الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: نقض الوضوء بمس الذكر
حصل خلاف بين الحنفية والجمهور بسبب هذا الشرط في مسائل عدة منها:
((نقض الوضوء بمس الذكر))
اختلف الفقهاء في هذه القضية على مذهبين:
المذهب الأول: ذهب جمهور الفقهاء الى أن مس الذكر ناقض للوضوء لكنهم اختلفوا اذا مسه بباطن الكف أو غيره بشهوة أو غيرها، مس ذكره أو ذكر غيره عامدا أو ناسيا. (1)
وهو مذهب جماعة من السلف من الصحابة والتابعين، واليه ذهب مالك والشافعي وأحمد في احدى الروايتين عنه (2) .
القول الثاني: ذهب الحنفية الى أن مس الذكر لا ينقض الوضوء. وبه قال بعض السلف (3) .
حجة المذهب الأول:
استدل الجمهور على نقض الوضوء بمس الذكر بحديث بسرة بنت صفوان:
(1) فقه الامام سعيد 1/80
(2)
المغني 1/170، المحلى 1/195، بداية المجتهد 1/41، نهاية المحتاج 1/104-106، المدونة 1/8 القوانين الفقهية 39.
(3)
مجمع الأنهر 1/21، المغني 1/170، بدائع الصنائع 1/148، المبسوط 1/66، شرح معاني الآثار 1/71-79، شرح فتح القدير 1/49، تبيين الحقائق 1/12، البحر الرائق 1/45-47، فتح باب العناية 1/80، رد المحتار 1/147
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من مس ذكره فليتوضأ)) (1)
وقد اعترض الحنفية على الاستدلال بهذا الحديث، فقال السرخسي:((وما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا بين يدي كبار الصحابة حتى لم ينقله أحد منهم وانما قاله بين يدي بسرة، وقد كان عليه الصلاة والسلام أشد حياء من العذراء في خدرها)) (2) .
ويجاب عن ذلك:
بأن رد خبر الآحاد بكونه واردا فيما تعم به البلوى أمر التزمه الحنفية ولم يوافقهم غيرهم فهو يلزم من التزم به ولا يلزم غيره. وأدلة الجمهور الذين لم يلتزموا هذا الشرط للعمل بخبر الآحاد قد تبين رجحانها؛ لذلك فهذا الاعتراض لا يؤثر على صلاحية حديث بسرة للاحتجاج به. أما بالنسبة لقول الامام السرخسي: ((ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا بين يدي كبار الصحابة
…
الخ)) .
فقد قال لي العلامة الدكتور هاشم جميل:
((هذا كلام في غاية العجب؛ اذ ما المانع أن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك لأحد صغار الصحابة ولم يقله لكبارهم، وهل عرفت الأمة غالبية السنة من طريق كبار الصحابة؟ الواقع يشهد أن الأمر ليس كذلك، وانما غالبية السنة عرفت من طريق
(1) أخرجه مالك في الموطأ 1/84 رقم (100) ، والشافعي 1/34، والطيالسي (1657) ، وعبد الرزاق (411) و (412) ، والحميدي (352) ، وابن أبي شيبة 1/136، وأحمد 6/406، والدارمي (730) ، وأبو داود 1/46 رقم (181) ، وابن ماجه 1/161 رقم (479) ، والترمذي 1/126 رقم (82) ، والنسائي 1/101، وابن الجارود (16) ، وابن خزيمة (33) ، وابن حبان (1112)، والطبراني في الكبير 24/حديث (487) . وقال الترمذي:(حسن صحيح) .
(2)
المبسوط 1/66
غير الكبار، ثم ما المانع من أن يخص النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من أصحابه بتبليغ حكم شرعي ما دام تلك الصحابية قد قامت بواجب التبليغ؟ وكم من سنة انفردت صحابية بحفظها على هذه الأمة ولا سيما في قضايا يهم أمرها النساء أكبر مما يهم الرجال؟ وهذه القضية منها فان أمر رعاية الأطفال انما يعود الى الأمهات، فالأم تقوم بغسل عورة ولدها في اليوم عدة مرات بينما قد لا يفعل ذلك الأب مرة واحدة في حياته كلها؛ اذن فما المانع أن تكون بسرة رضي الله عنها قد سألت عن هذا الأمر المهم وعلمت حكمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنها انتشرت هذه السنة، ثم ان توفر الدواعي لنقل حكم من طريق فرد واحد لا يعني بالضرورة أن هذا الحكم لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره.
هذا كله لو سلمنا أن هذه السنة لم ترو الا من طريق بسرة رضي الله عنها، والا فالواقع أن الحديث قد نقل عن غيرها)) (1) .
أقول: هذا صحيح فان الحديث قد جاء من طرق عن عدة من الصحابة:
فقد جاء من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، مرفوعا:((أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وايما امرأة مست فرجها فلتتوضأ)) . (2)
ومن حديث زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مس فرجه فليتوضأ)) . (3)
(1) الى هنا انتهى كلام الدكتور هاشم جميل حفظه الله ومتعنا بعلمه.
(2)
أخرجه أحمد 1/223، وابن الجارود (17) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/75، والبيهقي في السنن الكبرى 1/132، وفي المعرفة 1/349، والدارقطني 1/147. ونقل البيهقي في المعرفة عن البخاري قوله:((حديث عبد الله بن عمرو في هذا الباب في مس الذكر هو عندي صحيح)) .
(3)
أخرجه أحمد 5/194، والبيهقي في المعرفة 1/334، 335 من طريق محمد بن اسحاق، قال: حدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عروة بن الزبير، عن زيد بن خالد الجهني، به واسناده صحيح، محمد بن اسحاق مدلس وقد صرح بالسماع من الزهري لكن الامام علي بن المديني عد هذا الحديث مما انكر على محمد بن اسحاق. انظر المعرفة ليعقوب الفسوي 2/27، وتاريخ الخطيب 1/229، وتهذيب الكمال 24/420-421.
وجاء الحديث من رواية عبد الله بن عمر مرفوعا: ((من مس ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة)) (1) .
وقد جاء الحديث أيضا من رواية أبي هريرة مرفوعا: ((اذا افضى أحدكم بيده الى فرجه حتى لا يكون بينه حجاب ولا ستر فليتوضأ وضوءه للصلاة)) (2) .
وجاء الحديث أيضا من رواية أم المؤمنين عائشة، مرفوعا:((ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضئون)) (3)
(1) أخرجه الدارقطني 1/147 وفي اسناده: عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف، التقريب 1/435، وأخرجه الطحاوي في شرح المعاني 1/74، والبزار (1/148 كشف الاستار) من طريق صدقة بن عبد الله، عن هاشم بن زيد الدمشقي، وصدقة وهاشم ضعيفان. انظر التقريب 1/366 ترجمة صدقة، وأنظر الميزان 4/289 ترجمة هاشم بن زيد الدمشقي. وأخرجه الطحاوي أيضا 1/74 من طريق العلاء بن زيد عن الزهري، عن سالم عن أبيه، به. والعلاء ضعيف، التقريب 2/92. وقال الحافظ في التلخيص 1/124:((وله طريق أخرى أخرجها الحاكم وفيها عبد العزيز بن أبان وهو ضعيف)) . فهذا الحديث يتقوى بكثرة الطرق.
(2)
أخرجه الشافعي في الأم 1/19، وأحمد 2/333، والدارقطني 1/147، والطحاوي في شرح المعاني 1/74، والحاكم 1/138، وابن عبد البر في الاستذكار 1/311، والبزار (1/149 كشف) ، والبيهقي 1/130-131. وفيه يزيد بن عبد الملك ضعيف كما في التقريب 20/368، لكن ابن عبد البر أخرجه من طريق يزيد بن عبد الملك هذا، ونافع بن أبي نعيم المقبري؛ فهو متابع.
(3)
أخرجه الدارقطني 1/147-148 وقال: ((عبد الرحمن العمري ضعيف)) . وأخرجه الطحاوي في شرح المعاني 1/74، والبزار ((1/148 كشف)) من طريق عمر بن شريح عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، وعمر هذا ضعيف؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/245:((رواه البزار وفيه عمر بن شريح، قال الأزدي لا يصح حديثه)) . وقد روي هذا عن أم المؤمنين عائشة من قولها: أخرجه الشافعي في الأم 1/20، والحاكم 1/138، والبيهقي 1/33.
وجاء الحديث من رواية أم المؤمنين أم حبيبة مرفوعا: ((من مس ذكره فليتوضأ)) (1) .
وجاء الحديث أيضا من رواية جابر بن عبد الله مرفوعا: ((اذا مس أحدكم ذكره فعليه الوضوء)) (2)
وروي الحديث من طريق أبي أيوب مرفوعا: ((من مس فرجه فليتوضأ)) (3) .
فهذه ثمان طرق عن ثمانية من الصحابة غير حديث بسرة، منها: الصحيح، ومنها ما هو ضعيف ضعفا معتضدا فأقل درجاته عند الحنفية أن يكون مشهورا، وما
(1) أخرجه ابن أبي شيبة 1/163، وابن ماجه 1/162 رقم (481) والطحاوي في شرح المعاني 1/75، وأبو يعلى (7440) ، والبيهقي 1/130، وابن عبد البر في الاستذكار 1/310، والطبراني في الكبير 23/حديث (450) ، وذكره الترمذي في الجامع 1/130 عقيب (84)، وقال:((وقال أبو زرعة: حديث أم حبيبة في هذا الباب صحيح)) .
(2)
أخرجه الشافعي في الأم 1/19، وابن ماجه 1/162 رقم (480) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/74، والمزي في تهذيب الكمال 20/209. وفيه عقبة بن عبد الرحمن مجهول التقريب 2/27.
(3)
أخرجه ابن ماجه 1/162 رقم (482) ، والطبراني في الكبير (3928) ، وفي اسناده اسحاق ابن أبي فروة، قال في التقريب 1/59:((متروك)) .
كان كذلك يعمل به عندهم فيما تعم به البلوى.
وقد استدل الحنفية لمذهبهم في عدم نقض الوضوء بمس الذكر بحديث قيس بن طلق بن علي الحنفي، عن أبيه، عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وهل هو الا مضغة منه؟ أو بضعة منه؟)) (1)
قال الترمذي: ((هذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب)) (2) .
لكن اعترض ابن حزم على الاستدلال به، فقال:((هذا خبر صحيح الا أنهم لا حجة لهم فيه لوجوه: أحدها: أن هذا الخبر موافق لما كان الناس عليه قبل ورود الأمر بالوضوء من مس الفرج هذا لا شك فيه، فاذا هو كذلك فحكمه منسوخ يقينا حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوضوء من مس الفرج، ولا يحل ترك ما تيقن أنه ناسخ والأخذ بما تيقن أنه منسوخ، وثانيها: أن كلامه عليه السلام ((هل هو الا بضعة منك)) دليل بين على أنه كان قبل الأمر بالوضوء منه، لأنه لو كان بعده لم يقل عليه السلام هذا الكلام، بل بين أن الأمر بذلك قد نسخ، وقوله هذا يدل على أنه لم يكن سلف فيه حكم أصلا وأنه كسائر الأعضاء)) (3) .
(1) أخرجه الطيالسي (1096) ، وعبد الرزاق (426) ، وابن أبي شيبة 1/165، وأحمد 4/22، وأبو داود 1/46 رقم (182) ، وابن ماجه 1/162 رقم (483) ، والترمذي 1/131 رقم (85) ، والنسائي 1/101، وفي الكبرى (158) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/75 و 76، والطبراني في الكبير (8233) ، والدارقطني 1/148، والبيهقي 1/134.
(2)
جامع الترمذي 1/131 عقيب (85) ، وقد ضعف أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان ويحيى بن معين حديث طلق، وأعلوه بقيس بن طلق. أنظر علل ابن أبي حاتم (111) ، وسنن الدارقطني مع التعليق المغني 1/149-150.
(3)
المحلى 1/239.