الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والضبط شرط في صحة الحديث؛ وقد فقد المضطرب هذا الشرط.
وما ذكرته هو الأصل في حكم المضطرب؛ لكن هذا لا يعني ان الاضطراب والصحة لا يجتمعان ابدا؛ بل قد يجتمعان؛ نقل ذلك السيوطي عن الحافظ ابن حجر وغيره فقال: ((وقع في كلام شيخ الاسلام.. ان الاضطراب قد يجامع الصحة؛ وذلك بأن يقع الاختلاف في اسم رجل واحد واسم أبيه ونسبته ونحوذلك ويكون ثقة. فيحكم للحديث بالصحة ولا يضر الاختلاف فيما ذكر مع تسميته مضطربا، وفي الصحيحين احاديث كثيرة بهذه المثابة؛ وكذلك جزم الزركشي في مختصره فقال: قد يدخل القلب والشذوذ والاضطراب في قسم الصحيح والحسن)) (1) .
أنواع الاضطراب في الاسناد:
الاضطراب يكون في متن الحديث ويكون في اسناده، والاضطراب الأهم والأكثر تشعبا هو الاضطراب في الاسناد؛ لذلك فاني سأبدأ به مقسما هذا المبحث الى مطلبين.
المطلب الأول: الاضطراب في الاسناد
الاضطراب في الاسناد يتنوع على خمسة أنواع هي:
أ- تعارض الوصل والارسال.
ب- تعارض الوقف والرفع.
ج- تعارض الاتصال والانقطاع.
ء- زيادة رجل في أحد الاسنادين.
هـ- الاختلاف في اسم الراوي ونسبه اذا كان مترددا بين ثقة وضعيف (2) .
وسأتكلم عن كل واحد من الأنواع في فرع مستقل؛ لذلك فان هذا المطلب سيتضمن خمسة فروع:
الفرع الأول: تعارض الوصل والارسال
الاتصال أول شرط من شرائط صحة الحديث؛ واتصال الاسناد هو: سماع الحديث لكل راو من الراوي الذي يليه (3) .
ويعرف ذلك بتصريح الراوي بصيغة من احدى صيغ السماع الصريحة،
(1) تدريب الراوي 1/267
(2)
وقد اعتمدت في هذا التقسيم على تقسيم العلائي كما نقله الحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح 2/778، وقد اعتمد على هذا التقسيم ايضا الصنعاني في توضيح الأفكار 2/38.
(3)
علوم الحديث ص44 الخلاصة ص46.
مثل: [حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعت، وقال لنا] وغيرها، أما اذا كانت الرواية بصيغة من الصيغ المحتملة مثل:[عن أو أن او حدث، او أخبر، او قال] فحينئذ لا بد من توفر شرطين في الراوي لحمل هذه الصيغة على الاتصال:
اولهما: السلامة من التدليس أي: أن لا يكون من روى هكذا مدلسا.
ثانيهما: المعاصرة وامكان اللقاء، وهذان الشرطان عند الكثير من المحدثين، وقد اشترط علي بن المديني والبخاري وغيرهما ثبوت اللقاء ولو مرة (1) .
ويشترط في الاتصال أن يكون من أول السند الى آخره؛ فاذا اختل الاتصال في موضع من المواضع سمي السند منقطعا، ويسميه المتقدمون أيضا مرسلا (2)، ثم استقر الاصطلاح من بعد على ان المرسل هو: ما أضافه التابعي الى النبي صلى الله عليه وسلم (3) .
لذلك فان الحديث اذا روي مرسلا مرة وروي مرة أخرى موصولا فهذا يعد من الأمور التي تعل بها الأحاديث ومنهم: من لا يعد ذلك علة وتفصيل الأقوال فيها على النحو الآتي:
أولا: ترجيح الرواية الموصولة على المرسلة؛ لأنه من قبيل زيادة الثقة.
ثانيا: ترجيح الرواية المرسلة.
ثالثا: الاعتبار لأكثر الرواة عددا.
رابعا: الترجيح للأحفظ.
(1) مقدمة مسلم هامش النووي 1/108، علوم الحديث ص61 و 66، شرح التبصرة 1/163، السنن الأبين ص49، فتح المغيث 1/165، التنكيل 1/81، شرح ألفية السيوطي ص32.
(2)
أنظر فتح المغيث للسخاوي 3/79.
(3)
وهو الذي عليه كتب المصطلح. وأنظر الكفاية ص21.
خامسا: التساوي بين الروايتين والتوقف (1) .
وقد ظهر لي من دراسة مجموعة من الأحاديث التي اختلف في وصلها وارسالها ان الترجيح لا يندرج تحت قاعدة كلية، لكن يختلف الحال حسب المرجحات والقرائن، فتارة ترجح الرواية المرسلة وتارة ترجح الرواية الموصولة.
ومن المرجحات: مزيد الحفظ، وكثرة العدد، وطول الملازمة للشيخ. وقد يختلفون في ذلك أحيانا فمنهم: من يرجح الرواية المرسلة ومنهم: من يرجح الرواية الموصولة ومنهم: من يتوقف.
ومن الأمثلة على الترجيح بكثرة الطرق والشواهد حديث: ((لا نكاح الا بولي)) فقد أشار الترمذي (2) الى الروايات المرسلة والاختلاف فيه الا أنه حديث صحيح بطرقه وشواهده:
فقد أخرجه الامام أحمد (المسند: 4/398 و 413 و 418)، وأبو داود (السنن: 2/229 رقم 2085) ، والترمذي (الجامع:3/407 رقم (1101 و 1102)، والبيهقي (السنن الكبرى: 7/107) من حديث أبي موسى الأشعري.
وصححه ابن حبان (موارد الضمآن: (1243) و (1244) و (1245)) ، والحاكم (المستدرك: 2/169) واطال في تخريج طرقه مع انه اختلف في وصله وارساله. ثم قال: ((وقد صحت الرواية فيه عن ازواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش) .
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 1/32، المنهل الروي ص43-44، فتح المغيث 1/173، تنقيح التحقيق 1/366، قواعد في علوم الحديث ص118، التنكيل 2/22، شرح ألفية السيوطي ص29، لمحات في أصول الحديث ص279. ولم أجد من نسب هذه الأقوال لأصحابها؛ سوى القول الأول فهو الذي رجحه الامام النووي ويستخدمه كثيرا في مؤلفاته.
(2)
الجامع 3/407.
ثم قال: ((وفي الباب عن علي وابن عباس ومعاذ وعبد الله بن عمرو وأبي والمقداد وابن مسعود وجابر وأبي هريرة وعمران بن حصين وعبد الله بن عمر والمسور بن مخرمة وأنس بن مالك)) .
وقد أفاض الزيلعي (نصب الراية:3/183-190) في تخريج الطرق والشواهد بما لا مزيد عليه.
ومن الأمثة على ترجيح الرواية الموصولة اذا كان صاحبها مبرزا بالحفظ والاتقان: حديث يونس بن يزيد الأيلي، عن ابن شهاب، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة حنين سار ليلة حتى اذا أدركه الكرى عرس وقال لبلال: ((اكلا لنا الليل)) فصلى بلال ما قدر له ونام
…
الحديث وفي آخره: ((من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها اذا ذكرها؛ فان الله تبارك وتعالى قال: ((أقم الصلاة لذكري))
أخرجه مسلم (الصحيح: 2/138 رقم 680)، وأبو داود (السنن: 1/118 رقم 435) ، وعند أبي عوانة (الصحيح: 2/253) ، والنسائي (المجتبى: 2/296) ، والبيهقي (السنن الكبرى:2/217) من طريق ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، به.
وقد توبع يونس، فقد تابعه معمر بن راشد، عند أبي داود (السنن: 1/119 رقم 436) ، وأبي عوانة (الصحيح: 2/253) ، والنسائي (المجتبى:2/ 296) وتابعه أيضا الأوزاعي ومحمد بن اسحاق كما نقله ابن عبد البر (1) .
وخالف الامام مالك (الموطأ رواية يحيى:25) - ومن طريقه الشافعي (المسند: 1/53 و 54) - فرواه عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.... فذكر الحديث -مرسلا-.
(1) التمهيد 6/386-387.
فالرواية الراجحة هي الرواية الموصولة؛ لأن يونس ثقة من رجال الستة (1) ، وقد توبع.
ومن الأمثلة على ترجيح الرواية المرسلة اذا كان الواصل ضعيفا:
ما رواه الحاكم (المستدرك: 1/442) من طريق علي بن العباس، قال: حدثنا علي بن سعيد بن مسروق الكندي، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم -في قوله تبارك وتعالى:((ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا)) (2) - قال: ((قيل: يا رسول الله ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة)) .
وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد تابع حماد بن سلمة سعيدا على روايته عن قتادة. ثم ساق الحاكم متابعة حماد وصحح الحديث من طريق حماد على شرط مسلم.
وقد خالفه في ذلك البيهقي (السنن: 4/330) فقد ذكر الحديث معلقا وقال عقيبه: ((ولا أراه إلا وهما)) أي: الرواية الموصولة. ثم ساق باسناده من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن الحسن، وذكر الحديث مرسلا. ثم ساق المتابعات على ذلك، وقال:((هذا هو المحفوظ عن قتادة، عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا)) .
(1) وذكر الحافظ ابن حجر في التقريب 2/386: ((ان في روايته عن الزهري وهما قليلا)) . قلت: وهذا الوهم هنا مغتفر لمتابعة معمر والأوزاعي وابن اسحاق. هذا غير اننا لا نوافق الحافظ ابن حجر على ذكر الوهم في روايته عن الزهري، فهو من رجال الستة المعتمدين المكثرين؛ وقال الذهبي:(احد الاثبات عن الزهري)(الكاشف، الترجمة، 6480 طبعة محمود عوامة)
(2)
سورة آل عمران الآية 97.