذي 1/203 عقيب (119) ، والنسائي 1/139، وابن خزيمة (215) ، وأبو عوانة 1/278، والطحاوي في شرح المعاني 1/125، وابن حبان (1217) و (1218) ، والبيهقي 1/200 و 300، والبغوي (265) .
(3)
نقله محقق مسند أبي يعلى 8/175-176.
وحديث أبي اسحاق صححه البيهقي، فقد قال:((وحديث أبي اسحاق السبيعي صحيح من جهة الرواية، وذلك أن أبا اسحاق بين سماعه من الأسود في رواية زهير بن معاوية، عنه، والمدلس اذا بين سماعه ممن روى عنه وكان ثقة فلا وجه لرده)) (1) .
وحديث أبي اسحاق السبيعي (2) له شواهد تعضده قال البيهقي: ((ويؤيده ما رواه هشيم عن عبد الملك، عن عطاء، عن عائشة مثل رواية أبي اسحاق عند الأسود)) (3) .
وما صح عن ابن عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ((نعم ويتوضأ ان شاء)) (4) .
وحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت جنبا فيأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة فيقوم فيغتسل)) (5) .
(1) السنن الكبرى 1/202.
(2)
وأبو اسحاق هو: عمرو بن عبد الله الهمداني، أبو اسحاق السبيعي ثقة مكثر عابد من الثالثة، اختلط بآخره تقريب التهذيب 2/73، قلت: واختلاطه هنا لا يضر فإن من الذين رووا الحديث عنه سفيان الثوري وروايته عنه قديمة جيدة كما نص عليه الحافظ ابن حجر نفسه في التهذيب، هذا غير إنا لا نسلم انه اختلط فقد دفعه الذهبي في الميزان 3/الترجمة 6393 بقوله:((شاخ ونسي، ولم يختلط وقد تغير قليلاً)) . وانظر لزاماً الكاشف 2/82 بتحقيق الشيخ محمد عوامة.
(3)
السنن الكبرى 1/202.
(4)
أخرجه ابن خزيمة (211) ، وابن حبان (232 موارد)
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة 2/173، وأحمد 6/101 و 254. واسناده صحيح
((أثر ذلك في اختلاف الفقهاء)) (حكم الجنب اذا أراد أن ينام)
اختلف الفقهاء فيمن أجنب اذا أراد أن ينام: فذهب جماعة من الفقهاء الى أنه يستحب للجنب اذا أراد أن ينام أن يتوضأ روي ذلك عن علي وعبد الله بن عمر، ورواية عن سعيد بن المسيب. واليه ذهب الشافعي وأحمد، وبه قال مالك (1) .
والحجة لهم: ما صح عن أم المؤمنين عائشة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام)) (2)
وذهب بعض الفقهاء الى أنه يرخص للجنب في النوم من غير وضوء ولا كراهة عليه وبه قال بعض الفقهاء (3) .
واحتجوا بحديث أبي اسحاق السابق (4) .
((نموذج للاعلال بالوهم وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء))
حديث عيسى بن يونس، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي
(1) المجموع 2/156، المغني 1/228، المدونة 1/308.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
شرح معاني الآثار 1/125، المجموع 2/156، المغني 1/228.
(4)
سبق تخريجه.
هريرة مرفوعا: ((من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض)) (1)
قال الترمذي: ((حسن غريب)) (2)، وقال الدارقطني:((رواته ثقات)) (3) ، وصححه الحاكم ولم يتعقبه الذهبي (4) .
بينما أعله جماعة من الحفاظ بالوهم قال البخاري: ((لم يصح)) (5) وقال: ((لا أراه محفوظا)) (6) .
وقال أبو داود: ((قلت له: (يعني: الامام أحمد) حديث هشام، عن محمد، عن أبي هريرة؟ قال: ليس من هذا شيء)) (7) .
وقال البيهقي: ((وبعض الحفاظ لا يراه محفوظا)) (8)
ونقل الزيلعي عن مسند اسحاق بن راهويه: ((قال عيسى بن يونس زعم أهل البصرة
(1) أخرجه أحمد 2/498، والدارمي (1736) ، وأبو داود 2/310 رقم (2380) ، وابن ماجه 1/536 رقم (1676) ، والترمذي 3/98 رقم (720) ، والنسائي في الكبرى (3130) ، وابن خزيمة (1960) و (1961) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/97، وابن حبان (3519) ، والدارقطني 2/184، والحاكم، والبيهقي 4/219، والبغوي (1755) ، والمزي في تهذيب الكمال 7/142.
(2)
جامع الترمذي 3/99 عقيب (720)
(3)
سنن الدارقطني 2/184
(4)
المستدرك والتلخيص 1/426.
(5)
تاريخه الكبير 1/الترجمة (251)
(6)
نقله عنه تلميذه الترمذي 3/99 عقيب (720)
(7)
سؤالات أبي داود للامام أحمد ص292، ونقله الزيلعي في نصب الراية 2/448.
(8)
السنن الكبرى 4/219
أن هشاما وهم في هذا الحديث)) (1) .
وقال الدارمي: ((قال عيسى: زعم أهل البصرة
أن هشاما أوهم فيه، فموضع الخلاف ههنا)) (2)
ووجه توهيم هشام بن حسان: ان الحديث محفوظ موقوفا ورفعه وهم توهم فيه هشام
قال البخاري: ((ولم يصح وانما يروى هذا عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة رفعه (3) ، وخالفه يحيى بن صالح، قال: حدثنا يحيى، عن عمر بن حكيم بن ثوبان سمع أبا هريرة، قال: اذا قاء أحدكم فلا يفطر فانما يخرج ولا يولج)) (4) .
هكذا أعل الامام البخاري بأن الصواب موقوف وان الخطأ الذي نشأ لهشام بسبب رواية عبد الله بن سعيد، وكذلك أعل النسائي حديث هشام بالوقف فقد قال:((وقفه عطاء)) ثم ذكر الروايات الموقوفة (5) .
وقد خالف الشيخ ناصر الدين الألباني ذلك فصحح الحديث في تعليقه على صحيح ابن خزيمة (6)، معتمدا على متابعة حفص بن غياث (7) لعيسى بن يونس قال:
(1) نصب الراية 2/449.
(2)
سنن الدارمي 1/25.
(3)
عبد الله بن سعيد هو ابن أبي سعيد المقبري، وهو متروك كما في التقريب 1/419، وحديثه أخرجه ابن أبي شيبة 3/38، وأبو يعلى (6604) ، والدارقطني 2/182 و 185، وقد علقه الترمذي 3/99 عقيب (720) بصيغة التمريض.
(4)
تاريخه الكبير 1/الترجمة (251)
(5)
السنن الكبرى 2/215 عقيب (3130)
(6)
ج3/229.
(7)
وهي التي عند ابن ماجه 1/536 رقم (1676) ، والحاكم 1/426، والبيهقي 4/429