المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس: ما تزول به العلة - أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء

[ماهر الفحل]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: ماهية العلة وقضايا أخرى تتعلق بها

- ‌المبحث الأول: تعريف العلة

- ‌ المطلب الأول: تعريف العلة لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف العلة اصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: نموذج تطبيقي للعلة

- ‌المبحث الثالث: أسباب العلة

- ‌المبحث الرابع: أقسام العلة باعتبار محلها وقدحها

- ‌المبحث الخامس: ما تزول به العلة

- ‌المبحث السادس: أهمية علل الحديث

- ‌الفصل الثاني: علل السند

- ‌تمهيد: تعريف الإسناد وأهميته

- ‌أولا: تعريف الإسناد

- ‌ثانيا: أهمية الاسناد

- ‌المبحث الاول: اعلال السند بالانقطاع

- ‌النوع الأول من أنواع الانقطاع: التعليق

- ‌حديث هشام بن عمار في المعازف وأثره في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر حديث هشام بن عمار في اختلاف الفقهاء: حكم الغناء وحكم بيع آلات الغناء

- ‌النوع الثاني من أنواع الانقطاع: الارسال بمعناه الواسع

- ‌الصورة الأولى: الانقطاع الظاهر

- ‌مثال للمنقطع وأثره في اختلاف الفقهاء: العدد الذي تنعقد به صلاة الجمعة

- ‌أثره في اختلاف الفقهاء: حكم أكل الصيد للمحرم

- ‌الصورة الثانية: التدليس

- ‌أثر التدليس في اختلاف الفقهاء: حكم تغميض العينين في الصلاة

- ‌أثر حديث محمد بن اسحاق في اختلاف الفقهاء

- ‌الصورة الثالثة: الارسال الخفي

- ‌أثر حديث فاطمة في اختلاف الفقهاء: وقت الرضاع المحرم

- ‌الصورة الرابعة: الارسال بالمعنى الخاص

- ‌أثر المرسل في اختلاف الفقهاء: الأرض الصلبة إذا أصابتها نجاسة مائعة

- ‌حكم زكاة مال الصبي والمجنون

- ‌النوع الثالث من انواع المنقطع: المعضل

- ‌نموذج لأثر المعضل في اختلاف الفقهاء: حكم من جامع زوجته وهي حائض

- ‌النوع الرابع من أنواع الانقطاع: الاختلاف في سماع الراوي

- ‌أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: حكم المسح على العمامة

- ‌النوع الخامس من انواع الانقطاع: الاختلاف في سماع مخصوص

- ‌أثره في اختلاف الفقهاء: متى يعتق المكاتب

- ‌المبحث الثاني: اعلال السند بسبب تضعيف الراوي

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: اعلال السند بسبب الطعن في عدالة الراوي

- ‌الفرع الأول: كذب الراوي أو اتهامه بالكذب

- ‌مثال لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم التطهر بالماء المستعمل في رفع الحدث

- ‌مثال آخر: حكم الماء المشمس

- ‌الفرع الثاني: جهالة الراوي أو كونه مبهما

- ‌الفقرة الأولى: جهالة الراوي

- ‌نموذج لحديث المجهول وأثره في اختلاف الفقهاء: حكم الوضوء بالنبيذ

- ‌الفقرة الثانية: ابهام الصحابي

- ‌نموذج للحديث الذي أبهم فيه اسم الصحابي وأثره في اختلاف الفقهاء: الشهادة على هلال الفطر من رمضان

- ‌نموذج آخر: هل يقضى بالسلب للقاتل

- ‌الفرع الثالث: كون الراوي مبتدعا

- ‌أقسام البدعة:

- ‌نموذج لأثر رواية المبتدع في خلاف الفقهاء: امامة الجالس

- ‌المطلب الثاني: اعلال السند بسبب الطعن في ضبط الراوي

- ‌الفرع الأول: سوء حفظ الراوي

- ‌أثره في اختلاف الفقهاء: حكم ميتة السمك

- ‌الفرع الثاني: اختلاط الراوي

- ‌نموذج يبين أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم سؤر البهائم

- ‌الفرع الثالث: قبول الراوي التلقين

- ‌أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: حكم رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه

- ‌المطلب الثالث: حكم المختلف في توثيقه وتجريحه من الرواة

- ‌نموذج لحديث فيه راو من هذا النوع وأثره في اختلاف الفقهاء: كيفية قضاء رمضان

- ‌أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: حكم الجهر بآمين

- ‌المبحث الثالث: اعلال السند بسبب التفرد

- ‌نموذج للتفرد وأثره في اختلاف الفقهاء: حكم الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌نموذج آخر: الولي المجبر

- ‌المبحث الرابع: اعلال السند بسبب انكار الأصل رواية الفرع

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء: الولاية في الزواج

- ‌الفصل الثالث: علل المتن

- ‌المبحث الأول: الاعلال بالتعارض

- ‌المطلب الأول: معارضة الحديث لظاهر القرآن الكريم

- ‌نموذج لذلك: القضاء بالشاهد الواحد واليمين

- ‌المطلب الثاني: التعارض بين حديثين

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء

- ‌نموذج آخر: حكم الصوم بعد النصف من شعبان الى رمضان

- ‌المبحث الثاني: الاعلال بالشك

- ‌نموذج لهذا وأثره في اختلاف الفقهاء

- ‌المبحث الثالث: اعلال خبر الآحاد بكونه مما تعم به البلوى

- ‌أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: نقض الوضوء بمس الذكر

- ‌المبحث الرابع: اعلال خبر الآحاد بمخالفة فتيا الصحابي الذي يرويه

- ‌نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: تطهير الإناء من ولوغ الكلب

- ‌المبحث الخامس: اعلال خبر الآحاد بمخالفته القياس

- ‌نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم رد الشاة المصراة

- ‌المبحث السادس: اعلال خبر الآحاد بمخالفة اجماع أهل المدينة

- ‌نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم خيار المجلس

- ‌المبحث السابع: اعلال خبر الآحاد بمخالفة القواعد العامة

- ‌نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم صوم من أكل أو شرب ناسيا

- ‌الفصل الرابع: العلل المشتركة

- ‌المبحث الأول: اعلال السند بالاضطراب والاختلاف

- ‌تمهيد

- ‌أين يقع الاضطراب

- ‌حكم الحديث المضطرب

- ‌أنواع الاضطراب في الاسناد:

- ‌المطلب الأول: الاضطراب في الاسناد

- ‌الفرع الأول: تعارض الوصل والارسال

- ‌نماذج لأثر تعارض الوصل والارسال: في اختلاف الفقهاء

- ‌النموذج الأول

- ‌النموذج الثاني

- ‌أثر ذلك في اختلاف الفقهاء

- ‌الفرع الثاني: تعارض الوقف والرفع

- ‌نموذج لهذه الصورة

- ‌نموذج لأثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء: صفة حج القارن

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء: أول وقت العشاء

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء: تبييت النية في الصوم المتعلق بزمن بعينه

- ‌أثره في اختلاف الفقهاء: حكم البول قائما

- ‌أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: حكم التطهر بفضل الطهور

- ‌الفرع الثالث: تعارض الاتصال والانقطاع

- ‌أثره في اختلاف الفقهاء: حكم قصر الصلاة الرباعية في السفر

- ‌أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: أثر القتل في الارث

- ‌الفرع الرابع: زيادة رجل في أحد الأسانيد

- ‌أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء: حد العورة

- ‌الفرع الخامس: الاختلاف في اسم الراوي ونسبه

- ‌أثره في اختلاف الفقهاء: مقدار الواجب من البر في زكاة الفطر

- ‌المطلب الثاني: الاضطراب في المتن

- ‌أثر الحديث في اختلاف الفقهاء: حكم الماء اذا خالطته نجاسة

- ‌المبحث الثاني: الاعلال بالزيادة

- ‌حكم زيادة الثقة:

- ‌نموذج لذلك وأثره في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: ما يجوز به التيمم

- ‌أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: حكم قراءة المأموم خلف الامام

- ‌أثر ذلك في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء: موضع اليدين عند القيام في الصلاة

- ‌المبحث الثالث: الاعلال بالشذوذ

- ‌شروط الشاذ:

- ‌أنواع الشذوذ:

- ‌نموذج للشذوذ في المتن وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: التشهد في سجود السهو

- ‌أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: الاشتراك في الهدي

- ‌نموذج للشذوذ في السند والمتن: وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء

- ‌أثر ذلك في اختلاف الفقهاء: راتبة المغرب القبلية

- ‌المبحث الرابع: الاعلال بالادراج

- ‌تعريف المدرج:

- ‌أنواع الادراج:

- ‌نموذج لما أدرج في آخر المتن وأثره في اختلاف الفقهاء

- ‌أثره في اختلاف الفقهاء: حكم التشهد والسلام

- ‌أثره في اختلاف الفقهاء: حكم القراءة خلف الامام

- ‌نموذج للاعلال بالخطأ وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء

- ‌أثره في اختلاف الفقهاء: حكم من تقيأ عامداً وهو صائم

- ‌نموذج للاعلال بالقلب وثر ذلك في اختلاف الفقهاء

- ‌نموذج للاعلال بالتصحيف والتحريف

- ‌الخاتمة في خلاصة نتائج البحث

- ‌ملحق في تراجم الأعلام

- ‌فهرس المصادر

الفصل: ‌المبحث الخامس: ما تزول به العلة

بالحمد لله رب العالمين)) أنهم كانوا لا يبسملون فرواه على فهم وأخطأ فيه؛ لأن معناه أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة، وليس فيها تعرض لذكر البسملة (1)

‌المبحث الخامس: ما تزول به العلة

أشرت فيما سبق الى أن العلة ظاهرة وخفية:

فالعلة الظاهرة قد تزول بالمتابعات (2) والشواهد (3) ، ويكون ذلك بالاعتبار (4) وسبر الطرق، وقد تزول العلة بتلقي أهل العلم للحديث فيقبل الحديث ويزول أثر العلة. أما العلل الخفية فلا تزول، وهي على نوعين:

أحدهما: - ما سببه المخالفة، فالراجحة محفوظة أو معروفة والمرجوحة شاذة أو

(1) علوم الحديث للحاكم ص83 ، النكت 2/748 ، الباعث الحثيث ص67 ، مقدمة علل الدارقطني 1/42 ، مقدمة البحر الزخار 1/20.

(2)

المتابع: هو الحديث المشارك لحديث آخر في اللفظ والمعنى مع الاتحاد في الصحابي فان كانت المشاركة من أول السند تسمى متابعة تامة وان كانت المشاركة لا من أول السند تسمى متابعة قاصرة ، أنظر ضوء القمر ص39 ، وقارن باختصار علوم الحديث ص59 والخلاصة 57-58 والنكت 2/682.

(3)

الشاهد: هو الحديث المشارك لحديث آخر في اللفظ والمعنى مع عدم الاتحاد في الصحابي أنظر ضوء القمر ص39 ، وقارن باختصار علوم الحديث ص59 والخلاصة 57-58 والنكت 2/682.

(4)

الاعتبار: هو أن يعمد الناقد الى حديث بعض الرواة فيعتبره بروايات غيره من الرواة بسبر طرق الحديث وذلك بالتتبع والاختبار والنظر في المسانيد والجوامع والمعاجم وغيرها ليعلم هل هنالك للحديث متابع أو شاهد أم لا. تدريب الراوي 1/202 ، ضوء القمر ص39.

ص: 34

منكرة.

وثانيهما: أحاديث أعلت باسباب أخرى غير المخالفة: كمعارضة القرآن، أو نص صحيح متواتر أو تأريخ مجمع عليه فهذه لا تزول (1) ، ويبقى الحديث معلا.

فالعلل الظاهرة وهي التي سببها انقطاع في السند، أو ضعف في الراوي، أو تدليس، أو اختلاط تتفاوت ما بين الضعف الشديد والضعف اليسير، فما كان يسيرا زال بمجيئه من طريق آخر مثله أو أحسن منه، وما كان ضعفه شديدا فلا تنفعه كثرة الطرق، وبيان ذلك: أن ما كان ضعفه بسوء الحفظ أو اختلاط أو تدليس أو انقطاع يسير، فالضعف هنا يزول بالمتابعات والطرق، وما كان انقطاعه شديدا أو قدح في عدالة الراوي فلا يزول، قال الحافظ ابن الصلاح رحمه الله تعالى (2) :((لعل الباحث الفهم يقول انا نجد أحاديث محكوما بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل: ((الأذنان من الرأس)) (3) ونحوه، فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن، لأن بعض ذلك عضد بعضه بعضا كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفا؟ وجواب ذلك: أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت فمنه ما يزيله ذلك؛ بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه ولم يختل فيه ضبطه له، وكذلك اذا كان ضعفه من حيث الارسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله امام حافظ؛ اذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر، ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد الجابر عن جبره ومقاومته ذلك كالضعف الذي

(1) كما في حديث الوضوء بالنبيذ عند الترمذي ج1/147 حديث ((88)) .

(2)

علوم الحديث ص30.

(3)

بل هو قوي ، أخرجه أحمد 5/268 ، وابن ماجه (444) ، والدارقطني 1/103 وذكر طرقه الزيلعي في نصب الراية 1/18 ، وقد جمع الحافظ ابن حجر طرقه وأشار الى تقويته معقبا على تضعيف ابن الصلاح للحديث. النكت 1/410-415.

ص: 35

ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا، وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فانه من النفائس العزيزة)) .

وقال الحافظ ابن كثير (1) : ((لا يلزم من ورود الحديث من وجوه متعددة أن يكون حسنا؛ لأن الضعف يتفاوت: فمنه ما لا يزول بالمتابعات، ومنه ضعف يزول بالمتابعة، كما اذا كان راويه سيئ الحفظ أو روى الحديث مرسلا فان المتابعة تنفع حينئذ فيرفع الحديث عن حضيض الضعف الى أوج الحسن أو الصحة)) .

من هذا يتبين لنا أن الأحاديث الشديدة الضعف اذا كثرت وتعددت تبقى ضعيفة ولا ترتقي الى درجة القبول.

وقد ذكر السيوطي عن الحافظ ابن حجر أن شديد الضعف بكثرة الطرق ربما يرتقي بمجموع طرقه عن كونه منكرا أو لا أصل له الى درجة المستور السيء الحفظ (2) .

وقد مشى الحافظ ابن حجر رحمه الله على هذه القاعدة في بعض تحقيقاته لبعض الأحاديث كما صنع في قصة الغرانيق (3) حيث قال (4) : (وكلها سوى طريق سعيد بن جبير اما ضعيف واما منقطع ولكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا)) .

(1) اختصار علوم الحديث ص40.

(2)

تدريب الراوي 1/177.

(3)

قال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على جامع الترمذي 2/465: ((وهي قصة باطلة مردودة كما قال القاضي عياض والنووي رحمه الله وقد جاءت باسانيد باطلة ضعيفة أو مرسلة ليس لها اسناد متصل صحيح وقد أشار الحافظ في الفتح الى أسانيدها ولكنه حاول أن يدعي ان للقصة أصلا لتعدد طرقها وان كانت مرسلة أو واهية وقد أخطأ في ذلك خطأ لا نرضاه له ولكل عالم زلة وعفا الله عنه)) .

(4)

فتح الباري 8/354-355.

ص: 36

وقد أصل السيوطي لها فقال في ألفيته (1) :

ضعفا لسوء الحفظ أو ارسال أو......تدليس أو جهالة اذا رأوا

مجيئه من جهة أخرى وما......كان لفسق أو يرى متهما

يرقى عن الانكار بالتعدد......بل ربما يصير كالذي بدي

وقد تعقب العلامة أحمد شاكر هذا بقوله (2) : (وأما اذا كان ضعف الحديث لفسق الراوي أو اتهامه بالكذب ثم جاء من طرق اخرى من هذا النوع فانه لا يرقى الى الحسن بل يزداد ضعفا الى ضعف، اذ أن تفرد المتهمين بالكذب أو المجروحين في عدالتهم بحديث لا يرويه غيرهم يرجح عند الباحث المحقق التهمة ويؤيد ضعف رواياتهم، وبذلك يتبين خطأ المؤلف وخطؤه في كثير من كتبه (3) في الحكم على أحاديث ضعاف بالترقي الى الحسن مع هذه العلة القوية) .

وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه، فان الضعفاء قد يسرق بعضهم من بعض ويشتهرعندهم فقط، ولا نجده في روايات الثقات الأثبات مما لا يزيد الضعيف الا ضعفا على ضعف.

(1) ألفية الحديث للسيوطي بشرح أحمد شاكر ص15.

(2)

شرح الألفية ص15. وله نحوه في الباعث الحثيث ص40 فأنظره فإنه من النفائس.

(3)

كدفاعه عن كثير من الأحاديث الواهية في اللآليء المصنوعة لكثرة طرقها الواهية ، أنظر على سبيل المثال ج1/4 و 11 و 12 و 15 و 18 و 24 و 31 و 34 و 43 وغيرها. وكما يعلم ذلك من تسويده كتابه الجامع الصغير بالأحاديث الضعيفة والواهية وتقويتها. أنظر انتقاد المناوي عليه في فيض القدير ج1 الأرقام الآتية 53 و 62 و 202 و 231 و 486 و 507 و 581 و 668 و 696 و 728 و 840 و 847 و 871 و 919 و 924 و 926 و 934 و 950 و 960 و 1006 و 1017 و 1018 و 1032 و 1060 و 1071 وغيرها أضعافا كثيرة.

ص: 37

وقال ابن جماعة (1) : (والضعف لكذب راويه وفسقه فلا ينجبر بتعدد طرقه) .

وقال الجرجاني (2) : (وأما الضعيف لكذب راويه وفسقه لا ينجبر بتعدد طرقه كما في حديث: ((طلب العلم فريضة)) (3) قال البيهقي: هذا حديث مشهور بين الناس واسناده ضعيف وقد روي من أوجه كثيرة كلها ضعيفة) .

أما تلقي العلماء لحديث بالقبول فهو من الأمور التي تزول به العلة وتخرج الحديث من حيز الرد الى العمل بمقتضاه، بل ذهب بعض العلماء الى أن له حكم الصحة؛ قال الحافظ ابن حجر (4) :((وجزم القاضي أبو نصر عبد الوهاب المالكي في كتاب الملخص بالصحة فيما اذا تلقوه بالقبول)) .

وقال ابن عبد البر (5) في الاستذكار -لما حكى عن الترمذي أن البخاري صحح حديث البحر: ((هو الطهور ماؤه)) (6) -: وأهل الحديث لا يصححون مثل اسناده لكن الحديث عندي صحيح لأن العلماء تلقوه بالقبول) .

(1) المنهل الروي ص37.

(2)

رسالة في علوم الحديث للجرجاني ص76.

(3)

بل هو حسن كما نص عليه المزي فيما نقله السخاوي في المقاصد ص424. وقد جمع السيوطي طرقه في جزء لطيف بلغت خمسين طريقا.

(4)

النكت 1/373.

(5)

تدريب الراوي 1/67 أوجز المسالك 1/72 وهي في التمهيد 5/218 و 219 ولم اجد هذا النص في الاستذكار.

(6)

سيأتي تخريجه.

ص: 38

وفي التمهيد (1)(روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: الدينار أربع وعشرون قيراطا) .

قال ((وفي قبول جماعة من العلماء واجماع الناس على معناه غنى عن اسناده))

وقال الزركشي (2) : ((ان الحديث الضعيف اذا تلقته الأمة بالقبول عمل به على الصحيح حتى أنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع))

وعند الحنفية يعدون الضعيف اذا تلقاه العلماء بالقبول في حيز المتواتر كما نص عليه الجصاص (3) فقد قال عند الكلام على حديث: ((طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان)) (4) : ((وقد تقدم سنده وقد استعملت الأمة هذين الحديثين في نقصان العدة وان كان وروده من طريق الآحاد فصار في حيز المتواتر لأن ما تلقاه الناس بالقبول من أخبار الآحاد فهو عندنا في معنى المتواتر لما بيناه في مواقع)) .

والذي يبدو لي أن الشافعي رحمه الله تعالى هو أول من أشار الى تقوية الضعيف بتلقي العلماء فقد قال (5) : ((فاستدللنا بما وصفت من نقل عامة أهل المغازي عن

(1) ج 20 /145-146 ونقله عنه السيوطي في التدريب 1/67 والكاندهلوي في أوجز المسالك 1/72.

(2)

في نكته على ابن الصلاح 2/497 نقلا عن مناهج المحدثين 22.

(3)

احكام القرآن 1/386

(4)

أخرجه أبو داود (2189) ، والترمذي (1182) ، وابن ماجه (2080) والحاكم 2/502 ، والبيهقي 7/370 وفيه مظاهر بن أسلم المخزومي المدني ضعيف من السادسة كما في التقريب ج2/255.

(5)

الرسالة ص142.

ص: 39

النبي صلى الله عليه وسلم أن ((لا وصية لوارث)) (1) على أن المواريث ناسخة للوصية للوالدين والزوجة مع الخبر المنقطع واجماع العامة على القول به)) .

ثم ان الامام الشافعي قد أشار الى ذلك عند كلامه عن شروط قبول المرسل فقال: ((وكذلك ان وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم) .

وربما التمس الترمذي ذلك من كلام الشافعي فأخذ يقول في كثير من الأحاديث الضعيفة (2) الاسناد من حيث الصناعة الحديثية ((وعليه العمل عند أهل العلم)) مشيرا في ذلك -والله أعلم- الى تقوية الحديث عند أهل العلم لأن عملهم بمقتضاه يدل على اشتهار أصله عندهم. وقد يلتمس هذا من صنيع البخاري رحمه الله فقد قال في كتاب الوصايا من صحيحه (3) : ((ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية)) . وقد علق على ذلك الحافظ ابن حجر قائلا (4) : ((وكأن البخاري اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه، والا فلم تجر عادته أن يورد الضعيف في مقام الاحتجاج)) .

(1) يبدو أن الحديث لم يصل الى الشافعي الا بسند ضعيف والا فهو حديث صحيح ثابت متصل أخرجه الترمذي ((2121)) وقال: "حسن صحيح" ، وأخرجه النسائي 6/247 ، وقد بوب له البخاري في صحيحه 4/4

(2)

وكما في الاحاديث التالية:37 و54 و 113و 188و198 و 199و282 و288 و 345 و 359و 364 و 408 و 411 و 509 و 513 و 591 و 625 و 638 و 720 و 846 و 1117 و 1142 و 1182 و 1450 و 1460 و 1462 و 1467 و 2109 و 2112 و 2113 و 2122)) .

(3)

4/6 والحديث وصله أحمد رقم (595) ، والترمذي (2122) ، وابن ماجه (2715) وفيه الحارث الأعور كذبه الشعبي ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف كما في التقريب 1/141.

(4)

الفتح 5/377.

ص: 40

وقال ابن الوزير (1) : ((وقد احتج العلماء على صحة أحاديث بتلقي الأمة لها بالقبول)) وقال الحافظ ابن حجر (2) : (من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا أن يتفق العلماء على العمل بمدلول حديث، فانه يقبل حتى يجب العمل به، وقد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول، ومن أمثلته قول الشافعي رضي الله عنه: وما قلت من أنه اذا غير طعم الماء وريحه ولونه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله، ولكنه قول العامة لا أعلم بينهم خلافا. وقال في حديث: ((لا وصية لوارث)) لا يثبته أهل العلم بالحديث ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية)) .

أقول:

فالشافعي رحمه الله تعالى يشير بذلك الى حديث أبي سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) . أخرجه أحمد (3) ، وأبو داود (4) ، والترمذي (5) ، والنسائي (6) . وقد صححه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وابن حزم (7) .

وقد جاء هذا الحديث من طريق ضعيف عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((الماء لا ينجسه شيء الا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه)) (8) . فزيادة قوله: ((الا ما

(1) العواصم والقواصم 2/397.

(2)

النكت 1/494-495.

(3)

في مسنده 3/31 و 86.

(4)

في سنة (66) و (67) .

(5)

في جامعة (66) .

(6)

في المجتبى 1/174.

(7)

التلخيص الحبير 1/24.

(8)

أخرجه ابن ماجه (521) .

ص: 41

غلب على ريحه

الخ)) ضعيفة لأنها من طريق رشدين بن سعد (1) وهو رجل صالح لكن أدركته غفلة فخلط في حديثه

فالشافعي رحمه الله تعالى يشير الى هذه الزيادة، فهو قد احتج بها مع ضعفها؛ لأن الأمة تلقتها بالقبول: حيث لاخلاف بين العلماء أن الماء اذا غيرته النجاسة تنجس.

أما حديث الوصية فقد أشرت آنفا الى أنه ثابت ولم يصل للشافعي الا بطريق ضعيف.

وقال الكمال بن الهمام (2) : ((ومما يصحح الحديث أيضا: عمل العلماء على وفقه)) .

وقال السيوطي في التعقبات على الموضوعات (3) - بعد أن ذكر حديث حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر)) - أخرجه الترمذي وقال: العمل على هذا عند أهل العلم؛ فأشار بذلك الى أن الحديث أعتضد بقول أهل العلم، وقد صرح غير واحد بأن من دليل صحة الحديث قول أهل العلم به وان لم يكن له اسناد يعتمد على مثله)) .

واكتفي بما نقلته من نصوص عن الأئمة في هذه المسألة ولكن يبدو لي من كلام الامام الشافعي رحمه الله تعالى: أنه ينبغي التفريق بين الحكم بصحة الحديث وبين قبوله والعمل به؛ وذلك أن التصحيح على مقتضى الصناعة الحديثية شيء وقبول الحديث شيء آخر، فاذا وجد حديث مثل هذا فهو مقبول يعمل به لكنه لا يسمى

(1) قال الحافظ في التلخيص 1/26: (فيه رشدين بن سعد وهو متروك) .

(2)

فتح القدير 3/143.

(3)

ص12.

ص: 42