الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوا عصرا ما دون سائر الأعصار، فالاختلاف بين كل عصر موجود، ولا سبيل الى وجود مسألة اتفق عليها أهل عصرها (1) .
سادسا: واذا أردنا أن نعتمد على عمل أهل المدينة فنسأل ونقول: هل اختلف اهل المدينة ام لم يختلفوا؟ فان قالوا: لم يختلفوا ردهم الموطأ، حيث أن فيه مسائل اختلف أهل المدينة فيها، وان قالوا: اختلفوا، قيل لهم: فما الذي جعل اتباع عمل أهل المدينة بعضهم أولى من بعض، وقد أبطل الله كل عمل عند الاختلاف الا الرد الى كتاب الله وسنة نبيه)) (2) .
نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم خيار المجلس
اذا تم العقد بين المتبايعين ولم يتفرقا ولم يختارا لزوم العقد، فهل يعتبر العقد لازما بمجرد تمامه أو أن كلا من المتعاقدين له خيار فسخ العقد ما داما في المجلس؟
حصل خلاف في ذلك بين الفقهاء على مذهبين:
المذهب الأول: ذهب فريق من الفقهاء الى القول بعدم ثبوت خيار المجلس، وقالوا: يلزم العقد بالايجاب والقبول، الا اذا اشترطا أو احدهما الخيار.
(1) هذا من ابن حزم مبني على مذهبه القائل: بأن الاجماع بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم غير ممكن، وهذه قضية مخالفة لما عليه جمهور العلماء. الأحكام لابن حزم 4/506، والتبصرة ص359. وقول ابن حزم هذا هو احدى الروايتين عن أحمد بن حنبل. أنظر الأحكام للآمدي 1/328. وقال الشوكاني في ارشاد الفحول ص82:((انه ظاهر كلام ابن حبان)) . وانظر ميزان الأصول 2/772
(2)
الاحكام في أصول الأحكام 2/98-110.
والى ذلك ذهب أبو حنيفة، ومالك، وأكثر الزيدية.
المذهب الثاني: وذهب فريق من الفقهاء الى القول بثبوت خيار المجلس للمتعاقدين في عقود البيع، وعليه فاذا تبايع شخصان وقع العقد جائزا، ولكل واحد منهما فسخه ما لم يفارق مجلس العقد أو يختار اللزوم.
وبذلك قال جمهور أهل العلم، واليه ذهب الشافعي، وأحمد، والظاهرية، والامامية، وبعض الزيدية (1) .
حجة الجمهور:
استدلوا بما صح عن حكيم بن حزام، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فان صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وان كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)) (2) .
وجه الدلالة: ان هذا الحديث مصرح بأن العقد بين المتبايعين لا يلزم ما لم يتفرقا عن مكان العقد أو يختارا لزومه، وكل ما يطلق عليه في العرف تفرق يحصل به المقصود.
واعترض المالكية:
(1) مسائل من الفقه المقارن 2/10-11، المجموع 9/186، المغني 4/6، شرح فتح القدير 5/81، المحلى 8/351.
(2)
أخرجه الشافعي 2/154 و 155، والطيالسي (1316) ، وابن أبي شيبة 7/124، وأحمد 3/402 و 434، والدارمي (2550) و (2551) ؛ والبخاري 3/76 رقم (2079) و 3/83 رقم (2108) و 3/84 رقم (2110) ، ومسلم 5/10 رقم (1532) ، وأبو داود 3/273 رقم (3459) ، والترمذي 3/548 رقم (1246) ، والنسائي 7/244، والطبراني في الكبير (3115) الى (3119) ، والبيهقي 5/269، والبغوي (2051) .
بأن هذا الحديث مخالف لعمل أهل المدينة؛ وهو خبر آحاد فلا يؤخذ به (1) .
وأجيب على هذا:
بأن شرط قبول الآحاد موافقة عمل أهل المدينة شرط تفرد به المالكية لم يوافقهم الجمهور عليه. والصحيح أنه لا يشترط.
ثم أن المنقول عن جملة علماء المدينة العمل به كما قال به عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر وأبو هريرة، وسعيد بن المسيب، والزهري، وابن أبي ذئب، وهؤلاء كلهم من أهل المدينة (2) .
واعترض أيضا:
بأن الحديث محمول على ارادة التفرق بالأقوال وليس بالأبدان، وذلك فيما اذا قال البائع بعت وقال المشتري اشتريت فهنا قد تفرقا وانقطع الخيار، ثم ان الخيار هو الذي كان للبائع قبل أن يقول المشتري اشتريت (3) .
وأجيب: بأن هذا خلاف الظاهر، فان السابق الى الفهم التفرق من المكان، والمتبادر الى الذهن علامة الحقيقة على أن الحديث قد جاء بروايات تنفي أن يكون المراد منه غير ما ذهب اليه الجمهور.
وبيان ذلك فيما يأتي:
ما صح عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يختارا)) . قال: فكان ابن عمر اذا ابتاع بيعا وهو قاعد، قام ليجب له
(1) المنتقى 5/55، عارضة الأحوذي 6/5
(2)
المغني 4/61، فتح الباري 4/330.
(3)
مسائل من الفقه المقارن 2/18
البيع (1) .
وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، الا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)) (2) .
فهذه الأحاديث يتعذر حملها على غير ما ذهب اليه الجمهور.
واعترض الحنفية على هذا الحديث: بأن الحديث دار فيما تعم به البلوى، ولا يقبل خبر الآحاد فيما تعم به البلوى (3) .
وأجيب على هذا: بأن هذه شرائط للعمل بخبر الآحاد التزم بها الحنفية وقد خالفهم فيها الجمهور فهي لا تلزم على أن خيار المجلس ليس مما تعم به البلوى، لأن الذين يفسخون العقد بناء على خيار المجلس يعدون قلة بالنسبة لمن لا يفسخون (4) .
ثم أن الحنفية قد جعلوا للمشهور حكم المتواتر في هذه الأمور، والحديث مشهور باصطلاحهم، وبيان ذلك: أن المشهور عندهم هو ما لا يقل رواته عن ثلاثة في
(1) أخرجه مالك 2/201 رقم (1958) ، والطيالسي (1338) ، والحميدي (654) ، وأحمد 1/56 و 2/4، والبخاري 3/83 رقم (2107) و 3/84 رقم (2109) ، ومسلم 5/9 رقم (1531) ، وأبو داود 3/272 رقم (3454) و (3455) ، وابن ماجه 2/735 رقم (2181) ، والترمذي 3/547 رقم (1245) ، والنسائي 7/248.
(2)
أخرجه أحمد 2/183، وأبو داود 3/273 رقم (3456) ، والترمذي 3/550 رقم (1247)، والنسائي 7/251. وقال الترمذي:(هذا حديث حسن) . وانظر تحفة الأشراف 6/336 حديث (8797) .
(3)
بدائع الصنائع 5/228، شرح فتح القدير 5/81، المغني 4/6
(4)
مسائل من الفقه المقارن 2/16.
كل طبقة من طبقات اسناده. وهذا الحديث قد رواه من الصحابة: حكيم بن حزام، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسمرة، وأبو برزة الأسلمي، وابن عباس، وجابر (1) .
فهذه طرق كثيرة ربما بلغت حد التواتر عند بعض أهل العلم فهو على أقل تقدير مشهور في اصطلاح الحنفية، وللمشهور عندهم حكم المتواتر من حيث أنه يجوز أن يزاد به على الكتاب ويقبل فيما تعم به البلوى (2) .
واستدل الحنفية والمالكية على عدم ثبوت خيار المجلس بما يأتي:
أولا: قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم)) (3) .
وجه الدلالة: ان هذه الآية أباحت على وجه الاطلاق التصرف بما يحصل عليه كل من المتعاقدين لمجرد حصول التراضي، واذا تم الايجاب والقبول بالقول فقد تراضيا، وهي مطلقة حيث أنها لم تشترط التفرق بالأبدان (4) .
ثانيا: قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)) (5) .
وجه الدلالة: ان الشارع قد أمر بالوفاء بالعقود، والعقد بعد تمام الايجاب والقبول وقبل التفرق من المجلس أو التخيير يسمى عقدا، فيدخل في عموم هذه الآية من حيث وجوب الوفاء به، والقول بغير ذلك ابطال للنص
وأجيب عن ذلك:
(1) نصب الراية 4/1 وما بعدها، التلخيص الحبير 3/20.
(2)
مسائل من الفقه المقارن 2/17.
(3)
سورة النساء الآية 39.
(4)
أحكام القرآن لابن العربي 1/409.
(5)
سورة المائدة الآية 1.