الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمرسل (1)، وهو: الذي حصل فيه انقطاع في آخر السند.
والمعضل (2)، وهو: الذي حصل فيه انقطاع في أثناء السند باثنين فأكثر على التوالي. ويشمل أيضا المنقطع بالمعنى الخاص الذي ذكرناه (3) .
وهكذا نرى أن مصطلح المنقطع يستعمله المحدثون استعمالا خاصا في المنقطع الاصطلاحي، ويستعملونه استعمالا عاما في كل ما حصل فيه انقطاع فيشمل المنقطع الاصطلاحي، والمعلق، والمرسل، والمعضل. وعلى هذا المنوال جرى استعمالهم لمصطلح العلة؛ فهم يستعملونه بالمعنى الاصطلاحي الخاص، وهو: السبب الخفي القادح، ويستعملونه استعمالا عاما، ويريدون به: كل ما يعل الحديث به فيشمل العلة بالمعنى الاصطلاحي، والعلة الظاهرة، والعلة غير القادحة.
المبحث الثاني: نموذج تطبيقي للعلة
قد أشرت فيما سبق: الى أن المعنى الاصطلاحي الخاص للعلة انما يشمل العلة القادحة الخفية التي يكون الظاهر السلامة منها. وهذه تختص برواية الثقات. أما العلة بالمعنى الأعم فانها تتعلق بالرواية عموما، سواء أكان الراوي ثقة أم ضعيفا وسواء كذلك أكان الوهم بالاسناد أو بالمتن ومن الملاحظ: أن الخطأ في رواية الثقة أشد غموضا من الخطأ في رواية الضعيف لأن الأصل في رواية الثقة الصواب والخطأ طاريء -
(1) أنظر تعريفه علوم الحديث ص47.
(2)
أنظر تعريفه علوم الحديث ص54.
(3)
أنظر التدريب 1/207 وما بعدها ، شرح البيقونية في مصطلح الحديث 98. وكذلك المرسل يستعملونه استعمالا عاما في كل انقطاع في السند ويستعملونه استعمالا خاصا ويريدون به ما أضافه التابعي الى النبي صلى الله عليه وسلم.
فالقلب من حيث الأساس - مطمئن الى رواية الثقة. وليس كذلك رواية الضعيف، فالقلب غير مطمئن اساسا اليها فالأصل الحكم عليها بالخطأ والصواب طاريء: ومع ذلك فان معرفة الخطأ في رواية الضعيف ليس بالأمر السهل وذلك لأن الحكم عليه بالضعف أساسا يحتاج الى متابعة روايته ومقارنتها برواية الثقات، فان كثرت مخالفته لهم حكم بضعفه. وأيضا فان الضعف درجات؛ والضعف في الراوي اذا لم يكن شديدا فان بالامكان الاستفادة من بعض أحاديثه، وذلك لأن خطأ الضعيف غير مقطوع به، وانما قد يصيب وقد يخطيء؛ كذلك من الضروري أن نعرف: بأن معنى قولهم فلان ضعيف أنه اذا تفرد بشيء عن شيخه لا يحتج به لغلبة احتمال الخطأ عليه وعدم اطمئنان القلب اليه وليس معنى هذا أن كل ما يرويه ضعيف وأنه مخطيء في كل ما يرويه؛ لذلك فان من أحاديثه ما يصح وما يضعف ويعرف الخطأ والصواب بالبحث والموازنة.
وهذا يفهم من صنيع الشيخين حيث رويا عن جماعة ممن خف ضبطهم لأنهما علما أن هذه الأحاديث قد صحت (1) ، وذلك بالموازنة والمقارنة مع أحاديث غيرهم من الثقات، فلما توبعوا على أحاديثهم، وتبين لصاحب الصحيح صحتها أخرجها في المتابعات مقرونة باحاديث الثقات.
وقد يخرج له صاحب الصحيح اذا قامت قرينة أو أحاط روايته ظرف يرجح صحتها: كعناية الراوي الخفيف الضبط برواية شيخ معين أو ملازمته له، فيخرج صاحب الصحيح روايته عن ذلك الشيخ في الأصول وليس في المتابعات فقط. وهذا
(1) أنظر كلام الحافظ ابن حجر في هدي الساري حول انتقاء الشيخين الصفحات التالية ((338 و 406 و 414 و 424 و 442 و 444 و 449)) . وأنظر نصب الراية 1/341 ، وصيانة صحيح مسلم ص94 ، والعواصم والقواصم ج3/96 وما بعدها وشرح صحيح مسلم للنووي 1/18 ، والتنكيل ج1/77.
يحتاج الى جهد كبير، وتمييز دقيق بين الأحاديث ليستفاد مما يصح منها.
ومن أبرز النماذج الدالة على ذلك كله: حماد بن سلمة:
فهو حماد بن سلمة بن دينار البصري؛ ثقة له أوهام.
قال أحمد: هو أعلم الناس بحديث خاله حميد الطويل. وقال ابن معين: هو أعلم الناس بثابت - يعني ثابت البناني (1) .
وقال الحافظ في التقريب: ثقة عابد، أثبت الناس في ثابت - تغير حفظه بأخرة (2) .
اذن فحماد بن سلمة في أول أمره ثقة له أوهام؛ وهذا التعبير يشير الى خفة في الضبط لكن خفة الضبط تنجبر بطول الملازمة للشيخ وشدة العناية بحديثه. وحماد كما ذكرنا - كثير الملازمة لثابت البناني، شديد العناية بحديثه، اذن فما حدث به حماد قبل - اختلاطه- عن ثابت يعد من الحديث الصحيح. وحديثه عن غيره من قبيل الحسن. ثم تغير حماد لما كبر فساء حفظه. فكان حديثه في هذه المرحلة ضعيفا.
اذا عرفنا هذا لننظر ماذا فعل الشيخان بحديث حماد بن سلمة:
أما البخاري فقد أخرج له في التأريخ، لكن ترك الحديث عنه في الصحيح.
وأما مسلم فقد غربل حديثه، وميز منه أحاديث حدث بها قبل الاختلاط،
ثم قسم هذه الأحاديث الى قسمين:
القسم الأول: الأحاديث التي حدث بها حماد عن ثابت، وهذه أخرجها مسلم في الصحيح أصولا محتجاً بها.
(1) تهذيب التهذيب 3/11 وما بعدها ، الميزان 1/590 وما بعدها.
(2)
التقريب 1/197.
القسم الثاني: الأحاديث التي حدث بها عن غير ثابت - وهذه لم يخرجها مسلم في الأصول. وانما أخرجها في الشواهد.
يقول الذهبي: احتج مسلم بحماد بن سلمة في أحاديث عدة في الأصول. وتحايده البخاري.
ويوضح ما أجمله الذهبي هنا كلام نقله الحافظ ابن حجر عن البيهقي يتحدث فيه عن حماد بن سلمة، قال البيهقي:((أحد أئمة المسلمين الا أنه لما كبر ساء حفظه فلذا تركه البخاري، وأما مسلم فاجتهد واخرج من حديثه عن ثابت ما سمع قبل تغيره، وما سوى حديثه عن ثابت - لا يبلغ اثني عشر حديثا- أخرجها في الشواهد)) (1)
وكذلك اسماعيل بن أبي أويس فهو صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه (2) ، فقد روى عنه الشيخان مما علما أنه لم يخطيء فيه واحتجا به الا أنهما لم يكثرا من تخريج حديثه ولم يخرج له البخاري مما تفرد به سوى حديثين مما علم أنه قد حفظه، وأما مسلم فقد أخرج عنه أقل مما أخرج البخاري، وغالب رواية البخاري عنه في أحاديث موطأ مالك فهو عالم بأمره اذ أنه ابن أخت الامام مالك وهو متابع فيما رواه عن مالك حيث أن رواة الموطأ كثيرون (3) وموطأ مالك عند البخاري عن جماعة من الرواة. وقال الحافظ ابن حجر: ((وروينا في مناقب البخاري بسند صحيح أن
(1) ميزان الاعتدال 1/590 وما بعدها، تقريب التهذيب 1/197، تهذيب التهذيب 3/11، الكواكب النيرات 460.
(2)
تقريب التهذيب 1/71
(3)
وقد عد الاستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف في مقدمته لموطأ مالك رواية محمد بن الحسن الشيباني ص 16-19 النسخ المشهورة للموطأ فبلغت ستة عشر نسخة
اسماعيل أخرج له أصوله وأذن له أن ينتقي منهاو أن يعلم له ما يحدث به ليحدث به ويعرض عما سواه وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه لأنه كتب من أصوله)) (1)
بعد هذا نذكر نموذجا لما أعل بوهم الثقة فيه؛ وهو النموذج الآتي:
روى شعبة بن الحجاج، عن سلمة بن كهيل، عن حجر أبي العنبس، عن علقمة بن وائل أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ:((غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقال: آمين، وخفض بها صوته)) (2)
قال أبو عيسى الترمذي: ((وسمعت محمداً يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا؛ وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث: فقال: عن حجر أبي العنبس وانما هو حجر بن عنبس ويكنى أبا السكن. وزاد فيه: عن علقمة بن وائل وليس فيه عن علقمة، وانما هو عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر. وقال: وخفض بها صوته، وانما
(1) هدي الساري 390 وانظر تهذيب التهذيب 1/310 وما بعدها ونصب الراية 1/341 وما بعدها.
(2)
هذه الراوية ذكرها الترمذي 2/28 تعليقا ، ورواه موصولا من حديث سفيان عن سلمة برقم ((248)) ، وقد أخرجه الدارقطني 1/334 وقال:((كذا قال شعبة وأخفى بها صوته ويقال أنه وهم فيه لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة بن كهيل وغيرهما رووه عن سلمة فقالوا: رفع صوته بآمين وهو الصواب)) . وقال الحافظ في التلخيص 1/252 ((وقد رجحت رواية سفيان بمتابعة اثنين له بخلاف شعبة فلذلك جزم النقاد بأن روايته أصح)) وقد أخرجه أحمد 4/316 ، والدار مي 1/284 ، وأبو داود (932) ، والنسائي 2/245 ، والبيهقي 2/57 ، والدارقطني 1/334 من طريق سفيان. وأخرجه ابن أبي شيبة 1/299 ، وأبو داود (933) ، والترمذي (249) من طريق العلاء بن صالح ، والطبراني 22/113 من طريق محمد بن سلمة؛ ثلاثتهم عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل ولفظ رواية سفيان ((يمد بها صوته)) وعند أبي داود والطبراني ((يرفع بها صوته)) ولفظ العلاء بن صالح ((فجهر بآمين)) . وقد صححه ابن حجر في التلخيص 1/252.
هو: ومد بها صوته)) .
قال أبو عيسى: ((وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث فقال حديث سفيان في هذا أصح من حديث شعبة قال وروى العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل نحو رواية سفيان)) . ثم ساق الترمذي متابعة العلاء لسفيان (1) فهذا مثال الحديث المعل بالمعنى الاصطلاحي الخاص، وذلك لأن الذي ينظر الى رواية شعبة بن الحجاج رحمه الله لا يظن أن فيها علة لأنها رواية جاءت بسند متصل برواية الثقات المعروفين لا سيما وهو من رواية شعبة المعروف بالتشدد في رواية الأحاديث النبوية لكن عرفت علته بجمع الطرق والموازنة والنظر الدقيق في أسانيده ومتونه.
بعد هذا أذكر نموذجا آخر للحديث المعل بخطأ الراوي الضعيف، وهذا بناء على المعنى العام للعلة وهو النموذج الآتي:
روى ابن أبي ليلى (2) ، عن سلمة بن كهيل، عن حجية بن عدي، عن علي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:((آمين حين يفرغ من قراءة فاتحة الكتاب)) .
قال أبو حاتم الرازي: ((هذا خطأ عندي انما هو سلمة عن حجر أبي العنبس عن وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم)(3) .
فقد روى ابن أبي ليلى هذا الحديث ومحمد بن أبي ليلى ضعيف لسوء حفظه، وقد أخطأ في الاسناد وبين ابن أبي حاتم هذا الخطأ.
(1) برقم (249) .
(2)
هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي أبو عبد الرحمن ، صدوق سيء الحفظ جدا. تقريب التهذيب 2/184 ، تهذيب التهذيب 9/301.
(3)
علل الحديث ج1/93 رقم 251.