الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاستئذان مناف للاجبار.
أما التفريق في الحديث بين البكر، والثيب؛ فذلك لأن الثيب تخطب الى نفسها فتأمر وليها بتزويجها، والبكر تخطب الى وليها فيستأذنها (1)
المبحث الرابع: اعلال السند بسبب انكار الأصل رواية الفرع
اذا أنكر الأصل رواية الفرع انكار متوقف فقد اختلف العلماء في ذلك:
فذهب الجمهور الى: أن هذا لا يضر الراوية ولا يوهنها. ولكن بعض أهل العلم رأوا ان ذلك علة تبطل الراوية (2) .
قال الخطيب: ((وقد اختلف الناس في العمل بمثل هذا وشبهه: فقال أهل الحديث وعامة الفقهاء- من أصحاب مالك والشافعي وغيرهما- وجمهور المتكلمين: أن العمل به واجب اذا كان سامعه حافظا والناس له بعد روايته عدلا، وهو القول الصحيح. وزعم المتأخرون من أصحاب أبي حنيفة: أنه لا يجب قبول الخبر على هذا السبيل ولا العمل، قالوا: ولهذا لزم اطراح حديث الزهري في المرأة تنكح بغير اذن وليها)) (3) .
وقال ابن الصلاح: ((ومن روى حديثا ثم نسيه لم يكن ذلك مسقطا للعمل به عند جمهور أهل الحديث وجمهور الفقهاء والمتكلمين؛ خلافا لقوم من أصحاب أبي
(1) فقه الامام سعيد 3/203.
(2)
فتح المغيث 1/316، المغني في أصول الفقه ص214، شرح النووي على صحيح مسلم 2/231.
(3)
الكفاية ص380.
حنيفة صاروا الى اسقاطه لذلك)) (1) .
وقال ابن عبد البر: ((العدل اذا روى خبرا عن عدل مثله حتى يتصل، لم يضر الحديث أن ينساه أحدهم لأن الحجة حفظ من حفظ وليس النسيان بحجة)) (2)
فقد تبين لنا أن الجمهور على قبول رواية الراوي اذا نساها بعد أن حدث بها، والحنفية على خلاف ذلك، والحديث الذي رده الحنفية هو حديث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، قال: أخبرني سليمان بن موسى، أن ابن شهاب أخبره: أن عروة بن الزبير أخبره، أن عائشة أخبرته، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، ولها مهرها بما أصاب منها، فان اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)) . (3)
وقد أعل هذا الحديث بما رواه الحاكم (4) باسناده عن أبي حاتم: محمد بن ادريس الرازي، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول - وذكر عنده أن ابن علية يذكر
(1) علوم الحديث ص105. وأنظر التقييد والايضاح ص154، وقواعد في علوم الحديث ص201، وأسباب اختلاف الفقهاء للدكتور عبد الله التركي ص98، شرح السنة 9/39
(2)
التمهيد 2/142.
(3)
أخرجه الشافعي في الأم 5/13، والطيالسي (1463) ، وعبد الرزاق (10472) ، والحميدي (228) ، وابن أبي شيبة 4/128، وأحمد 6/47 و 66 و 165 و 260، والدارمي (2190) ، وأبو داود 2/229 رقم (2083) و (2084) ، وابن ماجه 1/605 رقم (1879) ، والترمذي 3/407 رقم (1102) ، وابن الجارود (700) ، والطحاوي في شرح المعاني 3/7، وابن حبان (7074) ، والدارقطني 3/221، والحاكم 2/168، والبيهقي 7/105، و 106 و 124 و 125 و 138، وابن حزم في المحلى 9/451، والبغوي (2262) كلهم من طريق عبد الملك بن عبد العزيز، بهذا الاسناد.
(4)
المستدرك 2/169.
حديث ابن جريج في: ((لا نكاح الا بولي)) قال ابن جريج: فلقيت الزهري فسألته عنه؟ فلم يعرفه، وأثنى على سليمان بن موسى، قال أحمد بن حنبل -: ان ابن جريج له كتب مدونة، وليس في كتبه ((يعني: حكاية ابن علية عن ابن جريج) . وقال الحاكم: ((سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت العباس ابن محمد الدوري يقول: سمعت يحيى بن معين يقول - في حديث لا نكاح الا بولي الذي يرويه ابن جريج، فقلت له: ان ابن علية يقول: قال ابن جريج فسألت عنه الزهري؟ فقال: لست احفظه، فقال يحيى ليس يقول هذا الا ابن علية، وانما عرض ابن علية كتب ابن جريج على عبد المجيد بن عبد العزيز بن رواد فأصلحها له ولكن لم يبذل نفسه للحديث)) .
وقال الامام الترمذي: ((وقد تكلم بعض أصحاب الحديث في حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن جريج: ثم لقيت الزهري، فسألته فأنكره، فضعفوا هذا الحديث من أجل هذا)) (1)
وما نقله الحاكم عن الامامين الكبيرين: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين يدل على أن هذه ليست علة تعل بها الأحاديث؛ لأن الثقة مهما بلغ حفظه قد ينسى بعض ما يرويه، ولا يكون ذلك قادحا في صحة ما رواه، وللخطيب البغدادي في ذلك كتاب:((من حدث فنسي)) . ورحم الله الحاكم حيث قال: ((فقد صح وثبت بروايات الأئمة الأثبات سماع الرواة بعضهم من بعض فلا تعل هذه الروايات بحديث ابن علية وسؤاله ابن جريج عنه وقوله: اني سألت الزهري عنه فلم يعرفه؛ فقد ينسى الثقة الحافظ بعد أن
(1) جامع الترمذي 3/410 عقيب (1102) . وأنظر نصب الراية 3/185، والمحلى 9/452، وشرح معاني الآثار 3/7، وتلخيص الحبير 3/180، وسبل السلام 3/16، وشرح السنة 9/39.
حدث به، وقد فعله غير واحد من حفاظ الحديث)) (1)
وقد أجاب ابن حبان على ذلك بما لا مزيد عليه فقد قال: (هذا خبروهم من لم يحكم صناعة الحديث أنه منقطع أو لا أصل له بحكاية حكاها ابن علية، عن ابن جريج في عقب هذا الخبر قال: (ثم لقيت الزهري فذكرت له ذلك فلم يعرفه وليس هذا مما يهي الخبر بمثله، وذلك أن الخَيِّر الناقل المتقن الضابط من أهل العلم قد يحدث بالحديث ثم ينساه، واذا سئل عنه لم يعرفه، فليس نسيانه الشيء الذي حدث به بدال على بطلان أصل الخبر؛ والمصطفى خير البشر صلى فسها فقيل له: يارسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: كل ذلك لم يكن؛ فلما جاز على من اصطفاه الله لرسالته وعصمه من بين خلقه النسيان في أعم أمور المسلمين الذي هو الصلاة حتى نسي فلما استثبتوه أنكر ذلك، ولم يكن نسيانه بدال على بطلان الحكم الذي نسيه؛ كان من بعد المصطفى من أمته الذين لم يكونوا معصومين جواز النسيان عليهم أجوز ولا يجوز مع وجوده ان يكون فيه الدليل على بطلان الشيء الذي صح عنهم قبل نسيانهم ذلك)) (2) . وخلاصة القول: أن العلة زائلة والحديث على أقل أحواله يكون حسنا لذاته. وقال الحافظ: ((أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه أبو عوانة وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم)) (3) . وقد اجاد ابن حزم في دفاعه عن الحديث (4) .
(1) المستدرك 2/168.
(2)
الاحسان 9/385-386، ونقله عنه الزيلعي 3/185 بتصرف.
(3)
فتح الباري 9/194.
(4)
المحلى 9/451-459. وأنظر الأم 5/12-13، والتعلق المغني 3/219- 223، نيل الأوطار 6/249-251، والسنن الكبرى 7/105-113، ونصب الراية 3/185، وتلخيص الحبير 3/179-180، وسبل السلام 3/116-117.