الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صحيحة (1) .
واعتذر أبو حنيفة ومن وافقه عن العمل بهذا الحديث لأنه خبر واحد يعارضه الكتاب بقوله: ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)) (2) .
فقد ذكر الجصاص الحنفي: أن المانع من قبول هذه الأخبار رد نص القرآن لها (3) .
ويجاب عن ذلك: بأن ما اشترطه الحنفية ومن وافقهم من شروط العمل بخبر الآحاد لا تلزم عند الجمهور، ولا معارضة بين هذا الحديث وبين ظاهر القرآن الكريم. وانما هو نوع تخصيص، ثم ان حديث القضاء بالشاهد واليمين ليس خبر آحاد فيما ذكره الحنفية من وصف الآحاد فهو مشهور أو أعلى من المشهور في اصطلاحهم فقد رواه أكثر من عشرين صحابيا، والمشهور عند الحنفية يخص به الكتاب والسنة المتواترة (4) .
المطلب الثاني: التعارض بين حديثين
قد ينقدح لعالم من علماء الحديث علة في حديث، ثم لا يجد علة ظاهرة
(1) وقد اعتنى بتخريج طرق الحديث: ابن عبد البر في التمهيد 2/134 وما بعدها، والبيهقي في السنن الكبرى 10/167 وما بعدها، والدارقطني في سننه 4/212 وما بعدها. وأنظر نصب الراية 4/96، ومجمع الزوائد 4/202.
(2)
سورة البقرة الآية 282.
(3)
أحكام القرآن 1/514-516.
(4)
أنظر فواتح الرحموت 2/128. وقد أفاض أستاذي الدكتور هاشم في مناقشة الأدلة بما لا مزيد عليه في مسائل من الفقه المقارن 2/199-208.
قادحة في صحة الحديث فيحاول أن يعل الحديث بعلة غير قوية، وقد يكون هذا الاعلال عنده كاف للقدح في صحة الحديث، وهذا النوع من الاعلال يسمى: بـ ((المعارضة)) أي: أن هذا الحديث يخالف ويعارض الأحاديث الصحيحة، ومخالفة الأحاديث الصحيحة شذوذ، وقد تعل كثير من الأحاديث بهذا النوع من الاعلال، وقد يقع التعارض في كثير من الأحاديث الصحيحة، لكن العلماء الجهابذة من أئمة الحديث والفقه كثيرا ما يتمكنون من الجمع بين الأحاديث المتعارضة جمعا سائغا.
وهذا مبحث مهم خصه الأصوليون بالكتابة فيه وسموه: بـ ((التعارض والترجيح)) وقد اهتم المحدثون به من قبل وألفوا فيه كتبا سميت بـ ((مختلف الحديث)) .
أما تعارض الصحيح مع الضعيف فان ذلك لا يوهن الصحيح بل يزيد الضعيف ضعفا، وله اسم خاص عند علماء المصطلح وهو:((المنكر)) (1) .
لكن التعارض القادح هو الذي لا يمكن الجمع فيه ويكون الدليلان متماثلين في القوة، أو على أقل الأحوال أن يكون الحديثان المتعارضان صحيحين.
مثال ذلك:
حديث ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الله بن بسر السلمي، عن أخته الصماء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصوموا يوم السبت الا فيما افترض عليكم وان لم يجد
(1) نزهة النظر ص47، علوم الحديث ص180، الموقظة ص43، فتح المغيث 1/90.
أحدكم الا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه)) (1) .
قال الترمذي: ((حسن)) .
لكن هذا الحديث قد أعله جماعة من الحفاظ بالمعارضة.
قال الحاكم (2) : ((وله معارض باسناد صحيح، وقد أخرجاه من حديث همام، عن قتادة عن أبي أيوب، عن جويرية بنت الحارث: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: صمت أمس؟ قالت: لا، قال: فتريدين أن تصومي غدا؟
…
الحديث)) (3) .
(1) أخرجه أحمد 6/368، والدارمي (1756) ، وأبو داود (2421) ، وابن ماجه (1726 م) ، والترمذي 3/120 رقم (744) ، وابن خزيمة (2163) ، والنسائي في الكبرى (2762) ، والطبراني في الكبير 24/حديث (818) ، والمزي في تهذيب الكمال 35/219. وأخرجه عبد بن حميد (508) ، والنسائي في الكبرى (2761) ، والطحاوي في شرح المعاني 2/80، والحاكم 1/435، والبيهقي 4/302، والبغوي (1806) من طريق خالد بن معدان، عن عبد الله بن بسر. وأخرجه أحمد 4/189 من طريق يحيى بن حسان عن عبد الله بن بسر. وأخرجه أحمد 4/189، والنسائي في الكبرى (2759) ، والدولابي في الكنى 2/118 من طريق حسان بن نوح، عن عبد الله بن بسر. قال الحافظ ابن حجر في التلخيص 2/229:((لكن هذا التلون في الحديث الواحد مع اتحاد المخرج بالاسناد الواحد يوهن راويه وينبيء بقلة ضبطه الا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث فلا يكون ذلك دالا على قلة ضبطه وليس الأمر هنا هكذا)) . وقد ضعفه في تهذيب التهذيب مرارا ج1/437 وج2/252 وج8/195
(2)
المستدرك 1/435-436، ونقله عنه الحافظ ابن حجر في التلخيص 2/229.
(3)
أخرجه أحمد 6/324 و 430، وعبد بن حميد (1557) ، والبخاري 3/54 رقم (1986) ، وأبو داود 2/321 رقم (2422) ، والنسائي في الكبرى (2753) . وهذا لفظ البخاري كما أشار الحاكم.
وقال الامام مالك: ((هذا كذب)) (1) يعني: حديث صوم يوم السبت.
وقال صاحب عون المعبود (2) : ((وقد طعن في هذا الحديث جماعة من الأئمة: مالك ابن أنس، وابن شهاب الزهري، والأوزاعي، والنسائي، فلا تغتر بتحسين الترمذي وتصحيح الحاكم وان ثبت تحسينه فلا يعارض حديث جويرية بنت الحارث الذي اتفق عليه الشيخان)) .
ومن العلماء من قال: انه منسوخ كالامام أبي داود (3) .
وقد يضعف أحد دعوى النسخ: بأن من شرط الحكم بالنسخ: العلم بالتأريخ، وهنا لا نعلم التأريخ، فيجاب عن ذلك: بأن هذا يوضحه حديث كريب - مولى ابن عباس - قال: ((أن ابن عباس وناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثوني الى أم سلمة أسألها: أي الايام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر لصيامها؟ قالت: يوم السبت والأحد، فرجعت اليهم فأخبرتهم، فكأنهم أنكروا ذلك، فقاموا بأجمعهم اليها فقالوا: انا بعثنا اليك هذا في كذا، وذكر أنك قلت كذا، فقالت: صدق، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كان يصوم من الايام السبت والأحد، وكان يقول: انهما عيدان للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم (4)) .
وهذا ما فهمه الحافظ ابن حجر حين وضح مدرك أبي داود في دعوى النسخ اذ
(1) تلخيص الحبير 2/230.
(2)
2/294.
(3)
سنن أبي داود 2/321 عقيب (2421)
(4)
أخرجه أحمد 6/324، وابن خزيمة (2167) ، وابن حبان (941 موارد) ، والطبراني في الكبير 23/383، والحاكم 1/436، والبيهقي 4/313، واسناده قوي رجاله ثقات غير عبد الله بن محمد بن عمر،، وحديثه لا ينزل عن رتبة الحسن، فقد وثقه ابن حبان وقال ابن المديني وسط وقال غيره صالح (الميزان للذهبي: 2/484 وتهذيب التهذيب 6/18) ، والحديث صححه الحاكم ولم يتعقبه الذهبي، وقال ابن القيم في زاد المعاد 2/79:((أراه حسنا))