الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيره- أن الحديث اذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه -: أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك ما خالفه كائنا ما كان، لأنه من الممكن أن ينسى الراوي الحديث ولا يحضر وقت الفتيا، أو لا يفطن لدلالته على تلك المسألة، أو يتأول فيه تأويلا مرجوحا، أو يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضا في نفس الأمر، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه وأنه خالفه الأقوى منه)) (1) .
نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: تطهير الإناء من ولوغ الكلب
اختلف الفقهاء في عدد الغسلات التي يطهر بها الاناء من ولوغ الكلب على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء الى أنه يغسل سبع مرات، واختلفوا في اشتراط التتريب وعدمه. (2)
واستدلوا بحديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اذا شرب الكلب في اناء أحدكم فليغسله سبع مرات)) وفي رواية: ((اذا ولغ الكلب في اناء أحدكم فليرقه ثم يغسله سبع مرات)) وفي رواية: ((طهور اناء أحدكم اذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب)) (3) .
(1) اعلام الموقعين 3/53.
(2)
المغني 1/45، بداية المجتهد 1/22، المحلى 1/93-94، المجموع 2/586، مغني المحتاج 1/83.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (330) ، والحميدي (968) ، وأحمد 2/265، والبخاري 1/54 رقم (172) ، ومسلم 1/161 رقم (279) ، وابو داود 1/19 رقم (71) و (73) ، وابن ماجة 1/30 رقم (363) والترمذي 1/151 رقم (91) والنسائي 1/177، وابن خزيمة (96) . وهو في صحيفة همام (39) .
القول الثاني: ذهب الحنفية الى عدم اشتراط العدد في الغسل، وانما يغسل حتى يغلب على الظن نقاؤه من النجاسة، فيكون الفرض ثلاثة، والسبعة ندب (1) .
وقد اعترض الحنفية على استدلال الجمهور بأن أبا هريرة راوي الحديث أفتى بثلاث غسلات، فثبت النسخ (2) .
واستدل الحنفية على أن أبا هريرة كان يفتي بخلاف ما يروي بما رواه الطحاوي (3) والدارقطني (4) من طريق عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، عن عطاء، عن أبي هريرة - في الاناء يلغ فيه الكلب أو الهر- قال:((يغسل ثلاث مرات)) .
وهكذا رد الحنفية الرواية المرفوعة، عن أبي هريرة؛ لهذه الرواية الموقوفة عليه؛ لأن فتياه خالفت روايته.
والجواب على ذلك:
أن هذه رواية تفرد بها عبد الملك بن أبي سليمان ونص النقاد على أنه أخطأ بها، وقد خالفه الثقات بذلك.
فقد روى الدارقطني (5) من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -في الكلب يلغ في الاناء- قال:((يراق ويغسل سبع مرات)) . قال الدارقطني: صحيح موقوف (6) .
(1) الهداية 1/23.
(2)
شرح معاني الآثار 1/23، شرح فتح القدير 1/75-76
(3)
شرح معاني الآثار 1/23.
(4)
سنن الدارقطني 1/64.
(5)
سنن الدارقطني 1/66.
(6)
وهو كما قال. بل ان هذا السند من أصح الأسانيد. الباعث الحثيث ص24.
وهذه الرواية الصحيحة تؤيد المرفوع؛ مما يدل على خطأ عبد الملك بن أبي سليمان وعبد الملك، قال عنه الحافظ ابن حجر:((صدوق له أوهام)) (1)، وقال الامام أحمد:((ثقة يخطيء)) (2) .
وقد رجح الحافظ ابن حجر الرواية الموافقة للحديث المرفوع، فقال:((ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الاسناد ومن حيث النظر: أما النظر فظاهر وأما الاسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين عنه. وهذا من أصح الاسانيد، وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، وهو دون الأولى في القوة بكثير)) (3) .
وقال البيهقي: ((تفرد به عبد الملك من أصحاب عطاء ثم من أصحاب أبي هريرة، والحفاظ الثقات من أصحاب عطاء وأصحاب أبي هريرة يروون سبع مرات، وفي ذلك دلالة على خطأ رواية عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن أبي هريرة في الثلاث، وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف الثقات، لمخالفته أهل الحفظ والثقة في بعض روايته: تركه شعبة بن الحجاج، ولم يحتج به البخاري في صحيحه)) (4) . ومع كل هذا فان الحديث لم يتفرد به أبو هريرة، فقد جاء من حديث عبد الله بن مغفل (5) ومن حديث عبد الله بن عمر (6) ، وروي من حديث علي (7) .
(1) التقريب 1/519.
(2)
الخلاصة للخزرجي ص244.
(3)
فتح الباري 1/277.
(4)
نقله شارح الدارقطني 1/66، والمبار كفوري في التحفة 1/302.
(5)
أخرجه مسلم 1/162 رقم (280) ، وأبو داود 1/19 رقم (74) ، والنسائي 1/177.
(6)
أخرجه ابن ماجه 1/130 رقم (366) عن محمد بن يحيى، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: أنبأنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعا:((اذا ولغ الكلب في اناء أحدكم فليغسله سبع مرات)) وهذا اسناد صحيح، لكن قال الامام المزي في تحفة الأشراف 6/108 عقيب (7735) :((وقع في بعض النسخ: (عبيد الله) وهو وهم)) . والذي ثبته المزي: عبد الله بن عمر وهو ضعيف؛ فيكون الاسناد على ما ثبته المزي ضعيفا.
(7)
عند الدارقطني 1/65 وسنده ضعيف لضعف الجارود بن أبي يزيد. الميزان 1/384.