الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: اعلال خبر الآحاد بمخالفته القياس
ان من الشرائط التي اشترطها بعض الحنفية للعمل بخبر الآحاد: هو أن لا يخالف خبر الواحد القياس، وهذه المسألة ليست محل اتفاق بين الحنفية: بل قال بها بعض المتقدمين منهم وتبعهم كثير من المتأخرين، أما أكثر المتقدمين فهم على خلاف ذلك.
ويلاحظ: ان الذين قدموا القياس على خبر الواحد لم يقولوا بهذا على اطلاقه، بل هم يقسمون الرواة الى قسمين:
القسم الأول: من عرف بالرأي والاجتهاد والضبط والفقه كالخلفاء الأربعة الراشدين وابن مسعود، والعبادلة، وزيد بن ثابت، وهؤلاء لا خلاف بين الحنفية في قبول حديثهم واعتباره حجة مقدمة على القياس.
القسم الثاني: من عرف من الصحابة بالرواية ولم يعرف بالفقه والاجتهاد والفتيا، فهؤلاء اذا جاءوا بخبر الآحاد موافقا للقياس قبل وإن جاء حديثهم مخالفا للقياس فهذا الذي حصل خلاف بين الحنفية في قبوله وعدمه على قولين:
القول الأول: - ذهب بعض الحنفية الى قبول أخبارهم حتى اذا خالفت القياس وهذا القول موافق لقول الجمهور. وهو مذهب جمهور المتقدمين من أئمة الحنفية.
القول الثاني: ذهب عيسى بن أبان، والقاضي، وأبو زيد وكثير من المتأخرين من
الحنفية الى رد حديث هؤلاء، وتقديم القياس عليه (1) .
واحتجوا لهذا بما روي عن ابن عباس، أنه سمع أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو:((توضؤوا مما مست النار)) ، فقال له ابن عباس: أنتوضأ من الدهن؟ أنتوضأ من الحميم؟ فقال أبو هريرة: يا ابن أخي اذا سمعت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الامثال (2) .
قالوا: فقد رده ابن عباس بالقياس.
وأجيب: بأن الادعاء أن هؤلاء الصحابة -كأبي هريرة ونحوه- ليسوا من أهل الفقه والاجتهاد غير مسلم به وذلك لأن اجابته السابقة التي أجاب بها ابن عباس تدل على عقلية فقهية رفيعة المستوى، وابن عباس نفسه لم يراجعه على اجابته، ثم ان أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدث ويفتي ويجتهد فلم يمنعه أحد من كبار الصحابة.
أما حديث الوضوء مما مست النار فان عند ابن عباس الحديث الناسخ لحديث أبي هريرة، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة وصلى ولم يتوضأ (3) ، فكأن أبا هريرة لم يعلم بالناسخ.
(1) كشف الأسرار للبزدوي 2/377-378.
(2)
أخرجه الطيالسي (2376) ، وعبد الرزاق (267) و (268) ، وابن أبي شيبة 1/50، وأحمد 2/265، ومسلم 1/187 رقم (352) ، والترمذي 1/114 رقم (79) ، والنسائي 1/105، والطحاوي 1/63.
(3)
أخرجه أحمد 1/226، والبخاري 1/63 رقم (207) ، وأبو داود 1/48 رقم (187)، وابن خزيمة (41) من طريق عطاء عن ابن عباس:((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة، ثم صلى، ولم يتوضأ)) .
على أنه لم ينفرد بحديث الوضوء مما مست النار، فقد رواه أبو أيوب (1) ، وأبو طلحة (2) وزيد بن ثابت (3) ، وأم المؤمنين أم حبيبة (4) ، وأم المؤمنين عائشة (5) ، وأبو موسى الأشعري (6) ، وسهل بن الحنظلية (7) ، وأم المؤمنين أم سلمة (8) ، وأنس بن مالك (9) ، وعبد الله بن عمر (10) ، ومعاذ بن جبل (11) ، وعبد الله بن زيد (12) ، وغيرهم.
فالراجح ما ذهب اليه جمهور الفقهاء: من أنه لا يضر خبر الآحاد مخالفته للقياس، لأن النص اذا صح لا يجوز تقديم غيره عليه الا اذا عارضه دليل قطعي أو نص أقوى ولم يمكن الجمع، ثم أن الادلة المثبتة لخبر الآحاد لم تستثن من أخبار الآحاد شيئا بل جاءت مطلقة، وجمهور المتقدمين من أئمة الحنفية موافقون لجمهور العلماء على ذلك. وقد أصبح من البديهي عند الفقهاء: أن مرتبة القياس بين الادلة انما تأتي تالية لمرتبة الأدلة المتفق عليها - الكتاب، والسنة، والاجماع- فالقياس لا يتقدم السنة
(1) عند النسائي 1/106.
(2)
عند النسائي 1/106.
(3)
عند النسائي 1/107.
(4)
عند أبي داود 1/50 رقم (195) .
(5)
عند مسلم 1/188 رقم (353) .
(6)
عند أحمد 4/397 و 413.
(7)
عند أحمد 4/180 و 5/289.
(8)
عند الطبراني في الكبير. مجمع الزوائد 1/248.
(9)
عند البزار مجمع الزوائد 1/248-249.
(10)
عند البزار مجمع الزوائد 1/249.
(11)
عند البزار مجمع الزوائد 1/249.
(12)
عند الطبراني في الكبير مجمع الزوائد 1/249.