الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: اعلال السند بسبب التفرد
لا يشترط في الخبر التعدد، بل خبر الواحد يكفي اذا استوفى شروطه، وهو الذي عليه جماهير المسلمين من صدر الاسلام وحتى العصور المتأخرة. وقد تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة على قبول خبر الواحد والعمل به، وعقد الامام الشافعي في الرسالة (1) بابا لوجوب العمل بخبر الواحد، وكذا الخطيب البغدادي في الكفاية (2) .
وقد شذ بعضهم فقالوا: باشتراط العدد، وممن قال به ابراهيم بن اسماعيل بن علية (3) ، وأبو علي الجبائي (4) ، وبعض المعتزلة، فهؤلاء يذهبون الى:((أن الخبر لا يقبل اذا رواه العدل الواحد الا اذا انضم اليه عدل آخر أو عضده موافقة ظاهر الكتاب، أو ظاهر خبر آحاد أو يكون منتشرا بين الصحابة أو عمل به بعضهم)) (5) .
واحتجوا بأدلة واهية أجاب عنها الحافظ ابن حجر (6) .
فالجماهير من أهل العلم لا يشترطون العدد في الرواية بل يعمل بالحديث اذا كان راويه عدلا ضابطا، وكان السند متصلا، ولم يكن في متن الحديث أو في سنده شذوذ أو علة.
وقد جرى العمل على ذلك في كتب الاسلام ولا يضر تفرد الراوي بالحديث اذا
(1) الرسالة 369-458.
(2)
الكفاية 26-31.
(3)
الميزان 1/20.
(4)
هو محمد بن عبد الوهاب صاحب مقالات المعتزلة (ت 303 هـ) لسان الميزان 5/271.
(5)
النكت 1/242.
(6)
النكت 1/243-247
كان المتفرد عدلا ضابطا ولم يخالف من هو أكثر حفظا أو عددا.
قال الامام مسلم: ((هذا الحرف لا يرويه غير الزهري، قال - وللزهري نحو من تسعين حديثا يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيها أحد بأسانيد جياد)) (1) .
وقال الحافظ ابن حجر: ((وكم من ثقة تفرد بما لم يشاركه فيه ثقة آخر، واذا كان الثقة حافظا لم يضره الانفراد)) (2) .
وقال أيضا: ((وتفرد عثمان والد عبدان لا يضر فانه ثقة)) (3) .
وقال أيضا في ترجمة ثابت بن عجلان: ((قال العقيلي لا يتابع على حديثه، وتعقب ذلك أبو الحسن ابن القطان: بأن ذلك لا يضره الا اذا كثر منه رواية المناكير ومخالفة الثقات، وهو كما قال)) (4) .
وقال الزيلعي: ((وانفراد الثقة بالحديث لا يضره)) (5) .
وهذا اذا كان الراوي مبرزا في الحفظ. قال البرديجي في الحسن بن علي بن شبيب المعمري: ((ليس بعجب أن ينفرد المعمري بعشرين أو ثلاثين حديثا في كثرة ما كتب)) (6) .
أما اذا لم يكن الراوي مبرزا في الحفظ أو قليل الطلب فأن تفرده عندئذ يوجب
(1) صحيح مسلم 5/82 عقيب (1647) . وأنظر تدريب الراوي 1/234.
(2)
فتح الباري 5/11.
(3)
فتح الباري 5/407.
(4)
هدي الساري ص394.
(5)
نصب الراية 3/74
(6)
ميزان الاعتدال 1/504 الترجمة (1894)
النظر والتأني قال الحافظ ابن حجر: ((وسماك بن حرب اذا تفرد بأصل لم يكن حجة)) (1) .
وقال المعلمي اليماني: ((وكثرة الغرائب انما تضر الراوي في أحد حالين:
الأولى: ان تكون مع غرابتها منكرة عن شيوخ ثقات بأسانيد جيدة.
الثانية: أن يكون مع كثرة غرابته غير معروف بكثرة الطلب)) . (2)
وانا لنجد تطبيق ذلك عند الأئمة فقد قال الحافظ ابن حجر -في حديث صلاة التسابيح -: ((وان كان سند ابن عباس يقرب من شرط الحسن الا أنه شاذ لشدة الفردية وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر)) . (3)
ونحن حين ننظر في كتب العلل والتخريج نجد الأئمة النقاد كثيرا ما يعلون أحاديث الثقات بالتفرد، والتفرد بحد ذاته ليس علة لكنه يكشف عن العلة ويكون أحيانا من أسباب العلة، فالتفرد من أهم المسائل الحديثية وأغمضها اذ تتميز بدورها الفعال في القاء الضوء على ما يكمن في أعماق الرواية من علة أو وهم، ولأهمية التفرد في النقد والتعليل الحديثي نجد أن المحدثين قد أفردوا هذا النوع بالتصنيف، ومن الذين ألفوا فيه الامام أبو داود فقد ألف فيه كتاب التفرد، والامام المزي في تحفة الأشراف (4) ينقل منه كثيرا، وألف الدارقطني: الأفراد وغرائب مالك، واهتم الامام الطبراني في المعجم الأوسط بذكر الافراد.
(1) تلخيص الحبير 2/198.
(2)
التنكيل 1/104.
(3)
تلخيص الحبير 2/7
(4)
أنظر تحفة الأشراف 6/249، واعلام المحدثين ص 220 وهذا الكتاب مفقود، وللامام مسلم كتاب الأفراد وهو مفقود أيضا انظراعلام المحدثين ص 175.
فالتفرد لا يؤخذ ضابطا لرد روايات الثقات بل له أحوال مختلفة، حتى رواية الضعيف لا يرد ما ينفرد به مطلقا، بل الجهابذة الفهماء من الأولين يستخرجون منه ما صح من حديثه؛ قال سفيان الثوري:((اتقوا الكلبي، فقيل له: انك تروي عنه، قال: اني أعلم صدقه من كذبه)) (1)
وقد روى الامام البخاري ومسلم عن بعض من في حفظهم شيء لما ثبت لديهما أنهم حفظوه ولم يخطؤا فيه (2) ، ومثل هذا لا يستطيعه كل أحد.
والتفرد اذا كان بالطبقات المتقدمة كطبقة الصحابة فانه لا يضر وكذلك الحال في طبقة كبار التابعين، وذلك اذا كان المتفرد عدلا ضابطا، أما اذا كان التفرد في الطبقات المتأخرة التي من شأنها التعدد والشهرة (3) ، لا سيما اذا كان عن الرواة المكثرين الذي يكثر تلامذتهم وينقل أحاديثهم جماعة، فذلك أمر يأخذه النقاد بعين الاعتبار فينظرون علاقة المتفرد بالراوي الذي تفرد عنه وكيف كانت ملازمته له، وكيف كان يتلقى منه الأحاديث عموما وهذا الحديث الذي تفرد به خصوصا، وحالة ضبطه لما يرويه عامة وهذا الحديث خاصة ثم الحكم عليه بعد ذلك بحسب مقتضى نظرهم، ولم يكونوا يطلقون فيه حكما مطردا بالقبول اذا كان ثقة أو بالرد اذا كان ضعيفا، وانما يخضع حكمهم عليه لمنهج علمي دقيق يطبقه حذاق النقاد أصحاب
(1) ميزان الاعتدال 3/557، والكلبي: هو محمد بن السائب أبو النضر
(2)
سبق بيانه.
(3)
ومن ينظر في تحفة الأشراف، واتحاف المهرة، والمسند الجامع يجد ذلك ظاهرا، واحسن مثال على ذلك حديث:((انما الاعمال بالنيات)) ، فقد رواه يحيى بن سعيد الانصاري، عن محمد بن ابراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب. وتفرد كل واحد منهم عن شيخه. ثم رواه عن يحيى بن سعيد سبعمائة. انظر طرح التثريب 2/3.